• الايمان هو الاعتقاد بوجود مصدر عاقل واع صنع هذا الكون بما نرى فيه من حكمة عالية.
• الالحاد هو انكار وجود مثل هذا المصدر والذهاب الى ان الكون وجِد من تلقاء نفسه.
يعتمد الايمان في إثبات صحة دعواه على المسلمات العقلية التي لا تقبل الشك في ضرورة وجود سبب للمسبّب، وإن أي تنظيم يحتاج الى منظم، فالمنشأ المعماري كالبيت او العمارة لا يمكن ان نتعقل، كبشر أسوياء، أن الطابوق اصطف من تلقاء نفسه ليشكل الجدران ثم جاء شيش التسليح ليتناسق بالشكل المطلوب ويأتي السمنت والرمل والماء والحصى ليمتزجوا بكميات محدودة وينسكب المزيج على شيش التسليح ضمن قوالب خشبية ويكون السقف ثم يأتي الجص فيختلط بالماء ويكسو الجدران بشكل صقيل والاسلاك الكهربائية وهكذا الى كل ما يكون البيت، نتعقل أن يتم كل هذا من تلقاء نفسه من دون صانع عاقل عارف بما يصنع، ولاشك ان الموجودات الطبيعية اكثر تعقيدا من البيت، فالانسان مثلا، نجده هيكلا عظميا له القوة والصلابة وفوقه اللحم والشرايين واجهزة الجسم المختلفة والعيون والدماغ وهذا النظام المعقد جدا الذي تتم من خلاله الفعاليات العضوية للجسم البشري، فلا يمكننا إلا أن نحكم على هذا الكون الذي حولنا في أن له صانع عاقل حكيم
وهنا يبادر الى الذهن سؤال مهم: كيف يتسنى للملحد أن ينكر هذه المسلمات العقلية الثابتة؟!
هل هو مجنون؟!
هل هو معاند؟!
لا شك في أن لموضوع الايمان والهداية جانب غيبي وروحي له دور هام في هداية من يهتدي وضلال من ضل وكما قال الله سبحانه وتعالى (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين)، ولكننا هنا ندور في حدود الصراع الفكري والمبادئ الفكرية التي يعتمدها الملحد في تقويم فكره المنكر لوجود الصانع، حيث أن هناك فلاسفة ومفكرين وعلماء قالوا بالإلحاد وقدموا الطرح الفكري الذي يؤيد دعوى الانكار لوجود الصانع الحكيم، فنحن نحاول ان نجيب على سؤال هو:
كيف يفكر الملحد؟
يعتمد الملحد في طريقة تفكيره على عدد من المفاهيم أهمها:
- المادية: وهي الايمان بنفي أي وجود غير الوجود المادي بمعنى ان كل ما ليس ماديا فهو غير موجود.
- التطور وعدم الثبات: وتعني ان الموجودات المادية بأشكالها وحقائقها الوجودية ليست ثابتة بل متغيرة ومتطورة كسلسلة غير منتهية من تشكّل المادة وتعد نظرية دارون الحلقة الاهم في هذا المفهوم.
وتعتبر فكرة التطور العمودي الفقري لمذهب الالحاد وذلك لما يعطيه من سند منطقي كبير لنفي ضرورة الصانع. فنحن مثلا حين نجد رسما على ورقة ـ حمامة مثلا ـ فلان هذا الرسم لكونه ثابتا لا يمكن ان يكون قد صار بلا فاعل واع يقصد ما يفعل حين الرسم ولكن حين تتشكل صورة الحمامة من خلال حركة قطع السحاب المتغيرة فأن فكرة عدم ضرورة الفاعل الواعي ستكون منطقية حينئذ.
- الخير: ونقصد بها المنفعة الحاصلة من النظام فالفائدة المترتبة من النظام ـ من وجهة نظر الملحد ـ هو امر عرضي ينشئ بعد نشوء النظام، فالطبيعة انتجت اشكالا حية مثل البعوض والقطة والحصان ولما كان شكل الحصان المنتج، بما هو عليه الان، مكّن الانسان من ركوبه واستخدامه للتنقل ولم يستخدم القطة اي ان شكل الحصان لم يكن مصمم سلفا لركوب الانسان.
لابد لتناول النقاط الثلاث التي يعتمدها الملحد الاشارة الى نبذة تاريخية بسيطة عن طبيعة الالحاد:
لا يمكن لاحد ان ينكر أصالة الايمان في النوع الانساني، فالتاريخ الاجتماعي يؤكد على ان فكرة الغيب والخالق موجودة مع وجود الانسان نفسه وقد عبّر عنها، في فجره الاول، بعقائد متقومة بالوثن والطوطم وافكار بدائية ساذجة، فيما بدء الالحاد كمذهب فكري بتكهنات فلسفية بسيطة قائمة على ارجاع الوجود الى الوجود المادي المحض كما عند الفيلسوف ديمقراطيس الذي قال ان الموجودات عبارة عن ذرات مادية وهذا التكثر ناتج من تراكيب مختلفة لها. ولم يحظ الالحاد باي نهوض على الصعيد الفلسفي والعلمي إلا في القرن السابع عشر والثامن عشر بفعل ما شهدته اوربا من نهضة شاملة.