أجلس مسترخية بعد انتهائي من إطعام الصغار وتنظيف المنزل ألتقط أنفاسي وأستعيد توازني حيث بادر صغيراي بإحضار كوب من الماء البارد واحتضاني وشكري على جهدي.
ترى قريبتي هذا الموقف فتتنهد وتقول: "الأولاد البارين رزق وهبة من الله".
توقفت عند كلمتها أفكر ثم أردفت: "نعم صحيح هم نعمة ولكن البر ليس بالوراثة وليس فطرياً إنما هو مكتسب.. علمي أبناءك البر".
-هل سبق وأن أخبرت أبناءك ماذا تحبين وماذا تكرهين؟
- هل دفعتيهم إلى عمل ما ينفعك وعودتيهم على ما تريدين؟
- هل وضحت الخطوط الحمراء التي تمنعينها معك وحدود المسموح والممنوع؟
- هل ترين هذا الحدث الذي حصل أمامك هو نتيجة مرات ومرات من الحث والتحريض والطلب المباشر وغير المباشر.
فتارة كنت أطلب..
ثم أصبحت ألمح أنكم إذا وجدتموني في تعب فإني منهكة بحاجة لشيء يسد رمقي وأحيانا أعاتب وأشيح بوجهي عنهم.
ثم أذكرهم في مرات ومرات وأبادر بفعل هذا حين يعودون من المدرسة وأفعله للضيوف وأذكر ذلك أمامهم حتى أصبح لديهم هذا شيء من التعويد.
كنت ولا زلت أذكرهم بعدم رفع الصوت خلال الكلام معي..
والجلوس بطريقة محترمة والنظر لي حين المخاطبة..
ولا أقبل أن تمر كلمة بذيئة بقصد أو دون قصد.
يسحب ولدي صحن الحلوى الخاص به حين أمد يدي فتعلمه أختي "لا يصح أن تمنع والدتك من شيء تشتهيه بل عليك أن تفضلها على نفسك وتقدم لها ما تشتهيه ولو كنت تريده، أنت سيعوضك الله بحبك لها وهذا باب للتوفيق والسعادة والبر".
يخرج أبنائي للسوق فأستقبلهم عند عودتهم «ماذا أحضرتم لي» وأظهر الحزن حين لم يتذكروني.. في الأيام اللاحقة يسرعون لي بقطع الشوكولاتة التي أحب.. "ماما تذكرتك" فأشكرهم وأثني عليهم وأكافئهم حتى أصبحوا لا يدخلون إلا وفي أيديهم شيء لي..
كل هذا تمهيد لما أريده منهم مستقبلاً مع الدعاء والتقديم لهم وثقتي بالله أن ينتج ثماراً طيبة..
أتذكر كثيرات ممن أخبرنني أنها تبذل جهداً في كل مرة لكي تعرف ماذا يرضي والدتها التي تتهمها بالعقوق دائماً؛ حتى أصبحن يكرهن التواصل والعمل وتقديم المعروف فالأم لا يعجبها العجب تريد أن تعرف بناتها ماذا تحب وماذا تكره من تلقاء أنفسهن حتى يصدف أن تجدن مفتاحها السحري وقد لا تجدنه.