أما الذي في مصر، فالظاهر أنه قبر لامرأة شريفة أخرى من ذرية الإمام علي عليه السلام، لعلها زينب بنت يحيى المتوج بن الحسن الأنور.
ويقال: إن زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليهما السلام، وكنيتها أم كلثوم، قد دفنت قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار، خارج دمشق الشام. وقد يقال في محل وفاة زوجها غير ذلك.
وكانت قد جاءت مع زوجها عبد الله إلى الشام، في أيام عبد الملك بن مروان، سنة المجاعة، ليقوم عبد الله بن جعفر فيما كان له من القرى والمزارع، خارج الشام، حتى تنقضي المجاعة، فماتت السيدة زينب هناك، ودفنت في بعض تلك القرى.
وفي الخيرات الحسان: أنها حمت من وعثاء السفر، أو لسبب آخر غير ذلك 2.
بل إن من المحتمل جداً، أن تكون عليها السلام قد هاجرت من بلدها بسبب الضغوط التي كانت تواجهها في المدينة، ويدل على ذلك:
1 ـ إنهم يذكرون: أن الإمام السجاد عليه السلام، كان قد اتخذ منزله بعد قتل أبيه الحسين عليه السلام بيتاً من الشعر، أقامه بالبادية، فلبث عدة سنين كراهة المخالطة للناس، وملابستهم.
وكان يصير من البادية إلى العراق، زائراً لأبيه، وجده أمير المؤمنين عليه السلام، ولا يُشْعِر أحداً بذلك 3.
غير أن لنا تحفظاً على التعليل المذكور، وهو أنه عليه السلام قد سكن البادية كراهية مخالطة الناس، فإن ذلك إما محض اجتهاد من الراوي، والمتحدث، أو أنهم أرادوا أن لا يصرحوا بأمر يخشون على أنفسهم من ملاحقة السلطة لأجله.
على أن هذه الكراهية لو كانت لمجرد المخالطة، لجاز لنا القول بأن هذا الأمر إذا كان مكروهاً في تلك السنوات، فما الذي رفع كراهته في السنوات التي تلتها؟!
ولماذا لم يكره غير الإمام السجاد عليه السلام من بقية الأئمة الأطهار، مخالطة الناس، ولم يفعلوا مثل فعله، من سكنى البادية في خيمة من شعر؟!
2 ـ لعل الصحيح هو أن السلطة قد اضطهدت بني هاشم بعد كربلاء، وهدمت بيوتهم، فتشردوا في البلاد يبحثون عن المأوى الآمن، فقد ورد: أنه كان من بر الإمام السجاد بآل عقيل: أن المختار بن يوسف أرسل إلى الإمام أموالاً كثيرة، عشرين ألف دينار، فبنى بها دور آل عقيل التي هدمتها بنو أمية 4.
وصرحوا أيضاً بأن عبد الملك بن مروان قد هدم دار الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، التي كان وِلْدُهُ فيها، وقد حاول الحسن بن الحسن منعهم من ذلك، فقال: لا أخرج ولا أمكن من هدمها، فضرب بالسياط، وتصايح الناس، وأخرج عند ذلك، وهدمت الدار، وزيدت في المسجد 5.
وقال زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام: «ألستم تعلمون أنا وِلْدُ نبيكم المظلومون المقهورون، فلا سهم وُفينا، ولا تراث أُعطينا، وما زالت بيوتنا تهدم، وحرمنا تنتهك، الخ..» 6.
وقال جعفر بن عفان في هذا المعنى:
ما بال بيتكم تخرب سقفه وثيابكم من أرذل الأثواب 7.
وفي وقعة الحرة، حين دخل مسرف بن عقبة المدينة: «قتل من آل أبي طالب 8 عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وجعفر بن محمد بن أبي طالب «ابن الحنفية» ومن بني هاشم من غير آل أبي طالب ثلاثة. وبضع وتسعون رجلاً من سائر قريش، ومن سائر الناس لا تعد ولا تحصى، ثم دخل المدينة وخرب بيوت بني هاشم، ونهب المدينة» 9.
ويذكرون أيضاً: أن الحكم بن المختار الثقفي، دخل على أبي جعفر عليه السلام، فقال له:
«أصلحك الله، إن الناس قد أكثروا في أبي، وقالوا، والقول ـ والله ـ قولك.
قال أبو جعفر: وأي شيء يقولون؟!..
قال: يقولون: كذاب. ولا تأمرني بشيء إلا قبلته..
فقال ( عليه السلام ): سبحان الله، أخبرني أبي والله: إن مهر أمي كان مما بعث المختار. أولم يبن دورنا؟ وقتل قاتلينا؟ وطلب بدمائنا رحمه الله؟!» 10.
الهوامش:
1. الفتوحات المكية ج4 ص198 وليراجع كتاب مرقد العقيلة زينب للسابقي.
2. راجع: معالي السمطين ج2 ص224 عن كتاب نزهة أهل الحرمين ص67 للسيد حسن الصدر، وعن الخيرات الحسان. وراجع: مرقد العقيلة زينب ص189 و190 و191 عن مراقد المعارف ج1 ص240 و334 وعن الثمر المجتنى للبراقي، والخيرات الحسان ج2 ص29 وتحفة العالم ج1 ص235 ونفس المهموم ص297 وهدية الزائرين ص353 ومنتخب التواريخ ص103 وغير ذلك..
3. معالي السبطين ج2 ص212.
4. غاية الاختصار ص160 وراجع سفينة البحار ج2 ص754 والبحار ج45 ص344 ورجال الكشي.
5. البحار ج39 ص29 وسفينة البحار ج1 ص426 وج8 ص131.
6. تفسير فرات ص136، والبحار ج46 ص206 وسفينة البحار ج8 ص631.
7. سفينة البحار ج8 ص631.
8. وفي مقاتل الطالبيين: أن عبدالله بن جعفر هما المقتولان في وقعة الحرة، وهما أبو بكر، وعون الأصغر.
9. شجرة طوبى ج1 ص113.
10. رجال الكشي.