كان أصحاب الكهف (عليهم السلام) في زمن لا يوجد فيه أنبياء، يعني لا يوجد معصوم ولا أحد متصل مع السماء.. فلو كانوا في وقتنا هذا كيف كنت أعرف بأنهم نزل عليهم الملائكة؟ كيف أميز بين الكذب بلباس الدين وبين الصادق؟ وهل هناك في هذا الزمان أشخاص مثلهم ينزل عليهم الملائكة دون الإمام الزمان (عجل الله فرجه)؟
أولاً: قامت البراهين على أنّ الأرض لا تخلو من الحجّة الإلهيّة ـ سواء ظاهرة أو مستورة ـ؛ إذ لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها، وهي تشمل الأنبياء والرسل والأوصياء والأئمّة (عليهم السلام)، فلا يوجد زمان ينقطع فيه الاتّصال مع السماء. وأمّا زمان الفترة بين النبي عيسى (عليه السلام) ونبيّنا الأعظم (صلى الله عليه وآله) فقد أفاد الشيخ الصدوق في [كمال الدين ص659]: أنّه لم يكن بينهما رسول ولا نبيّ ولا وصيّ ظاهر مشهور كمَن كان قبله، ولكن كان بينهما أنبياء وأئمّة مستورون خائفون، منهم خالد بن سنان العبسيّ، وقد تواطئت الأخبار واشتهرت عند العام والخاص أنّه نبيّ، وأنّ ابنته محياة أدركت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: هذه ابنة نبيّ ضيّعه قومه.
وثانياً: هناك كلام في تحديد زمان أصحاب الكهف فيما لو كانوا قبل زمن النبي عيسى (عليه السلام) أم بعده، ويستفاد من بعض الأخبار أنّهم كانوا قبله، فقد نقل قطب الدين الروانديّ في [قصص الأنبياء ص255] بالإسناد عن ابن عباس، قال: «لما كان في عهد خلافة عمر أتاه قوم من أحبار اليهود، فسألوه.. فنكس عمر رأسه فقال: يا أبا الحسن، ما أرى جوابهم إلّا عندك، فقال لهم عليّ (عليه السلام): إنّ لي عليكم شريطة إذا أنا أخبرتكم بما في التوراة دخلتم في ديننا، قالوا: نعم..» إلى أن قال (عليه السلام) في جواب السؤال عن أصحاب الكهف: «.. فأقبل تلميخا حتّى دخل الكهف، فلمّا نظروا إليه اعتنقوه وقالوا: الحمد لله الذي نجّاك من دقيوس، قال تلميخا: دعوني عنكم وعن دقيوسكم، كم لبثتم؟ قالوا: لبثنا يوماً أو بعض يوم، قال تلميخا: بل لبثتم ثلاثمائة وتسع سنين، وقد مات دقيوس وانقرض قرن بعد قرن، وبعث الله نبيّاً يقال له: المسيح عيسى بن مريم، ورفعه الله إليه، وقد أقبل إلينا الملك والناس معه...»، ثمّ قال (عليه السلام): «يا يهودي، أيوافق هذا ما في توراتكم؟ قال: ما زدت حرفاً ولا نقصت حرفاً، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)».
وهذا الخبر ظاهر في أنّ زمان أصحاب الكهف قبل زمان بعثة النبي عيسى (عليه السلام)، سيّما مع ذكر أمرهم بكتب اليهود واهتمام أحبارهم بحكايتهم، فلو كان أصحاب الكهف بعده ومعتنقين للشريعة العيسوية لما اهتمّ اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم؛ لمباينتهم لهم.
وثالثاً: نزول الملائكة على أصحاب الكهف ـ بمعنى اتّصالهم بهم والتواصل معهم وتلقي المعارف منهم ـ ليس واضحاً؛ إذ ما جاء في القرآن الكريم إشارة إلى ذلك، كما لم يُعثر على حديث يدلّ على ذلك، فالأمر رهن الإثبات. ونفس السؤال يفترض في صدره عدم اتّصال أحد في زمانهم بالسماء فكيف يفترض بعدها نزولها عليهم؛ إذ جاء في السؤال: (كان أصحاب الكهف (عليهم السلام) في زمن لا يوجد فيه أنبياء، يعني لا يوجد معصوم ولا أحد متصل مع السماء.. فلو كانوا في وقتنا هذا كيف كنت أعرف بأنهم نزل عليهم الملائكة؟). نعم، الثابت صيانة الملائكة لهم وحفظهم وتقلبيهم، يقول تعالى: (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) ولكن هذا المعنى لا يفيد في المقام.
ورابعاً: الاتصال مع السماء كقناة رسمية معتبرة لتلقي المعارف والتكاليف منحصرة بالحجة الإلهية المعصومة، وبقية الله الأعظم الإمام المهدي (عجل الله فرجه) هو المتّصل مع السماء في زماننا، ولم يثبت أنّ أحداً غيره من الأمة متّصل بالسماء.
وخامساً: إن تمييز الصادقين من الكاذبين بلسان الدين يكون بمعرفة الدين وحدوده ومعارفه ومحكماته؛ إذ بدون معرفة الدين لا يمكن تمييز الصادق من الكاذب في الدين، وقد أوضح ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) للحارث عند فتنة الجمل وخروج عائشة مع طلحة والزبير: «إنّ الحقّ والباطل لا يُعرفان بالناس، ولكن اعرف الحقَّ تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف مَن أتاه»، وقال (عليه السلام): «إنّ الحقَّ لا يُعرف بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله».