أسرار المُعجزات: هل يمكن للميّت أن يعود للحياة؟!

موقع الأئمة الاثني عشر
زيارات:313
مشاركة
A+ A A-

تثير العلاقة بين المعجزة والمنطق العلمي جدلاً فكرياً عميقاً، خاصة عندما نتأمل المعجزات المذكورة في القرآن الكريم. فكيف يمكن للعقل العلمي أن يتقبل تحول عصا موسى إلى ثعبان، أو إحياء عيسى للموتى بإذن الله، أو رحلة الإسراء للنبي محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة واحدة؟

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

تتجلى حقيقة المعجزة في رؤيتين متباينتين: الأولى يمثلها الفيلسوف الأمريكي إراف هولاند الذي يرى المعجزة حدثاً نادراً غير مألوف، لا خرقاً للطبيعة. فالقوانين الطبيعية عنده ثابتة كقانون غليان الماء عند درجة حرارة 100.

أما الرؤية الثانية، فيمثلها سومبورن، أستاذ الفلسفة المسيحية في أكسفورد، الذي يؤكد أن المعجزة تخرق القوانين الطبيعية. فكيف يمكن اعتبار عودة الميت إلى الحياة مجرد حدث نادر؟

في علاقة المعجزة بالمنطق العلمي، نجد رؤيتين: الأولى ميكانيكية تستند إلى الحتمية النيوتنية، حيث كل حادثة تحتاج سبباً يسانخها. فكيف تتحول العصا إلى ثعبان دون مسانخة؟ وكيف تنتج بذرة التفاح عنباً؟ أما الرؤية الثانية فهي فلسفية، يوضحها ابن سينا في "الإشارات والتنبيهات" بثلاثة عوامل للحوادث: طبيعي كتأثير ضوء الشمس على الحياة، وماورائي يتجاوز عالم المادة، وروحي كقوة الأنبياء القدسية.

ويدعم سومبورن إمكانية المعجزة علمياً بتقسيم القوانين العلمية إلى كلية وإحصائية. فالقوانين الكلية كالقوى الأربع للكون (الجاذبية، الكهرومغناطيسية، النووية الشديدة والضعيفة) لا تقبل الاستثناء. أما القوانين الإحصائية المكتشفة بالتجربة، كدرجة ذوبان الذهب عند 1063 درجة مئوية، فتقبل الاستثناء. وهذا يفسر معجزة إبراهيم عندما لم تؤثر النار فيه: "قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ".

وفي إثبات المعجزات تاريخياً، يرفض هيوم ذلك معتبراً التجربة المباشرة الطريق الوحيد للإثبات. لكن العلماء يردون بأن التواتر، كما في حديث الغدير، يفيد اليقين. كما أن الكون مليء بقوانين لم نكتشفها بعد، فربما قانون يكسر آخر في ظروف معينة، كما في حالة عصا موسى المحددة.

ويتجلى الإعجاز بوضوح في القرآن الكريم، فكيف لنبي لم يتلق تعليماً رسمياً في مجتمع جاهلي أن يأتي بكتاب يجمع قصة البشرية، وأسراراً علمية كتوسع الكون "وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ"، وتشريعات شاملة في 700 آية؟ يفسر السيد محمد باقر الصدر هذا بحساب الاحتمالات: كلما كانت النتيجة أكبر من المقدمات، دل ذلك على تدخل عامل خارجي، كطفل في الابتدائي ينظم شعراً يضاهي المتنبي.

وهكذا، فالمعجزة لا تتناقض مع المنطق العلمي، بل تكشف عن نظام كوني أعمق مما نتصور. فالعلم الحديث يؤكد محدودية معرفتنا: "وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا". والمعجزة تبقى شاهداً على قدرة الخالق وإرادته التي لا يقف أمامها قانون: "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ".​​​​​​​​​​​​​​​​

هذا المقال مقتطف من محاضرة لآية الله السيد منير الخبّاز تحت عنوان «هل تنسجم معجزات الأنبياء مع المنطق العلمي؟»

مواضيع مختارة