وقد ورد في الأحاديث المعتبرة أنّ أكثر الأنبياء ابتلوا بشتى أنواع الأذى والإذلال من أقوامهم، وأنّ الحق تعالى كتب ذلك على نبي آخر الزمان، وجعلها في ذريّته إكراماً له، ليرفع درجاتهم، ودرجاته، ولو دعا أكثر هؤلاء لما ردّ الله دعاءهم حتماً. ولو دعوا الله أن يطبق السماء على الأرض أو يسيخ الأرض لفعل، بيد أنّهم راضون بقضاء الله يبتغون السعادة بالشهادة.
وقد جاءت أفواج الملائكة والجنّ لنصرته[الحسين] عليه السلام، فلم يقبل، لأنه كان يعلم أن الحقّ تعالى شاء أن ينال الدرجة الرفيعة بالشهادة، ويتمم الحجة على الخلق، ويعلم أن لو شاء الله لنصره دون الحاجة إلى نصرة الملائكة والجنّ، ولذا لم يقبل منهم، وهو يعلم أن إرسال تلك الأفواج كان لبيان عزّته وكرامته على الله تعالى، وقد روي عن لقمان أنّه سئل: لِمَ لم تقبل النبوّة؟ قال: لو شاء الله أن أكون نبياً حتماً لما خيّرني فيها!
إنّ جميع الأنبياء والأوصياء يتمنّون منزلته(عليه السلام)، وأنّه كان يقدم على الشهادة بقلب مطمئن مسرور للقتل في المحبوب، وما كان كلامه الذي صدر منه(عليه السلام) إلا لإتمام الحجّة على أولئك الكفّار كما هو ظاهر الأخبار..(رسالة في بيان حكمة شهادة سيد الشهداء،ص29ط الأولى،1437هـ، ترجمة وتحقيق: علي السيد جمال أشرف الحسيني).
ومن الأخبار التي تشهد على ذلك هي ما رواه الشيخ الصدوق(رحمه الله تعالى) بسند معتبر عن الإمام السجاد(صلوات الله عليه) قال:
لما اشتدّ الأمر بالحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) نظر إليه من كان معه فإذا هو بخلافهم!، لأنّهم كلّما اشتد الأمر تغيّرت ألوانُهم وارتعدتْ فرائصُهم ووجبتْ قلوبُهم، وكان الحسين (عليه السلام) وبعض من معه من خصائصه: تشرق ألوانهم، وتهدئ جوارحهم، وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعض : انظروا، لا يبالي بالموت!
فقال لهم الحسين (عليه السلام): صبراً بني الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضراء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة..(معاني الأخبار،ص288).
من أجل ذلك كلّه، فإنّ أهم خصيصة، وأعظم صفة في سيد الشهداء(صلوات الله عليه) التي تتفرّع عنها سائر شمائله وصفاته؛ ما أفصح عنها بقوله الشريف(صلوات الله عليه): رضاً بقضائك، وتسليماً لأمرك ..هوّن عليّ ما نزل بي أنّه بعين الله..!