في خطبة المتّقين المعروفة والتي رواها الصَّدوق (ره) في الأمالي وصفات الشيعة، وغيرُه، وصف أمير المؤمنين (عليه السّلام) المتّقين بوصف لافت، قال فيه: «مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ». وهذا التوصيف للمتّقين بصوابيّة المنطق، وجعله أوّل فضائلهم دون الصّدق ملفت للنظر.
وقد ذكروا أنّ الصّواب أخصُّ من الصّدق؛ لأنّ الصّواب هو أن لا يسكت عمّا ينبغي أن يقال، فلو سكت صار تفريطاً، وأن لا يقول ما ينبغي أن يسكت عنه فلو نطق كان إفراطاً، بل يضع الكلام في موضعه اللّائق به، ويكون السّكوتُ كذلك في موضعه المناسب واللّائق به. ولذا صار الصّوابُ أخصَ من الصّدق لأنَّ الصّدق هو مطابقة الخبر للواقع دون النظر إلى زوايا أخرى من اللّياقة وعدمها، فقد يصدق الإنسان بالحديث ولا يكون كاذباً لكن الصّدق منه في هذا الموضع لا ينبغي، بمعنى أن الصّواب هو النطق بالصّدق في موضعه المناسب له، فإذا لم يكن الموضع مناسباً لم يكن الإنسان مصيباً، وإن كان صادقاً في قوله.
وهذا معناه أن المتّقين لا يكتفون بإحراز مطابقة كلامهم للواقع (الصّدق)، بل يلاحظون ما يستوجبه الظرف والحال، والحيثيّات والزوايا المختلفة، والمصلحة والمفسدة، قبل إلقائهم الصّدق والنطق به، فرُبَّ صدقٍ لا مصلحة في الثرثرة به، فالمتّقون لا يتكلّمون إلّا في موضع يتطلّب الكلام، وفي موضع يكون إلقاء الصّدق فيه مناسباً له.
وربطاً بهذا فأولى فضائل المتّقين وصفاتهم ليست هي الصّدق (إذ من دون صدق الحديث لا تتحقّق التّقوى، فكيف يكون الإنسان متّقياً ولا يكون صادقاً!) بل فضيلتهم أكبر من الصّدق، وهي الصّواب.
لذلك يُفترض بأهل الإيمان قبل الكلام والحديث التأنّي والرويّة، وأن يفكّر الواحدُ منهم ويلاحظ سائر الحيثيّات والجهات قبل نطقه بالصّدق (لا أن ينطق بالكذب، أو بغير حجّة) ليكون منطقه الصّواب، ويكن من أهل الفضائل. أما لو اختار أن ينطق بالصّدق (على افتراض صدقه) دونما نظر إلى سائر الحيثيّات والظروف والأحوال، فوقتئذٍ يكون صادقاً لكنه مع ذلك يصير نزقاً طائشاً وخارجاً عن اللّائق!