يمكننا تصنيف الناس في علاقتهم مع ربهم سبحانه إلى صنفين:
الأول: من يعيش حالة الخوف منه تعالى وأنه سوف يوقع به العقاب والعذاب ويصيبه منه السخط، حتى يصل إلى اليأس من رحمته سبحانه.
الثاني: من يعيش حالة واسعة جداً من رجاء رحمته وعفوه ومغفرته تصل به إلى درجة الاستخفاف بالتكاليف الشرعية والأحكام الإلهية.
ويعود وجود الصنفين لما تلقياه من تعليم وتعريف بالله سبحانه منذ البداية، فأولهما قد زرع في عقله منذ صغره أمر واحد وهو أن الله تعالى يعاقب المذنبين في الدنيا بحلول الأمراض والبلاء عليهم والفقر، وفي الآخرة بدخول النار ونيل عذابها، فلا يعرف بعض الناس من الدين والقرآن الكريم إلا العذاب في القبر، وعذاب جهنم، وما شابه ذلك، وليس للجنة حيز في ثقافته أصلاً.
ومن الطبيعي أن يترك هذا النوع من الثقافة أثره على الإنسان، فيكون دافعه لامتثال الأوامر الإلهية والعبادات الخوف من العقاب والعذاب، لأنه يخشى أن يصيبه الضرر المادي في أمواله وأولاده ونفسه، أو في تجارته.
وعليه، سوف تكون عبادته عبيد العبيد وليست عبادة أخرى وهي أسوأ مراتب العبودية لله تعالى.
وعلى نقيض الصنف الأول، يعيش الثاني، فإن حالة الرجاء الواسع التي قد ربي وثقف بها تجعله يستخف بالتكاليف الإلهية وعدم العناية بتكوين علاقة مع الباري سبحانه، فهو يعيش حالة من الأمن من العذاب.
ولا ريب في عدم صحة منهج كلا الصنفين لوجود خلل فيه، والصحيح تبعية المنهج القرآني في كيفية الخوف من الله تعالى، وهو المنهج القائم على الموازنة بين عنصري الخوف والرجاء، وإليه يشير قوله تعالى:- (ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذوراً).
أسباب الخوف من الله:
لا ريب في وجود مجموعة من الأسباب توجد حالة الخوف الإيجابي عند العبد:
منها: ارتكاب الذنوب والمعاصي.
ومنها: الإحساس بعدم أداء العبد ما هو المطلوب منه، فهو يشعر دائماً بالتقصير أمامه تعالى.
ومنها: محبة العبد لربه، وهو ما يشير إليه أمير المؤمنين(ع): في دعاء كميل بقوله: أني أحبك.
كيف نخاف الله؟
أما كيفية الخوف من الله تعالى فتتضح من خلال النواحي التالية:
الأولى: شمولية الخوف ليكون في السر والعلن على حد سواء، فلا يكون الخوف منه في العلن وأمام الناس دون السر حال انفراد العبد فلا يخاف منه.
الثانية: سعة الخوف منه تعالى ليشمل الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وعدم الفرق بينهما.
الثالثة: الشعور بقانون المراقبة الإلهي.
الرابعة: اللجوء إلى الله والفرار إليه، فإن كل خائف من شيء يلجأ لمأمن إلا الخائف منه سبحانه وتعالى فإنه يلجأ ويفر له عز وجل.
ومع الإحاطة بالمنهج القرآني المطلوب في العلاقة مع الله تعالى، وكيفية تحصيله، ومعرفة الأسباب الموجبة لتوفر الخوف المطلوب عند العبد.
تبقى الإجابة على حصول الخوف منا فعلاً، فهل نحن نخاف من الله تعالى حقاً وحقيقة، أم أن خوفنا منه سبحانه لا يخرج عن كونه خوفاً صورياً، للاطمئنان برحمته وعفوه ومغفرته؟
إن الإجابة عن ذلك تكون بيد العبد، فهو الذي يقرر إن كان يخاف الله تعالى فعلاً، أم أنه يخافه خوفاً صوريا.
*الشيخ محمد العبيدان