أوفى الأصحاب.. ما فقده الأنبياء وجده الحسين (ع)!!

وجع واحد تقاسمه جميع الأنبياء والدعاة إلى الله، كان لهم بمثابة اللعنة التي أجهضت كثيراً من مشاريعهم الإنسانية والحضارية لإنقاذ مجتمعاتهم، ذاك هو وجع \الخذلان\ الذي يتشعب منه \قلة الناصر\ و \نقض العهود\.

مع تقدم العصور وتعدد وسائل الشر والخداع، وكثرة مغريات الحياة، يحدث خلل ما يشوّه فطرة الإنسان، ليجعل من قيم الفضيلة في القاع، فتعتلي الرذيلة وأدواتها قمة هرم الحياة، وهنا يزداد وجع الصالحين والدعاة إلى الله، حيث الشعور بالغربة بعد أن فقد أهل الدنيا بوصلة تحديد اتجاه الحق من اتجاه الباطل.

هناك، على صفحات التاريخ العتيقة، يوثّق الصالحون هزائمهم المتكررة، وهم يعيشون تجارب الـ \خذلان\ الذي انتهى بهم إلى قلة الناصر واجبرهم على \القعود\.

تروي لنا هذه الصفحات، ثمة حوادث ومواقف لا مسؤولة تبنتها المجتمعات المحيطة بالأنبياء والأئمة عليهم السلام، مع مقارنة تعكس حجم إخلاص ثلة طيبة من الأصحاب، اقترنت اسماؤهم بالإمام الحسين عليه السلام، وإنها لمفارقة عجيبة أن يجتمع نسيج واحد من ألوان متعددة بإرادة كانت فوق الانتماء، جمعت النصراني والعثماني والهاشمي في هدف واحد، وهو الدفاع عن بقية رسول الله في أرضه آنذاك، فيما يشير القرآن الكريم إلى أن غالبية الرسل والأنبياء كانوا من أبناء جلدة أقوامهم يعرفون جذورهم، إلا أنهم لم يلقوا منهم إلا الخذلان.

يا موسى.. اذهب أنت وربك فقاتلا!

البداية، مع بني إسرائيل، حيث عرفوا مع نبيهم موسى عليه السلام بواحدة من حوادث الخذلان التي كانت سبباً لنزول العذاب الذي طوقهم، وذلك عندما دعاهم إلى تحرير أحدى مدنهم التي غزاها \قومٌ عمالقة\ وصفهم القرآن الكريم بـ \قومٍ جبارين\، ومع أن موسى حاول مراتٍ عدة تشجيعهم وتبشيرهم بنصر حتمي في حال دخلوا مدينتهم فاتحين لا مدبرين؛ إلا أن الخوف والجبن كانا سيدا الموقف، فاطلقوا كلمتهم الشهيرة: \اذهب أنت وربّك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون\، حتى انها أصبحت فيما بعد شعاراً للجماعات المتخاذلة والمتنصلة عن مسؤولياتها!.

\\

ومن هنا، عمد قوم موسى إلى جملة من التبريرات بقولهم: \إنا نخاف أن تسبى عيالنا وأطفالنا بعدنا\ وهو ما لم يخفه أصحاب الحسين رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، بل راحوا يتسابقون في تقديم أنفسهم وعيالهم فداءً له.

ومع بني إسرائيل أيضا، ويتجدد الموقف اللامسؤول مرة أخرى في غياب موسى عليه السلام، إذ اتبعوا سريعاً \السامري\ في قصة معروفة، تروي قيادة الأخير لحركة مناهضة للتوحيد من خلال دعوتهم لعبادة العجل، ليُفتتن ويحيط الشرك ببني إسرائيل في أسوأ صورة.

معاجز خارقة لم تُقنع قوم عيسى (ع)!

أما مع المسيح عليه السلام، كانت هناك صورة اخرى من صور الخذلان، تجلت في عدم إيمان قومه بنبوته رغم المعاجز الخارقة الكثيرة التي كان يتسلح بها، والتي طالما استخدمها لإثبات صدق صلته بالسماء، ومنها إحياء الموتى ومعالجة الأمراض المستعصية على الطب المتقدم آنذاك، فضلاً عن علمه بالتوراة ومجيئه بالإنجيل ككتاب سماوي جديد، إلا أن عدد الذين آمنوا به (12) شخصاً فقط، وهم الحواريون الذين أعلنوا إيمانهم المطلق بعد أن قال لقومه يطلب النصرة والإعانة: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (52 آل عمران).

 فأي معجزة خارقة هذه التي تقف دون إيمان القوم؟ ويصدق ويؤمن آخرين بقضية إمامهم دون أدنى درجة من الشك أو الريب أمام بارقة السيوف!.

\\

خاتم الأنبياء: ما أوذي نبيٌ مثلما أوذيت

أما الأمة التي تحدث عنها القرآن الكريم قائلاُ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ} (110 آل عمران)،  فهي الأخرى شاطرت من سبقها من الأقوام في مواقف مشابهة ولا تقل خطورة عما يحدث مع موسى وعيسى وإبراهيم عليهم السلام، وهذا ما ظهر واضحاً في العديد من الحوادث، ومنها ما جرى في معركة \الخندق\ حيث أصاب المسلمين حالة من الخوف والهلع أمام \عمر بن عبد ود\ عندما أخذ يجول بفرسه أمام جيش المسلمين داعياً إياهم إلى المبارزة دون ان يتلقى الرجل أدنى استجابة منهم!.

