هل بين ’علماء الشيعة’ من ينكر مظلومية الزهراء (ع)؟

مركز الرصد العقائدي التابع للعتبة الحسينية المقدسة
زيارات:2497
مشاركة
A+ A A-

ما حقيقة ما يروج له البعض من أن الشيخ المفيد لم يؤكد ما جرى للزهراء عليها السلام من كسر الضلع وحرق الباب؟

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

مظلومية الزهراء (ع) وشهادتها من المسلمات عند الشيعة، ولم يختلف فيها اثنان من الشيعة، وهذه كتبهم تشهد بذلك، ولم يخالف في ذلك أحد من الشيعة حتى الشيخ المفيد، مع أنه عاش في عصر كثرت فيه الفتن والطائفيات، وكان رأس التشيع في العالم، ومثله يحاول مراعاة الظروف التي تحيطه، ولكننا مع ذلك نجد أنه يصدحَ بمظلوميتها سلام الله عليها في عدةٍ من كتبه ومؤلفاته.

نجد في كتبه أمثال الاختصاص والأمالي والجمل والمقنعة عدة روايات وتصريحات بمظلومية الزهراء وشهادتها وقتلها وإسقاط المحسن وضربها ولطم خدها وتناثر قرطها، والهجوم على الدار والتهديد بحرق الدار، و...".

حيث روى بسنده عن مروان بن عثمان قال: لما بايع الناس أبا بكر دخل علي عليه السلام والزبير و المقداد بيت فاطمة عليها السلام، وأبوا أن يخرجوا، فقال عمر بن الخطاب: أضرموا عليهم البيت نارا ... (الأمالي للمفيد ص49).

وقال أيضاً: ولما اجتمع من اجتمع في دار فاطمة من بني هاشم وغيرهم للتحيز عن أبي بكر وإظهار الخلاف أنفذ عمر بن الخطاب قنفذا وقال له اخرج من في البيت فإن خرجوا وإلا فاجمع الأحطاب على بابه واعلمهم أنهم إن لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم نارا.

ثم قام بنفسه في جماعة منهم المغير بن شعبة الثقفي وسالم مولى حذيفة حتى صاروا إلى باب علي فنادى يا فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أخرجي من اعتصم ببيتك ليبايع ويدخل فيما دخل فيه المسلمون وإلا والله أضرمت عليهم نارا في حديث مشهور . (الجمل للمفيد ص57).

روى بسنده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ..... قال: فدعا بكتاب فكتبه لها برد فدك، فقال: فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر فقال: يا بنت محمد ما هذا الكتاب الذي معك، فقالت: كتاب كتب لي أبو بكر برد فدك، فقال: هلميه إلي، فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله وكانت حاملة بابن اسمه المحسن فأسقطت المحسن من بطنها ثم لطمها فكأني أنظر إلى قرط في أذنها حين نقفت ثم أخذ الكتاب فخرقه فمضت ومكثت خمسة وسبعين يوما مريضة مما ضربها عمر، ثم قبضت. (الإختصاص للمفيد ص185).

وروى بسنده عن عبد الله بن بكر الأرجاني عن الإمام الصادق (ع): ... وقاتل أمير المؤمنين عليه السلام وقاتل فاطمة عليها السلام وقاتل المحسن وقاتل الحسن والحسين عليهم السلام. (الإختصاص ص344) .

فالشيخ المفيد يعتقد بأنّ القوم هجموا على دار الزهراء (ع) وهددوها بإحراق الدار، وضربوا الزهراء (ع) ورفسها الرجل وأسقط جنينها، وأنّ الزهراء خرجت من الدنيا مقتولة وهي وابنها المحسن، ويؤيده أيضاً:

ما ذكره في كتابه المقنعة هذه الزيارة: السلام عليك يا رسول الله، السلام على ابنتك الصديقة الطاهرة. السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله، السلام عليك أيتها البتول الشهيدة الطاهرة، لعن الله من ظلمك، ومنعك حقك، ودفعك عن إرثك، ولعن الله من كذبك، وأعنتك، وغصصك بريقك، وأدخل الذل بيتك. (المقنعة للمفيد ص459).

حيث هنا يصرّح أنها خرجت من الدنيا شهيدة مظلومة ممنوعة حقها مدفوعة إرثها مقهورة، قام القوم بتكذيبها وأدخلوا الذل بيتها!!

وقوله: ( وأدخل الذلّ بيتك ) إشارة الى الحديث الذي يرويه الصدوق بسنده الى عبد الله بن عباس عن رسول الله (ص) : ... وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي : يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية .... فيلحقها الله عز وجل بي، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك : اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وأذل من أذلها، وخلد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك : آمين . (الأمالي للصدوق ص176).

فالشيخ المفيد يقبل هذه الرواية التي رواها الصدوق، بدليل أنه نقل بعض فقراتها.

وروى الشيخ المفيد بسنده عن علي بن محمد الهرمزاني، عن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه الحسين عليهم السلام قال: لما مرضت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وعليها السلام وصت إلى علي صلوات الله عليه أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحدا بمرضها، ففعل ذلك. وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله على استسرار بذلك كما وصت به.

فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين عليه السلام أن يتولى أمرها، ويدفنها ليلا، ويعفي قبرها. فتولى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ودفنها، وعفى موضع قبرها. فلما نفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه، وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:

" السلام عليك يا رسول الله مني، والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار لها الله سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي بفراقك موضع التعزي، فلقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب الله أنعم القبول: " إنا لله وإنا إليه راجعون ".

لقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله! أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، وإلى الله أشكو.

وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك علي وعلى هضمها حقها، فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا وستقول، ويحكم الله وهو خير الحاكمين.

سلام عليك يا رسول الله سلام مودع، لا سئم ولا قال، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، [و] الصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما، وللبثت عنده معكوفا، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا، وتهتضم حقها قهرا، وتمنع إرثها جهرا، ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك أجمل العزاء، وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله وبركاته . (الأمالي للمفيد ص281) .

ما هي الظلامات التي وقعت على الزهراء (ع) والتي هدّت ركن أمير المؤمنين (ع) وهو جبل الصبر أن يتحدث بهذه الطريقة عند رحيل الزهراء (ع) وشهادتها.

ونقل الشيخ الطوسي - وهو تلميذ الشيخ المفيد - أنّه لا خلاف بين الشيعة أنّ عمر ضرب الزهراء (ع) على بطنها حتى اسقطت المحسن، فلو كان شيخه المفيد مخالفاً لم يصح منه دعوى الإجماع، قال الشيخ الطوسي: ومما أنكر عليه: ضربهم لفاطمة عليها السلام، وقد روي: أنهم ضربوها بالسياط. والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أن عمر ضرب على بطنها حتى أسقطت، فسمي السقط محسنا. والرواية بذلك مشهورة عندهم. وما أرادوا من احراق البيت عليها - حين التجأ إليها قوم، وامتنعوا من بيعته - وليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك، لأنا قد بينا الرواية الواردة من جهة العامة من طريق البلاذري وغيره، ورواية الشيعة مستفيضة به، لا يختلفون في ذلك. (تلخيص الشافي للشيخ الطوسي: ٣ / ١٥٦).

فهنا ينقل الشيخ الطوسي أمران مشهوران عند الشيعة مجمع عليه بينهم:

الأول: ضرب عمر فاطمة حتى اسقطت المحسن. الثاني: إرادتهم حرق دار فاطمة (ع).

فلو كان شيخه المفيد مخالفاً فكيف يصحّ منه أن يدعي الإجماع؟!

بل نقول أكثر من هذا: إنّ الشيخ المفيد (ت 413 هـ ) وهو أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان، يقيم مجالس العزاء على الزهراء (ع)، ويبكي عليها وعلى ولدها المحسن السقط، كما نسب إليه ذلك أحد كبار المعتزلة وهو القاضي عبد الجبار الهمذاني ( ت 415 هـ ) وهو من المعاصرين للشيخ المفيد، قال في كتابه تثبيت دلائل النبوة :

وفي هذا الزمان منهم مثل أبي جبلة إبراهيم بن غسان، ومثل جابر المتوفي، وأبي الفوارس الحسن بن محمد الميمديّ وأبي الحسين أحمد بن محمد بن الكميت، وأبي محمد الطبري، وأبي الحسن الحلبي، وأبي يتيم الرلباى، وأبي القاسم النجاري، وأبي الوفا الديلمي، وابن أبي الديس، وخزيمة، وأبي خزيمة، وأبي عبد اللّه محمد بن النعمان، فهؤلاء بمصر وبالرملة وبصور، وبعكا وبعسقلان وبدمشق وببغداد وبجبل البسماق . وكل هؤلاء بهذه النواحي يدّعون التشيع ومحبة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأهل بيته، فيبكون على فاطمة وعلى ابنها المحسن الذي زعموا أن عمر قتله، ويذكرون لهم تبديل القرآن والفرائض، ويذكرون ما قد تقدم ذكره من أن خلافهم له وقتالهم إنما هو لعداوته صلّى اللّه عليه وسلم وللشك في نبوته، ويقيمون المنشدين والمناحات في ذلك . (تثبيت دلائل النبوة، ج ٢، القاضي عبد الجبار الهمذاني، ص ٢٨٨ – 289) .

 

 

 

ولم ينقل أحد من الشيعة أنّ الشيخ المفيد أنكر مفردة من مفردات مظلومية الزهراء عليها السلام، ولا نسب ذلك له أحد من علماء أبناء العامة، ولو كان لبانَ، فالشيخ المفيد ليس مجهولاً، ومؤلفاته منتشرة.

نعم لم نجد في مؤلفات الشيخ المفيد التي وصلتنا ذكراً لمظلومية كسر الضلع، ولكن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود، فلعله نقلها في بعض كتبه التي لم تصلنا، هذا أولاً.

وثانياً: عدم الذكر لا يدل على عدم الاعتقاد، فلعله يعتقد بها، ولكن لحساسية القضية لم يذكر روايتها، لما للشيخ المفيد من مكانة كبيرة في المجتمع الإسلامي.

ثالثاً: قلنا سابقاً أنه قد أشار تلويحاً الى رواية كسر الضلع التي رواها الصدوق عن عبد الله بن عباس عن النبي (ص)، فراجع عند نقلنا زيارة الزهراء عن كتاب المقنعة.

مواضيع مختارة