لماذا يبتعد شبابنا عن الدين؟

 صورة لشاب مشارك في ما يعرف بـ «مهرجان الألوان» في بغداد

قال تعالى: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)[1].

المتتبع للتأريخ البشري يجد أن الشباب هم الأكثر نهوضا بأعمال ومشاريع الأمم المصيرية، بل المعتمد في كل أمةٍ شبابها في المشاريع الحركية التغييرية لأنهم في أوج طاقاتهم وحماسهم... لذا نجد أغلب الذين استجاب لمشاريع الأنبياء هم الشباب.

ومن هنا نسأل ما هي العوامل والأسباب التي تكمن وراء عزوف الشباب عن المشاريع الدينية في عصرنا هذا؟ ما الذي أبعدهم عن الأجواء الدينية؟

لكننا وقبل الجواب عن ذلك، نسأل: ما هي الخصائص والصفات النفسية لمرحلة الشباب؟

الخصائص السيكولوجية لمرحلة الشباب

عندما نرجع الى علم النفس والمذهب الديني في مجال تحليل النفس؛ نجد ان الخصائص السيكولوجية التي تتميز بها مرحلة الشباب ثلاثة صفات:

الأولى: الصفة العاطفية

وهي عبارة عن غليان وتأجج العاطفة لدى الشاب، ومن صفات هذه المرحلة ان يعيش اتجاها نفسيا نحو الجنس الاخر، هذا الغليان العاطفي عبر عنه علم النفس بانه (المراهقة) وقسم المراهقة الى قسمين مراهقة متقدمة ومراهقة متأخرة.

المراهقة المتقدمة: تبدأ من سن الخامس عشر الى سن السابع عشر.

والمراهقة المتأخرة: قد تمتد الى ما بعد الواحد والعشرين من عمر الانسان في هذه المرحلة، وهي مرحلة تأجج العاطفة وتوجه الانسان الى الجنس الآخر بأساليب وصور مختلفة.

الثانية: صفة العقل والتفكير

نحن نعرف ان الانسان بحسب التصور والمنظور الاسلامي مسؤول عن اعماله منذ بلوغ خمسة عشر سنة، وهي المعبر عنها بمرحلة البلوغ، ولكن هل مرحلة البلوغ هي مرحلة النضج العقلي لدى الانسان؟ هل مرحلة البلوغ هي مرحلة بداية التفكير الجاد لدى الانسان؟

ليس الامر كذلك، بل مرحلة التفكير الجاد تبدأ من الثامنة عشر، هذا الذي اتفق عليه المذهب الوضعي مع المذهب الاسلامي؛ خصوصا المدرسة التحليلية في علم النفس، فقد تقرر ان بداية التفكير الجاد لدى الانسان حينما يبلغ ثمانية عشر سنة ولذلك القوانين الوضعية تعتبر ابن ثمانية عشر سنة رجلا مؤهلا لتحمل المسؤولية، والمذهب الاسلامي يؤكد على هذه المرحلة في الاحاديث الشريفة:

ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: (لا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثماني عشرة سنة؛ فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه)[2].

وعن أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) قَالَ: (يَثَّغِرُ الْغُلَامُ[3] لِسَبْعِ سِنِينَ، ويُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ لِتِسْعٍ، ويُفَرَّقُ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ لِعَشْرٍ، ويَحْتَلِمُ لأَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، ومُنْتَهَى طُولِه لِاثْنَتَيْنِ وعِشْرِينَ سَنَةً، ومُنْتَهَى عَقْلِه لِثَمَانٍ وعِشْرِينَ سَنَةً إِلَّا التَّجَارِبَ)[4].

الرواية تستثني التجارب، وهو ما يؤكده علم النفس الحديث من ان لدى الانسان عقلين: عقلا موضوعيا وعقلا تجريبيا، فالعقل الذاتي يبدأ من ثمانية عشر الى ثمانية وعشرين، والعقل التجريبي ينتهي بالأربعين عاما، فاذا بلغ الأربعين عاما نضج العقل التجريبي لدى الانسان، وهذا ما تؤكده الآيات الشريفة: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ)[5].

