الذنوب: لا كبيرة مع ’الاستغفار’ ولا صغيرة مع ’الإصرار’!

آية الله السيد منير الخباز
زيارات:1593
مشاركة
A+ A A-

 

ظلمة الروح واشراقة التوبة

بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحِيمِ

﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

انطلاقًا من الآية نتحدثُ فِي محاور روحِية ثلاثة:

المحور الأول الذنب وظلمتهُ فِي النفس، مَا هُو الذنب؟، وما هِي أنواعهُ؟، وما هُو أثرهُ على شخصية الإنسان؟

الذنب: هُو مُخالفة أمر الله او نهيهِ عن قصد وعمد. ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾

الذنب قد يكون ظاهرًا، وهُو ما لا يخجل الإنسان من مُمارستهِ، وقد يكون بَاطنًا وهُو مَا يتستر به الانسان عن أعين آخرين وَ كلهما خطير، ﴿وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾، والذنب قد يكون كبيرة وَ هُو كُل ذنبًا توعد الله عليه بِالنّارِ كَالكذب والغيبة وَ النميمة، كَهتك حرمات المُؤمنِين وَ الصغيرة ما لم يتوعد عليه بِالنّارِ لكنهُ ذنب، كَالنظر للمرأة الأجنبية بِشهوةِ، ولكن لا كبيرة مع الاستغفار وَ لا صغيرة مع الاصرار كما ورد عن الإمام البَاقِر . أن فعل كبيرة وتاب انمحت، وإن فعل صغيرة وأصر عليها تحولت ِإلى كبيرة، ﴿إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾، وللذنوب أثار خطيرة من الذنوب يُحبط الأعمال الصالحة كلها فِي الدنيا والاخرة.

﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾، وبعضُ الذنوب يُوجب أتقال سيئات الآخرين إليك، أنا إذا اغتبتُ إِنسان أخذت سيئاته وَحملتها معِي كما فِي الروايات الشريفة فِي تفسير قوله تعالى ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ وبعض الذنوب يوجب تضاعف العذاب، يُضاعف لها العذاب مرتين، والأثر التِي تشترك فيه كُل الذنوب صغيرة أم كبيرة هِي الحسرة، أن الإنسان يأتِي يوم القيامة فيرى نفسهُ فِي مكانِ لم يكن يتوقعه، في مكانِ نازل وَ موقعِ داني فيتألم وَ يتحسر. ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ  تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾.

المحور الثانِي: ظمأ الروح إلى معِين التوبة، مَا هِي التوبة؟، مَا هِي أقسامُ التوبة؟، ما هِي أهمية التوبة؟، وَ هل نحنُ نحتاج إِلى التوبة ام لا؟.

التوبة: هِي الرجوع إِلى الله بعد البعد عنه، اما لان الإنسان فعل ذنبًا فأبعدهُ عن ربه فِإذا رجع ِإلى ربهِ كان تائبًا ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وقد يكون البعد ليس بسبب الذنب ولكن الإنسان ترك مقامًا قربيًا عند الله ثم أراد أن يسترجع هذا المكان، هذا يسمى توبة. ولذلك قال تعالى ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ وقال عن موسى ابن عمران ﴿إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ التوبة تكون وقتية، وتكون نصوحة.

التوبة الوقتية هي توبتنا، نتوب ونعود إِلى الذنب ثم نتوب وَ نعود إِلى الذنب هذه توبة وقتية، لكن المُهم هُو التوبة النصوح، القرآن الكريم يقول ﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾. مَا هِي أهمية التوبة؟، اذا رجعنّا ِإلى الروايات والنصوص ونجد ان التوبة أمر مسيس بنا وبسلوكنّا أمر لصيق بحياتنّا دنيا وأخره.

مُعاوية بن وهب يسأل الإمام الصادق  يقول له إِذا تاب العبد إلى ربهِ يغفر الله لهُ كُل ذنوبه؟ قال إذا تاب العبد ِإلى ربهِ غفر الله لهُ ذنوبه كُلها وَ ستر عليه، قلت: فكيف يُستر عليه قَال يُنسي الملكين ان يكتب عليه ما كان يأتيهِ من الآثم وَ يوحِي إلى جوارحهِ وإلى البقاع التِي فعل فيها الذنب بأن لا تشهد عليه - لا جارحه وَ لا بقعه -، فإذا لقِي الله يوم القيامة لقيهُ كيوم ولدتهُ أمه. لا تشهد عليه جارحة ولا بقعةُ بذنبهِ.

