نوبات القلق والتوتر والشعور بعدم الراحة من الحالات الشائعة في المجتمعات، وقد يكون السبب في ذلك أما الظروف الصعبة التي يتعرض لها الإنسان، وأما بسبب سيطرت الهواجس والظنون على حياة البعض، ومن الطبيعي أن يكون هناك تباين بين الناس في كيفية التعامل مع هذه الحالة، وذلك بسبب الاختلاف في الوعي بفلسفة الحياة أو التباين في درجات الإيمان بالله، فالبعض يتغلب على هذه المشاعر والبعض الآخر تتغلب عليه المشاعر، فالإنسان بين أن يسيطر على نفسه وبين أن تسيطر النفس عليه.
وما يؤسف له أن القلق والتوتر أصبح من المظاهر الشائعة في مجتمعاتنا المعاصرة، لما في الحياة من مظالم وإحباطات تجعل الإنسان يفقد الثقة في أي أمل مشرق، فمن الصعب أن يتجاوز الإنسان تحديات الحياة وهو في حالة من الاستسلام لهواجس النفس وظنونها وتخوفاتها، فالنفس بطبعها في حالة من الاستنفار الدائم والتخوف المستمر، ولذلك تنسج لصاحبها سيناريوهات تحذيرية تجعله في حالة من التوتر والقلق الدائم، ولذلك حملت آيات القرآن ظنون النفس كامل المسؤولية عن كل الانحرافات السلوكية، وفي المقابل أكد القرآن على ضرورة العقل والتعقل بوصفه الطريق الوحيد الذي يحقق للإنسان بصيرة في الحياة، فللعقل القدرة على التمييز بين التخوفات الموضوعية التي تمتلك مبرراً منطقياً وبين الهواجس النفسية، فكل ما ضعف جانب العقل كلما تمددت النفس وهكذا العكس بالعكس، والإنسان بين أن يجعل زمام المبادرة بيد عقله وبين أن يجعلها بيد ظنونه وهواجسه.
أما الحالات النفسية التي تجعل الإنسان في حالة من الاضطراب وعدم التوازن في الأحاسيس والمشاعر، أما أن تكون حالة عارضة بسبب صدمة معينية في الحياة، أو قد تكون عقدة نفسية تشكلت عند الإنسان منذ الصغر، أو قد تكون مرضاً نفسياً لم تشخص أسبابه، وقد تتطور هذه الحالة وتتعقد حتى تصبح مرضاً مستعصياً بحيث يفقد الإنسان تماماً السيطرة على نفسه، وحينها لا بد من خضوع المريض إلى جلسات من العلاج النفسي على أيدي متخصصين.
وإذا جاز لنا أن نحلل نفسية السائل من خلال تحليل السؤال يمكننا أن نقول إن ما يعانيه يعود إلى طبيعة وعيها بفلسفة الحياة وقلة إدراكها لحقائق الدين والعبادة، فيبدو أن ما تعرفه عن الحياة هو ما اكتسبته من تجربتها المحدودة، فهي لم تبحث وتتعمق في فلسفة الحياة وسر وجود الإنسان فيها، فعندما يجهل الإنسان بقيمة الحياة سوف يجهل أيضاً بقيمته كإنسان، إذ كيف يحس الإنسان بقيمته إذا لم يحس بقيمة للحياة؟ وكيف يحس بقيمة الحياة وهو لم يعرف عنها إلا مجريات حياته اليومية؟ فعلى الإنسان أن يستقل طاقته الفكرية والمعرفية ليزداد بصيرة في هذه الحياة، وما يؤسف له أن غالب الناس يركنون إلى الراحة ويستسلمون للظروف لتتصرف في حياتهم بدون قرار منهم أو إدراك لمصيرهم، وعليه إذا لم يجهد الإنسان عقله بالتفكير والتعلم سوف يكون من الهمج الرعاع كما وصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (الناس ثلاثة: فعالم ربـّاني، ومتعلـّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع: أتباع كلّ ناعق، يميلون مع كلّ ريح، لم يستضيؤوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق) فإذا لم يقرر الإنسان بنفسه بأن لا يكون من الهمج الرعاع فعليه أن لا يتوقع أن يأتي من يقرر نيابة عنه.
ويتصل بذلك بشكل وثيق قلة الوعي الديني، فكثير من الناس يعتمدون في ثقافتهم الدينية على ما هو موجود في المحيط الاجتماعي، وهو بالتأكيد لا يعبر عن وعي أصيل بالدين، فحالة التردد بين الالتزام الديني وعدم الالتزام تكون أحيانا بسبب التردد بين ثقافتين لا يملك الإنسان القدرة على ترجيح أحدهما، ولذلك يتذبذب بحسب المحفزات الخارجية، فهي تصلي وتلتزم بالحجاب لوجود بعض المحفزات التي ترجح ثقافة التدين على الثقافة الأخرى، وفي اليوم الثاني عندما تكون الحوافز عكسية تتخلى عن الحجاب والصلاة وتسمع الأغاني، أما إذا كان الإنسان على بصيرة من دينه فإنه لا يمكن أن يشك أو يتردد مهما كانت المحفزات العكسية، وعليه يجب عليها أن تتعلم أمور دينها وتثقف نسفها من خلال قراءة الكتب والاستماع للمحاضرات وغير ذلك من طرق كسب العلم، فمتى وصلت إلى يقين بحقائق الدين زال عنها هذا الشك والتردد، ومتى ما اضطرب القلب اضطرب معه كل شيء قال تعالى: (وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ)
وقد يكون السبب ليس معرفياً ولا دينياً وإنما نفسياً، فالبعض قد يبتلى بكثرة الشك، فعندما يفقد الإنسان الثقة في نفسه يكون في حالة دائمة من التردد والحيرة، والسبب في ذلك قد يكون التربية الخاطئة، فالبعض يتعرضون لظروف تربوية تجعلهم يعيشون عقدة نفسية تحرمهم من الثقة في انفسهم وفي خياراتهم، وهذه الحالة لابد أن يعيد الإنسان صياغة نفسه من جديد، وهذا ممكن مهما كانت الآثار التربوية قد حفرت عميقاً في شخصيته، فليس هناك حتميات في ما يتعلق بسلوك الإنسان، وإنما الإنسان دائماً له القادرة على اختيار نمط الحياة الذي يؤمن به.
وكذلك قد تكون حالة الشك والريبة بسبب شياطين الجن والإنس الذين يوحون زخرفاً من القول غروراً، كما وصفهم تعالى في قوله: (شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) وعلاج ذلك بالابتعاد عن أصدقاء السواء، فإذا عاش الإنسان في وسط مؤمن فإن هذا الوسط سوف يجعله أكثر قرباً من الله تعالى.