تعارف بين الناس في المعاملات المالية أن الشخص الذي يرغب في شراء بضاعة أو عقار يعطي للبائع ـ بعد أن يوافق على السعر ـ مبلغا من المال (يسمى بالعَرَبون) وفي المقابل يكون البائع ملزما بحجز البضاعة أو الامتناع عن بيعها لطرف آخر لفترة معينة على الا يكون للمشتري حق الرجوع فيما دفع من العربون لو أعرض عن الشراء.
قبل بيان الحكم الشرعي نتوقف قليلا لبيان معنى العربون لغة واصطلاحا، ثم نتبعه ببيان آراء الفقهاء فيه.
العربون ـ لغة:
الْعَرَبُونُ بفتح العين والراء، وَالْعُرْبُونُ على وزن عُصْفورٍ، لغَة فيه. وَالْعُرْبَانُ بضم العين لغة ثالثة. وهو أعجمي معرب، وفسروه لغة: بما عقد به البيع. (المصباح المنير).
وذَكر ابن الاثير في (النِّهاية) بقوله: (قيل: سُمِّي بذلك لأنّ فيه إعراباً لعقد البيع؛ أي إصلاحاً وإزالة فساد لئلاَّ يملكه غيره باشترائه).
العربون ـ اصطلاحا:
العربون له معنى واحد عند الفقهاء: هو أن يبذل المشتري مبلغاً مِن المال مقدّماً بعد تمام عقد الشراء، على أن يكون للمشتري الخيار (أي: للمشتري فسخ العقد وتركه) مدة معلومة، فإن قرّر إمضاء الشراء صار العربون جزء من الثمن، وإن قرّر العدول عن الشراء فهل يكون العربون مستحقاً للبائع او لا؟.
قال العلامة الحلي قُدِّس سرُّه في التذكرة في بيان العربون: وهو أن يشتري السلعة فيدفع درهماً أو ديناراً على أنّه إن أخذ السلعة كان المدفوع من الثمن، وإن لم يدفع الثمن وردّ السلعة لم يسترجع ذلك المدفوع.
( تذكرة الفقهاء :1/174).
لكن السؤال الأهم هو: هل يجوز للبائع ان يأخذ العربون على تقدير اعراض المشتري عن السلعة او لا يجوز؟
هناك خلاف بين الفقهاء في جواز أخذ العربون من قبل المالك، بعض الفقهاء ذهب الى عدم جواز اخذه، واستدلوا على عدم جواز اخذه بعدة ادلة منها: ان الاصل بقاء العربون على ملك مالكه وهو المشتري .
وهو ما استدل به العلاّمة الحلي وقال: الأصل بقاء الملك على المشتري فلا ينتقل منه إلاّ بوجه شرعي. ( نهاية الإحكام:2/523)
وذهب البعض الى جواز اخذ العربون من قبل البائع واستدلوا له بدليلين:
الاول: أنّ العربون عوض عمّا منعه ذلك من النفع، قال ابن الجنيد رحمه الله: العربون من جملة الثمن، ولو شرط المشتري على البائع أنّه جزء من الثمن فهو، و إلاّ فالعربون له كان ذلك عوضاً عمّا منعه من النفع، وهو التصرف في سلعته. ( مختلف الشيعة:5/317ـ318.)
فالعربون عند ابن الجنيد رحمه الله عوضٌ عما يمنع البائع مِن التصرّف في ماله.
الثاني: قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): المؤمنون عند شروطهم
والشرط في العربون حين انشاء المعاملة بدفع جزء من الثمن من المشتري في مقابل له حق فسخ المعاملة الى مدة معلومة في قبال هذا المقدار (العربون)، ويبقى البائع منتظراً تلك المدة، فأما أن تتم المعاملة بدون فسخ فيكون ما دفع جزء من الثمن، أو يتم الفسخ فيرجع الثمن بشرط ان يستلم البائع مقدار العربون الذي هو في مقابل انتظاره لمعرفة لزوم المعاملة أو فسخها، وقد استحق العربون بالشرط.
رأي المرجع الأعلى
وهذا ما يظهر من جواب مقدم لمكتب سماحة المرجع الأعلى للشيعة السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله عن العربون:
سؤال: العربون الذي يدفعه المشتري مسبقاً قبل استلام السلعة هل يجوز للبائع اخذه عند تراجع المشتري؟
الجواب: إذا كان العربون جزء من الثمن في البيع الواقع بينهما وقد اشترط المشتري لنفسه حق الفسخ مع الالتزام بتمليك العربون الى البائع على تقدير اعمال هذا الحق لزمه الوفاء بهذا الالتزام.
ويتبين من هذا ان المشتري يشترط بالعربون حق الفسخ له ضمن المدة المحددة المتفق عليها بينه وبين البائع، وفي حال عدم التزام المشتري بدفع بقية الثمن يكون للبائع الحق بأخذ الثمن المدفوع مسبقا (العربون).