فقيلَ: أحدَ عشرَ ذكراً وثلاثُ بناتٍ، (ينظرُ: تاجُ المواليد ص103). وقيلَ: ثلاثةَ عشرَ ذكراً وبنتٌ واحدةٌ، (ينظر: مناقبُ آلِ أبي طالب ج3 ص192). وقيلَ: خمسةَ عشرَ ولداً ذكراً وأنثى، ينظر: (الإرشادُ ج2 ص20). وقيلَ: ثلاثةٌ وعشرونَ ولداً ذكراً وأنثى، (ينظر: لبابُ الأنسابِ ج1 ص342، المُختصرُ في أخبارِ البشرِ ج1 ص183). وهناكَ أقوالٌ أخرى، ولكنّها مِن حيثُ العدد دونَ القولِ الأخير.
وأمّا عددُ زوجاتِ الإمامِ المُجتبى (عليهِ السّلام): فقد أحصى بعضُ المُحقّقينَ [ينظر: سيرةُ الحسنِ (عليهِ السّلام) ج2 ص112] أسماءَ النّساءِ اللاتي ذُكرَ في أنّهنَّ نلنَ شرفَ الزوجيّةِ بالإمامِ (عليهِ السّلام) أو المشكوكِ بزواجهنّ، فإذا بها لا تزيدُ على العشرين. ومنَ المعلومِ أنّ هذا العددَ يتناسبُ معَ عددِ الأولاد.
والأقوالُ المذكورةُ عندَ المؤرّخينَ وغيرِهم في عددِ زوجاتِ الإمامِ كثيرةٌ جدّاً، يصعبُ الرّكونُ لها والجمعُ بينَها، بل بعضُها غريبةٌ وشاذّةٌ، والملاحظُ أنّ جملةً مِنها لمُستشرقينَ ولعلماءِ المُخالفينَ، وقد ذهبَ بعضُ المُحقّقينَ إلى أنّ هناكَ أياديَ مُغرضةً للمساسِ بسبطِ النبيّ الأكرمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) واللمزِ به ـ كما سيأتي الإشارةُ لها، ينظر: سيرةُ الحسنِ (عليهِ السّلام) في الحديثِ والتّاريخ ج2 ص95، موسوعةُ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) ج11 ص447.
وأمّا ما حُكيَ في كتبِ الإماميّةِ عَن أئمّتِنا (عليهم السّلام) بهذا الخصوصِ فهوَ ما رُويَ في [الكافي ج6 ص56] عنِ الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السّلام): « إنّ الحسنَ بنَ عليٍّ (عليهما السّلام) طلّقَ خمسينَ إمرأةً، فقامَ عليٌّ (عليهِ السّلام) بالكوفةِ فقالَ: يا معاشرَ أهلِ الكوفةِ، لا تُنكحوا الحسنَ، فإنّهُ رجلٌ مطلاقٌ، فقامَ إليهِ رجلٌ فقالَ: بلى واللهِ لنُنكحنَّه، فإنّهُ إبنُ رسولِ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وإبنُ فاطمةَ (عليها السّلام)، فإن أعجبَتهُ أمسَك وإن كرهَ طلّق »، وهذهِ الرّوايةُ في سندِها كلامٌ لدى المُحقّقينَ، فحكمَ عليها مثلَ العلّامةِ المجلسيّ بالجهالةِ، (ينظر: مرآةُ العقولِ ج21 ص96).. وهيَ مُرتبطةٌ بما وردَ مِن أنّ الإمامَ الحسنَ كانَ مِطلاقاً.
وهذهِ الرّواياتُ التي ذكرَت أنّ الإمامَ الحسنَ (عليهِ السّلام) كانَ مِطلاقاً فيها مناقشاتٌ صدوريّةٌ ودلاليّةٌ، نذكرُ بعضَها على نحوِ الإجمال:
الأوّلُ: أنّ أسانيدَ الرّواياتِ في ذلكَ ليسَت نقيّةَ الإسنادِ، وفيها مجالٌ للمُناقشةِ بأسانيدِها والقدحِ بها وفقَ جملةٍ مِن مباني العلماءِ، ومجرّدُ ورودِها في كتبِنا لا يجعلُها مسلَّمةً عنِ المُناقشةِ والنّقدِ. خصوصاً أنّ كثرةَ الزّوجاتِ لا يتناسبُ معَ عددِ الأولادِ، كما أنّه لم يُعثَر على أسماءٍ تزيدُ على العشرينَ إسماً مِن زوجاتِه (عليهِ السّلام)، يضافُ لذلكَ ما قيلَ مِن أنّهُ لم يُعثَر في التاريخِ على أنّ الإمامَ (عليهِ السّلام) طلّقَ زوجةً غيرَ عائشة الخثعميّة التي أظهرَت الشّماتةَ بقتلِ أميرِ المؤمنينَ (عليهِ السّلام)، فقالَ لها الحسنُ (عليه السّلام): « ألِقتلِ عليٍّ تُظهرينَ الشّماتةَ؟! إذهبي فأنتِ طالق » [ينظر: تاريخُ دمشقَ ج13 ص249]، فأينَ كثرةُ الطّلاق؟!
