يرى خبير التربية الوالدية والعلاقات الأسرية، الدكتور يزن عبده، أن بعض مدارسنا طاردة وليست جاذبة، وهناك ظاهرة قديمة حديثة في عدد كبير من المدارس عنوانها "ملل الطلبة من المدرسة".
ويتابع أن هذ الظاهرة "تظهر على شكل عدم رغبة الأبناء في الذهاب للمدارس، سواء أكان ذلك بتصريح مباشر وواضح للأهل، أم عن طريق التمارض حتى لا يذهب الطفل للمدرسة، إضافة إلى تفشي ظاهرة التسرب من المدارس التي تدل على وجود الملل من الحياة المدرسية".
ومن أهم أسباب هذه الظاهرة هي أن المدرسة قاصرة وبشكل كبير عن تحقيق المتعة عند الأبناء، فالعديد من الأساليب التعليمية تميل إلى التلقين وصب المعلومات في عقل الطلبة، الأمر الذي يرفضه الطلبة، وبالتالي ينتظرون انتهاء اليوم الدراسي بفارغ الصبر، ويشعرون أنهم داخل سجن لا يحترم قدراتهم ولا يلبي حاجتهم للمتعة، فليست هناك أساليب ممتعة تثير التحدي الإيجابي عند الطلبة، وليس هناك تعلم عن طريق المشاريع، ولا حتى أنشطة ممتعة لتقديم المعلومة والوصول إلى المعارف التي ترغب المدرسة في إيصالها للطلبة، وفق الدكتور عبده.
المدرسة طاردة وليست جاذبة للطلبة!
ويقول عبده "نجد أن التعليم في العديد من دول العالم أصبح يعتبر الطالب محور العملية التعلمية، فيبحث عن أفضل المراجع التي ترتقي بالطالب وتزيد من حبه للتعلم والمعرفة، بينما لا تزال العديد من مدارسنا ترى أن الكتاب المدرسي هو محور العملية التعليمية، وعلى الطلبة أن يختموا الكتاب من الجلدة للجلدة، من دون أن تأبه المدرسة بتنوع مصادر المعرفة التي تقدم لهم".
ويضيف أن من المشاكل أيضا "البيئة المكانية للمدرسة التي تعد في بعض جوانبها غير مناسبة؛ فمن دورات المياه الخربة، إلى المشارب غير المناسبة، إلى اكتظاظ الصفوف بأعداد كبيرة من الطلبة، إلى التهوية غير المناسبة، إلى البرد القارص في العديد منها في الشتاء، والحر اللاهب في الصيف، وغيرها من الأمور التي تجعل المدرسة طاردة -وليست جاذبة- للطلبة".
المدارس لا تطلق العنان لتطوير الهوايات
ويرى الدكتور عبده أن المدارس لا تطلق العنان لتطوير الهوايات والمهارات الفنية والرياضية بشكل كاف، فحصص الفن أو الرياضة غير مهمة في النظام التعليمي العربي، وإن حضر الطالب هذه الحصص يجدها مملة تقليدية بعيدة كل البعد عن اكتشاف قدراته فيها فضلا عن تطويرها.
أما عن نظام التقييم والامتحانات فحدث ولا حرج، وفق عبده، إذ يعتبره بعض الطلبة نظاما لا يقيس قدراتهم العقلية بقدر ما يقيس قدرتهم على الحفظ واسترجاع المعلومات المحفوظة، وتعد أيام الامتحانات عصيبة عليهم، فيشعرون فيها بالتوتر والخوف بل والرعب، وتصبح مشاعرهم في غاية السوء، وبلا شك فإن هذه المدرسة التي تشعرهم بهذه المشاعر تكون طاردة لهم ومملة للغاية.
ويكمل عبده "ولا ننسى عدم مواكبة المدارس والمناهج في المدارس للتطور الذي يعيشه الأبناء، فهم يشعرون بأنها تحد من قدراتهم ولا تنميها، وكثيرا ما نسمع من الطلبة أن المادة الفلانية ليست لها علاقة بالحياة، ولا نستفيد منها، فلماذا ندرسها؟! وهم محقون في ذلك، فالعديد من المواد تناسب طلبة ولا تناسب آخرين، وبالتالي يشعرون بالملل من المدرسة وما يتعلق بها".
علاقة الملل بفرط الحركة والتشتت
وحول أسباب ملل الطالب في المدرسة، يعلق الدكتور أمجد جميعان -وهو مستشار أول في الطب النفسي للأطفال- "أود في البداية الإشارة إلى اضطراب فرط الحركة والتشتت، إذ إن معدل انتشاره عالميا بين 5-10%"، ويوضح أن هناك 3 أنواع من هذا الاضطراب:
- فرط حركة وتشتت.
- تشتت وعدم تركيز وسرحان داخل الصف.
- فرط حركة فقط.
