إن الإمام علياً حينما استلم الخلافة كانت مرافق الدولة آنذاك مملوءة بالثغرات والعيوب، ولم يمكن للإمام علي عليه السلام في الأيام الأولى إصلاح جميع الأخطاء وجميع المعايب التي كانت في مرافق الدولة، لأن ذلك كان سبباً لهياج الناس عليه، فلو نلاحظ أن الإمام علياً دخل مسجد الكوفة أيام شهر رمضان ورأى الناس تصلي النافلة جماعة، ولمّا أراد أن ينبه الناس على أن النافلة لا تقع جماعة وإنما تقع فرادى، قام كثير من الناس في وجهه وصاحوا، وقالوا «وا سنة عمراه» لأن الخليفة الثاني هو الذي سنَّ الجماعة في النافلة المعبر عنها في شهر رمضان بصلاة القيام وصلاة التراويح، فإذا كان هذا الأمر البسيط الذي هو من الأمور الشرعية والذي يعلم المسلمون أن علياً باب مدينة العلم للنبي صلى الله عليه وآله، ومع ذلك ثاروا في وجهه لأنه أراد تغييره، فكيف بالأمور الأخرى التي لها صلة بأموال الناس وصلة بمعائشهم، فلذلك رأى الإمام انه لا يمكنه إصلاح كل الأخطاء في مرافق الدولة في الأيام الأولى، فأراد أن يبدأ بالأولويات، فبدأ أولاً بعزل معاوية بن أبي سفيان، لأنه كان رأس الغدر والنفاق، ونتج عن ذلك حرب طاحنة وهي حرب صفين، وبدأ بالمساواة في الخراج فليس لأحد راتب أكثر من مسلم آخر من دون فرق بين القرشي وغيره والعربي وغيرهن وهذا أيضاً أجّج كثيراً من الصحابة ضد الإمام لأنه ساوى بينهم وبين غيرهم من المسلمين في رواتب الخراج، ووضع نظام الشرطة لإصلاح أمور الناس، كما وضع نظاماً اقتصادياً لحفظ الثروات وتوزيعها.
فمسألة بقاء شريح القاضي وبقاء زياد بن أبيه واليا لفترة قصيرة على البصرة بعد مجيء الإمام إلى الخلافة كان لأجل أنه لم يمكن إحداث هذا التغيير في الأيام الأولى.