الائمة عليهم السلام يؤكدون في أحاديثهم وسنذكر بعضاً منها "لا تجعل يوم صومك كيوم فطرك" ومعنى هذه العبارة ايها الصائمون اغتنموا فرصة هذا الشهر هذه المعطيات اجعلوها فرصة لإجراء التغيير نحو الأفضل، بحيث انت ايها الصائم ايتها الصائمة تجد نفسك بعد انتهاء هذا الشهر اصلح وافضل واطهر واقوم مما كنت عليه بداية الشهر.
ان لم تحصل على هذا التغيير فانت قد خسرت وحرمت نفسك من هذه الغنائم العظيمة.
من الامور الواضحة بالنسبة للإنسان في حياته انه كلما كانت لديه المعرفة والوعي والادراك بأهمية وخطورة الامر في حياته كلما اشتد اهتمامه وتوجهه واندفاعه نحو ذلك الشيء.
وإذا نتتبع الاثار الواردة عن المعصومين عليهم السلام نجد هناك اهتمام كبير من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والائمة المعصومين عليهم السلام بشهر رمضان فهم يريدون ان يلفتوا نظرنا الى أهمية هذا الشهر واهمية معطياته في حياتنا الدنيوية و الأخروية.
وشهر رمضان بما ورد فيه من وسائل الاهتمام المتعددة للمعصومين عليهم السلام من خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن الادعية المتعددة الغزيرة المضامين الروحية والتربوية الى الروايات الكثيرة تعكس مدى اهمية وعظمة معطيات هذا الشهر المبارك والمقصود منها تحفيز العزائم وايقاظ العقول وبعث الهمم للاستفادة بما يناسب عطاؤه وحكمته.
التفتوا اخواني عندما تقرأون الخطب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقران الكريم قبل ذلك دققوا وتأملوا ولا تقرأوا القراءة السطحية والعابرة.
لاحظوا في خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما يبتدأ في بيان فضيلة شهر رمضان وبعدها يطلب من الله سبحانه وتعالى ان يعيننا على صيامه ماذا يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): "فاسألوا الله ربكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة".
ايها المؤمن الصائم ايتها المؤمنة الصائمة إذا اردتم الوصول من خلال الصوم هذا التعب والعناء وألم الجوع والعطش وغير ذلك إذا اردتم ان تصلوا الى التقوى ابتدأوا بقلوبكم اولاً طهروها مما فيها من الحسد والتكبر والغل والحقد والمكر وغير ذلك من هذه الصفات الذميمة، طهروها من شوائب الدنيا وكل شيء غير الله تعالى.
إبدأوا بقلوبكم..
لذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "فاسألوا الله ربكم بنيّات صادقة وقلوب طاهرة".
أنتم ايها المؤمنون وايتها المؤمنات ابحثوا وافحصوا في اعماق قلوبكم إذا كان شيء فيها من الغرور والتعجب والكبر والمكر والحقد وغير ذلك من هذه الصفات الذميمة طهروها حينئذ سينزل عليكم الفيض والبركات والفضائل الالهية لأنه ساحة القلب ستكون مهيئة حينئذ.
ايضاً في بعض الأحاديث المهمة عن الامام الصادق (عليه السلام): "القصد الى الله بالقلوب ابلغ من القصدِ اليه بالبدن".
معنى ذلك أنك حين تقصد الله تعالى بقلب سليم وطاهر هذا سيوصلك أسرع مما لو قصدت اليه ببدنك وان اتعبت بدنك في العبادات.
لذلك اخواني نقطة الانطلاق هنا ان تبدأوا بقلوبكم وتصفّوها من هذه الصفات الذميمة ومن هنا جاء الجهاد الاكبر جهاد النفس الذي ورد في حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (جهاد السلاح الجهاد الاصغر وجهاد النفس هو الجهاد الاكبر).
النقطة الثانية التي من خلالها نتعرف على كيفية الوصول بالصوم الى التقوى وهو التوجّه والالتفات نحو جوهر وروح الصوم والغاية السامية منها.
مشكلتنا نحن ان طبيعة تعاملنا وتعاطينا مع العبادات تعامل وتعاطي سطحي في مرتبته الادنى مثلا ً نتعامل مع الصلاة على انها حركات للجسد والفاظ باللسان لا نتعامل معها على انها صلة مع الله وتواصل مع الله وهي قربان كل تقي وهي معراج مؤمن، وان الصلاة لو اتيت بحقيقتها وجوهرها ارتقت بك من عالم الارض الى عالم الملكوت الاعلى المقدس والمطهر، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، لماذا لا تنهانا صلاتنا عن الفحشاء والمنكر لإننا تعاملنا معها تعاملا ً سطحياً ولم نتعامل معها بفهم بحقيقتها وروحها وجوهرها حتى يمكن من خلال ذلك ان نصل من خلال هذه العبادة الى التقوى.
كذلك الصوم ايضاً تعاملنا معهُ على انه رحلة المعاناة والمقاساة من ألم الجوع والعطش فننتظر تلك اللحظة التي نُشبع فيها شهوتنا ونتخلص من آلام الجوع والعطش لم نتعامل معهُ على انهُ ارتقاء بالنفس والانسان من حظوظ البهيمية الى حظوظ القدسية للملكوت الاعلى ومن خلال التقوى.
هذه المشكلة لم نفهم ونتعامل مع العبادات من صلاة وصوم وحج وبقية العبادات على انها سلسلة متصلة ومترابطة بعضها مع بعض كُلها يُراد منها ان توصلنا الى التقوى، كذلك نحن لم نتعامل مع الصوم بهذا النوع من التعامل والتعاطى لاننا لم نفهم ولم نعي ولم تكن لنا البصيرة بجوهر وحقيقة الصوم الذي اراده الله تعالى مِنا.
