- توفيق بوخضر
لا شك أن للأكل أثره على النطفة أثراً واضحاً؛ إذ أن النطفة هي في حقيقتها خلاصة الغذاء الذي يأكله الإنسان، ومن الثابت أن لكل غذاء خاصية وأثراً خاصاً به؛ فتتشكل النطفة من تشكيل الغذاء وتأثيره عليها أشد من تأثير الطعام على الإنسان إذا بلغ إنساناً سوياً.
ولا يقتصر الأثر على الناحية الشكلية فقط أو المادية بل على الناحيتين على حد سواء؛ فالمادية والمعنوية تتأثران بالغذاء، ولقد لوحظ انتقال صفات الحيوانات المأكولة إلى آكليها. لذلك نجد الإسلام قد وضع قوائم من الأطعمة والحيوانات لا يجوز أكلها نظراً إلى ما تخلف من الآثار السلبية، بل حتى التي يحل أكلها إذا عرض لها شيء يؤثر فيها يحرم أكلها، مثل الدواجن أو الحيوانات التي تتغذى على العذرة لا يجوز أكلها حتى تطهر.
قال ابن خلدون: «أكلت الأعراب لحم الأبل فاكتسبوا الغلظة، وأكل الأتراك لحم الفرس فاكتسبوا الشراسة وأكل الإفرنج لحم الخنزير فاكتسبوا الدياثة» .
لقد قام العلماء بإجراء تجارب كثيرة على الاطفال لمعرفة تأثير المغذيات على شخصيتهم وسلوكهم؛ فانعدام وجود الفيتامين أو النشويات أو الأحماض الأمينية في الأطعمة أثر تأثيراً بالغاً على سلوك الأطفال.
هذا وقد وجد أيضاً أن الرضاعة الطبيعية كان لها أثر أفضل بكثير من الرضاعة الاصطناعية. أضف إلى ذلك أنه قد ثبت أن أكل لحوم العجل المحقون بمادة هرمونية (diebhy istiberterog ) كان به تأثير على سلوك وشخصية الناس حيث زاد بهم عملية اللواط أو المساحقة.
فإذا كان هذا حال من أعطي مادة هرمونية، فمن باب الأولى من كان بالذات فإن تأثيره أشد نكالاً وأقوى فعالية.
فإذا تقرر ذلك لزم الوالدين من مراعاة نوعية الطعام الذي يأكلانه لسلامتهما ولسلامة أولادهم من الآثار الجانبية. ومن الضروري أن تعلم أن بقاء الغذاء يؤثر في البدن لمدة أربعين يوماً.
عن الحسين بن خالد قال:«قلت لأبي الحسن عليه السلام إنا روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من شرب الخمر لم تحتسب صلاته أربعين يوماً.
قال: فقال: صدقوا.
قلت: كيف لا تحتسب صلاته أربعين صباحاً لا أقل من ذلك ولا أكثر؟
فقال: إن الله جل وعز قدر خلق الإنسان فصيره نطفة أربعين يوماً، ثم نقلها فصيرها علقة أربعين يوما، ثم نقلها فصيرها مضغة أربعين يوماً؛ فهو إذا شرب الخمر بقى في مشاشته أربعين يوماً على قدر انتقال خلقته.
ثم قال عليه السلام: وكذلك جميع غذائه أكله وشربه يبقى في مشاشه أربعين يوماً » (1).
وبهذا يظهر أن جمع الأغذية والتأثير لها يدوم أربعين يوماً، ومنه لا يمكن أن يعرج المصلي بصلاته وهو في حالة نجاسة؛ لذا فهي لم تصل إلى ساحة القدس بل ليس لها قابلية العروج أصلاً فهو لم يصل فعلاً حتى تقبل، وإن لهذا الحديث مقاماً آخر.
