ولا يمكن نقض العصمة من باب أن الناقل عن المعصوم ليس بمعصوم؛ لأن ذلك أولاً: لا يقتصر على الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) وإنما يمتد إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) أيضاً، فالرسول معصوم بإجماع الأمة ومع ذلك فإن من ينقل عنه غير معصوم، وعلى ذلك يمكن أن يقال ما فائدة عصمة الرسول ومن ينقل عنه غير معصوم؟ فما يجاب به هنا يجاب به هناك.
ثانياً: التشكيك في الناقل مطلقاً تشكيك في مطلق الدين، فحتى القرآن الكريم لم يوصله الرسول لكل مكلف بشكل شخصي وإنما تم نقله أيضاً على أيدي غير المعصومين، والقول إن القرآن نقل بالتواتر قول يعتمد على طريقة العقلاء في توثيق الخبر، وللعقلاء طرق أخرى يستوثقون بها عن صحة الأخبار المنقولة، فلماذا نقبل حكم العقلاء في التواتر ولا نقبله في الطرق الأخرى؟
ثالثاً: أساس الفائدة من المعصوم هو أن يكون مرجعاً لغير المعصوم، فالمعصوم وجد حتى ينقل عنه غير المعصوم، أما إذا افترضنا أن الجميع معصومين فحينها لا يحتاجون إلى معصوم لينقلوا عنه، وفي حال افترضنا عدم وجود معصوم حينها لا يجد الناس من يرجعون إليه في أمور دينهم، وعليه فإن فائدة العصمة متحققة في حاجة الناس للمعصوم، أما كيف يرجع إليه الناس وبأي وسيلة ينقلون عنه؟ فلا علاقة لكل ذلك بفائدة العصمة وأهميتها، وإنما له علاقة بالجانب الإجرائي والعملي، وتلك وظيفة المكلف حيث يتعين عليه إيجاد الوسيلة التي تحقق له الاطمئنان بما ينقله عن المعصوم، فمثلاً فائدة الطب هي علاج المرضى، ووظيفة الطبيب هي تحديد الدواء المناسب لكل مريض، ولكن كيف نثق بأن الدواء الذي وصفه الطبيب هو ذاته الموجود في الصيدليات؟ فلو افترضنا أن ثقتنا انعدمت في شركات الأدوية أو أننا لم نتمكن من تمييز الدواء من بين الأدوية، فهل يحق لنا أن نسأل ماهي الفائدة من الطب؟ كذلك الحال لو سلمنا جدلاً أن ثقتنا انعدمت في كل ما هو موجود في كتب الحديث، أو أننا لم نتمكن من تمييز الحديث الصحيح من غير الصحيح، فهل يحق لنا أن نقول ما هي الفائدة من العصمة؟ فكما أن العقلاء وضعوا شروطاً لتحصيل الثقة والاطمئنان في الأدوية المعروضة في الصيدليات، كذلك وضعوا شروطاً لتحصيل الثقة والاطمئنان مما هو معروض في كتب الحديث.
رابعاً: النقل عن المعصوم لا يحتاج إلى معصوم لينقل عنه، وإنما يكفي وجود الصادق حتى يتم نقل كلام المعصوم كما هو، ولا وجود لمن يشكك في وجود من اتصف بالصدق والأمانة ممن نقلوا عن المعصومين، فهناك فرق بين حاجة الأمة للمعصوم لحفظ دينها وبين حاجة الأمة للرجل الصادق الذي ينقل ما قاله المعصوم، والصادق موجود في كل زمان ومكان فلا مشكلة من هذه الجهة.
خامساً: الفائدة من العصمة قد تحققت لنوعين من الناس، الأول: من حضر زمن المعصوم واخذ عنه بشكل مباشر، والثاني: من اخذ عمن سمع من المعصوم طالما توافرت فيه شروط الثقة والنقل، ومن يحرم نفسه عن الاستفادة من المعصوم ليس من حقه إن يشكك في فائدة العصمة طالما الفائدة تحققت لغيره.
سادساً: استمر وجود المعصومين ثلاث قرون في هذه الأمة، وقد أشرفوا بأنفسهم على عملية نقل الأحاديث وبينوا كيفية حفظها وطرق توثيقها، وقد استفاض العلماء في شرح وذلك وبيان الشواهد عليه في كتب الحديث والرجال، وعليه لا توجد مشكلة في تحصيل الثقة والاطمئنان عما ينقل عن المعصوم، ولا ينكر ذلك إلا الجاهل بهذا العلم.