الثاني: لو فرضنا أنّها سليمةُ الإسنادِ، ولكنّها مِن أخبارِ الآحادِ، وهيَ حجّةٌ في المسائلِ الشرعيّةِ، وأمّا المسائلُ المعرفيّةُ كقضيّتِنا التي نبحثُ عنها ـ فلا يكفي كونُ الخبر ِواحداً، بل يجبُ أن يكونَ متواتراً أو واحداً مجبوراً ومحفوفاً بالقرائنِ الموجبةِ للقطعِ، كما هوَ مبنى جماعةٍ منَ الأعلامِ ـ كالآخوندِ الخراسانيّ ـ في معنى الحُجّيّةِ مِن أنّها جعلُ المُنجزيّةِ والمعذريّةِ، وهيَ لا تتعقّلُ إلّا فيما إذا كانَ لمؤدّاهُ أثرٌ شرعيّ، وهوَ مُنتفٍ في المقامِ، (ينظر: مصباحُ الأصولِ ج2 ص239).
الثالثُ: لو سلّمنا أنّها تامّةُ الصّدورِ، فإنّ هذهِ الرّوايةَ المرويّةَ عنِ الإمامِ الصّادقِ (عليهِ السّلام) وغيرِها، فيقالُ بأنّها صدرَت منَ الأئمّةِ (عليهم السّلام) على نحوِ التقيّةِ؛ فإنّ أحدَ أنواعِ التقيّةِ هوَ الإخبارُ بما هوَ متداولٌ عندَ الغيرِ، ومثلُ هذا ـ أي كونُ الحسنِ مِطلاقاً ـ قضيّةٌ إشتهرَت في زمانِه لدى الأغيارِ، والإمامُ جاراهُم في ذلكَ تقيّة. وقد رجّحَ مثلُ الشيخِ باقر شريف القرشيّ (رحمَه اللهُ) أن يكونَ أصلُ القضيّةِ مِن إفتعالاتِ أبي جعفرٍ المنصورِ العباسيّ ـ وعنهُ راجَت بينَ المؤرّخينَ والنّاسِ ـ؛ بسببِ ما قامَ بهِ الحسنيّونَ منَ الثّوراتِ التي كادَت أن تطيحَ بسلطانِه، وقد خطبَ خُطباً مليئةً بالأكاذيبِ والمُغالطاتِ للقدحِ والنّيلِ مِن أميرِ المؤمنينَ وإبنِه الحسنِ (عليهما السّلام)، ينظر: موسوعةُ سيرةِ أهلِ البيتِ (عليهم السّلام) ج11 ص456.
الرّابعُ: أنّ المُسلمينَ كانَت لهُم الرّغبةُ بنيلِ شرفِ الإتّصالِ بالنبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وكانوا يعرضونَ على الإمامِ الحسنِ (عليهِ السّلام) الزّواجَ مِن بناتِهم، معَ تخييرِه بالإمساكِ أو الطّلاقِ، حيثُ كانَت غايتُهم شرفُ المُصاهرةِ معَ ذريّةِ النّبيّ الأعظمِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وهوَ فخرٌ ومجدٌ غيرُ خافٍ على العاقلِ المُنصفِ، معَ ما كانَ للحسنِ (عليهِ السّلام) مِن جمالٍ وصفاتٍ وسجايا، وكانَ الحسنُ (عليهِ السّلام) يُلبّي طلبَهم وينزلُ تحتَ رغبتِهم..
وهذا ما وردَ في نفسِ تلكَ النّصوصِ، فقد وردَ في نفسِ الرّوايةِ المُتقدّمةِ مِن قولِهم لأميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام): « بلى واللهِ لنُنكحنّهُ، فإنّه إبنُ رسولِ الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله) وإبنُ فاطمةَ (عليها السّلام)، فإن أعجبَتهُ أمسكَ وإن كرهَ طلّق». وقد جعلَ الشّيخُ الكلينيّ هذهِ الرّوايةَ وغيرَها ضمنَ (بابِ تطليقِ المرأةِ غير ِالموافقةِ)، والمُرادُ هوَ طلاقُ الزّوجاتِ اللّاتي لم يحصُل توافقٌ بينهنَّ وبينَ الزّوجِ، وفي مثلِ ذلكَ لا غضاضَة منَ الطّلاقِ كما لا يخفى.