(الدين) في قولنا(أصول الدين) تارة يراد منه الإسلام، وأخرى يراد منه الإيمان، لذا تناول الأعلام (أصول الدين) من جهتين: فقهية عملية، (الإسلام) وجهة أخرى كلاميّة عقدية(الإيمان)، بشكل عام يُعنى الفقه بالأحكام الشرعيّة ذات الصلة بأفعال الجوارح وما يقوّمها في دار التكليف (الدنيا)، بينما تهتم العقيدة والكلام بالإيمان الذي يحقق النجاة يوم القيامة والخلاص الأخروي، وقد بدا ذلك واضحاً حتى في عناوين مصنّفاتهم، لاحظ مثلاً: عنوان كتاب ابن ميثم البحراني(ت636هـ): (النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة).
لقد ألقى هذا التعدد في جهات البحث في(أصول الدين) وجعلها ذات مدلولين:
فالمدلول الشرعي/الفقهي لأصول الدين هو كلّ ما يحقق الإسلام الظاهري الدنيوي، والذي به تحقن الدماء وتحفظ به الاعراض وتجري المواريث، ويدفن صاحبه في قبور المسلمين، كذا الزواج...، وبإيجاز أصول الدين في فقه الشريعة هي الشهادتان لا غير، وفي الأحاديث المستفيضة أنّ "الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، والتصديق برسول الله، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث"، وفي آخر: الاسلام هو الظاهر الذي عليه الناس: شهادة أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان فهذا الاسلام (الكافي،ج2،ص25)، فانتبه جيّداً لقوله عليه السلام: فهذا هو الإسلام! نعم، هذا هو الإسلام الظاهري وهذه هي أصوله، وليس منها: الولاية والإمامة .
وأمّا الإسلام الواقعي(الإيمان)، ولك أن تقول: أصول الدين من زواية البحث العقدي الذي يهتم بدراسة الإسلام الواقعي(الإيمان) وأثره الأخروي فإنّ الشهادتين ـ وبلا شك ـ لا تمثلان كلّ أصول الدين مما به يقع النجاة يوم القيامة ، فإنّ مسألة الإمامة والولاية تقع في إطار البحث الكلامي و من مفردات أصول الدين؛ وسبب ذلك أنّ ضابط المسالة الكلامية تقع في سياق البحث عن الله وصفاته وافعاله ، وحيث أنّ علماء الشيعة ـ وطبقاً للأدلة الآتية ـ حصروا طريق تعيين الإمام بالنص عليه من الله وأعتبروا تنصيب الإمام لا يختلف عن بعث النبي فقالوا : إنّ مسألة الإمامة _كما النبوة_ فعل إلهي ، وكل مسألة يبحث فيها عن الله وصفاته وأفعاله فهي كلامية عقدية لا فقهية فرعية فالإمامة مسألة كلامية، فضلا عن الجانب المنهجي: النصوص القرآنية والأحاديث النبويّة كحديث: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية.
وصفوة القول: إنّ الولاية والإمامة من أصول الدين: أي من أصول الإسلام الحقيقي( الإيمان)، وليست من أصول الدين، أي ليست مما يتوقف عليها الإسلام الظاهري.. وأدلّ دليل صحّة التفريق بين ظاهر الإسلام وبين واقعه هي ظاهرة النفاق، فالمنافقون وإن كانوا في الدرك الأسفل من النار يوم القيامة بيد أنّهم مسلمون في الدنيا: بمعنى أنّهم محكومون بأحكام الإسلام، فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم كما هو معلوم من الدين ضرورة.