فرغبات الأطفال قبل مرحلة الحبو تتوافق مع احتياجهم، ولكن هذا يتغير مع تقدمهم في العمر، حيث يبدؤون في طلب أمور تتعارض مع احتياجاتهم، وأحيانًا مع أمنهم وتطورهم الطبيعي، والدراسات تقول إن الأطفال الذين لا توضع لهم حدود لا يتّسمون لاحقًا بالانضباط الذاتي.
ولتوضيح الأمر أكثر إليكم تسعة عيوب للتربية بلا قواعد (التربية المتساهلة):
١- حينما يسمح الآباء بأمور لا يجب السماح بها، تكون النتائج فادحة: فمثلًا، السماح بالسهر لوقت متأخر في الليل يجعل الطفل مجهدًا وعصبيًا على مدار اليوم، وغير قادر على إنجاز أي نشاط يتناسب مع سنه، كما أن هذا يؤثر على نفسية الطفل وثقته بنفسه، لأنه سيشعر أنه غير قادر على القيام بأمور يستطيع أنداده القيام بها بسهولة.
٢- أحيانًا نُحقق رغبات الطفل على حساب رغبات غيره: فمثلًا، أن يرغب أحد الأطفال وربما يكون الأصغر بالذهاب لمكان معين، ويُجبر بقية الإخوة على الذهاب، فحين يتكرر هذا الأمر، سيجعل هذا التصرف الطفل مدللًا وأنانيًا، وقد لا يراعي مشاعر الآخرين مستقبلًا، ويرى حاجاته ورغباته هي الأولوية.
٣- يتعلم الطفل أن الحزن والإحباط مشاعر غير محتملة: فالطفل حين يلاحظ أن والديه يحميانه من التعرض لأية مشاعر سلبية كمشاعر الإحباط والحزن، فإنه سيحرص مستقبلًا على تفادي تلك المشاعر التي يظن أنها غير محتملة البتة، وهذا لدرجة قد تجعله يفعل أي شيء، لئلا يمر بتلك المشاعر، وقد تغدو بعض تلك الأشياء مُدمِّرة أو غير أخلاقية، كما أنه سيتجنب جميع أنواع المخاطرات، وسَيُصِر أن يسير كل شيء على هواه.
حين يلاحظ الطفل أن والديه يحميانه من التعرض لأية مشاعر سلبية كمشاعر الإحباط والحزن، فإنه سيحرص مستقبلًا على تفادي تلك المشاعر التي يظن أنها غير محتملة البتة.
٤- لن يتعلم الطفل أن يضع لنفسه حدودًا وقواعد بإرادته: فالإنسان يحتاج في مرحلة الدراسة والحياة العملية أن يضع الكثير من القواعد والحدود من أجل تحقيق أهدافه، وعدم معرفته لهذا الأمر من الصغر لعدم تطبيق والديه له أثناء التعامل معه، لا ريب سيؤذيه فيما بعد.
٥- سيتعلم الطفل أن السعادة تتم بتحقيق رغباته الواحدة تلو الأخرى: فالاستجابة لجميع طلبات الطفل أمر غير منطقي، كما أنه ليس في صالح الطفل على المدى البعيد، فالحياة مليئة بالتحديات والأمور التي قد لا يمكن تحقيقها في مرحلة ما، فلا بدّ للطفل أن يتعلم أنه يمكنه أن يكون سعيدًا وراضيًا بما هو موجود الآن، وما أمكن تحقيقه وإن قلَّ.
الاستجابة لجميع طلبات الطفل أمر غير منطقي، كما أنه ليس في صالح الطفل على المدى البعيد، فالحياة مليئة بالتحديات والأمور التي قد لا يمكن تحقيقها في مرحلة ما.
٦- عجز الطفل عن تحقيق السلام الداخلي: فالإحباط والغضب والحزن هي مشاعر تشكل جزءًا من حياتنا، فأن يحرص الآباء دومًا على جعل أبنائهم يتجاهلون تلك المشاعر، فكأنهم يجعلونهم يكرهون الحياة وبالتالي أنفسهم، حين تنتابهم تلك الأحاسيس.
٧- الأطفال بحاجة أن يعرفوا أن الآباء موجودون لحمياتهم: فالأطفال في الحقيقة يرغبون في القواعد، وإن لم يعترفوا صراحة بذلك، فهم يرغبون في وجود أحد مسؤول عنهم، بل الأكثر من هذا، فغياب شخص يتحمل مسؤوليتهم يُعتبر أمرًا مخيفًا بالنسبة لهم.
٨- القيام بتنازلات تتعلق بأمور مهمة بالنسبة للآباء: فقد يسمح بعض الآباء بأن يعاملهم أبناؤهم معاملة سيئة، أو أن يجعلوا أبناءهم يقضون فترة طويلة أمام التلفاز وألعاب الكمبيوتر، بدل التركيز على دراساتهم أو نشاطات أخرى أكثر نفعًا، فهذه تعتبر تنازلات في غير محلها، وهي تؤذي الطفل ووالديه على المدى القريب والبعيد، ففي المثال الأول سينشأ الطفل عاقًا، وفي الثاني لن يهتم بدراسته، ولن يتمكن من تحديد الأولويات في حياته.
٩- التساهل في التربية يؤثر على العلاقة بين الوالدين والطفل: فحين يشعر الطفل أن لا أحد مسؤول عنه، وأنه غير قادر على الاعتماد على والديه لمساعدته، فإنه لن يشعر بالارتباط بهما، كما أنه سيفقد احترامه لهما، ويتحداهما رغبة منه في إرساء القواعد. فإذن، من المهم وضع قواعد وحدود للأطفال سواء في الرغبات أو التعامل، ولكن دون تشديد وتقيد لحريتهم، فليس المقصود من إرساء القواعد هو التضييق على الأطفال، فلا التساهل بغير حدود محبَّذ، ولا كثرة القواعد وتشديد القيود محبَّب! فكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وخير الأمور الوسط.
*تسنيم عبد الرحمن النمر