خلو القرآن من أسماء الأئمة.. هل ذكر القرآن كل أسماء الأنبياء؟


زيارات:5519
مشاركة
A+ A A-

 

في سياق سرد الإجابات عن خلو القرآن الكريم من أسماء الأئمة عليهم السلام، يمكن لنا وعلى غرار جواب الصحابي ابن مسعود لأم يعقوب الأسدية القول: إن خلافة علي باسمه جاءت في القرآن.

والمقصود بإجابة ابن مسعود لأم يعقوب هو ما نقله البخاري عن ابن مسعود إنه قال يوما: «لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُوتَشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ» فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي لا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}([1])؟ قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا([2]).

فعلى طريقة ابن مسعود هذه وبعد أنْ ثبت لدى المسلمين جميعاً أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) نص على أمير المؤمنين (عليه السلام)، كما سيأتيك شطراً منها، يمكننا أن نجيب وبضرس قاطع عن الإيراد: نعم لقد نص القرآن الكريم على إمامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) باسمه وصفته.

الإمامة العامة والخاصة في القرآن

كما أن عقيدتنا بالإمامة على وزان عقيدتنا بالنبوة من جهة الوساطة بين الخلق وبين الخالق وعليه، فكما إن الحديث عن النبوة كأصل ديني ومقام إلهي ورد في القرآن دون ذكر أسماء الانبياء ولو بنسبة واحد بالمائة منهم ذلك إن عددهم (عليهم السلام) مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، فكذا الحال لنظيرتها (أعني الإمامة)، فقد وردت كأصل ومنصب ألهي ومقام رباني، كما مرت علينا دون ذكر أسماء جميع الأئمة.

إذن، فلو خلينا نحن والقرآن وسبرنا آياته لوجدناه يذكر النبوة والإمامة كمقامين ومنصبين وشأنين إلهيين دون ذكر أسماء اشخاص المنصبين، وهذا العرض القرآني للإمامة اتخذ شكلين في حقيقته:

أ- فتارة نجد القرآن يعرض للإمامة أو الخلافة العامة أو لائمة وخلفاء لله في ارضه قد سبقوا النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) وامثلة ذلك كثيرة، وشواهده القرآنية وفيرة هاك سطراً منها:

1- {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([3]). وقد سبقت الإشارة اليها.

2- {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}([4]).

3- {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}([5]).

4- {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}([6]).

5- {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}([7]).

ب - والشكل الاخر لعرض القرآن للإمامة يتمثل بالإمامة الخاصة لأهل البيت، وبسط القول فيها يحتاج منا عقد بحوث موسعة لا يسعها هذا الموجز، لذا سنقتصر هنا على موضع الحاجة للتذكير ليس غير، ولعلنا نوفق لبحثها لاحقا إن شاء الله تعالى.

1- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}([8]).

وفيما يرتبط بوجه الاستدلال بهذه الآية على إمامة أهل البيت (صلوات الله عليه) سئل أبو محمد الفضل بن شاذان النيشابوري (رحمه الله) فقيل له: ما الدليل على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ فقال: الدليل على ذلك من كتاب الله عز وجل، ومن سنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، ومن إجماع المسلمين. فأما كتاب الله تبارك وتعالى فقوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنكُمْ) فدعانا سبحانه إلى طاعة أولي الأمر كما دعانا إلى طاعة نفسه وطاعة رسوله، فاحتجنا إلى معرفة أولي الأمر كما وجبت علينا معرفة الله تعالى، ومعرفة الرسول (عليه وآله السلام)، فنظرنا في أقاويل الأمة فوجدناهم قد اختلفوا في أولي الامر، وأجمعوا في الآية على ما يوجب كونها في علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال بعضهم: اولي الأمر هم أمراء السرايا، وقال بعضهم: هم العلماء. وقال بعضهم: هم القوام على الناس، والآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، وقال بعضهم: هم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة من ذريته (عليهم السلام)، فسألنا الفرقة الأولى فقلنا لهم: أليس علي بن أبي طالب (عليه السلام) من امراء السرايا؟ فقالوا: بلى، فقلنا للثانية: ألم يكن (عليه السلام) من العلماء؟ قالوا: بلى، فقلنا للثالثة: أليس علي (عليه السلام) قد كان من القوام على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ فقالوا: بلى، فصار أمير المؤمنين (عليه السلام) معيّناً بالآية باتفاق الأمة واجتماعها، وتيقنا ذلك بإقرار المخالف لنا في الإمامة والموافق عليها، فوجب أن يكون إماما بهذه الآية لوجود الاتفاق على أنه معني بها، ولم يجب العدول إلى غيره والاعتراف بإمامته لوجود الاختلاف في ذلك وعدم الاتفاق وما يقوم مقامه من البرهان..."([9]).

