إنّ أكثر البشر على مرّ التأريخ كانوا في مواجهة الأنبياء والمصلحين، وها هو القرآن الكريم يخبر عن الأكثرية بأنهم: لا يؤمنون، وأكثرهم الفاسقون، ولا يعقلون، ولا يعلمون، وللحق كارهون...الخ.
فهل يمكن لعاقل يؤمن بالله تعالى ان يعزو سبب ذلك إلى تقصير أنبياء الله في إقامة الحجة أو إلى قصور في بيانهم؟!
حاشا لله
فأين الخلل اذاً؟
إنّ أهم عامل لإيمان الأقلية هو خضوعهم وتسليمهم للحق بعد وضوحه وعلى نقيض ذلك هو ما أدى بالأكثرية إلى معارضة انبياء الله وحججه، حيث الاستكبار وعدم البخوع والخضوع والانقياد للحق باختصار هو: المنهج الإبليسي (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)([1]).
لذا فإنّ مجرد تضمّن القرآن أسماء أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لا يحل المشكلة فكم من قضية للقرآن فيها رأي وللآخرين رأيٌ آخر مخالف، خذ لذلك الأمثلة التالية:
يورد القرآن أصل الإمامة فيذكرها بالنص "إماماً" كما في آية الإمامة الإبراهيمية، ومع ذلك تجد الآخرين لهم رأي آخر فيفسروا الإمامة هنا بالنبوة أو الرسالة وكأنّ الله تعالى لم يستعمل مفردتي النبوة والرسالة في كتابه الكريم أو غفل عن ذلك ـ نعوذ بالله!
[ذات صلة]
قال محمد رشيد علي رضا في تفسير (إماماً) الواردة في الآية: الْإِمَامَةَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الرِّسَالَةِ وَهِيَ لَا تُنَالُ بِكَسْبِ الْكَاسِبِ ([2]).
أيضاً يحكم بعضٌ بشركية الأسماء المشتملة على كلمة (عبد) المضافة لغير الله تعالى كـ (عبد الحسين، وعبد الرسول...والخ) مع استعمالها القرآني الصريح في قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}([3])، باعتبار لفظ العبد تعني الخادم.
يقول عبد الله الجبرين في سياق حديثه عن الشرك: "وأنواعه ثلاثة، الأول: اعتقاد شريك لله تعالى في الألوهية... ويدخل في هذا النوع من يسمي ولده أو يتسمى باسم يدل على التعبد لغير الله تعالى"، كمن يتسمى بـ "عبد الرسول"، أو "عبد الحسين"، أو غير ذلك([4]).
وكذا الحال بالنسبة لزواج المتعة فمع وروده صريحاً في القرآن الكريم: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً}([5])، إلا إنك تجد الأكثرية لا تؤمن بمشروعيته اليوم تحت ذرائع واهية، هذا نزر يسير من الأمثلة ولو أردنا الاستقصاء لطال بنا المقام.
ومما يشهد أيضاً على إن ذكر الأسماء لا يحل المشكلة هو تقمص غير صاحب الاسم وادعائه له وببابك شواهد مدعي المهدوية مع أن اسمه وأسم ابيه الشريف وردا في السنة.
ومن هنا يعتقد الشيعة ان إمامة الإمام لا تثبت بمجرد النص المشتمل على اسم الإمام، بل لا بد أن يرافق النص تعيين الإمام وتشخيصه من قبل من ثبتت إمامته جزما، وقد وقع ذلك في أئمة اهل البيت (عليهم السلام) بدءاً بالنبي (صلى الله عليه وآله) ونصه وتشخيصه لأمير المؤمنين (عليه السلام) وتعيينه في واقعة الغدير حين رفع يده، وانتهاءً بالإمام العسكري مع الإمام المهدي (صلوات الله عليهم أجمعين).
يقول الشيخ المفيد: واتفقت الإمامية على أن الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلا بالنص على عينه ([6]).
يتبع...
من كتاب: "خلو القرآن الكريم من أسماء الأئمة.. معالجة جذرية لمشكلة متجددة" – صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة
-----------------------------
([1]) سورة البقرة: 34.
([2]) تفسير المنار: 1/374.
([3]) سورة النور: 32.
([4]) تسهيل العقيدة الإسلامية: 161.
([5]) سورة النساء: 24.
([6]) أوائل المقالات: 40.