من الأمورِ الأساسيةِ والمهمةِ طوالَ العامِ للمؤمنين، اغتنامُ شهرِ شعبان - شهرٌ تتشعبُ فيه الخيرات. أنتم تعرفون أنَّ هذا الشهرَ، شهرَ شعبان، مرحلةٌ وسطيةٌ بين شهرِ رجبٍ وشهرِ رمضانَ المبارك.
رأيتم طلابَ المدارسِ عندما يقتربُ منهم موعدُ الامتحان؟ قبلَ شهرين يصيبُهم اضطراب، وما قبلَ الشهرِ يزدادُ اقترابُهم، وقبلَ أسبوعٍ يزدادُ أكثر. هكذا المؤمنُ عندما يدخلُ شهرَ شعبان، حقيقةً يعيشُ هذا الهاجسَ أنه لم يبقَ من شهرِ رمضانَ المباركِ إلا شهرٌ واحد. وكما مضى شهرٌ بسرعة، كذلك شهرُ شعبانَ يمضي عليه.
مَن لم يُتقِن العملَ في شهرِ رجب - وكم من المحطاتِ العباديةِ فيه: ليالي البيض، المبعثُ الشريف، أعمالُ أمِّ داود وغيرها - ومَن لم يعملْ شيئاً في شهرِ رجب، فلن يعملَ شيئاً في شهرِ شعبان؛ إذ موجباتُ الكسلِ هي هي. ومَن لم يُوفَّق في شهرين كاملين، فإنَّ شهرَ رمضانَ أيضاً سيمضي كما مضى الشهران، وسيُفاجَأُ بعيدِ الفطرِ ويدُهُ خاليةٌ.
فماذا نصنع؟ كما أوصينا، عادةً اليومُ والليلةُ الأولى متميزةٌ في الأشهرِ الثلاثة. حاوِلْ أن تغتنمَ الفرصةَ في الليلةِ الأولى وفي اليومِ الأول، هذا مفروغٌ منه. ليالي البيضِ من شهرِ شعبانَ مشهورةٌ، وشهرُ رمضانَ المباركُ أيضاً قمةُ المناسبات. ويبدو أنَّ أفضلَ ليلةٍ بعد ليالي القدرِ - وتُكتَبُ فيها المقدَّراتُ إجمالاً - هي ليلةُ النصفِ من شهرِ شعبان، قمةُ العطاءِ في هذا الشهرِ المبارك.
الآن، كما قلنا، ماذا نعمل؟ النظافةُ مستمرة. رأيتم المستشفياتِ؟ أرقى المستشفياتِ هكذا دائماً: التنظيفُ والتعقيم، وخاصةً إذا كان المريضُ مبتلىً بوباءٍ. نعم، الأرضُ والسقفُ والحيطانُ تُعقَّم، ويبلغُ التعقيمُ قمتَه - كما تعلمون - في غرفةِ العمليات، أجارنا اللهُ وإياكم من كلِّ سوء.
فالأشهرُ الثلاثةُ المباركةُ، عقِّمْ يومَك وليلتَك. بأيِّ شيءٍ؟ بما ذكرناه: بالاستغفار. شهرُ رجب من أهمِّ معالمِه الاستغفار، وفي شهرِ شعبانَ أيضاً في كلِّ يومٍ استغفرِ اللهَ سبعين مرة. هناك صيغتان: "أستغفرُ اللهَ وأسألُه التوبة"، والصيغةُ الأخرى: "أستغفرُ اللهَ الذي لا إلهَ إلا هو، الرحمنُ الرحيمُ، الحيُّ القيومُ وأتوبُ إليه".
الترتيبُ فيه غيرُ متعارَفٍ، عليك الالتزامُ بما أُمِرنا. طبعاً عندما نقولُ سبعين مرة، ما رأيتُ أحداً يقولها في مجلسٍ واحد. البعضُ يستكثرُ أو يتكاسل، فما المانعُ أن يقولَها متفرقةً من الصباحِ إلى الليل؟ لو استغفرَ سبعين مرةً بتوجُّهٍ، موزَّعةً على صلاةِ الظهرِ والعصر، قبلَها وبعدَها، وقبلَ الغروب. المهمُّ أن يكونَ الاستغفارُ بتوجُّهٍ لا لقلقةَ لسان.
هناك عملٌ مهمٌ سنذكرُه - بإذنِ الله - شرحاً لاحقاً: المناجاةُ الشعبانية. بعضُ المؤمنين ينتظرُ شهرَ شعبانَ ليُنادي بهذه المناجاةِ الراقية، وهي مناجاةُ عليٍّ وذريتِه. نسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أن يرزقَك زيارةَ أميرِ المؤمنين لتتلوَ هذا الدعاءَ وأنت بجوارِ قبرِه الشريف. يا لها من مناجاةٍ عندَ صاحبِها!