إن الشواهد التأريخية تؤكد أن نهايات المعصومين -أئمة أهل البيت (ع)-، هي نهايات مأساوية، بين قتل وسم وغير ذلك، هؤلاء ما ذهبوا من هذه الدنيا إلا من خلال المؤامرات التي حيكت ضدهم، فإن لكل موسى فرعون -كما نعلم-، وهؤلاء كانوا مبتلَون بهذه البلية.
إن الأئمة (ع) وعلى رأسهم النبي المصطفى (ص)، هؤلاء مثلوا الخلافة الإلهية، وحققوا هذه الآية بأعلى صورها: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}.. فنحن عندما نحيي ذكرهم، نريد أن نكرِّم هذه الصفة.. في الدول نلاحظ أن هنالك نُصب وتمثايل في الساحات العامة، بعنوان الجندي المجهول.. فالدول لا تُكَّرم أو تحترم الجندي المجهول بعنوان أنه فلان ابن فلان، الدول والأوطان تكرِّم الجندي المجهول بعنوان جنديته، لأنه ضحى في سبيل الوطن، إن كان هنالك اعتقاد بهذه المفاهيم.. ونحن أيضاً نكرِّم الذين فدوا أنفسهم في سبيل الرسالة الإلهية.. فإذن، الأمر عاد إلى المفهوم، وإلى الجوهر، وإلى المغزى، لا إلى الشكل.. نحن عندما نقيم في شهر رمضان ذكرى استشهاد أمير المؤمنين (ع)، فلأنه ضحى بنفسه في سبيل تثبيت دعائم الرسالة بعد النبي (ص).
فإذن، هذا تعظيم لشعائر الله.. الشعائر الإلهية، ترمز إلى الله عزوجل.. كما نلاحظ في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ}؛ إذ من المعلوم أن الصفا والمروة موجودات صامتة جامدة، ولكن لأنها ارتبطت بالمسعى – مبدأ السعي ومنتهى السعي –، وهنا في هذه المساحة وقعت بعض الحوادث، حيث هاجر هرولت طلباً للماء لولدها؛ فكان لها ذلك التميز والتعظيم.
فإذا كانت الصفا والمروة من شعائر الله، فألا يكون الحسن والحسين (ع) من شعائر الله، وهما اللذان يمثلان خط الرسالة في زمانهما ؟.. فإذن، هذه من الشعائر.. هذه من أيام الله.. عيد الفطر يوم إلهي، وعيد الأضحى يوم إلهي؛ وكذلك الغدير يوم إلهي، لأن هذا اليوم يذكرنا بالله عزوجل، أضف إلى أنه عيد الغدير يوم إلهي مرتبط بالعقيدة، وبأصول الدين؛ فإذن، المسألة في غاية الأهمية.
وعليه، لا ينبغي أن نستنكر هذا المعنى.. وعندما نقيم احتفالاً، لنقيم احتفالاً بمعنى إثارة كوامن النفوس، للتأسي بذلك المعصوم.. ومن هنا دعوة للذين يقيمون مناسبات أهل البيت (ع) حزنًا أو سروراً: أن يراجعوا في سيرة المعصوم ما هو تحت عنوان: أخلاقهم (ع).. وإلا فإن ذكر الفضائل أمر جيد، ولكن لا ينبغي أن نجعل الإمام والمقتَدى والمعصوم بمثابة لوحة فنية، نصفها ونعلقها على الجدران، من دون أن تكون لهذه اللوحة وقع في حياتنا المعاشة.
كيف يمكننا أن نحول مناسبة الفرح أو الحزن إلى محطة للتفكير؟
الأمر يحتاج إلى جهد من أصحاب المناسبات.. وهنا أحب أن أؤكد على حقيقة -أخاطب بها نفسي أولاً-: أنه نحن الذين نأخذ من أعمار الناس… أعمار الناس أمانات بأيدينا.. فالذي يتكلم والذي يبرمج والذي يحدث، عليه أن يعلم أنه مسؤول عن هذه الأعمار البشرية.
والذين يقدمون سيرة النبي وآل النبي (ص)، عليهم أن يقدموا الجهة الناصعة، الجهة التي يمكن أن يُقتدى بها في حياتهم العملية.. نحن عندنا أربعة عشر معصوماً، ولكل معصوم مناسبة ولادة ووفاة، وبالتالي فالمجموع يكون سبع وعشرين مناسبة في كل سنة، نقف فيها على حياة المعصومين (ع).. لنحاول أن نأخذ من كل معصوم الصفة التي تميز بها، وإن كان المعصوم فيه كل الصفات.. ولكن الإمام الجواد (ع) لقب بهذا اللقب، لتجلي جوده.. والإمام موسى بن جعفر (ع) هو أيضاً جواد، وأيضاً رضا، ولكن تجلت فيه صفة كظم الغيظ.. والإمام الصادق (ع)، لصفة الصدق في القول.. والإمام الباقر (ع)، لنشره للحديث.. والإمام السجاد (ع)، لعبادته الدائبة… وهكذا، فإنه فمن أفضل صور إحياء مناسبات أئمة أهل البيت (ع)، أن نأخذ من كل مناسبة الصفة المتميزة في ذلك المعصوم صاحب المناسبة.
لتقريب الفكرة أشبه ذلك بالنحلة: النحلة ماذا تعمل؟ نحن ننظر إلى الوردة ونستمتع بالنظر، وثم بعد أيام تذبل هذه الوردة، ونرميها في سلة المهملات.. ولكن النحلة تأتي إلى هذه الوردة، لتمتص منها الرحيق، ثم تحول -لا تمتص الرحيق لنفسها- هذا الرحيق إلى عسل، فيه شفاء للناس.. لنكن كالنحلة، في أن نأخذ من المعصومين (ع) رحيق سيرتهم، ثم نحول هذا الرحيق إلى مادة إعلامية للغير.
فمثلاً الإنسان عندما يقرأ سيرة الإمام الحسن والحسين (ع)، وكيف أنهما بوضوئهما علما شيخاً كبيراً طريقة الوضوء، ثم ينقل هذه القصة من خلال تمثيلية للبراعم الناشئة، ليُعلم هؤلاء كيف يمكن أن نتأسى بالحسن والحسين (ع)، في أن نكون دعاة إلى الخير والهداية حتى في هذا السن.
وعليه، من الضروري أن نعتقد بهذا الاعتقاد، ونحاول أن نستخلص من سيرتهم ما يفيدنا في حياتنا.. وبحمد الله تعالى هذه الأيام -حسب اطلاعي على المكتبة الإسلامية والإيمانية.. علماؤنا والمراكز التحقيقية المختلفة ما قصروا في هذا الجانب –، لدينا مجموعات ومسلسلات وكتب ودورات في هذا المجال، ومن الممكن أن نراجعها ونستفيد منها.