ورد عن الامام موسى بن جعفر الكاظم، عليه السلام، أنه قال: "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيّئاً استغفر الله" الوسائل 16/95، الباب 96 من جهاد النفس، الحديث 1.
وهذا الحديث المعصومي الشريف يتجل لنا في عدة مضامين:
المضمون الأول: ليس منا تحتمل معاني، فالمعنى الأول نفي مرتبة من مراتب الإسلام نظير ما ورد من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم أو ليس بمسلم فإنه ينفي مرتبة من مراتب الإسلام.
والمعنى الثاني: المراد بليس منا، أي ليس على نهجنا فان نهجنا نهج التأسي بالنبي (صلى الله عليه وآله)، (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) سورة الأحزاب – الآية 21، فمن لم يحاسب نفسه كل يوم فليس على منهج التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله) "حاسبوا أنفسكم قبل ان تحاسبوا وزنوها قبل ان توزنوا". وسائل الشيعة ج: 16 ص.
المعنى الثالث: انه ليس من تلك الفئة المضمونة الشفاعة، وهي الفئة التي أشار إليها القرآن الكريم (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)، سورة النساء - الآية 69، فليس منا، أي ليس من هذه الفئة الذين حسنت رفقتهم وكانوا مشمولين ومضمونين في الشفاعة.
الإيمان يساوق المسؤولية
المضمون الثاني: ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم، ظاهر هذا الحديث ان الايمان مساوق للمسؤولية، فمن لم يشعر بالمسؤولية ليس بمؤمن، بل الانسان بنفسه بصيرا، وقال الله تعالى: (عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) سورة المائدة – الآية 105، محاسبة النفس تكشف عن أحساس بالمسؤولية أتجاه النفس، اتجاه العمل، اتجاه الأخرة، اتجاه ما وراء ذلك، فالأنسان الذي يشعر بالمسؤولية يحاسب نفسه، الانسان الذي يشعر بالمسؤولية في الوظيفة يحاسب نفسه في الوظيفة، يتقيد بالنظام، والأنسان الذي يشعر بالمسؤولية في دراسته يحاسب نفسه يتابع دراسته، وأيضاً الذي يشعر بالمسؤولية في أسرته يحاسب نفسه يحاول ان يصلح أمور هذه الأسرة كما أن الإنسان الذي يشعر بالمسؤولية اتجاه قبره، أتجاه الدار الأخرة، اتجاه مصيره هو الانسان الذي يحاسب نفسه كل يوم. فالأيمان يساوق للشعور والإحساس بالمسؤولية، ليس الإيمان مجرد أجواء فأن كنت مع المؤمنين وفي أجواء العتبات المقدسة فأنا المؤمن المقبل على العبادة، وأن كنت في أجواء أخرى لم يكن لي إقبال على العبادة، ولم يكن لي ارتداع عن المعصية، ولم تكن لي حصانة على الوقوع في الزلات، هذا هو الإيمان، الإيمان ثابت، ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) سورة ابراهيم - الآية 26، الإيمان قول ثابت، ومعنى قول ثابت باعتبار إنه يرتكز الإحساس بالمسؤولية، لا فرق بين الأجواء المختلفة والمجتمعات المختلفة.
المضمون الثالث: المحاسبة أسلوب وقاية وتربية، وليست أسلوب علاج، أي ليس المقصود بأنه يحاسب نفسه، أو إنه إذا صار في معرض المعصية فإنه يحاسب نفسه، فالمطلوب ان يكون محاسب نفسه أبتداءً، وان كان على طريق الطاعة، وان كان على طريق الاستقامة (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) سورة هود – الآية 112، مع ذلك نهجه نهج المحاسبة، لأن المحاسبة أسلوب تربية وأسلوب وقاية، فهو يربي نفسه على ان تتألم للمعصية، فهو يربي نفسه على ان تحذر من المعصية، وان تتذكر الأخرة في كل لحظة، هذه المحاسبة أسلوب تربية وأن لم يفعل معصية، وهي أسلوب وقاية وأن لم يقترب من المعصية، لذلك نص الحديث على ان تكون كل يوم مع أن الأنسان لا يعصي ربه كل يوم، "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم" الوسائل 16/95، الباب 96، من جهاد النفس، الحديث 1، فالتنصيص على كل يوم للتأكيد على إن هذا أسلوب تربية وأسلوب وقاية، وليس أسلوب علاج ورفع للمعصية، فلابد كل يوم قبل الصباح أو بعد الليل أما قبل يومه ولو ببعض دقائق، أو أول جلوسه ولو بدقائق، ماذا سأفعل وماذا فعلت؟ سؤال يطرحه على نفسه، إذا علم نفسه على أن يطرح هذا السؤال على نفسه وان يسترجع شريط الأمس ماذا فعلت وماذا سأفعل، هذين السؤالين إذا طرحهما الأنسان على نفسه كل يوم، تعلم على الإحساس بالمسؤولية، وتربى على يتوقف قبل أن يقتحم، وعلى أن يدرس الأمور قبل أن يجتاز فيها، "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم" فإن عمل حسنة استزاد الله، وربى نفسه على الاستزادة (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ) سورة آل عمران – الآية 133، وأن عمل سيئة استغفر الله وتراجع (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) سورة الأنفال – الآية 2.
تقرير: السيد علاء العوادي