والتشبُّه بالنساء يكون بالتكسُّر والتأنُّث، ويكون بمثل لبس القميص والسروال والثوب وما يُوضع على الرأس، وما يلبس في الرِجل كالنعال والحذاء، وما يوضع في العنق كالقلادة وما يُلبس في اليد كالأساور والخواتيم، كلُّ ذلك وشبهه يُعدُّ من أنحاء التشبُّه بالنساء فيكون موجبًا للدخول في دائرة اللَّعن النبويِّ -نعوذ بالله تعالى من سخطه- والمراد من اللَّعن هو الطرد من رحمة الله والخذلان وإيكال الإنسان إلى نفسه، ومَن أوكلَه اللهُ إلى نفسِه هلَك.
وورد عن الرسول الكريم (صلَّى الله عليه وآله) أنَّه قال: "أخرجوهم" يعني المتشبِّهين بالنساء "أخرجوهم من بيوتكم فإنَّهم أقذرُ شيء"([2]).
ومعناه النهي عن مجالستِهم ومخالطتهم وأنَّ لمخالطتهم تبعات وعواقب ممقوتة، ورُوي عن عليٍّ (عليه السلام) أنَّه رأى رجلًا به تأنيث في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: اخرُجْ من مسجد رسول الله صلَّى الله عليه وآله يا لعنةَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال عليٌّ (عليه السلام): سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وآله يقول: لعنَ الله المتشبِّهين من الرجال بالنساء، والمتشبِّهات من النساء بالرجال"([3]).
وثمة روايةٌ أخرى عن الإمام عليٍّ (عليه السلام) قال: "كنتُ مع رسول الله صلَّى الله عليه وآله جالسًا في المسجد حتى أتاه رجلٌ به تأنيث فسلَّم عليه، فردَّ عليه السلام ثم أكبَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله إلى الأرض يسترجعُ ثم قال: مثلُ هؤلاء في أُمَّتي، إنَّه لم يكن مثلُ هؤلاء في أُمَّةٍ إلا عُذِّبت قبل الساعة"([4]).
فمعنى قوله (ع) "رجلٌ به تأنيث" هو أنَّه يُشبهُ الإناث إمَّا في لباسه وتصفيف شعره أو في مشيته وحركات جسده، وهذا إمَّا أنْ ينشأ عن التربية الخاطئة كالذي يُنشَّأ في الحلية كما تنشَّأ النساء فيعتادُ على الرقَّة والنعومة وحبِّ التزيُّن ويحاكي النساء في حركاتهن لأنَّه تربَّى في أوساطنَّ أو ينشأ ذلك عن خللٍ في طبيعة خلقه وتكوينه، ومثل هذا لا بدَّ من معالجته وترويضه ليكتسب بالترويض ما يسدُّ الخلل الذي ابتُلي به. فالأمَّة التي تترك مثل هؤلاء على رسْلِهم ودون معالجة تكون في معرض العذاب.
وقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وآله فيما رُوي عنه: "لعن اللهُ وأمَّنت الملائكة على رجلٍ تأنَّث، وامرأةٍ تذكَّرتْ، ورجلٍ جلس على الطريق يستهزئ بابن السبيل"([5]).
ثلاثة أصناف من الناس لعنَهم الرسولُ (ص) في هذه الرواية، فلعَن رجلًا تأنَّث أي تشبَّه بالإناث في لباسه أو مشيه أو أفعاله، ولعَنَ امرأةً تذكَّرت أي تشبَّهت بالذكور، ولعَن رجلًا يجلسُ في طريق المسلمين يستهزأ بابن السبيل يعني يستهزأ بالمارَّة اللذين يعبرون الطريق.
والتشبُّه -كما ذكرنا- لا يختصُّ بالثياب، نعم هو مِن أبرز مظاهر التشبُّه لكنَّه لا يختصُّ به، فلبسُ الرجل -مثلًا- للقلادة التي تلبسُها المرأة يُعدُّ من التشبه، وتصفيف الرجل شعره بالكيفيَّة التي تُصفف بها المرأة شعرها يُعدُّ من التشبُّه، ولبس الرجل خاتمًا يُشبه خاتم المرأة يعدُّ من التشبه، وكذلك لو لبس الرجل نعلًا أو حذاء يُشبهُ نعل المرأة أو حذاءها فهذا يُعدُّ من التشبه، وهكذا فإنَّ من التشبُّه أنْ يمشي الرجل متكسِّرًا كما تمشي النساء، وثمة صور أخرى كثيرة للتشبُّه بالنساء منها كما ورد في الروايات أنْ يلبس الرجل ثيابًا يجرُّها كما نجدُ ذلك شائعًا في أوساط الأولاد، يمشي أحدُهم وثيابه تزحف على الأرض، فقد ورد أنَّ الإمام (ع) رأى رجلًا يجرُّ ثيابه فانزعج لذلك وقال: أكرهُ للرجل أنْ يتشبَّه بالمراة" فاعتبر لبس الثياب الطويلةِ الذيل من التشبُّه بالمرأة.
*سماحة الشيخ محمد صنقور
الهوامش: [1]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج17 / ص285. [2]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج17 / ص285. [3]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج17 / ص284. [4]- وسائل الشيعة -الحر العاملي- ج17 / ص285. [5]- مستدرك الوسائل -النوري- ج17 / ص122.