سورة الحمد.. لماذا سميت بـ «فاتحة الكتاب»؟

آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
زيارات:455
مشاركة
A+ A A-
«فاتحة الكتاب» اسم اتخذته هذه السّورة في عصر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و اله و سلّم، كما يبدو من الأخبار و الأحاديث المنقولة عن النّبي الأعظم صلّی اللّه عليه و اله و سلّم.

[اشترك]

‏و هذه المسألة تفتح نافذة علی مسألة مهمّة من المسائل الإسلامية، و تلقي الضوء علی قضية جمع القرآن، و توضّح أنّ القرآن جمع بالشكل الذي عليه الآن في زمن الرّسول صلّی اللّه عليه و اله و سلّم، خلافا لما قيل بشأن جمع القرآن في عصر الخلفاء، فسورة الحمد ليست أول سورة في ترتيب النّزول حتی تسمّی بهذا الاسم و لا يوجد دليل آخر لذلك، و تسميتها بفاتحة الكتاب يرشدنا إلی أنّ القرآن قد جمع في زمن الرّسول صلّی اللّه عليه و اله و سلّم بهذا الترتيب الذي هو عليه الآن.

‏و ثمّة أدلّة اخری تؤيّد حقيقة جمع القرآن بالترتيب الذي بأيدينا اليوم في عصر الرّسول صلّی اللّه عليه و اله و سلّم و بأمره.

‏روی عليّ بن إبراهيم، عن الإمام الصادق عليه السّلام، أنّ رسول اللّه صلّی اللّه عليه و اله و سلّم قال لعلّي عليه السّلام: «يا عليّ، إنّ القرآن خلف فراشي في الصّحف و الحرير و القراطيس، فخذوه و اجمعوه و لا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التّوراة، و انطلق عليّ عليه السّلام فجمعه في ثوب أصفر، ثمّ ختم عليه»

[تاريخ القرآن، أبو عبد اللّه الزنجاني، ص ٤٤.]

٧.

‏و يروي (الخوارزمي) في المناقب عن (علي بن رباح) أنّ علي بن أبي طالب و أبيّ بن كعب جمعا القرآن في عصر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و اله و سلّم.

‏و روی (الحاكم) في (المستدرك) عن (زيد بن ثابت) قال: «كنّا نؤلّف القرآن من الرّقاع».

‏و يقول العالم الجليل السيد المرتضی رحمة اللّه: «إنّ القرآن كان علی عهد رسول اللّه صلّی اللّه عليه و اله و سلّم مجموعا مؤلّفا علی ما هو عليه الآن»

[مجمع البيان، ج ١، ص ١٥.]

٨.

‏و يروي الطبراني و ابن عساكر عن الشعبي أنّ القرآن جمعه ستة من الأنصار في عصر النّبي صلّی اللّه عليه و اله و سلّم‌

[منتخب كنز العمال، ج ٢، ص ٥٢.]

٩.

‏و يروي قتادة أنّه سأل أنس عن جمع القرآن في عصر النّبي صلّی اللّه عليه و اله و سلّم فقال:

‏أربعة من الأنصار هم: أبيّ بن كعب، و معاذ، و زيد بن ثابت، و أبو زيد

[صحيح البخاري، ج ٦، ص ١٠٢.]

١٠ و هناك روايات اخری يطول ذكرها.

‏علی أيّ حال، اتّخاذ سورة الحمد اسم (فاتحة الكتاب) دليل واضح علی إثبات هذه المسألة، إضافة إلی الأدلة الاخری المستفيضة في مصادر الشيعة و السنّة.

‏سؤال:

‏و هنا يثار سؤال حول المشهور بين بعض العلماء بشأن جمع القرآن بعد عصر النّبي صلّی اللّه عليه و اله و سلّم.

‏و في الجواب نقول: ما روي بشأن جمع القرآن علی يد الامام عليّ عليه السّلام بعد عصر الرّسول، لم يكن القرآن وحده، بل مجموعة تتضمّن القرآن و تفسيره و أسباب نزول الآيات، و ما شابه ذلك ممّا يحتاجه الفرد لفهم كلام اللّه العزيز.

‏و أمّا ما فعله عثمان في هذا الصدد، فتدلّ القرائن أنّه أقدم علی كتابة قرآن واحد عليه علامات التلاوة و الإعجام، منعا للاختلاف في القراءات، إذ لم يكن التنقيط معمولا به حتی ذلك الوقت.

‏و ما نراه من إصرار لدی جماعة علی عدم جمع القرآن في عصر رسول اللّه صلّی اللّه عليه و اله و سلّم، و علی نسبة هذا الأمر للخليفة عثمان أو للخليفة الأول أو الثاني، فإنّما يعود إلی ظروف و ملابسات و عصبيات تأريخية لسنا بصددها الآن.

‏و إذا رجعنا إلی استقصاء طبيعة الأشياء في مجال جمع القرآن، ألفينا أنّه من غير المعقول أن يترك النّبي صلّی اللّه عليه و اله و سلّم هذه المهمّة الكبيرة، بينما نجده يهتمّ بدقائق الأمور المرتبطة بالرسالة.

‏أليس القرآن دستور الإسلام، و كتاب هداية البشرية، و أساس عقائد الإسلام و أحكامه؟

‏أليس من الممكن أن يتعرّض القرآن- إن لم يجمع- في عصر الرّسول اللّه صلّی اللّه عليه و اله و سلّم إلی الضياع، و إلی الاختلاف فيه بين المسلمين؟! (حديث الثقلين) المروي في المصادر الشيعية و السنّية، حيث أوصی رسول اللّه صلّی اللّه عليه و اله و سلّم بوديعته: كتاب اللّه و عترته، يؤكّد أيضا أن القرآن كان قد جمع في مجموعة واحدة في عصر الرّسول الأعظم.

‏أمّا اختلاف الرّوايات في عدد الصحابة الذين جمعوا القرآن خلال عصر النّبي فلا يشكّل عقبة في البحث، و من الممكن أنّ تتّجه كلّ رواية إلی ذكر عدد منهم.

تفسير الأمثل ج1
مواضيع مختارة