محمد بن مسلم يسأل الإمام الصادق يقول: أن العبد يتوب ثم يعود إلى الذنب ثم يتوب ثم يعود إلى الذنب ثم يتوب مرارًا، فهل يقبل الله توبته؟ قال يا محمد نعم، كلما قبل العبد من ربه قبل توبته ومحى ذنبه ألم تقرأ قولهُ تعالى ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

هل نحنُ نحتاج ِإلى التوبة؟، مَا هِي حاجتنّا ِإلى التوبة؟، لنسأل أنفسنّا هذا السؤال، كُل واحد منّا يسأل نفسه هذا السؤال، كلامنا لا يختص بجماعه او بأحد كُلنّا نحتاج إلى التوبة كُلنّا معنيون بالتوبة كُلنّا مُفتقرون إلى التوبة، لماذا نحنُ نحتاجُ ِإلى التوبة؟، نحنُ نحتاج التوبة حاجتنّا ِإلى الماء، حاجتنا إلى الغداء والهواء نحنُ نحتاج ِإلى أن نجدد التوبة كُل يوم حتى لو كنّا مؤمنين حتى لو كُنّا مُتدينين، نحنُ نحتاج إلى التوبة لعدة أسباب:

السبب الأول:

أن الذنوب سودت قلوبنّا الذنب يوجب ظلمة النفس، والنفس إِذا أظلمت لم تتفاعل مع عبادة من العبادات، نحنُ نرى من أنفسنّا أننا لا نتفاعل مع العبادة ولا نشتاق للدعاء والمناجاة لا نشتاقُ لقراءةِ القرآن ولا نشتاقُ لنافلة وَ المُستحبات، عدم الشوق عدم الحُب وعدم التفاعل مع العبادة دليل على مُوت قلوبنّا، دليلُ على أن قلوبنا ماتت أرواحنّا جفت لذلك لا تتفاعل مع العبادة، نحنُ نُصلي ولكن لا نرى للصلاة أثر على قلوبنّا ولا أثر على سلوكنّا، وهذا يشهد أن قلوبنّا ميتة وَ أرواحنا يابسة وجافة لا نُّور فيها لا حياة فيها لا نبض فيها، فبالتالي نحنُ نحتاج إِلى النُّور. ورد عن الِإمام الصادق  «إذا اذنب العبد خرج في قلبه نكته سوداء فإن تاب انمحت وان عاد عادت فلا يُفلح بعدها ابدا» نفسهُ مُظلمة ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ قلوبنّا مُظلمة وتحتاجُ ِإلى نُّور وَ النُّور هُو التوبة ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾، نحنُ نحتاج إلى التوبة حاجتنّا ِإلى النُّور ﴿فمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾.

السبب الثانِي:

نحنُ نحتاج ِإلى التوبة حاجتنّا إِلى الهدوء والاطمئنان، هُناك فرق بين المُنافق وبين المؤمن أنت حاكم نفسك بنفسك، هل أنا منافق ام مؤمن؟ ورد في الحديث ”أن المنافق إذا أذنب كان ذنبه عنده كذبابة مرت على أنفه فأبعدها بيده“. لا يُبالي بالذنب ”والمؤمن إذا أذنب كان ذنبه كابي قبيس على صدره“ يُريد ان يُزيحه، المؤمن يتألم من الذنب المؤمن الحقيقي هُو الذي يشعر بلسعة الذنب هو الذي يشعر بوخزةِ المعصية هُو الذي يندم ويتحسر.

”إلهِي إنْ كانَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْب تَوْبَةً، فَإنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَإنْ كَانَ الاسْتِغْفارُ مِنَ الْخَطيئَةِ حِطَّةً، فَاِنّي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرينَ لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى“

المؤمن يتألم من ذنبهِ كثيرًا ويشعر بالقلقِ والأذى، لذلك المؤمن يحتاج ِإلى ما يعطيه الاستقرار إلى ما يعطيه الهدوء إلى ما يُعطيهِ الراحة، نحنُ كُلنّا فِي هذا العصر نشعر بالقلق هذا العصر عصر الأمراض والأوبئة المُنتشرة عصر الحروب، الإنسان يعيشُ فِي قلق في حيره يحتاج إِلى طاقة يعيش بها الهدوء والاطمئنان والاستقرار وهذا الاستقرار والهدوء لا تُأمنهُ ِإلا التوبة، التوبة ِإلى الله تغرس في داخلنّا حالةُ من الاطمئنان والهدوء وتزيل القلق من أنفسنّا ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ نحنُ نحتاج إلى التوبة حاجتنّا ِإلى الاستقرار.