والتفتوا الى حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "أيسر ما افترض الله على الصائم في صيامه ترك الطعام والشراب".
فهذا الذي نستعظمه ونستثقله ونعاني منه وهو الجوع والعطش انما هو الوظيفة الايسر فما هي اذن الوظيفة الاعظم والاشق؟ انها مراقبة ومتابعة وملاحقة كل جارحة من يد ورجل ونظر وسمع بل شم ولمس لتعصم وتمنع من الحرام وتوضع على الطريق الصحيح في مرضاة الله تعالى.
وورد عن ابي عبدالله (عليه السلام): "ان الصيام ليس من الطعام والشراب وحده، فاحفظوا السنتكم وغضوا ابصاركم ولا تنازعوا ولا تحاسدوا".
ايضاً من الامور المهمة في معطيات هذا الشهر، كيف نوظّف شهر الصيام لتقوية الجانب الروحي والمعنوي وترسيخ الارتباط بالله تعالى؟
كيف نوظّف شهر رمضان في مواجهة صعوباتنا ومشاكلنا؟
نحن في حياتنا الدنيا نواجه الكثير من المشاكل من الصعوبات من الازمات والضغوط النفسية والاجتماعية.. كيف نستطيع ان نواجه هذه الازمات والمشاكل ونخرج منها بنجاح بحيث لا تتعثر مسيرتنا في الحياة ولا نقع في الفشل والاخفاق؟
وأنتم لا شك تتابعون وتقرأون كثرة حالات الانتحار مثلا ً لماذا؟ شباب مع الأسف الشديد في عمر العشرين او في عمر الثلاثين.. كل فترة نقرأ في المكان الفلاني انتحر الشاب او الشابة الفلانية، وهناك حالات الطلاق كثيرة وحالات التفكك الاسري كثيرة وحالات المشاكل الاسرية والمشاكل الاجتماعية.
لماذا هذا الانتحار وهذا الطلاق تجد ان هناك تعقيدات ظروف الحياة المادية والضغوط النفسية والاجتماعية التي تؤدي الى حالات من القلق والكآبة والخوف والحزن والاحباط واليأس من المستقبل.
هؤلاء لا يستطيعوا ان يواجهوا هذه المشاكل بروح وعزيمة وقدرة على حلها وتجاوزها بحيث لا يؤدي بهم الى هذه الحالات من التفكك او الطلاق او الانتحار او غير ذلك من الامور النفسية التي تصيب الانسان..
ما هو الحل وما هو العلاج؟
يأتي هنا اخواني تعزيز الجانب الروحي والمعنوي، نحن نشكو في مجتمعنا من حالة الجفاف الروحي والمعنوي، نحتاج الى إغنائه، إذا قويّت الاتصال والارتباط بالله تعالى وهذا يعني انني اعتقد ان لي رب قادر وحكيم ورحيم وعطوف بي وحنون عليَّ هو سيعينني على ان اتجاوز هذه المشاكل والازمات واتخلص منها بنجاح ولا أقع في الفشل والاخفاق واليأس والاحباط وغير ذلك من هذه الامور النفسية..
عندي رب العالمين سيكون معي وحتى لو ابتليت لمصلحة وحكمة ومنفعة لي ولكنه سيُعنني وسيقف معي ويعينني على تجاوز هذه المشاكل..
لماذا أهرب منها بالانتحار؟؟!!
لماذا اهرب من المشاكل بالطلاق الا إذا وصل الى طريق مسدود؟
لماذا هذا التفكك الاسري؟
لماذا هذه العداوات؟
لماذا هذا الانفصال الاجتماعي وغير ذلك من المشاكل النفسية والاجتماعية وغيرها؟
هنا يأتي الدور الروحي والمعنوي قراءة القران والادعية والمناجاة وذكر الله تعالى ويأتي هنا ذكر الله ويقول لك ان الله تعالى الذي بيده كل شيء الآن هو مطلع عليك ويعرف بك وهو ارحم من الام بابنها، الام كم هي رحيمة بابنها اذا رأته مهموماً وقلقاً تبذل كل شيء من اجله وعلى استعداد ان تضحي بنفسها من اجل ان تنقذه، الله تعالى ارحم الراحمين ارحم من الام بابنها..
اخواني حينما نواجه ازمة علينا ان نسعى لحلّها وهذا لا يعني الركون فقط الى الدعاء والذكر والجلوس في البيت وان ندعو فقط ونذكر الله تعالى، نعم، هذا جداً مطلوب، ولكن علينا ان نسعى ايضاً لحل هذه الازمات والمشاكل ونسعى لتجاوزها وحلّها، ولكن في نفس الوقت إذا وجدت ان هذه المشاكل لا تُحل قلة الفرص للعمل وضغط الحياة والضغط النفسي والمعيشي وغير ذلك وانا وجدت ذلك واقع الحال أسعى لحلّها ولكن لا أستطيع فماذا افعل؟
اتعامل مع الواقع كما هو اتوجه الى الله تعالى اقول إلهي انت ارحم بأمي منّي وارحم من الجميع بي ارحمني واعني على ان اتجاوز هذه المشكلة والازمة ولا اهرب منها بالتخلص من هذه الحياة التي جعلها الله تعالى ممراً وطريقاً للوصول الى الحياة الحقيقة في الاخرة..
لذلك اخواني في جميع مشاكلكم وما تعانوه من مصاعب توجهوا الى الله تعالى فهو سيكون عوناً لكم.
*النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي التي ألقيت في 4/ رمضان هـ الموافق 10 /5/ 2019م