هذه الحادثة معروفة ومشهورة، كتب عنها الكثير من المؤرخّين، وبحسب ما يقتضي المقام سنقتصر في إيراد ما جرى على كتاب (منهج الرشاد لمن أراد السداد للشيخ جعفر كاشف الغطاء)، إذْ جاء في الصفحة 510 وما بعدها ما يلي:
لقد كان الشيخ كاشف الغطاء مدركا المتغيرات السياسية، والصراع القائم بين القوى المتنازعة على الخليج فحاول أن يظهر النجف مركزا مستقلا عن مدار صراعات دول المنطقة، وأن يجنب المرجعية الدينية العليا من الدخول في هذا الصراع.
ومن هنا يمكن تفسير العلاقة الودية التي أقامها مع شيخ الوهابية بالمكاتبة مرة، وبتقديم الهدايا مرة أخرى، ونجاحه في حفظ الكيان الشيعي بعيدا عن المتغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة.
وبمقدار النجاح الذي حققه كاشف الغطاء مع الشيخ عبد الوهاب، فإنه أراد أن ينحو المنحى نفسه مع وريثه الأمير عبد العزيز بن سعود، وهو وإن نجح في تحييده قرابة العقد من الزمن إلا أن ذلك لم يمنع ابن سعود من غزو مدينة كربلاء المقدسة عام 1216 ه، ونهب (الكنوز) المودعة في حرم الإمام الحسين بن علي عليه السلام، وقتل أهالي البلدة قتلة مأساوية شنعاء.
إن الهجوم الوهابي على (كربلاء) عام 1216 ه لم يكن مستهدفا الشيعة بمقدار ما كان يهدف إلى إحلال الفوضى في الأمبراطورية العثمانية، وتهديد سلامتها وسرقة الخزائن التي ملأها ملوك الهند والفرس بنفائس الجواهر في النجف وكربلاء.
وبعد واقعة كربلاء عام 1216 ه / 1801 م أحس كاشف الغطاء بضرورة تحصين النجف، وتعبئة الأهالي للدفاع عنها. فتهيأت لذلك مراكز تدريب قتالية خارج البلدة يشرف عليها كاشف الغطاء بنفسه. كما تم تعيين عدد من المقاتلين للحراسة، وتنظيم المجاميع الأخرى للتصدي للغزو الخارجي من وراء الأسوار.
وقد فشلت جميع الهجمات الوهابية الخمسة التي تكررت على النجف والتي كان أعنفها الهجمة التي حدثت أواخر عام 1218 ه / 1803 م حيث دافع النجفيون دفاعا عنيفا، ولم تستطع القوة الغازية من اقتحام المدينة.
وفي عام 1221 ه / 1806 م تعرضت النجف لغارة مفاجئة إلا أن ثقة النجفيين بممارساتهم القتالية وتحصنهم بالأسوار والأسلحة جعلهم يتغلبون هذه المرة على القوة المهاجمة بسهولة. (منهج الرشاد) - النسخة الخطية وهي نسخة مكتوبة في حياة المؤلف، وقريبة لزمن التأليف كتبها العلامة الشيخ قاسم الدلبزي سنة 1210 ه / 1795 م، وعليها تعليق له.