بسم الله االرحمن الرحيم
جاء في الحديث الشريف أنَّ رجلاً جاء إلى الامام الحسين عليه السلام وقال له:- ( إني رجل عاصٍ ولا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة، فقال عليه السلام:- افعل خمسة أشياء واذنب ما شئت، إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك واذنب ما شئت، وإذا ادخلك مالك النار فلا تدخل في النار واذنب ما شئت، واطلب موضعاً لا يراك الله فيه واذنب ما شئت، ولا تأكل زرق الله واذنب ما شئت، واخرج من ولاية الله واذنب ما شئت ) .
وهنا نذكر قضية:- وهي أنه قد يناقش أحد في سند هذا الحديث وأنه تام أو ليس بتام؟
ولكن نقول:- إنَّ بعض الاحاديث لا تحتاج إلى البحث في سندها بل تكفي قوة المضمون إلى الاطمئنان بصدروها من معدن العصمة والطهارة فنأخذ به بغض النظر عن سنده، وهذا الحديث من أمثلتها.
وأما القسم الاول من الحديث الشريف - وهو قوله عليه السلام إذا جاء ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك واذنب ما شئت ) - فهو يرشدنا إلى أنَّ سنَّة الموت هو سنَّة عامة، فالكل يموت ولا يبقى في هذه الدنيا أحد، فإذا كان الأمر كذلك فهل حصل منّا استعداد لما بعد الموت وعالم الآخر فإنه لا يوجد شك في الموت؟!! بل القرآن الكريم أكد هذه الحقيقةفي آيات عديدة فمرة يقول:- ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ ، وثانيةً يقول:- ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ ، وثالثةً يقول:- ﴿ وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَۘ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ ، ورابعة يقول:- ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ .
فإذا سنَّة الموت سنَّة لا محال عنها، ومن الواضح أنَّه إذا رجعنا إلى حياة ما بعد الموت فهي حياة ابدية وغير محددة بمائة سنة أو مائتين أو مليون أو مليار سنة وإنما هي حياة أبدية - ﴿ هم فيها خالدون ﴾ - وهذه قضية لابد من الالتفات إليها، فتلك هي الحياة الحقيقية لا هذه الحياة فإنَّ هذه الحياة وراءها موت ونهاية وأما تلك الحياة فليس لها نهاية والله تعالى خلقنا لتلك الحياة، فهو يريد أن يعطينا جنة ونعيم ولكن وفق نظام وامتحان وكانت الدنيا هي دار الامتحان، فهو فخلقنا في الدنيا كي نعمل لنفوز وندخل بذلك في تلك الحياة الابدية، فالحياة الدنيوية ليست هي المقصود الاصيل بل المقصود الاصيل هو الحياة الآخرة والحياة الدينا هي مقدمة للحياة الاخرة حتى يأخذ العاصي جزاءه والمطيع جزاءه، ولأجل أن نفوز بتلك الحياة لابد وأن ننجح في الامتحان في دار الدنيا، ومن الواضح أنَّ هذا ليس بالأمر السهل، فأنا حينما أقف على قبر حبيب بن مظاهر والشهداء مع الحسين عليهم السلام وأقول لا يلتني كنت معكم لا أدري هل استطيع أن افعلها مثلهم، فحبيب ضحى بنفسه وآثر الحياة الآخرة على الدنيا بخلاف بعض أصحاب الحسين عليه السلام حيث قال للحسين عليه السلام أعطيك فرسي ولكني لا أستطيع أن أذهب معك.
اللهم ساعدنا في هذه الحياة كي نطيعك ولكي نحصل على تلك الحياة الابدية بحق محمد وآلة الطاهرين.