أمّا الرّوايات الإسلامية وفي مختلف مصادرها عرّفت هذا الرجل باسم (الخضر) ومن بعض هذه الرّوايات نستفيد بأنّ اسمه الحقيقي كان (بليا بن ملكان) أمّا الخضر فهو لقب له، حيث أنّه أينما كان يطأ الأرض فإنّ الأرض كانت تخضر تحت قدميه.
البعض احتمل أنّ اسم الرجل العالم هذا هو (إلياس) ومن هنا ظهرت فكرة أن إلياس والخضر هما اسمان لشخص واحد.
ولكن المشهور المعروف بين المفسّرين والرواة هو الأوّل.
وطبيعي أن نقول: إنّ اسم الرجل العالم أيّا كان فهو غير مهم لا لمضمون القصّة ولا لقصدها، إذ المهم أن نعرف أنّه كان عالما إلهيا، شملته الرحمة الإلهية الخاصّة، وكان مكلّفا بالباطن والنظام التكويني للعالم، ويعرف بعض الأسرار، وكان معلّم موسى بن عمران بالرغم من أنّ موسى عليه السلام كان أفضل منه من بعض الجوانب.
وهناك أيضا آراء وروايات مختلفة فيما إذا كان الخضر نبيّا أم لا.
ففي المجلد الأوّل من أصول الكافي وردت روايات عديدة تدل على أنّ هذا الرجل لم يكن نبيّا، بل كان عالما مثل (ذو القرنين) و (آصف بن برخيا) (١).
في حين نستفيد من روايات أخرى أنّه كان نبيّا، وظاهر بعض الآيات أعلاه يدل على هذا المعنى، لأنّها تقول على لسانه: (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي). وفي مكان آخر قوله :(فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ ...).
ونستفيد من روايات أخرى أنّ الخضر عمّر طويلا.
وهنا قد يطرح هذا السؤال: هل ذكرت قصّة موسى وهذا العالم الكبير في مصادر اليهود والمسيح؟
في الجواب نقول: إذا كان المقصود هو كتب العهدين (التوراة والإنجيل) فإنّ ذلك غير مذكور فيهما، أمّا بعض كتب علماء اليهود التي تمّ تدوينها في القرن الحادي عشر الميلادي، ففيها قصّة تشبه إلى حد كبير حادثة موسى عليه السلام وعالم زمانه بالرغم من أنّها تذكر أنّ أبطال تلك القصّة هما (إلياس) و (يوشع بن لاوي) وهما من مفسّري (التلمود) في القرن الثّالث الميلادي، وتختلف من خلال عدّة أمور عن قصّة موسى والخضر، والقصة هذه هي:
«وهو (اي يوشع) يطلب من الله أن يلقى الياس ، وبمجردّ أن يستجاب دعاؤه ويحظى بلقاء الياس فإنّه يرجوه أن يطلعه على بعض الأسرار. فيجيبه الياس : إنّك لا طاقة لك على تحمّل ذلك ، إلّا أن يوشع يصّر ويلحّ في طلبه فيستجيب له الياس مشترطا عليه أن لا يسأل عن أيّ شيء يراه ، وإذا تخلّف يوشع عن هذا الشرط فإنّ الياس حرّ في الانفصال عنه وتركه ، وعلى أساس هذا الاتّفاق يترافق يوشع والياس في السفر.
وأثناء سفرهما يدخلان إلى بيت فيستقبلهما صاحب البيت أحرّ استقبال ويكرم وفادهما. وكان لأهل ذلك البيت بقرة هي كلّ ما يملكون من حطام الدنيا حيث كانوا يوفّرون لأنفسهم لقمة العيش من بيع لبنها. فيأمر الياس صاحب البيت أن يذبح تلك البقرة ، ويستولي على يوشع العجب والاستغراب من هذا التصّرف ويدفعه ذلك لأن يسأله عن المبرّر لهذا الفعل. فيذكّره الياس بما اتّفقا عليه ويهددّه بمفارقته له فيصمت يوشع ولا ينبس بكلمة.
ومن هناك يواصلان سفرهما إلى قرية أخرى فيدخلان إلى بيت شخص ثريّ وينهض الياس إلى جدار في ذلك البيت يشرف على السقوط فيرمّمه ويقيمه. وفي قرية أخرى يواجهان عددا من سكان تلك القرية مجتمعين في مكان معيّن ولا يعيرون هذين الشخصين بالا ولا يواجهونهما باحترام. فيقوم الياس بالدعاء لهم أن يصلوا جميعا إلى الرئاسة. وفي قرية رابعة يواجههما سكّانها باحترام فائق فيدعو لهم الياس بأن يصل شخص واحد منهم فحسب إلى الرئاسة. وبالتالي فإنّ يوشع بن لاوى لا يطيق الصبر فيسأل عن الوقايع الأربع ، ويجيبه الياس : بأنّه في البيت الأوّل كانت زوجة ربّ الدار مريضة ولو أنّ تلك البقرة لم تذبح بعنوان الصدقة فإنّ تلك المرأة تموت ويصاب صاحب الدار بخسارة أفدح من الخسارة التي تلحقه نتيجة لذبح البقرة ، وفي البيت الثّاني كان هناك كنز ينبغي الاحتفاظ به لطفل يتيم ، وأمّا إنّه قد دعوت لأهل القرية الثّالثة بأن يصلوا إلى الرئاسة جميعا فذلك لكي تضطرب أمورهم ويختلّ النظام عندهم. على العكس من أهل القرية الرّابعة فإنّهم إذا أسندوا زمام أمورهم إلى شخص واحد فإنّ أمورهم سوف تنتظم وتسير على ما يرام» (2).
ويجب عدم التوهّم أنّنا نرى بأنّ القصتين هما قصة واحدة، بل إنّ غرضنا الإشارة إلى أنّ القصة التي يذكرها علماء اليهود يمكن أن تكون قصة مشابهة أو محرّفة لما حصل أصلا لموسى عليه السلام والخضر، وقد تغيرت بسبب طول الزمان وأصبحت على هذا الشكل.
*آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الهوامش: 1 أصول الكافي ، المجلد الأوّل ، باب «إنّ الأئمّة بمن يشبهون فيمن مضى» ، ص ٢١٠. 2 ما ورد أعلاه منقول عن كتاب (أعلام القرآن) ، ص ٢١٣.