في تغريدة كوهين.. سخرية عدو وغفلة أمّة!

الشيخ مقداد الربيعي
زيارات:401
مشاركة
A+ A A-

شارك الصحفي الصهيونيّ المعروف "إيدي كوهين"، يومَ السبت الماضي، صورة للحشود الكبيرة التي حضرت حفلاً غنائياً في مصر يوم الجمعة الماضي، وعلّق على حسابه قائلاً: «هذه هي الأجيال التي ستحاربنا وتحارب الغرب حسب عمر المختار، ههههه»، وهو بتعليقه هذا يقصد الاستهزاء بمقولة الثائر الليبي "عمر المختار": «إنّ موتي ليس النهاية؛ سيكون عليكم مواجهة الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فسيكون عمري أطول من عمر شانقي»!

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

رغم إننا نعلم مرام وغايات كوهين هذا من وراء منشوراته، فهو يعمل منذ سنوات في نشر الإحباط والسلبية بين صفوف المسلمين، بينما تجده في القنوات الصهيونية الناطقة بالعبرية يحذر قومه من الصراحة والإقرار بالحقائق، فهو يعلم جيداً أن شباب قومه غارق في المخدرات والتفاهة والشذوذ، وأنهم يساقون إلى الجندية مضطرين، وأنهم يتبولون في بناطيلهم خوفاً من الموت، وأنهم يتقدمون عسكرياً فقط بحبل من الغرب، وأن هذا الكيان لا يملك أن يعيش بإمكانياته شهراً واحداً، فالاقتصاد مدمر والواقع مأزوم، والمعونات سبيلهم الوحيد للحياة..   

كما نجده حريصاً على حث المحللين الصهاينة على نشر الإحباط، وضرورة مخاطبة المسلمين بما يدفعهم الى اليأس.

إلا أن هذا لا يشفع للأمة فيما نراه منها من عدم المبالاة وقلة الاهتمام بما يجري على أخوتهم المسلمين في لبنان وفلسطين، فأين نحن وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع قال وما من أهل قرية يبيت [و] فيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة». جامع أحاديث الشيعة، ج16، ص100. فإن كان قلة الاهتمام بجوع او عطش الجار مخرجاً عن الإيمان، فما حال من لم يهتم بقتله وهتكه وسلبه!!

الحقيقة أن الأمة تدجنت بعد ما عملته بها القومية والعلمانية من تغيير مفاهيم وتحويل المسلم لمجرد آلة مستهلكة لمنتجات الغرب المادية والثقافية، وما أشد مطابقة هؤلاء مع ما قصه الشاعر اليوناني القديم هوميروس في ملحمة "الأوديسا" وهو يحكي عن البطل أوديسيوس ورفاقه الذين سحرتهم سيرسي وحوّلتهم بسحرها إلى خنازير، وكيف حزن أوديسيوس لذلك، وبذل كل ما بوسعه ليجد الترياق الذي يعيد رفاقه (الخنازير) إلى هيأتهم البشرية ويحررهم من عيشة الخنازير. بيد أن رفاق أوديسيوس، بعد أن اعتادوا حياة الخنازير أبوا أن يأخذوا الترياق، وفرّوا منه، وعندما أمسك بأحد رفاقه الخنازير نهره رفيقه (الخنزير)، وعاتبه على محاولته تحريره ورفاقه من عيشتهم الحيوانية، وأخذ يمتدح العيشة البهيمية، فهي عيشة تتلذذ فيها الخنازير بما لذ وطاب، وتتمرغ في الوحل بلا مسؤولية متى تشاء، وتأكل وتشرب بلا هموم أخلاقية ولا التزامات اجتماعية، وتتلذذ بعلاقات جنسية لا تعرف الحب ولا الواجبات والمسؤوليات الأسرية ولا الروابط الاجتماعية وتعيش في استقرار لا يحمل هموم الحرية والكرامة الإنسانية، بل في استقرار لا يطيق صوت الحرية ومسؤولياتها وعواقبها.

هؤلاء هم الذي وصفهم القرآن بالأنعام، بل هم أضل سبيلاً، في قوله تعالى: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)، الفرقان: 44. ووصفهم بالقردة والخنازير: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ)، المائدة: 60.والقرآن الكريم حين وصف بعض الناس بالأنعام أو بالمسخ إلى قردة وخنازير، كان ذلك لتوضيح الانحدار الأخلاقي والروحي الذي قد يصيب الفرد أو المجتمع إذا انسلخ عن قيمه ومبادئه، فأصبح يعيش كالأنعام، همه الشهوة واللذة الفورية، دون النظر إلى الواجبات والمسؤوليات الأوسع التي تقع على عاتقه كفرد في مجتمع أكبر.

إن التحدي الحقيقي الذي يواجه الأمة اليوم هو كيف تعود إلى المبادئ التي حث عليها الإسلام، وكيف تستعيد روح الأخوة والتكافل، لتقف متماسكة في وجه كل من يسعى لتفريقها وتثبيط عزيمتها. 

إن استجابة الأمة لا يجب أن تكون في الاستهزاء أو التراجع، بل في العمل الجاد والمستمر لإعادة بناء روابط القوة والوحدة، لأن هذه الروابط هي الضمان الوحيد لمواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.

مواضيع مختارة