لعل التجربة العملية للإمام علي (عليه السلام) تكمن بالدرجة الأولى في علم الإدارة العامة، متجلياً ذلك في مواقفه، وعدد من رسائله إلى ولاته في الأمصار، وبالأخص عهده إلى مالك الأشتر (رضوان الله عليه). :كما برز الإمام (عليه السلام) في مجال علم الإدارة الشخصي عبر مقولاته الحكيمة، ودعواته في أن يحرك الإنسان كوامنه الذاتية ويثق بها، ومن ثم ينطلق بقدراته إبداعاً وعطاءً.
ونحن نلاحظ أن العديد من حِكم الإمام (عليه السلام) تندرج في إعادة صياغة الإنسان فكراً وسلوكاً ليكون قادراً على إدارة طاقاته ومواهبه بصورة ناجحة وذكية؛ لكي يتخطى الدنيا بنجاح، ويحرز الآخرة بجدارة[1].
ومن هذه المعايير (الاعمال الصالحة )، يقول (عليه السلام): (فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِيرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ)[2].
إذ يذكر الإمام (عليه السلام) أن واحدة من هذه المعايير التي يستدل بها على صلاح المسؤول والمتصدي هو تقييم الناس له عبر الحديث عنه وبيان أعماله الصالحة، ومن ثم انطباعات وتصورات الرأي العام وتقييم اداء المسؤول تمثل واحدة من المداخل التي عن طريقها يستدل على صلاح المسؤول ورشدة وحسن أداءه.
وقد أشار إليها القران الكريم في قوله تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [3].
وقوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [4], العمل الصالح يرفع الكلام الطيب ويعمل على ترسيخ العقائد السليمة في واقع الإنسان وقلبه. ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[5].
لذا نلاحظ الإمام (عليه السلام) يؤكد في هذا المقطع من العهد الشريف على العمل الصالح الذي يعد من الذخائر النفيسة للإنسان المتصدي وغيره, ونتيجة هذا العمل يتحقق الاحترام والتقدير والمحبة في قلوب الناس التي تحضي بتأييد من الله سبحانه وتعالى, وعبر حسن ظن الناس وتقييمها يكون قادرًا على النفوذ إلى قلوب الناس والسيطرة على عواطفهم من دون الحاجة إلى إظهار حالات التصنع والتظاهر بأمور معينة, ومن دون الحاجة الى المكر والخداع أو التخويف والترهيب واستخدام الأساليب المغرية, وتضيع أموال بيت المال لأجل استمالة قلوب الآخرين وضمانة السمعة الجيدة.
فمعيار الرأي العام في تقييم المسؤول هو العمل الصالح الذي يقوم به المتصدي فالحديث عنه بخير واحترامه ونعته بصفاته الواقعية يعد من العطايا الإلهية لا يحتاج إليها استخدام الطرق الملتوية , بل يكفي أن يكون هذا المسؤول واضحًا مع الناس في أداءه وسلوكياته وانطباعاته, يسمع ويتشاور معهم ويحترم أراءهم في الخطأ والصواب, وكل عمل صالح يقدمه للناس ويقربه إلى الله سبحانه وتعالى يندفع إليه بالاتجاه الصحيح.
المصدر: مؤسسة علوم نهج البلاغة - العتبة الحسينية المقدسة-------------------
الهوامش:
[1] نفحات الولاية شرح نهج البلاغة: ناصر مكارم الشيرازي: ج10 ص294
[2] نهج البلاغة: رسالة 53
[3] سورة الكهف: 110
[4][4] سورة فاطر 10
[5] سورة العصر : الآيات: 1,2,3,4