ومن هنا قد تجد في بعض الأحيان معاني الآيات متّصلةً مع بعضها وتعطي دلالةً واضحةً بفعل هذا الاتصال يطلق عليها دلالة السياق، وفي البعض الآخر تجدها ليست كذلك.
ولكن الأمر المتفق عليه بين السواد الأعظم من المسلمين أن هذا الموجود بين الدفتين هو الكتاب المنزل من عند الله تعالى. [ انظر : بحوث في تأريخ القرآن وعلومه ، محمد مير زرندي ]
أمّا الأحزاب والتجزئة في القرآن فهي أمرٌ اصطلاحيٌّ اجتهاديٌّ بالاتفاق ، أي ليست من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإنما هي من وضع الناس لغرض تسهيل القراءة لا أكثر .
والمراد بالأجزاء: هو تقسيم كل القرآن على ثلاثين قسمًا، فالجزء الواحد هو حاصل قسمة كل القرآن الكريم على ثلاثين.
والمراد بالحزب: هو نصف الجزء، وهو تقسيم كل القرآن الكريم على 60، وعليه فالقرآن كما أنه يتكون من ثلاثين جزءاً، فهو يتكون أيضا من ستين حزباً. ثمّ يتم تقسيم الحزب الواحد على نصفين فيطلق على كل نصف منهما «نصف حزب». وتستمر عملية التقسيم في ربع الحزب وثُمنه.
قال الزرقاني في "مناهل العرفان في علوم القرآن" ، تحت عنوان " تجزئة القرآن " :
( كانت المصاحفُ العثمانيةُ مجردةً من التجزئة التي نذكرها ، كما كانت مجردة من النقط والشكل . ولما امتد الزمان بالناس جعلوا يتفننون في المصاحف وتجزئتها عدة تجزئات مختلفة الاعتبارات :
فمنهم من قسَّم القرآن ثلاثين قسما ، وأطلقوا على كل قسمٍ منها اسم الجزء ، بحيث لا يخطر بالبال عند الإطلاق غيره ، حتى إذا قال قائلٌ : قرأت جزءاً من القرآن ، تبادر إلى الذهن أنه قرأ جزءاً من الثلاثين جزءاً التي قسموا المصحف إليها .
ومن الناس من قسموا الجزء إلى حزبين ، ومن قسموا الحزب إلى أربعة أجزاء ، سموا كل واحد منها ربعا .
ومن الناس من وضعوا كلمة " خمس " عند نهاية كل خمس آياتٍ من السورة ، وكلمة " عشر " عند نهاية كل عشر آياتٍ منها ، فإذا انقضت خمسٌ أخرى بعد العشر أعادوا كلمة خمس ، فإذا صارت هذه الخمس عشراً أعادوا كلمة عشر ، وهكذا دواليك إلى آخر السورة .
وبعضهم يكتب في موضع الأخماس رأس الخاء بدلا من كلمة خمس ، ويكتب في موضع الأعشار رأس العين بدلاً من كلمة عشر .
وبعض الناس يرمز إلى رؤوس الآي برقم عددها من السورة ، أو من غير رقم .
وبعضهم يكتب فواتح للسور كعنوان ينوّه فيه باسم السورة وما فيها من الآيات المكية والمدنية ، إلى غير ذلك .
وللعلماء في ذلك كلام طويل بين الجواز بكراهة ، والجواز بلا كراهة ، ولكن الخطب سهلٌ على كل حال ما دام الغرض هو التيسير والتسهيل ، وما دام الأمر بعيداً عن اللبس والتزيد والدخيل ، وعلى الله قصد السبيل ). انتهى[ مناهل العرفان 1: 283]