ما حقيقة حادثة «ردّ الشمس»؟ ولماذا أخّر الإمام علي (ع) الصلاة؟!

الشيخ محمد صنقور
زيارات:1591
مشاركة
A+ A A-
لا معنى لهذا السؤال فإنَّ مثل عليٍّ (ع) إمام المتقين لن يؤخِّر الصلاة عن وقتها إلا لعذرٍ، وطروء الأعذار أمرٌ وارد ويتَّفق لكلِّ أحد، لذلك يجبُ حمل التأخير على العذر المسوِّغ شرعاً للتأخير حتى مع عدم الوقوف على طبيعة ذلك العذر بل لو اتَّفق ذلك لأحد المؤمنين المعروفين بالمداومة على أداء الصلاة في وقتها لوجبَ حملُ تأخيره على العذر الشرعي. سبب التأخير بحسب ما أفادته الروايات:

 وكيف كان فالمذكور في الروايات التي تصدَّت لنقل الواقعة أنَّ سبب عدم أداء الإمام (ع) لصلاة العصر في وقتها هو أنَّ أمير المؤمنين (ع) كان مع النبيَّ (ص) فاتَّفق أنْ تغشَّاه الوحي فاستند إلى صدر أو حجر عليٍّ (ع) -وكان النبيُّ (ص) إذا تغشَّاه الوحي يثقل- حتى ورد أنَّه إذا نزل عليه الوحي وكان على ناقته فإنَّها تبرُك لثقله، وكان يتصبَّب منه العرق مثل الجمان في اليوم الشاتي، وكانت تنتابه مثلُ الغَشية إلى أن يرتفع عنه الوحي(1)، فكرِه أميرُ المؤمنين(ع) أنْ يُؤذِي رسول الله (ص) بقيامه عنه للصلاة، ثم إنَّه لم ينقضِ الوحي حتى غابت الشمس أو كادت، فهذا هو منشأُ فوات الوقت لصلاة العصر عن الإمام (ع)

وقد نصَّت الروايات -على اختلاف ألسنتها على ذلك- فمِن ذلك ما أورده الكليني بسنده عن الإمام الصادق (ع) عن أمير المؤمنين (ع) يروي ما وقع له مع النبيِّ (ص) فقال فيما قال: ثُمَّ خَفَقَ -النبيٌّ (ص)- حَتَّى غَطَّ وحَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُحَرِّكَ رَأْسَه عَنْ فَخِذِي فَأَكُونَ قَدْ آذَيْتُ رَسُولَ اللَّه (ص) حَتَّى ذَهَبَ الْوَقْتُ وفَاتَتْ فَانْتَبَه رَسُولُ اللَّه (ص) فَقَالَ: يَا عَلِيُّ صَلَّيْتَ قُلْتُ: لَا قَالَ: ولِمَ ذَلِكَ قُلْتُ: كَرِهْتُ أَنْ أُوذِيَكَ .."(2) وأورد الشيخ الصدوق في علل الشرائع أنَّ النبيَّ (ص) قال حينها: "اللهم إنَّ هذا عبدُك عليٌّ احتبس نفسه على نبيِّك فردَّ عليه شرقها فطلعت الشمس فطلعت الشمس فلم يبق جبل ولا أرض إلا طلعت عليه الشمس ثم قام علي (عليه السلام) وصلَّى .."(3).

وأمَّا لماذا لم يصلِّ الإمام (ع) العصر قبل ذلك مع النبيِّ (ص) فالوارد أنَّ النبيَّ (ص) بعث الإمام (ع) بعد صلاة الظهر لحاجةٍ فما عاد من قضائها إلا وقد صلَّى النبيُّ (ص) العصرَ بعد دخول وقتها، ففي رواية الشيخ الصدوق بسنده عن أسماء بنت عميس قالت: ".. فصلَّى رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) الظهر ثم دعا عليَّاً (ع) فاستعانَ به في بعض حاجتِه ثم جاءت العصر فقام النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) فصلَّى العصر فجاء عليٌّ (ع) .."(4).

