هناك مرتبة أسوأ من البذاءة والفحش في الكلام، وهي أن يبرر بذيء اللسان فعله، ويجد هذا الفعل طبيعيا أو أن الشخص الآخر مستحق لما يقال فيه. ويشير إلى هذا المعنى ما روي من موقف الامام الصادق عليه السلام من أحد أصحابه القريبين له.
فقد روي أنه كان للإمام الصادق عليه السلام صديق مقرب إلى حد أن تقول الرواية عنه؛ لا يكاد يفارقه " تقول الرواية " فقال هذا الرجل يوما لغلامه: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله عليه السلام يده فصك بها جبهة نفسه ثم قال: سبحان الله تقذف أمه قد كنت أرى أن لك ورَعًا، فإذا ليس لك ورع! فقال: جعلت فداك ان أمه سندية مشركة، فقال: أما عملت أن لكل أمة نكاحا؟ تنح عني.. قال الراوي: فما رأيته يمشى معه حتى فرق بينهما الموت. [1]
يعني أن الورع: ليس أن تمشي الهوينا وتتكلم بصوت خفيض أو تتماوت في حركات الصلاة. الورع: أن تمسك لسانك عن الفحش، ويدك عن الاعتداء، وقلبك عن الحقد. هذا هو الورع.
وبدل أن يقول ذلك الرجل للإمام إنني آسف، أستغفر الله من هذا الأمر. غلبني غضبي! وإنما كما يقول المثل: شين وقوي عين! أقبل يقول: "جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ إِنَّ أُمَّهُ سِنْدِيَّةٌ مُشْرِكَةٌ". هي إحدى المشركات، وإذا كان كذلك فهو ابن زنا! ما دامت لم تعقد نكاحها بالطريقة الموجودة لدى المسلمين! فقال عليه السلام: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ نِكَاحًا"، هذه امرأة تزوجها أبوه ضمن قانونهم. وهو وإن لم يكن متفقا مع قانون الاسلام، ولكنه النكاح الموجود عندهم، وإن "لِكُلِّ أُمَّةٍ نِكَاحًا. تَنَحَّ عَنِّي". أي لا ترافقني بعد هذا. قال الراوي: "فَمَا رَأَيْتُهُ يَمْشِي مَعَهُ حَتَّى فَرَّقَ الْمَوْتُ بَيْنَهُمَا".
هذا مثل أناس عندما يبدي الفحش بلسانه في حق شخص، فتعاتبه بأن هذا الكلام ليس مناسبا، يقول لك: "يستاهل". هذه الثانية أسوأ من الأولى ـ المسبة؛ لأنها تبرير للخطأ وكان ينبغي الاعتذار عنه لا تبريره.
أسفه السفهاء من يفتخر بالبذاءة
هناك نموذج أسوأ مما سبق، وهو من يفتخر بالبذاءة وفاحش القول، وهذا يسميه أمير المؤمنين علي عليه السلام فيقول عليه السلام: "أَسْفَهُ السُّفَهَاءِ الْمُتَبَجِّحُ بِفُحْشِ الْكَلَامِ"[2]. فهذا النموذج لا يكتفي ببذاءة اللسان وفحش القول، بل يخطو خطوة فوق ذلك، يفتخر بذلك، ويتبجح به. ويتباهى قائلا: "غسلته غسل، ما خليت ولا بقيت! مسحت بيه الأرض!!"، هذا يعبر عنه الإمام عليه السلام بأنه: "أَسْفَهُ السُّفَهَاءِ".
وقد تبدأ هذه العادة السيئة والآفة الممقوتة من الصغر حين يتعلمها الطفل من محيط العائلة التي يعيش فيها. ولذلك كانت التربية أمرًا مهمًا.
تقول إحدى النساء: مشكلتي مع زوجي، أنه إذا غضب لا يترك كلمة سيئة في قاموسه يعرفها إلا ويقولها لي، وأمام أطفالي أيضًا. ومنها ما فيه التهمة في العرض والشرف. يقول ذلك لي أنا زوجته، وأم أولاده، وهم يسمعون هذا الكلام!
(1) الكليني؛ محمد بن يعقوب: الكافي 2/ 324
(2) النوري؛ ميرزا حسين: مستدرك الوسائل 12/ 83
المصدر: الأمراض الاخلاقية: نظرة جديدة في عوامل السقوط