هوس الشراء: كيف تروّج العولمة لـ ’ثقافة الاستهلاك’؟

موقع الأئمة الاثني عشر
زيارات:1718
مشاركة
A+ A A-

علي لفتة العيساوي

يعرّف البعض العولمة باختصار هي نشر ثقافة الاستهلاك، أو هي ظاهرة اقتصادية الهدف منها السيطرة على العالم من خلال عالمية الإنتاج، فيكون العالم وفق مفهوم العولمة ينقسم الى قسمين دول منتجة اقتصاديا وثقافياً وإعلامياً وفكرياً ودول -وهي الأكثر- تكون مستهلكة غير قادرة بالنهوض باقتصادها لعدم امتلاكها رؤوس الأموال الكبيرة، وغير متطورة تكنولوجياً وإعلامياً مما يجعلها تبقى عيالاً على الدول الكبرى أو ما يسمى بالتحكم الناعم في قبال التحكم العسكري.

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

ومن الواضح الى أي مجموعة تنتمي للدول الإسلامية، فهي بالطبع تعيش ضمن الدول المستهلكة التي طالما تشكو من عدم قدرتها بالمحافظة على هوية مجتمعاتها الثقافية بفعل تأثير العولمة، فالنزعة الاستهلاكية أصبحت جزء من ثقافة الواقع بعد أن ترسخت فيها ثقافة المتعة واللذة وهي أبرز ملامح الحضارة المعاصرة التي تؤثر في الانسان.

إذ يقوم المجتمع الاستهلاكي على مبدأ ما يملكه الإنسان، وهو ما يحدد قيمته وذاته، فكلما ازدادت نسبة ملكيته يشعر أنه ارتفعت قيمته ومكانته الاجتماعية.

ولا يكف المنتجون والمصنعون عن تطوير منتجاتهم بإضافة بعض التعديلات عليها، وتدور حلقة جديدة من الماكينات الداعية للمنتج المطور والجديد، ولا تكف أيضا المجتمعات الاستهلاكية عن مواكبة التحديث وشراء السلع المطورة علماً بأن المنتج نفسه في صورته القديمة لا يزال يعمل بكفاءة عالية.

فما إن يظهر موديل لأحد ماركات السيارات حتى يسارع البعض إلى شرائه رغم أنه يركب سيارة موديل العام الفائت، وما أن يشتري هاتف خلوي من أحدث الموديلات حتى يظهر تحديث له في موديل جديد فتراه يسارع أيضاً بشرائه؛ بفعل تفنن أساليب الدعاية بمميزاته وخصائصه، وهوما يسري على كافة السلع والخدمات التي لا نكف عن شرائها وربما في أكثر الأوقات ولا نحتاج إليها فعلياً سوى اللهث وراء كل جديد والتباهي في المجتمع بين الاقران.

تقول الباحثة سارة السهيل: لا غرابة أمام عبقرية الرأسمالية المتوحشة أن تستثمر كل مناسبة في حياة الإنسان لتحولها الى سلعة وتجارة موظِّفة قدراتها على الضغط بالميديا والإعلان الجذاب، مثل الأعياد الدينية وأعياد الميلاد وطقوس الزواج والإنجاب ومواسم الربيع، واستحدثت المهرجانات للاحتفال بالطبيعة واستحدثت كمواسم دخول المدراس والإجازات الصيفية وغيرها لشراء المزيد من السلع والحصول على كل خدمات الترفيه والتسلية.

من جانبه الباحث العراقي محمد حياوي يرى أن: الفجوة أو الفارق الاقتصادي المهول بين الدول الغربية المتطورة صناعياً ودول العالم الثالث قد وسّع الفجوة الكبيرة في مستوى الحياة وأنماطها، وفي الوقت الذي بات فيه الناس في الدول الصناعية أسرى لرأس المال تكبلهم الديون والبطاقات الائتمانية، ما زال نظراؤهم في دول العالم الثالث في منأى نسبي عن هذه الهيمنة.

لكن مجتمعات العالم الثالث تحولت بفضل هذا الفارق الكبير إلى أسواق مفتوحة ومستسلمة لطوفان البضائع والسلع الواردة من العالم الصناعي، الأمر الذي نتجت عنه سلوكيات جديدة، حدّت من تطور الصناعات وعطلت حركة الإنتاج في تلك البلدان بسبب انعدام القدرة على المنافسة، ومع ذلك ظلت العادات الخاطئة والتقاليد البالية تلعب دوراً كبيراً في النزعة الاستهلاكية لمواطني تلك البلدان، على الرغم من عدم تطور تجارة الإنترنت ونظم الدفع الآلي فيها، فتحول الاستلاب الذي يعاني منه الأفراد في المجتمعات الغربية إلى حالة من التفاخر اللاواعي في بلداننا.

وإن المفهوم الثقافي للعولمة ارتبط بفكرة التنميط التثقيف لإعادة بناء الانساق الثقافية (على حد تعبير) لجنة اليونسكو لإعداد مؤتمر السياسات الثقافية من أجل التنمية (الذي عقد في مدينة استكهولم عام 1998، فقد رأت اللجنة أن التنميط الثقافي يتم من خلال استغلال الامكانات التي توفرها ثورة المعلومات وشبكة الاتصالات العالمية وهيكلها الاقتصادي والانتاجي المتمثل في نقل المعلومات والسلع وتحريك الأموال).

تروج العولمة للعديد من الظواهر الثقافية والاجتماعية السلبية والمنحرفة التي تعاني منها البيئة الثقافية، من هذه الظواهر المرضية انتشار ثقافة الاستهلاك، فمن خلال الاستهلاك والشره الغريزي الذي يشارك فيه الانسان، يصبح تمجيد ما هو أجنبي والميل الى استهلاكه أحد رموز المكانة الاجتماعية، ونتيجة ذلك تضيع أو تتلاشى المشاعر المرتبطة بالهوية الوطنية ويندفع البشر رغماً عنهم الى الارتباط بما هو أجنبي وخارجي، على حساب ما هو قومي ومحلي.

ومن الواضح جداً أن مفهوم عولمة الثقافة أصبح واسع الانتشار بما يحمله من مخاوف كبيرة لبعض البلدان، فالتنميط الثقافي هو واجهة للبناء الاقتصادي للعولمة، وهذا يعني أن يكون بناء ثقافة المجتمع وفق التطور الاقتصادي والمعلوماتي؛ ولذلك كان البعد الثقافي للعولمة بعداً اقتصادياً، بعد أن حولت العولمة الإعلام من بعده التوجيهي والتوعوي الى إعلام سلعي، وثقافة العولمة تعد الحرب العالمية الثالثة بين الدول المتطورة اقتصادياً وبين الدول الأقل نمواً.

ومن المعلوم أن ثقافة الاستهلاك قد حولت الحاجات الكمالية غير المهمة في حياتنا الى ضروريات، كي يشعر الفرد بالسعادة من امتلاكه حاجات كمالية، وهذا الأمر يتطلب جهداً أكبر وساعات عمل أكثر من رب الاسرة، وهذا كله على حساب الصحة ووقت الأسرة والتواصل مع الاقارب والأرحام والمطالعة وغيرها من الحاجات الضرورية للفرد، فأصبحت هذه النزعة ظاهرة عامة لافتة للنظر بين أبناء المجتمع بعد أن كانت ثقافة الادخار بين الأسر من قبيل المثل في تلك الايام: احفظ القرش الأبيض ينفعك باليوم الأسود.

المصدر: كتاب الفيسبوك الوطن البديل للشباب

مواضيع مختارة