الثالثة: العناصر العملية عند الشباب

عندما نرجع الى كتب علم النفس نجد أن الشاب يتمتع بمجموعة من الركائز والعناصر العملية وهي:

  • الاستقلال في الشخصية بعد أن كان تابعا لأسرته.
  • الاضطراب والتموج في المواقف، فالشاب لا تستقر مواقفه سواء كانت الفكرية ام النفسية ام الاجتماعية، فهو يعيش اضطرابا في مواقفه وآرائه، ولا تستقر مواقفه إلا عند سن معين وربما في الثامنة والعشرين من عمره.
  • روح المبادرة في الشاب، إن الكبير لا يمتلك روح المبادرة كما يمتلكها الشاب، فالشاب ربما يُعرض عليه مشروع ما او عمل ما او مهمة ما فتراه أكثر مبادرة وأكثر انطلاقا وأكثر حماسة من الانسان الكبير الذي تجاوز الأربعين سنة.
  • البذل المتواصل، استعداد الشباب لتواصل البذل ولتواصل العطاء لتواصل الجهد والطاقة؛ هذا الاستعداد لا يمتلكه الكبير الذي استنفذ طاقته وجهده في مجال ما.
  • عوامل وأسباب ابتعاد الشباب عن الدين

    لعزوف الشباب عن الدين عوامل كثيرة نلخصها في أهم عاملين:

    1-الإعلام المضاد

    لا يخفى أن الاعلام المضاد للدين أكثر امكانيات من الاعلام الديني، فالإعلام العالمي اليوم يسخر مرحلة الشباب ويؤطر دورها في الرياضة والجنس، وأنه يكرس كل امكانياته واساليبه لحصر الشباب بهاذين الاطارين، ومن ثَمّ ابعادهم عن أولوياتهم الفكرية والسلوكية والمشاريع الاجتماعية..

    2-الخطاب الديني

    إن الخطاب الديني ليس بالمستوى الذي يؤدي دوره كمتصدي للإعلام العالمي المضاد للدين رغم كل ما متوفر لدينا من فضائيات واحتفالات وشعائر... وذلك لتركيزه على الطقوس الدينية فحسب، نعم الطقوس الدينية مطلوبة ومهمة، ولكن لا على حساب جوهر الدين وروح العمل وبعث العناصر العملية في شخصية الشباب.

    حلول جذرية

  • روح المسؤولية
  • الدراسة والتخطيط
  • التركيز على الحركة الحسينية الانسانية
  • نحن مسؤولون ومعنيون بمواكبة العصر بخطابات جذابة معاصرة مدروسة، وعدم البقاء على خطاب قديم لا يجدي نفعا في جذب الشباب الى الدين، بل ربما ينفرهم أحيانا.

    فينبغي أن يكون هناك تخطيط ودراسات من قبل جميع التخصصات لجذب الشباب، ومن غير خطط مدروسة محكمة لا نستطيع فعل شيء أمام هذا السيل الفكري المنحرف الذي التهم شبابنا، فلو كنا على قدر المسؤولية فلننهض بشبابنا بجميع امكانياتنا واختصاصاتنا... ومن ثَمّ الانطلاق بهم الى العالم، وأفضل سفينة ننطلق بها سفينة الامام الحسين (عليه السلام)، ونسعى بأن نحول الفكر الحسيني الى فكر جامعي يغزو جامعات العالم، الى مبادئ تُدرس في الجامعات، والى شعارات انسانية يهتف بها الجميع، فالحسين عليه السلام مصلح انساني ورائد حركة تغييرية انسانية، فلا نخنق هذا الفكر العظيم في الاطار المذهبي، ولابد أن نبرز الفكر الحسيني لجميع البشرية، يوجد من الشباب المؤمنين مَنْ يمتلك الطاقات والعقول، ولهم القدرة على تحويل الفكر الحسيني الى دروس انسانية تُدرس في جامعات العالم بنشرهم ذلك بمختلف اللغات والثقافات والوسائل.. حتى يصل صوت الحسين عليه السلام الى جميع أحرار العالم.

    فلا نقتصر حركة الامام الحسين عليه السلام على الدور العاطفي فقط؛ نعم نحن بحاجة لهذا الدور وزخمه وآثاره، ولكننا نتطلع الى تحقيق أهداف الامام الحسين (عليه السلام) ومثله وفكره.

     

    تقرير: السيد هيثم الحيدري، مراجعة وتدقيق: الشيخ قيصر الربيعي

    [1] الكهف: 13 .

    [2] بحار الانوار: ج1 ص96 .

    [3] أي يسقط أسنانه المقاديم .

    [4] الكافي: ج6 ص46.

    [5] الأحقاف: 15 .