لماذا لم يصلِّها إيماءً:

وما قد يُقال إنَّه كان في وِسْع الإمام (ع) أنْ يصلِّيَ العصر إيماءً، فلا يُؤذي رسولَ الله (ص) وهو يوحى إليه بالقيام عنه للصلاة وفي ذات الوقت يكون قد أدَّى صلاة العصر في وقتها.

والجواب:

إنَّ الغايةَ من ردِّ الشمس لعليٍّ (ع) هو لكي يُؤدِّي الصلاة الاختياريَّة في وقتها تكريماً لإيثاره وإلا فمِن المقطوع به أنَّ عليَّاً (ع) قد أدَّى الصلاة إيماءً حين كان النبيُّ (ص) مستنداً إليه، فعليٌّ (ع) لا يفتُرُ عن ذكر الله تعالى على أيِّ حال وفي كلِّ آن، فكيفَ يغفلُ عن أداء الصلاة إيماءً في مثل هذا الظرف والحال أنَّه كان يؤدِّي نوافله في حروبه وهو مشتغل بالقتال كما ثبت عنه، وفي شأنه نزلَ قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾(5)(6).

هذا وقد نصَّ خبرُ الشيخ المفيد في الإرشاد الذي أورده عن أسماءُ بنت عميس، وأمّ سلمة زوجِ النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي سعيدٍ الخدري، في جماعةٍ من الصحابة أنَّ الإمام (ص) صلَّى حينها إيماءً قبل أنْ تغيب الشمس فردَّها الله تعالى إليه ليصلِّي العصر صلاة المختار قال: ".. فلمَّا تغشَّاه الوحي توسَّد فخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يرفع رأسه عنه حتى غابت الشمس، فاضطر أمير المؤمنين (عليه السلام) لذلك إلى صلاة العصر جالسا يومئ بركوعه وسجوده إيماء، فلمَّا أفاق من غشيته قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): أفاتتك صلاة العصر؟

قال له: "لم أستطع أنْ أصلِّيها قائماً لمكانك يا رسول الله، والحال التي كنت عليها في استماع الوحي" فقال له: "ادع الله ليرد عليك الشمس حتى تصليها قائما في وقتها كما فاتتك، فإنَّ الله يجيبك لطاعتك لله ورسوله" فسأل أمير المؤمنين الله عزَّ اسمُه في رد الشمس، فردت عليه حتى صارت في موضعها من السماء وقت العصر، فصلَّى أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة العصر في وقتها ثم غربت"(7).

سبب التأخير في الواقعة الأخرى لردِّ الشمس:

هذا ما يرتبط بالمرَّة الأولى التي رُدَّت فيها الشمس لعليٍّ (ع) وكان ذلك في حياة رسول الله (ص) وأمَّا سبب تأخيره (ع) لصلاة العصر في المرَّة الثانية والتي كانت في أيام خلافته فيتَّضح -مثلاً- من ملاحظة ما أورده الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتابه مَن لا يحضره الفقيه: فقد روى بسنده عن جويرية بن مسهر أنه قال: "أقبلنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قتل الخوارج حتى إذا قطعنا في أرض بابل حضرت صلاة العصر فنزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ونزل الناس، فقال عليٌّ (عليه السلام): أيُّها الناس إنَّ هذه أرضٌ ملعونة قد عُذِّبت في الدهر ثلاث مرَّات، وفي خبر آخر مرَّتين وهي تتوقع الثالثة وهي إحدى المُؤتفِكات، وهي أول أرض عُبِد فيها وثن، وإنه لا يحلُّ لنبيٍّ ولا لوصيِّ نبيٍّ أنْ يصلِّي فيها، فمَن أراد منكم أنْ يُصلِّيَ فليصلِّ، فمالَ الناسُ عن جنبي الطريق يُصلُّون وركبَ هو (عليه السلام) بغلةَ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ومضى، قال جويرية فقلتُ: واللهِ لأتبعنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأقلِّدنَّه صلاتي اليوم، فمضيتُ خلفَه، فوالله ما جزنا جسر سوراء حتى غابت الشمس فشككتُ، فالتفتَ إليَّ وقال: يا جويرية أشككتَ؟ فقلتُ: نعم يا أمير المؤمنين، فنزل (عليه السلام) عن ناحية فتوضأ ثم قام، فنطق بكلامٍ لا أُحسنه .. ثم نادى الصلاة فنظرتُ واللهِ إلى الشمس قد خرجتْ من بين جبلين لها صريرٌ فصلَّى العصر وصلَّيتُ معه .."(8).