ولنعود إلى صلب الموضوع لننقل ما يقوله الدكتور سيد غياث الجزائري في كتابه:«إذا كانت نطفة الأب مسمومة حين الاتصال الجنسي فإن الجنين يوجد ناقصاً وعليلاً، وهذا التسمم ينشأ من تناول الأطعمة الفاسدة أو معاقرة الخمر. إذن يجب الاجتناب عن الاتصال الجنسي وحين التسمم والسكر بالخصوص » ص 152.
وفي صفحة أخرى يقول:«لقد قام أحد الأطباء الحاذقين في أوروبا بجمع إحصائيات دقيقة للنطف التي تنعقد في ليلة رأس السنة المسيحية فوجد 80% من الأطفال المتولدين من تلك النطفة ناقصوا الخلقة، وذلك لأن المسيحيين في هذه الليلة يقيمون أفراحاً عظيمة وينصرفون إلى العيش الرغيد والإفراط في الأكل والشرب ويكثرون من تناول الخمر .. » ص 154.
يقول الدكتور كاريل في كتابه (طريق الحياة ):«إن سكر الزوج أو الزوجة حين الاتصال الجنسي بينهما يعتبر جريمة عظيمة؛ لأن الأطفال الذين ينشأون في ظروف كهذه يشكون في الغالب من عوارض عصبية ونفسية غير قابلة للعلاج » .
ومن الطبيعي أن يهتم الوالدان بالنطفة قبل انعقادها بأربعين يوماً ويولون لهذه المسألة أهمية كبيرة؛ وذلك لأن نطفتهما بداية مخلوق جديد سيخرج إلى حيز الوجود وهو مسلوب الإرادة والقدرة والاختيار، وهو في مثل هذا الحال سيحدد سعادته من شقائه ورزقه وعمره وكل الأمور المرتبطة به؛ فإذا كانت نطفته من الحرام ـ والعياذ بالله ـ كيف سيكتب له التوفيق؟ ! لهذا فإن هذا المخلوق أحوج ما يكون للمساعدة من قبل والديه في مثل هذه الحالة، فإن بسط جناح الذل من الرحمة للوالدين وطلب الدعاء لهما لخصوصية التربية في الصغر حيث ينعدم القدرة عنده ويقع الاتكال الكلي على الوالدين فهو في وضع التقلب العنايتي للوالدين ينقل من مرحلة إلى أخرى والتي تنشأ قبل إيجاد نطفته من كونه إنساناً سوياً، قال تعالى:«واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا » (الاسراء 24).
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه حتى الرجل يجب أن يكون غذاؤه طاهراً من الحلال الخالص حتى بعد انعقاد النطفة في رحم امرأته. لا سيما إذا كان يريد أن يغشاها في فترة الحمل؛ لأن المادة المنوية تتحول إلى غذاء يتغذى عليه الطفل، وأما بالنسبة للمرأة فهو واضح جداً حيث يكون غذاء الطفل وشرابه من غذاء أمه وشرابها لذلك يلزم الاعتناء بهذه الأمور بشكل أكبر.
ففي حديث طويل عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:«ثم يبعث الله ملك الأرحام فيأخذها فيصعد بها إلى الله عزوجل فيقف منه ما شاء الله، فيقول: يا إلهي أذكر أم أنثى؟ فيوحي الله عزوجل إليه من ذلك ما يشاء ويكتب الملك، ثم يقول: إلهي أشقي أم سعيد؟ فيوحي الله عزوجل إليه ما يشاء من ذلك، ويكتب الملك فيقول: اللهم كم رزقه؟ وما أجله؟ ثم يكتبه ويكتب كل شيء يصيبه في بين عينيه ثم يرجع به فيرده في الرحم، فذلك قول الله عزوجل:«ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها » (2).
فيا أيها الزوجان إن ولدكما أمانة في أعناقكما؛ فإذا كنتما تريدان حياة طيبة لأبنائكم عليكما أن تطيبا طعامكما وشرابكما وتجعلاه من الحلال الذي لا شبهة فيه.
1 ـ الكافي: ج 6، ص 402.
2 ـ البحار: ج 60، ص 340.