فكيف يقارن تعالى السماء الهائلة والتي تحوي مليارات بل بلايين البلايين من النجوم ويخلقها الله في يومين والأرض التي لا تعني شيء في هذا الكون بل هي أقل من الذرة بالنسبة لهذا الكون العظيم تُخلق في يومين كذلك؟!
إن الآيتن المشار إليهما في السؤال هما قوله تعالى ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾(1)، وقوله تعالى ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا ..﴾(2).
ولعلَّ منشأ الاشكال المذكور هو توهُّم أنَّ المراد من اليوم في الآيتين المباركتين هو اليوم المعهود عند الإنسان والذي ينشأ عن دوران الأرض حول نفسها دورة كاملة.
إلا أنَّ هذا المعنى غير مرادٍ قطعاً من لفظ اليوم في الآيتين المذكورتين، إذْ المفترض أنَّ الحديث عن خلق الأرض والسماء التي تسبح فيها الشمس، وحينئذٍ كيف يتحقق دوران الأرض حول نفسها بإزاء الشمس فيتعاقب الليل والنهار فيُصبح عندنا يوم معهود والحال أن الأرض لم تُخلق بعدُ ولا السماء وما هي مشتملة عليه.
اليوم هو الطور والمرحلة:فالمراد إذن من اليوم هو المرحلة، فقوله تعالى ﴿خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾(3)، بمعنى أنَّه تعالى خلق الأرض على مرحلتين وخلق السماوات على مرحلتين.
واستعمال لفظ اليوم في المرحلة شائع في كلام العرب فيقال مثلاً يوم صفين رغم أن حرب صفين امتدَّت لأكثر من سنة، ويقال يومٌ لك ويومٌ عليك، بمعنى أنَّ حقبةً من الزمن تكون لك وحقبة أخرى تكون عليك، وقد استعمل القرآن لفظ اليوم في غير اليوم المعهود في آيات عديدة مثل قوله تعالى ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ﴾(4) وهو إشارة إلى غزوةحنين التي امتدَّت لأيام عديدة وكذلك قوله تعالى ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾(5).
وإذا اتَّضح أنَّ المراد من اليوم هو الطور والمرحلة نقول إنَّ القرآن لم يتصدَّ لبيان مقدار كلِّ مرحلة من هاتين المرحلتين، فقد تمتدُّ كلُّ واحدة منهما لملايين بل لبلايين السنين، وبذلك ينتفي الإشكال، إذ لو افترضنا أنَّ خلق السماوات يحتاج إلى زمن أطول نظراً لتعاظمها بالنسبة إلى الأرض فإنَّ كلَّ مرحلة من مرحلتي خلقها يمكن أن يكون قد استغرق زمناً أضعاف ما استغرقه مجموع المرحلتين اللتين تمَّ فيهما خلق الأرض، ولا مانع من تساوي الحقير والعظيم من حيث مراحل وأطوار النشوء واختلافهما من حيث ما يقتضيانه من زمن لكلِّ مرحلة من مراحل نشوئهما.
وهذا أمر مشاهد بالوجدان، فالمبنى المكوَّن من طابقين قد يكون كبيرًا ويكون ثمة مبنىً آخر مكوَّن من طابقين صغيراً إلا أنَّ مراحل إنشائهما واحدة، غايته أنَّ كلَّ مرحلة من مراحل إنشاء المبنى الكبير تحتاج إلى زمن أطول مما تحتاجه كل مرحلة من مراحل إنشاء المبنى الصغير بل أن مرحلة واحدة من مراحل إنشاء المبنى الكبير قد تستغرق مجموع الزمن الذي يحتاجه إنشاء المبنى الصغير بتمام مراحله.
*من كتاب شؤون قرآنية الهوامش: 1- سورة فصلت/ 9. 2- سورة فصلت/ 12. 3- سورة فصلت/ 55. 4- سورة التوبة/ 25. 5- سورة المعارج/ 4.