ويشرح الدكتور جميعان "المهم لدينا هنا الشكل الثاني، وهو تشتت ونسيان وسرحان داخل الصف، وهو شائع أكثر عند الإناث، فنجد الطالبة أو الطالب لا يرغب في الذهاب إلى المدرسة أو ينام في الحصة، ودوما يشكو من المدرسة والواجبات، بالإضافة إلى ظهور أعراض القلق والاكتئاب لدى عدد كبير منهم، لأنه لم يتم فهم مشكلته".
ويضيف الاستشاري جميعان أن "هذا -حسب رأيي- شائع وأشاهده بشكل متكرر في العيادة لدى بعض الأطفال والأحداث، بسبب عدم القدرة على التركيز، فيصبح الطفل عدائيا ويتكرر هروبه من المدرسة".
ويرجح الدكتور أن السبب الثاني للملل يأتي من البيت، بعدم الإشراف على نوم الأطفال، وعدم توفر ضوابط داخل البيت، ومنها الاستعمال المفرط للأجهزة الإلكترونية، فنجد الطلب يسهر كثيرا، ويذهب للمدرسة كسولا يرغب في النوم.
البيئة المدرسية
ويشرح جميعان أن البيئة المدرسية، بما فيها من عدم اهتمام وتسيب، تسهم في شعور الطفل بالملل في المدرسة، إلى جانب التنمر بالمدارس.
أيضا من أسباب شعور الطالب بالملل من المدرسة عدم توفر الأنشطة المدرسية غير المنهجية، لتحفيز الطالب، وعدم توفر نماذج يقتدي بها الطالب حتى يحب مدرسته، إلى جانب البيئة المدرسية غير المحفزة، مثل اكتظاظ الصفوف، وعدم اهتمام الإدارة، فيشعر بالكسل والملل طوال الوقت، وفق الاستشاري جميعان.
ويشير إلى أن الفقر المادي والأوضاع المعيشية الصعبة عند الطالب تظهر لديه رغبة في مغادرة المدرسة والتوجه للعمل، بسبب ظروف عائلية.
مشكلة شائعة جدا
تقول ناتالي غوين -الحاصلة على درجة الدكتوراه، وأستاذة الإرشاد المدرسي في جامعة والدن، ومعالجة في غرينزبورو بولاية كارولينا الشمالية الأميركية- إن "هذه مشكلة شائعة جدًا، أشجع الآباء والمعلمين على التفكير في ما يمكن فعله للمساعدة في تعزيز مشاركة أطفالهم وتعلمهم"، حسب ما نشر موقع "فري ويل فاميلي" (verywellfamily).
كيف يمكن للمربين المساعدة؟
تقول غوين إن "هناك العديد من الطرق التي يمكن بها للآباء والمعلمين مساعدة الأطفال الذين يشعرون بالملل في المدرسة، أولا وقبل كل شيء، من المهم الكشف عن أسباب عدم مبالاة طفلك؛ بهذه الطريقة يمكنك التوصل لحلول تعالج المشكلة حقا، وستكون قادرا بشكل أفضل على التحدث إلى الطلاب والتعاطف مع موقفهم إذا فهمته حقا، وستأخذ الأمر بجدية إذا فهمت ما يحدث وكيف يشعرون تجاه المدرسة".
ودعت غوين إلى سؤال الطفل عن تفاصيل ما فعله في المدرسة، ما الذي وجده مملا، أو مثيرا للاهتمام أو التحدي، وما إلى ذلك. وترى أن هذه المحادثات يمكن أن تساعدك بالبدء في التركيز على ما قد يسهم بفهم مشاعر اللامبالاة.
وتضيف أنه غالبًا عندما يكون لديك طلاب لديهم احتياجات لم تتم تلبيتها، فإن النتيجة ستكون طلابًا غير متفاعلين. ولكن بمجرد أن تستكشف ماهية الاحتياجات التي لم تتم تلبيتها، وتبدأ في معالجتها، سيبدأ الطالب غالبًا في الشعور بمزيد من المشاركة وأقل مللًا في المدرسة.
كما ينصح بإشراك كل من المعلم والطفل، ونصحت الخبيرة بالتحدث إلى معلمي طفلك وجعلهم يعرفون ما يجذب طفلك وما لا يجذب انتباهه؛ فتقول "تحدث معهم حول ما ينقله طفلك لك من دون إلقاء اللوم على المعلم. حاول كبح أي سلبية وقدم ملاحظات بناءة حول ما يحتاجه طفلك. ضع في اعتبارك إشراك طفلك بهذه العملية".
وتختم الأستاذة الجامعية في الإرشاد المدرسي بقولها إنه من الضروري عدم تجاهل مخاوف الطفل، وتصديقه عندما يقول إنه يشعر بالملل؛ "اجلس مع المعلم لتبادل الأفكار والتوصل إلى حلول لإبقاء طفلك منخرطًا ومتحمسًا بشأن حياته المدرسية اليومية".
منى خير