السبب الثالث:

نحنُ نحتاج ِإلى المدد الإلهِي تمر بنّا أزمات ظروف قاهره خانقة نتوسل إلى الله نتضرع إلى الله أن يكشف عنا هذه الظروف الخانقة ولكن هل يستجب الله لنّا؟، اللهُ يقول لنّا ”عبدِي تعرف عليّ في الرخَاء أعرفك فِي الشدة“، إذا كنت تدعونِي دائمًا أجبتك وقت الازمة وقت الشده، من تعرف على ربه في الرجاء عرفهُ فِي الشده. ومن لم يتعرف على ربهِ في الرخاء قال الملائكة من هذا صوت غير مألوف لا نسمع إِليه!، نحنُ نحتاج أن نشعر أننا مرتبطون بالله حتى يهبنا الله المدد والعون نحنُ الفقراء إِلى الله ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ نحنُ عين الفقر عين الربط عين الحاجة، لذلك نحتاج إلى الله عز وجل ومن كان عين الفقر وعين الربط وعين الحاجة فلابد ان يُحسس نفسهُ دائمًا انهُ فقيرُ إلى الله يحتاج إلى المدد الإلهِي، يحتاج إلى العون الإلهِي.

كيف نحسس أنفسنّا أننا نحتاج إِلى الله؟، عبر التوبة لان التوبة رجوع إِلى الله يحسسنّا بالحاجة ِإلى الله يحسسنا بالافتقار إلى الله، لذلك التوبة هِي نفسها إلى توفيق من الله عز وجل لذلك قال الله عز وجل ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ الله يتوب علينّا، أي يوفقنّا للتوبة ثم نتوب ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ﴾ حاجتنا إلى التوبة هي حاجتنا إلى المدد والشعور بالعناية الِإلهِيه.

السبب الرابع:

نحنُ نحتاج إِلى التوبة لاغتنام الفرصة قبل ان يُفاجئنّا الموت.. الموت.. الموت خصوصًا فِي هذا الزمن مع كثرت الأمراض والاوبئة، الموت المفاجئ لا يستثني كبيرًا ولا صغيرًا، نحنُ نحتاج إلى التوبة قبل أن يفاجئنا الموت قبل أن نصل إلى مرحلة لا توبة فيها ﴿حتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾.

بادر إلى التوبة والإنابة قبل ان يفاجئنّا الموت إلى التوبة إلى الإنابة ِإلى الرجوع ِإلى الله ورد عن النبي ِ «ان العبد ليتوب الى ربه قبل سنة من موته فتغفر له ذنوبه كلها وان السنة لكثير، وان العبد ليتوب الى ربه قبل شهر من موته فتغفر له ذنوبه، وان العبد ليتوب ِإلى ربهِ قبل يوم فتغفر له ذنوبه، وان العبد يتوب ِإلى ربه قبل موتهِ بساعةِ فتغفر له ذنوبه، ثم قال وإن الساعة لكثير، وان العبد ليتوب ِإلى ربهِ قبل ان تصل نفسهُ ِإلى هُنا وأشر إلى حلقهِ فتغفر لهُ ذنوبه».

قال النبي لأبي ذر يا أبا ذر كن على عمرك أشح منك على دهرمك ودينارك، - العمر الدقائق التي تمر - ”يا أبا ذر بادر بأربعة قبل أربعة بشبابك قبل هرمك، بصحتك قبل سقمك، بغناك قبل فقرك، بحياتك قبل موتك“ اغتنام الفرصة قبل الموت أمر ضروري لأجل المُبادرة إلى التوبة.

