متی تنتهي الحرب بين الإسلام والكفر؟!

آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
زيارات:397
مشاركة
A+ A A-

‏سؤال أجاب عنه المفسّرون إجابات مختلفة: فالبعض- كابن عباس- قال: حتی لا تبقی و ثنية علی وجه البسيطة، و حتی يقتلع دين الشرك و تجتث جذوره.

‏و قال البعض الآخر: إنّ الحرب بين الإسلام و الكفر قائمة حتی ينتصر المسلمون علی الدجال، و هذا القول يستند إلی‌ حديث روي عن الرّسول الأكرم صلی اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال: «و الجهاد ماض مذ بعثني اللّه إلی أن يقاتل آخر أمّتي‌ الدجال» [مجمع البيان، المجلد ٩، صفحة ٩٨.٥.

‏البحث حول «الدجّال» بحث واسع، لكن القدر المعلوم أنّ الدجّال رجل خدّاع، أو رجال خدّاعون ينشطون في آخر الزمان من أجل إضلال الناس عن أصل التوحيد و الحق و العدالة، و سيقضي عليهم المهدي (عج) بقدرته العظيمة، و علی هذا فإنّ الحرب قائمة بين الحق و الباطل ما عاش الدجّالون علی وجه الأرض.

‏إنّ للإسلام نوعين من المحاربة مع الكفر: أحدهما الحروب المرحلية كالغزوات التي غزاها النّبي صلی اللّه عليه و آله و سلّم حيث كانت السيوف تغمد بعد انتهاء كل غزوة. و الآخر هو الحرب المستمرة ضد الشرك و الكفر، و الظلم و الفساد، و هذا النوع مستمر حتی زمن اتساع حكومة العدل العالمية، و ظهورها علی الأرض جميعا علی يد المهدي (عج).

‏ثمّ تضيف الآية: ذلِكَ وَ لَوْ يَشاءُ اللَّـهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ‌ [« ذلك» خبر لمبتدأ محذوف، و التقدير: الأمر كذلك.]٦ بالصواعق السماوية، و الزلازل، و العواصف، و الابتلاءات الأخری، لكن باب الاختبار و ميدانه سيغلق في هذه الصورة: وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ‌.

‏هذه المسألة هي فلسفة الحرب، و النكتة الأساسية في صراع الحق و الباطل، ففي هذه الحروب ستتميز صفوف المؤمنين الحقيقيين و العاملين من أجل دينهم عن المتكلمين في المجالس المتخاذلين في ساعة العسرة، و بذلك ستتفتح براعم الاستعدادات، و تحيا قوّة الاستقامة و الرجولة، و يتحقق الهدف الأصلي للحياة الدنيا، و هو الابتلاء و تنمية قوّة الإيمان و القيم الإنسانية الأخری.

‏إذا كان المؤمنون يتوقعون علی ذواتهم و ينشغلون بالحياة اليومية الرتيبة، و في كل مرة تطغی فيها جماعة من المشركين و الظالمين يدحضهم اللّه سبحانه بالقوی الغيبية، و يدمّرهم بالطرق الإعجازية، فإنّ المجتمع سيكون خاملا ضعيفا عاجزا، ليس له من الإسلام و الإيمان إلّا اسمه.

‏و خلاصة القول: إنّ اللّه سبحانه غني عن سعينا و جهادنا من أجل تثبيت دعائم دينه، بل نحن الذين نتربّی في ميدان جهاد الأعداء، و نحن الذين نحتاج إلی هذا الجهاد المقدّس.

‏و قد ذكر هذا المعنی في آيات القرآن الأخری بصيغ أخری، فنقرأ في الآية (١٤٢) من سورة آل عمران: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّـهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ‌.

‏و جاء في الآية التي سبقتها: وَ لِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ‌.

‏و تحدّثت آخر جملة من الآية مورد البحث عن الشهداء الذين قدّموا أرواحهم هدية لدينهم في هذه الحروب، و لهم فضل كبير علی المجتمع الإسلامي، فقالت:

‏وَ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ‌.

‏فلن تذهب جهودهم و آلامهم و تضحياتهم سدی، بل كلها محفوظة عند اللّه سبحانه، فستبقی آثار تضحياتهم في هذه الدنيا، و كلّ نداء (لا إله إلّا اللّه) يطرق سمع البشر يمثل ثمرة جهود أولئك الشهداء، و كلّ سجدة يسجدها مسلم بين يدي اللّه هي من بركات تضحياتهم، فبمساعيهم تحطّمت قيود المذلّة و العبودية، و عزّة المسلمين و رفعتهم رهينة ما بذلوه من الأرواح و التضحيات.

‏هذه هي أحدی مواهب اللّه في شأن الشهداء.

‏و هناك ثلاث مواهب أخری أضيفت في الآيات التالية:

‏تقول الآية أوّلا: سَيَهْدِيهِمْ‌ إلی المقامات السامية، و الفوز العظيم، و رضوان اللّه تعالی.

‏و الأخری: يُصْلِحُ بالَهُمْ‌ فيهبهم هدوء الروح، و اطمئنان الخاطر، و النشاط المعنوي و الروحي، و الانسجام مع صفاء ملائكة اللّه و معنوياتهم، حيث يجعلهم جلساءهم و ندماءهم في مجالس أنسهم و لذّتهم، و يدعوهم إلی ضيافته في جوار رحمته.

‏و الموهبة الأخيرة هي: وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ‌.

‏قال بعض المفسّرين: إنّه تعالی لم يبيّن لهم الصفات الكلية للجنّات العلی و روضة الرضوان و حسب، بل عرف لهم صفات قصورهم في الجنّة و علاماتها، بحيث أنّهم عند ما يردون الجنّة يتوجّهون إلی قصورهم مباشرة [مجمع البيان، المجلد ٩، صفحة ٩٨.٧.

‏و فسر البعض (عرّفها) بأنّها من مادة «عرف»- علی زنة فكر- و هو العطر الطيب الرائحة، أي إنّ اللّه سبحانه سيدخلهم الجنّة التي عطّرها جميعا استقبالا لضيوفه.

‏إلّا أنّ التّفسير الأوّل يبدو هو الأنسب.

‏و قال البعض: إذا ضممنا هذه الآيات إلی آية: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْواتاً [آل عمران، الآية ١٦٩.]٨، سيتّضح أنّ المراد من إصلاح البال إحياؤهم حياة يصلحون بها للحضور عند ربّهم بانكشاف الغطاء [الميزان، المجلد ١٨، صفحة ٢٤٤.٩.

المصدر:  تفسير الأمثل

مواضيع مختارة