تستضيف «مجلة البلاغ» الصادرة عن شعبة البحوث والدراسات، في باب "الحوار" جملة من العلماء والفضلاء لبيان آرائهم في مجالات الدين والفكر والثقافة، وفي العدد الثاني منها يسر أسرة "البلاغ" أن تستضيف رئيس قسم الشؤون الدينية التابع للعتبة الحسينية المقدسة سماحة الشيخ رائد الحيدري للحديث عن «المعجرة والكرامة».
البلاغ: ما هو الفرق بين المعجزة والكرامة وهل لكرامات الأولياء أصل في تراثنا الديني؟
- لا يوجد فرق بين المعجزة والكرامات من جهة كونها فعل خارق لنواميس الطبيعة الا من جهة الغرض والغاية من كل واحد منهما، فالمعجزة هي الفعل الخارق لنواميس الطبيعة والصادر من مدعي لمنصب إلهي كالنبوة والإمامة بقصد اثبات صدق دعواه. فلذلك نرى أن الأنبياء (عليهم السَّلام) إلى جانب ما أقاموه من الدلائل و البراهين على صدق دعواهم قد اظهروا معاجز تؤكد صدق ادعائهم ولا تدع مجالا للشك في حقانية نبوتهم.
بينما المراد من الكرامة ما يصدر من الولي من دون قصد التحدي، اي انه بفعله هذا لا يريد اثبات دعواه.
وبالتالي كثيرة هي الخوارق التي صدرت من النبي صلى الله عليه آله واهل بيته عليهم السلام لا بقصد اثبات صدق دعواهم حيث كانت موجهة لأشخاص مؤمنين بهم اصلاً.
ويمكن عد قوله تعالى: «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ»([1])، فذكر الحق تبارك وتعالى حادثتين لنبيين من انبيائه هما ابراهيم وعزير وكلاهما خارق للعادة لأنهما يتضمنان احياء الموتى لكن لا يتصور منه انه معجزة لكون النبي لا يريد اثبات صدق دعواه لنفسه.
وكنزول الطعام على مريم عليها السلام، كما في وله تعالى: «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ»([2]).
وأما في الحديث والسنة فهي أكثر من أن تحصى، وقد جمعها وأحصاها علماء الحديث و دوّنوها في كتبهم و مؤلّفاتهم. ومن أراد الاطلاع فليراجع ما ألَّفه المُحدِّث الكبير الشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، في كتابه: " إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات " .
البلاغ: ذكرتم الغاية من المعجزة وهي البرهنة على صدق مدعي المنصب الإلهي كالنبوة او الإمامة، لكن ما هو الغرض والفائدة من الكرامة؟
- ذكر المفسرون عدة غايات:
منها تنفع في رفع درجة الولي بزيادة يقينه، فكما هو واضح كتاباً وسنة إن للمناصب الإلهية شروط يجب تحققها كمنصب الإمامة حيث يشترط القرآن وصول الإنسان الى درجة اليقين في العلم والصبر في العمل كما في قوله تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ»([3])، فتراه يشترط في جعل الانسان إماماً ان يكون في مقام العلم على درجة اليقين وفي مقام العمل على درجة الصابرين، لذا فتارة تكون فائدة الكرامة عائدة على نفس الولي كما في الآيات السابقة، فعلل ابراهيم طلبه من الله تعالى بقوله «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ.. » ([4])، وذلك من خلال التعرف على قدرة الله تبارك وتعالى.
ـومنها بيان كرامة ومنزلة صاحب الكرامة كما في قصة مريم عليها السلام المتقدمة حتى ان نبي الله زكريا لما رأى ذلك طلب من الله تعالى ان يرزقه ذرية، قال تعالى حكاية عنه: «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» ([5]).
ولعل من هذا الباب الكرامات التي نراها ونسمع عنها لأهل البيت عليهم السلام وذريتهم.
البلاغ: كيف نتعرف على الكرامة الحقيقية وتمييزها عن الشعوذة والسحر؟
- ذكر العلماء ضابطة مشتركة بين الكرامة والمعجزة هي ان لا يدعي صاحبها دعوة مستحيلة عقلاً او شرعاً، كما لو ادعى شخص الألوهية وجاء بفعل خارق للعادة، فنجيبه بأن هذا من السحر لأن دعواك مستحيلة عقلاً، لاستلزامه تعدد الآلهة، وكما لو ادعى شخص النبوة او الإمامة او السفارة عن الإمام وقد جاء بفعل خارق للعادة، فنجيبه بأن هذا من السحر لاستحالة هذه الدعوة شرعاً فقد نص القرآن على خاتمية النبوة «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ»([6])، ونص الشرع على خاتمية الإمامة بذكر اسماء الأئمة وعددهم، والسفارة ـ أي الارتباط المباشر مع الإمام عليه السلام ـ من خلال توقيع علي بن محمد السمري "ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً . وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذابٌ مفتر" ([7])، او دعوى ان هذا الشخص قد نزلت فيه روح النبي الفلاني او الإمام الفلاني فهذه دعوة مستحيلة شرعاً، لأنه نوع من التناسخ الباطل عقلاً وشرعاً.