فالواضحُ من الرواية أنَّ منشأ تأخيره (ع) لصلاة العصر هو أنَّه لم يكن يحلُّ له أن يصلِّي في تلك الأرض وأنَّ ذلك كان من خصائص رسول الله (ص) وصيِّه (ع) فقد كانت لرسول الله (ص) ولوصيِّه أحكامٌ خاصَّة لم تكن لسائر المكلَّفين، فلم يكن يسعُه لذلك أنْ يصلِّيَ امتثالاً لنهي الله تعالى وأمره. تماماً كما أنَّه لا يسع المكلَّف أنْ يصوم في يوم العيد، ولا يسع النفساء أنْ تُصلِّي في ظرف النفاس، ولا يسع المسافرُ أنْ يصلِّي أربعاً كذلك هو الشأن في المقام فإنَّه إذا لم يكن يحلُّ للنبيِّ (ص) والوصي (ع) الصلاة في بقعةٍ محدَّدة فإنَّه لا يسعهما إلا الامتثال لذلك، فتركُ الصلاة في ذلك الموضع -بحسب الرواية- كان عزيمة، لذلك تعيَّن عليه لزاماً تأخيرها إلى أنْ يتجاوز ذلك الموضع.

=============

الهوامش: 1- تفسير القمي ج2 / ص369، بحار الأنوار -المجلسي- ج 18 / ص263، المصنف -الصنعاني- ج5 / ص418، المعجم الكبير -الطبراني- ج 23 / ص55، الدر المنثور -السيوطي- ج2 / ص203، 252، جامع البيان -الطبري- ج6 / ص111-112، مسند أحمد ج2 / ص176، ج6 / ص458، الطبقات الكبرى -ابن سعد- ج1 / ص197، تفسير القرآن -الصنعاني- ج1 / ص182. 2- الكافي -الكليني- ج4 / ص562. 3- علل الشرائع -الصدوق- ج2/ ص352، المعجم الكبير -الطبراني- ج24 / ص145، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج8 / ص297. 4-علل الشرائع -الصدوق- ج2 / ص352، المعجم الكبير -الطبراني- ج24 / 145، مجمع الزوائد -الهيثمي- ج8 / ص297، عمدة القاري -العيني- ج15 / ص43 وعلق على الخبر بقوله: وذكره الطحاوي في (مشكل الآثار، قال: وكان أحمد بن صالح يقول: لا ينبغي لمن سبيله العلم أن يتخلف عن حفظ حديث أسماء لأنه من أجل علامات النبوة. وقال: وهو حديث متصل، ورواته ثقات وإعلال ابن الجوزي هذا الحديث لا يلتفت إليه. 5- سورة آل عمران / 191. 6- الأمالي -الطوسي- ص471، البرهان في تفسير القرآن -السيد هاشم البحراني- ج1 / ص727، مناقب آل أبي طالب -ابن شهراشوب- ج1 / ص159. 7- الإرشاد -المفيد- ج1 / ص246، إعلام الورى -الطبرسي- ج1 / ص350، كشف الغمة -الأربلي- ج1 / ص285، كشف اليقين -العلامة الحلي- ص112. 8- من لا يحضره الفقيه -الصدوق- ج1 / ص204.
مواضيع مختارة