كتب الشيخ نهاد الفياض: في البدء لابُدَّ أنْ يُعلم أنَّ أصل الظُلامات الواقعة على الصدِّيقة الزهراء (ع) بلغت حدَّاً لا يُمكِنُ لأحدٍ إنكارُه؛ وذلك لتواتر الأخبار في ذلك، وإليكم نَزْراً يسيراً مما رُوِيَ في كُتُب الفريقينِ من العامَّة والخاصة.
1ـ ما رواه المحدِّث ابن أبي شيبة بسندٍ صحيحٍ عن زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم قال: "إنَّه حين بُويِع لأبي بكرٍ بعد رسول الله (ص) كان عليٌّ والزبير يدخلانِ على فاطمة بنت رسول الله (ص) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلمَّا بلغ ذلك عمر بن الخطَّاب خرج حتَّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله! (ص)، والله ما من الخلق أحدٌ أحبَّ إلينا من أبيك، وما من أحدٍ أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيمُ الله ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاءِ النفرُ عندكِ أنْ أمرتهم أنْ يحرقَ عليهم البيت.
قال: فلما خرج عمرُ جاؤوها، فقالت: تعلمون أنَّ عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتُم ليحرقنَّ عليكم البيت؟!
وأيمُ الله ليمضينَّ لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فرِءوا رأيكم ولا ترجعوا إليَّ، فانصرفوا عنها، فلم يرجعوا إليها حتَّى بايعوا لأبي بكر" [المصنَّف ج21 ص143].
2ـ وما رواه الضياء المقدسيُّ بسنده عن حُميد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: "دخلتُ على أبي بكر...أعودُهُ في مرضه الذي تُوفِيَ فيه، فسلَّمتُ عليه وسألتُه: كيف أصبحتَ؟ فاستوى جالساً...ثمَّ قال: أما إني لا آسى على شيءٍ إلَّا على ثلاثٍ فعلتُهُنَّ ودَدتُ أني لم أفعلْهنَّ، وثلاثٍ لم أفعلْهنَّ وددتُ أني فعلتُهنَّ، وثلاثٍ وددتُ أني سألتُ رسول الله (ص) عنهنَّ. فأمَّا الثلاث اللَّاتي وددتُ أني لم أفعلْهنَّ، فوددتُ أني لم أكُنْ كشفتُ بيت فاطمة أو تركتُهُ وإنْ أُغلقَ على الحرب [الأحاديث المختارة ج1ص 89].
3ـ وما رواه الطبريُّ الإماميُّ بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله جعفر بن محمَّد (ع) قال: "ولدتْ فاطمة (ع) في جمادى الآخرة، يوم العشرين منه، سنة خمس وأربعين من مولد النبيّ (ص) وأقامتْ بمكَّة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين، وبعد وفاة أبيها خمسةً وسبعين يوماً. وقُبِضتْ في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاثٍ خلوْنَ منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة؛ وكان سببُ وفاتها أنَّ قنفذاً مولى عمر لكزها بنعل السيف بأمره، فأسقطتْ محسناً ومرضت من ذلك مرضاً شديداً، ولم تدع أحداً ممن آذاها يدخل عليها.
وكان الرجلان من أصحاب النبي (ص) سألا أمير المؤمنين أنْ يشفع لهما إليها، فسألها أمير المؤمنين (ع) فأجابت، فلما دخلا عليها قالا لها: كيف أنتِ يا بنت رسول الله؟
قالت: بخير بحمد الله. ثمَّ قالتْ لهما: ما سمعتما النبي (ص) يقول: فاطمةٌ بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله؟ قالا: بلى.
قالتْ: فو الله، لقد آذيتماني!
قال: فخرجا من عندها وهي ساخطةٌ عليهما[ دلائل الإمامة للطبري ص134].
إلى غير ذلك من الأخبار الدالَّة على ظلامة الصدِّيقة الزهراء (ع) من قبل القوم، كما لا يخفى على المطالِع.
إذا بان هذا عزيزي السائل فأقول: هناك أصلٌ مهمٌ عند العامَّة يشير إلى ضرورة إخفاء وطمسِ كلِّ ما من شأنه الخدشة أو التعريض ـ فضلاً عن الطعن الصريح ـ بالصحابة، ولا يخفى عليكم أنَّ الواقع يؤشِّر بشكلٍ واضحٍ على أنَّ المراد من (عنوان الصحابة) بعضهم لا كلهم، فلا تغفل.