بالإضافة الى ان خرق العادة يعد كرامة إذا كان يحصل لشخص يعرف بالتقوى والصلاح، لأن الكرامة تكون للمؤمنين أولياء الله تعالى، وأولياء الله تعالى سمتهم الأساسية هي الإيمان والتقوى.
قال الله تعالى: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ»([8]).
فمن لم يكن متقياً، فخرق العادة له لا يعتبر كرامة؛ بل قد يكون من عمل الشعوذة والسحر وعمل الشياطين .
ومن الألفاظ المأثورة: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء؛ فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود، وأداء الشريعة.
هذه أهم المعالم التي تُمَيَّز بها الكرامة.
البلاغ: هل للحسين عليه السلام خصوصية تقتضي ظهور الكرامات عند قبره الشريف عن سائر مراقد العصومين عليهم السلام؟
- الحسين عليه السلام كسائر الأئمة عليهم السلام في كونهم حجج الله على الخلق ووسيلتهم اليه، إلا ان لقربه وكونه من أصحاب الكساء خصوصية ولمقتله خصوصية اخرى جعلت من التوسل به ادعى لاستجابة الدعاء، فقد ورد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن الله خص ولدي الحسين 8 بثلاث: الأئمة من ذريته، والشفاء في تربته، والدعاء مستجاب تحت قبته"([9]). فكان التوسل به اجدى، حتى ممن هو افضل منه، فإن للتفاوت في الفضيلة مقام، وللخصائص مقام آخر، يقول الشيخ جعفر التستري في الخصائص الحسينية: أني أمعنت النظر في الوسائل المتعلقة بالأئمة (عليهم السلام) فرأيت اجلّها فائدة وأعظمها مثوبة وأعمها نفعا وارفعها درجة وأسهلها حصولا وأكثرها طرقا وأيسرها شروطا وأخفها مؤونة وأعمها معونة ما يتعلق بسيد شباب أهل الجنة، ووالد الأئمة السيد المظلوم أبي عبدالله الحسين عليه السلام، فرأيت له خصوصية في التوسل إلى الله قد تفرد بها، وامتاز في ذلك حتى عمن هو أفضل منه.
فان للتفاوت في الفضيلة مقاما ولوحدتهم مقاما، نورهم وطينتهم مقام، والخصوصيات مقام آخر، فرأيت في الحسين (عليه السلام) خصوصية في الوسيلة إلى الله اتصف بسببها بأنه بالخصوص - باب من أبواب الجنة وسفينة للنجاة ومصباح للهدى. فالنبي والأئمة (عليهم السلام) كلهم أبواب الجنان، لكن باب الحسين مسلكه أوسع، وكلهم سفن النجاة ولكن سفينة الحسين مجراها على اللجج الغامرة أسرع، ومرساها على السواحل المنجية أيسر، وكلهم مصابيح الهدى، لكن محال الاستضاءة بنور الحسين أوسع دائرة، وكلهم الكهف الحصين، لكن منهاج كهف الحسين اسمح وأسهل([10]).
ويقول ايضا: وذلك أني وجدت في وسائله (عليه السلام) ما يبعث على كمال الإيمان وتقويته واستقراره مثل: "إن من زاره كان كمن زار الله تعالى في عرشه" فان زيارة الله تعالى كناية عن نهاية القرب إليه، وهذا لا يكون للإيمان المستودع، والقلب الذي يعلم الله منه الزيغ بعد الهداية.
ومثل أنه ورد أن الزائر يجيئه ملك ويقول له: "إن ربك يقرؤك السلام، ويقول لك: استأنف فقد غفر لك ما مضى "، فإذا كان الشخص ممن يسلم الله عليه فلا يمكن أن لا يسلمه من أعظم المصائب وهو ذهاب الإيمان ولا أقل من ذلك ، فاطمأننت بذلك([11]).
البلاغ: هل ترون في نشر كرامات أهل البيت عليهم السلام فائدة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهل فيها من محاذير؟
- لا يخفى ما فيه من فائدة بعد ما اتضح ان من الغايات بيان فضل صاحب الكرامة، فإذا عرضت فائدة للإمام الحسين عليه السلام مثلاً او احد اولاد الأئمة ففي نشرها بيان لفضل صاحبها، لكن ينبغي ان يكون التداول بالنحو الذي لا يثير الشبه والاشكالات عند الغير، وذلك من خلال التثبت عن مصدر النقل وكونه موثوقاً، وعدم استخدام الكرامات في الاستدلال على مسائل الفكر والعقيدة.
* حاوره: الشيخ صلاح الخاقاني
([1] ) سورة البقرة: 160.
([2] ) سورة آل عمران: 37.
([3] ) سورة السجدة: 24.
([4] ) سورة البقرة: 260.
([5] ) سورة آل عمران: 38.
([6] ) سورة الأحزاب: 40.
([7] ) كمال الدين: 516.
([8] ) سورة يونس : 62 – 64 .
([9] ) بحار الأنوار: ج36، ص 286.
([10] ) الخصائص الحسينية: ص10.
([11] ) الخصائص الحسينية: ص14.