السبب الخامس:

نحنُ نحتاج ِإلى التوبة، لان التوبة ترفع عنّا لهيب السعير، أتدرون ونحنُ في الدنيا نعيش في الذنوب نعيش في النّار الإنسان يبنِي نارهُ وهُو فِي الدنيا، ويبني جنتهُ وهُو فِي الدنيا، إذا كان مُواظب على الصالحات في بحبوحة من الجنّة لكنهُ لا يشعرُ بها، وإذا كان مًصرًا على المعاصِي فهُو يعيشُ فِي النّار وَ لا يشعرُ بها. هُو فِي الدنيا ويعيش في قلبِ النّار المعاصِي تكون جمرات ملتهبة ساعرة تحف من حولنّا من قرننا إلى قدمنّا معاصينّا جمار ملتهبة تلسعنا لكننا لا نشعر بها لأننا مشغلون بالدنيا نلهث وراء المادة نلهث وراء الترف نلهث وراء أنفسنّا، شغلتنّا أنفسنّا عن الشعُور بلسعة الجمرات الملتهبة التِي تحف بأجسادنّا، ولذلك الإمام زين العابدين  يقول ”اِلهي ظَلِّلْ عَلى ذُنُوبي غَمامَ رَحْمَتِكَ“.

انا إِنسان أعيشُ فِي الصحراء فِي الرمال الحارة تحت لهيب الشمس تلسعنِي ذنوبي كما تلسع الإنسان لهيب الشمس ولهيب الرمال الحارة، إذن احتاج إلى غمامة وَ هِي غمامة التوبة، ”اِلهي ظَلِّلْ عَلى ذُنُوبي غَمامَ رَحْمَتِكَ وَ اَرْسِلْ عَلى عُيُوبي سَحابَ رَأفَتِكَ“.

التوبة غمامة وسحابة تخفف عنّا هذا اللهب الذي يشتعل من ذنوبنّا ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ الحجر إِذا تحمل الحرارة أكل الجلد جلد الِإنسان، نحنُ لا نستطيع أن نمسك بإصبعنّا عود كبريت مشتعل فكيف نستطيع أن نعيش على حجارة مُلتهبة ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ﴾ لكما أرادوا أن يُخرجوا منها من غمًا أعيدُ فيها، نحنُ نحتاج إلى التوبة لتخلصنّا من سعير الذنوب ولهيب المعاصِي. فقلوبنّا ضما إلى التوبة ضمؤها إلى الهواء والماء والغداء.

المحور الثالث: النفس التوبة نفسُ مُطمئنة

 

هُنا سؤالان نسألهما أنفسنّا فيجيب كُل واحد منّا عن هذين السؤالِين بينهُ وبين نفسهِ هذه الليلة ليلة مراجعة بيننّا وبين أنفسنّا ساعة مُراجعة لِأنفسنّا.

السؤال الأول لمَاذا نُذنب ثم نتوب ثُم نُذنب، لماذا؟!، لماذا كُلما تُبنّا عدنّا ِإلى الذنبِ مرة أخرى، لمَاذا؟!، نحنُ ندخل المسجد نُصلِي جماعة ونستغفر وَ نتوب ثم إذا خرجنّا عدنّا إِلى الكذب ِإلى الغيبة والنميمة إلى العلاقات غير المشروعة ِإلى النظرة المشبوهة وغيرها من الذنوب، لماذا؟ مَا السبب؟، لماذا لا نثبت على التوبة؟!. لماذا لا نصمد على التوبة لماذا نكرر التوبة؟!، لماذا نكرر الذنب ونكرر المعصية؟!

”كُلَّما قُلْتُ قَدْ صَلَحَتْ سَريرَتي، وَقَرُبَ مِنْ مَجالِسِ التَّوّابينَ مَجْلِسي، عَرَضَتْ لي بَلِيَّةٌ اَزالَتْ قَدَمي، وَحالَتْ بَيْني وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ؟!، يِّدي لَعَلَّكَ عَنْ بابِكَ طَرَدْتَني، وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَني“ لماذا سيدي أصر على الذنب مع إني تُبت منه لماذا؟، هُناك عدت أسباب تسيطر علينّا وتجعلنّا نُصر على الذنب.

السبب الأول: سوء التربية

إذا كُنت قد ربيت على ان لا أُبَالِي بالأخطاء لا أُبَالِي بالذنوب، كلما أخطأت قالوا لِي ستصبح جيدًا في المستقبل. كلما ارتكبتُ ذنبًا قالوا لِي هذا غُبار بسيط وسينتهِي، لما عصيتُ قيل لِيّ هذا أمر عَابِر وسينتهِي، إذا رُبيت على عدم المبالاة بالذنوب كثرت جُرأتِي على الله. كثر اعتدائي على حرمات الله لأنني شخص غير مُبالي بالأخطاء غير مُبالِي بالذنوب والمعاصِي. ويتحمل الاسر أبوأي مُجتمعي أسرتِي الذي علمنِي على ان لا أُبالي بالذنوب رحم الله والدين حمل ولدهما على طاعة الله، ولعن الله والدين حمل ولدهما على معصية الله.