1ـ قال أحمد بن حنبل: (ومن الحجَّة الواضحة الثابتة البيّنة المعروفة ذكر محاسن أصحاب رسول الله (ص) كلِّهم أجمعين، والكفّ عن ذكر مساوئهم والخلاف الذي شَجَرَ بينهم...إلى أنْ قال: لا يجوز لأحدٍ أنْ يذكرَ شيئاً من مساوئهم، ولا يطعن على أحدٍ منهم بعيبٍ ولا بنقصٍ؛ فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أنْ يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه؛ فإنْ تاب قبل منه، وإنْ ثبت عاد عليه بالعقوبة، وخلَّده الحبس حتَّى يموت أو يرجع) [يُنظر: طبقات الحنابلة لأبي يعلى ج1ص30].
2ـ وقال الذهبيُّ: (تقرَّر الكفُّ عن كثيرٍ مما شَجَرَ بين الصحابة وقتالهم...وما زال يمرُّ بنا ذلك في الدواوين والكتب والأجزاء، ولكنَّ أكثر ذلك منقطع وضعيف، وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيـُّه وإخفاؤه، بل إعدامُهُ لتصفو القلوب، وتتوفر على حبِّ الصحابة، والترضِّي عنهم، وكتمان ذلك مُتعينٌ عن العامة وآحاد العلماء) [سير أعلام النبلاء ج10 ص92].
3ـ وقال الشيخ ذياب الغامديُّ: (لما عَلِم علماء المسلمين أنَّ الحديث والكلام عما شجر بين الصحابة...سببٌ للفتنة والتنقُّص والنيل منهم، مما يخالف النصوص الشرعيَّة والآثار السلفيَّة، قاموا مجتهدين على قدمٍ وساقٍ إلى قفل هذا الباب وسدِّ ثغوره ما أمكن إلى ذلك سبيلاً، حتَّى يسلم للمسلم دينه، وسلامة صدره، وحفظ لسانه؛ لذا نراهم قد أجمعوا قاطبةً على (السكوت عمَّـا شجر بين الصحابة...)، فكان الواجب على المسلم أنْ يسلك في اعتقاده فيما حصل بين الصحابة...مسلك الفرقة الناجيَة أهل السنَّة والجماعة، وهو الإمساك عما حصل بينهم) [ تسديد الإصابة فيما شجر بين الصحابة ص161].
وعلى هذا الأساس الذي بيَّناه لك، وأوضحناه من كلماتهم أتُراك تجد لروايات (كسر الضلع) في كتب القوم من أثر؟ أو ترى لذكرها من عين؟ كلَّا والذي خلق الزهراء؛ وذلك لأنَّ هذا الأمر يُعدُّ من أعظم المطاعن على القوم، وأشنعها على رموزهم؛ لذلك انحصر تراث الظلامة بشكله المفصَّل في نقل محبيها وشيعتها بشكلٍ واضحٍ وصريحٍ، ومن ذلك:
1ـ ما رواه أبو جعفر الصدوق (طاب ثراه) بسنده عن النبيِّ الأعظم (ص) أنه قال: "وإني لما رأيتهُا ذكرتُ ما يُصنَع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذلُّ بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصبت حقها، ومُنعت إرثها، وكسر جنبها" [أمالي الصدوق ص100، المجلس24].
2ـ وما راه الطبرسيُّ (طاب ثراه) ونصُّه: "وحالت فاطمة (ع) بين زوجها وبينهم عند باب البيت، فضربها قنقذ بالسوط على عضدها، فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ اضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها" [الاحتجاج ج1 ص110].
إلى غير ذلك من الأخبار الدالَّة على كسر ضلعها.
والنتيجة من كلِّ ما تقدَّم أنَّ ما أصَّله القوم من لزوم الإمساك عمَّا وقع بين الصحابة ووجوب حذفه وإخفائه يؤدّي إلى فقدان الكثير من تلك الروايات الثالبة لهم، ومنها الروايات الدالَّة على كسر ضلع الزهراء(ع) وغيرها، والله الموفِّق.
المصدر: مركز الرصد العقائدي