«ظهر وعصر».. «مغرب وعشاء»: لماذا نجمع بين الصلوات؟!

آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
زيارات:5177
مشاركة
A+ A A-
لا شك ولا ريب في أن إقامة الصلوات الخمس في أوقات فضيلتها كان ديدن الرسول والأئمة الكرام وكافة المسلمين في صدر الاسلام، فكانوا غالباً ما يقيمون الصلوات في خمسة أوقات.

لا كلام لنا في هذا الموضوع؛ لكن الكلام كل الكلام هو هل أن تفريق الصلوات – كما يقول أغلب أهل السنة بذلك – واجب، أم أنه أمر مستحب كسائر المستحبات التي يخير الانسان بين فعلها وتركها، ولا إجبار فيها مع أن الاتيان بها متفرقة أفضل؟

بالنسبة الى علماء الشيعة، اعتبروا تفريق الصلوات مستحباً تأسياً بفعل النبي الكريم (صلى الله عليه وآله)، وتماشياً مع الروايات المنقولة عن أئمة الاسلام، واتباعاً لظواهر الآيات القرآنية في جميع الأعصار الاسلامية؛ فكانوا يقولون للناس: إن تفريق الصلوات وإقامة كل منها على حدة في وقت الفضيلة مستحب وأفضل، وفي الوقت ذاته يمكن ترك هذا المستحب، وهذا هو معنى المستحب.

إن الجمع بين صلاتين لا يعني أداء أحدها في وقت الأخرى، فعلى سبيل المثال لو أقمنا صلاتي المغرب والعشاء في أول الليل فهذا لا يعني أننا أتينا بصلاة العشاء في غير وقتها، بل يعني أننا أدينا كلتي الصلاتين في وقتهما المشترك؛ لأن الوقت الممتد من شروع المغرب الى منتصف الليل هو وقت للصلاتين كلتيهما ( عدا اختصاص المغرب بمقدار ثلاث ركعات من أول الغروب، واختصاص العشاء بأربع ركعات من آخر الوقت، والوقت المتبقي مشترك بينهما ) فمتى ما صلينا صلاة العشاء مع صلاة المغرب ( أي أول الليل ) أو صلينا المغرب مع صلاة العشاء (أي آخر الليل) فهذا يعني أننا صليناهما في وقتهما، لكن يستحب أداء صلاة المغرب أول الليل، وصلاة العشاء بعد زوال الشفق، وان أخل شخص بهذا الشرط فقد ترك مستحباً لا غير.

لماذا يجوز الجمع بين الصلاتين؟

دليلنا على جواز الجمع بين الصلاتين الأحاديث المنقولة عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وقد جمع المرحوم الشيخ الحرّ العاملي هذه الأحاديث في كتابه المعروف ([1]).

لكن يجب الالتفات إلى أن محدثي الشيعة لم ينفردوا بنقل هذه الأحاديث، بل نقل محدثو أهل السنة أيضاً روايات عن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) بشأن جواز الجمع بين الصلوات حتى في حالة عدم وجود عذر لذلك، فنقلوا زهاء عشر روايات في كتبهم المعتبرة عن ابن عباس ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر، ويطول بنا المقام لو أردنا استقصاءها بالكامل وتسليط الضوء على جزئياتها، وسنكتفي بذكر بعض منها فقط:

1- نقل المحدث السني المعروف أحمد بن حنبل في كتابه المشهور عن ابن عباس قوله: "صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً من غير خوف ولا سفر" ([2]).

2- كما ينقل هذا المحدث عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: "صليت مع النبي (صلى الله عليه وآله) ثمان ركعات الظهر والعصر معاً، وسبع ركعات المغرب والعشاء معاً كذلك " وقد نُقل هذا الحديث عن ابن عباس بعبارات مختلفة.

3- وينقل في كتابه أيضاً عن عبد الله الشقيق: "خطب ابن عباس في الناس يوماً، واستمرت خطبته حتى بدت النجوم في السماء فقام شخص من بني تميم معترضاً وقال: الصلاة، الصلاة؛ فأجابه ابن عباس: أنا أعلم منكم بسنة النبي (صلى الله عليه وآله)، لقد رأيته يجمع بين صلاتي الظهر العصر وصلاتي المغرب والعشاء؛ قال الراوي: لم أصدق ما قاله ابن عباس فحدثت به أبا هريرة فأكد قول ابن عباس " ([3]).

4- عقد المحدث المعروف مسلم بن الحجاج القشيري المتوفى سنة 261 هجري قمري باباً في صحيحه تحت عنوان " الجمع بين الصلوات في الحضر " ونقل أربع روايات في هذا المجال، ثلاث منها عن ابن عباس وواحدة عن معاذ بن جبل ([4])، ومضمون هذه الروايات ينطبق مع ما نقلناه آنفاً بالاضافة الى نكتة جديدة هي:

عندما سئل الراوي عن سبب هذا الجمع أجاب قائلاً: " أراد أن لا يحرج أمته.

وقد ورد هذا التعليل في روايات الشيعة أيضاً، ففي الأحاديث المنقولة عن الإمام الصادق (عليه السلام) ركز على هذه النقطة ([5]).

5- لا تقتصر روايات هذا الموضوع (الجمع بين الصلاتين) على ابن عباس ومعاذ، بل نقل الطبري عن عبد الله بن مسعود أن النبي (صلى الله عليه وآله) جمع بين كل من الظهر العصر، والمغرب والعشاء في سبيل أن لا يحرج أمته (6).

ونقل هذا الموضوع أيضاً عن عبد الله بن عمر، حيث قال: "جمع النبي (صلى الله عليه وآله) في حضره بين الصلاتين لئلا يشق على أمته" ([7]).

هذا جزء من الأحاديث التي نقلها محدثو أهل السنة في كتب الحديث والتفسير، وجميعها تعبر عن أن الصلاة المنفردة أمر مستحب، فاذا أحسسنا أن هذا المستحب يؤثر سلباً على أصل أداء الفريضة تركناه بأمر النبي، أي جمعنا بين الصلاتين.

أضحت الحياة اليوم بشكل تسبب رعاية هذا الاستحباب مشقة على الناس، وربما أدى ذلك الى امتناعهم عن أداء الصلاة من الأساس؛ وهنا تبرز الحاجة الى استلهام تعاليم النبي (صلى الله عليه وآله) في ترك موضوع التفريق بين الصلوات تقديماً للأهم على المهم، وفي الوقت الراهن يشاركنا العديد من فقهاء أهل السنة هذا الرأي، لكنهم يتجنبون إبراز رأيهم لجملة من الأسباب ([8]).

الهوامش: المقال رداً على سؤال: لماذا نجمع بين صلاتي "الظهر والعصر" وصلاتي "المغرب والعشاء "، في حين أن لكل من هذه الصلوات وقتاً خاصاً، وكان أئمتنا يقيمونها في أوقاتها – أي خمس صلوات في خمسة أوقات؟ 1. وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، الأبواب المتعلقة بأوقات الصلاة (الباب 32و33 ). 2. مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص221. 3. مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص251؛ وقريب من هذا المعنى جاء في كتاب الزرقاني شارح كتاب ( موطأ مالك )، ج1، ص263. 4. صحيح مسلم، ج2، ص151. 5. وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب الوقت، باب 32، الأحاديث 2و3و4و7. 6. شرح موطأ الزرقاني، ص263. 7. كنز العمال، ص242. 8. رسالة الاسلام، السنة السابعة، العدد 20، ص156.
مواضيع مختارة