السبب الثاني: قلة الحياء

 

لعلى الاباء ربونا على الطاعة لكنني قليل الحياء مع الله، أنا استحي ان أرتكب الذنب امام صديقي، أستحي ان أرتكب الذنب أمام أُسرتي، أستحي أن أرتكب الذنب أمام النّاس لكنني لا أستحي أن أرتكب الذنب أمام الله، أنا أتعامل مع الله بقلة الحياء لا أستحي من ربي إلى متى وقد كبر سنِّي؟!، إلى متى أستحِي من ربِّي؟!، ما عذر من بلغ العشرين، الأربعين، الخمسين أن هجعت عيناه عن طاعة كسلوا، ِإلى متى سأستحِي من ربِي؟!.

”أَنا يارَبِّ الَّذِي لَمْ أَسْتَحْيِكَ فِي الخَلاءِ وَلَمْ اُراقِبْكَ فِي المَلاءِ، أَنا صاحِبُ الدَّواهِي العُظْمى، أَنا الَّذِي عَلى سَيِّدِهِ اجْترى، أَنا الَّذِي عَصَيْتُ جَبَّارَ السَّماء، أَنا الَّذِي أَعْطَيْتُ عَلى مَعاصِي الجَلِيلِ الرُّشا، أَنا الَّذِي حِينَ بُشِّرْتُ بِها خَرَجْتُ إِلَيْها أَسْعى، ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي، أما آن لي أن أستحيي من ربي؟!.“

السبب الثالث: ضعف الخوف من الله

نحنُ لا نخاف من الله، نخاف من الدولة نخاف من القوي نخاف من المسؤل من الاسرة من الناس، لكنني لا أخاف من الله، لو كنت أخاف الله خوفًا حقيقًا لما عصيتُ الله بكُل جرئه لو كن أخاف الله لقلت لنفسي ﴿إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ورد عن الصادق ”خف الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وان كنت لا ترى إنهُ لا يراك فقد كفرت، وان كنت ترى إنه يراك ثم برزت إليه بالمعصية فقد جعلتهُ من أعظم الناظر إليك“ إِلهي سامحني، إِلهِي أنا أتحداك بالمعصية أنا أحتقرُ نظرك أحتقر رقابتك، أنا أُصر على الذنب أين لِي الخوف وأنا مصر على الذنب ومزاولات المعصية.

السبب الرابع: ضعف الإرادة

لو كُنت أملك إِرادة قوية لوقفة أمام شهوتِي أمام غريزتي لقلتُ لشهوتِي لا لا.. لا أصنع الذنب ابدًا، لكنني لا أملكُ رجولة لا أملك بطولة لا أملك إرادة صلبة ابدًا، لا أملك عزمًا صامدًا لا أملك عزمًا راسخًا. لذلك أتوب أحضر المأتم أبكِي أحضر الدعاء أبكِي أنوح أنتحب لكنني بمجرد أِنني أتعرض لِ أغراء المعصية والشهوة. أنقاد وراء نفسي أسترسل وراء شهواتِي لأنني لا أملك ِإرادة قوية ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾، ومع ذلك ياربي ومع ذلك يا إِلهِي أنا أسرفتُ فِي الذنوب أسرفتُ فِي المعاصِي إِلّا أنني أكرر التوبة أُكرر التوبة. لماذا؟، لأنني أحبك ولأن الذنب لا يضرك ولأن رحمتك الواسعة التِي شملت كُل شيء تشملنِي. أنا العبد الصغير الفقير المسكين المستكين. إِلهِي.. ِإلهِي كيف أدعوك وقد عصيتك؟!، كلما أردت أن أدعوك تذكرتُ المعصية!، إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك، فكيف لا أدعوك وقد عرفتك، وحبّك في قلبي مكين، مددت إليك يداً بالذنوب مملوّة، وعيناً بالرجاء ممدودة،

مولاي!.. أنت عظيم العظماء وأنا أسير الأُسراء، أنا أسيرٌ بذنبي مرتهنٌ بجرمي. «كُلنّا أسير لذنبهِ لمعصيتهِ»

إلهي!.. لئن طالبتني بذنبي لأُطالبنّك بكرمك، ولئن طالبتني بجريرتي لأُطالبنّك بعفوك.. ولئن أمرت بي إلى النار لأُخبرنّ أهل النّار بِحُبِي لك.