2ـ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}([10])، والآية صريحة في حصر الولاية في ثلاثة: الله تعالى، ورسوله، والذين آمنوا، بأقوى ادوات الحصر (إنما) وبالرغم من تواتر النقل بنزولها في أمير المؤمنين، وأنه المعني بـقوله تعالى " الذين آمنوا " لكنا ننقل شهادتين لعالمين كبيرين من المخالفين:

الأول: قال الألوسي عنها "..وغالب الإخباريين على أنها نزلت في علي (كرم الله تعالى وجهه) .."([11]).

الثاني: وقال الاسيوطي بعد سرد سبب نزول آية الولاية في أمير المؤمنين: فهذه خمس طرق لنزول هذه الآية الكريمة في التصدق على السائل في المسجد يشد بعضها بعضا "([12]).

3ـ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}([13]).

 وهذه هي الأخرى نزلت في ولاية أمير المؤمنين كما نُقل في أخبار العامة والخاصة، وحسبك ما رواه البغدادي في تاريخه:

".. عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَنْ صَامَ يَوْمَ ثَمَانِ عَشْرَةَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كُتِبَ لَهُ صِيَامُ سِتِّينَ شَهْرًا، وَهُوَ يَوْمُ غَدِيرِ خُمٍّ لَمَّا أَخَذَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ أبي طَالِبٍ، فَقَالَ: " أَلَسْتُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ؟ "، قَالُوا: بَلَى يا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ"، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: بَخٍ بَخٍ لَكَ يَابْنَ أبي طَالِبٍ أَصْبَحْتَ مَوْلايَ وَمَوْلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}"([14]).

ويتلخص هذا الجواب فيما يلي:

الإمامة كالنبوة فكما ان الله لم ينص على أسماء الأنبياء لا جميعا ولا نصفهم ولا ربعهم ولا حتى واحد بالألف منهم كذلك الحال بالنسبة للإمامة نعم ذكر النبوة كأصل لكنه في المقابل ذكر الإمامة كأصل أيضاً، العامة منها والخاصة، فهما من هذه الجهة متكافئتان فما يقوله المعترض عن النبوة وأسماء الانبياء نقوله في الامامة وأسماء الأئمة.

يتبع...

من كتاب: "خلو القرآن الكريم من أسماء الأئمة.. معالجة جذرية لمشكلة متجددة" – صادر عن شعبة البحوث والدراسات في قسم الشؤون الدينية – العتبة الحسينية المقدسة

 


([1]) سورة الحشر: 7.

([2]) البخاري: ح: 4507.

([3]) سورة البقرة: 124.

([4]) سورة الأنبياء: 73.

([5]) سورة السجدة: 24.

([6]) سورة البقرة: 30.

([7]) سورة ص: 26.

([8]) سورة النساء: 59.

([9]) بحار الأنوار: ج4، ص 336.

([10]) سورة المائدة: 55.

([11]) روح المعاني: 3 / 334.

([12]) الحاوي للفتاوي: 1 / 104.

([13]) سورة المائدة: 3.

([14]) تاريخ بغداد: 9 / 221.

 

 

مواضيع مختارة