اللهم إن الطاعة تسرّك والمعصية لا تضرّك، فهب لي ما يسرّك، واغفر لي ما لا يضرّك.

الطريقُ لتربية الخوف في قلوبنّا الطريقُ لزرع الإرادة في نفوسنّا البكاء، من لا يبكِي لا يتغير البكاء طريق التغير، من لا يرق قلبه للموعظة لا يتغير من لا ترق نفسه للموعظة لا يتغير. البكاء طريقنّا

إلهِي! اَعِنّي بِالْبُكاءِ عَلى نَفْسي، فَقَدْ اَفْنَيْتُ بِالتَّسْويفِ وَ الاْمالِ عُمْري، وَمالي لا اَبْكي وَلا اَدْري اِلى ما يَكُونُ مَصيري، وَقَدْ خَفَقَتْ عِنْدَ رَأسي اَجْنِحَةُ الْمَوْتِ، فَمالي لا اَبْكي اَبْكي، لِخُروجِ نَفْسي، اَبْكي لِظُلْمَةِ قَبْري، اَبْكي لِضيقِ لَحَدي، اَبْكي لِسُؤالِ مُنْكَر وَنَكير اِيّايَ، اَبْكي لِخُرُوجي مِنْ قَبْري عُرْياناً ذَليلاً حامِلاً ثِقْلي عَلى ظَهْري، الِإمام زين العابدين يعُلمنّا في مُناجَاةِ التَائِبين كيف نُربِي أنفسنّا. اِلهي اَلْبَسَتْنِى الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتي، وَجَلَّلَنِى التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتي، وَاَماتَ قَلْبي عَظيمُ جِنايَتي، فَاَحْيِهِ بِتَوْبَة مِنْكَ يا اَمَلي وَبُغْيَتي، وَ يَا سُؤْلِي وَ مُنْيَتِي، فَوَ عِزَّتِكَ مَا أَجِدُ لِذُنُوبِي سِوَاكَ غافِراً، وَلا اَرى لِكَسْري غَيْرَكَ جابِراً،... فَاِنْ طَرَدْتَني مِنْ بابِكَ فَبِمَنْ اَلُوذُ، وَاِنْ رَدَدْتَني عَنْ جَنابِكَ فَبِمَنْ اَعُوذُ، فَوا اَسَفاهُ مِنْ خَجْلَتي وَافْتِضاحي، وَوا لَهْفاهُ مِنْ سُوءِ عَمَلي وَاجْتِراحي.... اِلهي بِقُدْرَتِكَ عَلَيَّ، تُبْ عَلَيَّ وَبِحِلْمِكَ عَنّىِ، اعْفُ عَنّي وَبِعِلْمِكَ بي، اَرْفِقْ بي.. إِلهِي أَنْتَ الَّذي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ بَابَاً إلَى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ فَقُلْتَ تُوبُوا إِلى الله تَوْبَةً نَصُوحاً فّما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ البابِ بَعْدَ فَتْحِهِ؟ إِلهِي إنْ كانَ قَبُحَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ فَلْيَحْسُنُ العَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ، إِلهِي ما أَنا بِأَوَّلِ مَنْ عَصاكَ فَتُبْتَ عَلَيْهِ وَتَعَرَّضَ لِمَعْرُوفِكَ فَجُدْتَ عَلَيْهِ، يا مُجِيبَ المُضْطَرِّ يا كاشِفَ الضُّرِّ يا عَظِيمَ البِرِّ يا عَلِيماً بِما فِي السِّرِّ يا جَمِيلَ السِّتْرِ اسْتَشْفَعْتُ بِجُودِكَ وَكَرمِكَ إِلَيْكَ وَتَوَسَّلْتُ بِجَنابِكَ وَتَرَحُّمِكَ لَدَيْكَ، فَاسْتَجِبْ دُعائِي وَ لا تُخَيِّبْ فِيكَ رَجائِي..

التوبة تخلق الشخصية المطمئنة، هُناك توبة طارئة وهناك توبة ابتدائية، فِإذا أذنب ثم تاب فهِي توبة طارئة، وهناك شخص اصطفاهُ الله من الأصل فكانت توبته ذاتية. الحّر بن يزيد الرياحي بعد إِن أذنب تحرك ِضميره نحو التوبة وانتفض جسمهُ ورتعشى بدنهُ ارتعشت التوبة والانابة.

مواضيع مختارة