ولم يجرؤ على مبارزته، وقتها، إلا علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي طلب الإذن من النبي صلى الله عليه وآله، مراتٍ عدة لما رأى منهم شدة الرعب، ولعل عدم إعطاء النبي صلى الله عليه وآله الإذن لعلي بالمبارزة كان يستهدف بيان التخاذل الشديد في معركة تاريخية فاصلة آنذاك.

ويمضي النبي صلى الله عليه وآله مبلغاً لرسالته وسط تضييق وتنكيل قومه المتواصل، فمن رميه بالحجارة، إلى نثر التراب على رأسه الشريف وهو ساجد يصلي ولجّهم في أذيته حتى قال: \ما أوذي نبي مثلما ما أوذيت\ وقال أيضاً بعد أن توفى عمه أبو طالب واستضعفه المشركون: \اللهم إني أشكو إليك من ضعف قوتي وقلة حيلتي وناصري...\.

علي (ع) يشكو خذلان أهل الكوفة

بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تبدأ مرحلة شديدة الخطورة، كشفت زيف وكذب الكثير من المتلونين الذين أظهروا ارتدادهم بعد وفاته، فنُصب العداء لعلي بن أبي طالب وحُرب بقوة على خلافة النبي، واستمرت هذه الحرب حتى بعد أن أصبح رابع خلفاء الدولة الراشدة، حيث اصطف القوم مع معاوية بن أبي سفيان، ونشوب حرب \صفين\ حيث قال علي ابن ابي طالب عليه السلام على إثرها مخاطباً اهل الكوفة: \قاتلكم الله، لقد ملأتم قلبي قيحاً وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان..\.

وللإمام الحسن (ع) نصيب أيضاً!

ويتكرر المشهد ذاته مع سبط رسول الله الإمام الحسن عليه السلام، حيث أدى فقد الأنصار والخذلان إلى التنازل عن حق خلافة المسلمين لمعاوية بن أبي سفيان، وتعرضه للكثير من محاولات الاغتيال التي كان يدبرها معاوية بمكرٍ ودهاءٍ شديدين.

وتصل مرحلة الانحطاط بالمجتمع المحيط بالإمام عليه السلام إلى اتهامه شخصياً بـ \خذلان\ الشيعة وإذلالهم، حتى ينقل أن احدهم كان يسلم عليه قائلاً: \السلام على مذل المؤمنين\! .

ويخاطبه أحدهم معترضاً على ذلك ويقول: \..... أذللت رقابنا، وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا بتسليمك الأمر لهذا الطاغية ـ أي معاوية ـ ... \.

وكان الإمام الحسين يجيب حول هذا الموضوع قائلا: \والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه \.

ثم يبين الإمام الحسن عليه السلام تخاذل أهل الكوفة بقوله: \ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسدا، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون ويقولون لنا: إن قلوبهم معنا، وإن سيوفهم لمشهورة علينا \.

وحقاً، إنه عليه السلام لو فكر حينها بمحاربة معاوية بن أبي سفيان لقتله قومه واهدوا رأسه لمعاوية!

\\

أوفى الأصحاب

إزاء ما تقدم من حوادث، تنبري ثلة من الرجال النبلاء الصادقين، قدموا أرواحهم وعيالهم يوم عاشوراء دون الحسين عليه السلام، ليتجلى الوفاء بالعهد مع الحسين وصحبه في أبهى صوره، عندما راح يتسابق الواحد منهم تلو الآخر للشهادة بين يديه.

لقد انفرد الحسين عليه السلام بهذه النخبة من الأصحاب حيث ويؤكد هذه الحقيقة بقوله: \فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي\.

 

2017/11/08

 كيف واجه الحسين (ع) الإرهاب فكرياً؟

نلاحظ في الخطاب الحسيني أنّه ركَّز على بيان المنطلقات الإيمانية له، وحاول جهد إمكانه أن يُقنع بها الآخر، فقد كان خطابه حافلاً بذلك، وكلماته مشهورة، ومنها ـ مثالاً لا حصراً: «فلمّا مات الحسن بن علي ازداد البلاء والفتنة، فلم يبقَ لله وليّ إلّا خائف على نفسه، أو مقتول، أو طريد، أو شريد. فلمّا كان قبل موت معاوية بسنتين حجَّ الحسين بن علي (عليه السلام) وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس معه. وقد جمع الحسين بن علي (عليه السلام) بني هاشم، رجالهم ونساءهم، ومواليهم، وشيعتهم، مَن حجّ منهم ومَن لم يحج، ومن الأنصار ممَّن يعرفونه، وأهل بيته، ثمّ لم يدَع أحداً من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن أبنائهم والتابعين، ومن الأنصار المعروفين بالصلاح والنُّسك إلّا جمعهم، فاجتمع عليه بمنى أكثر من ألف رجل، والحسين (عليه السلام) في سرادقه، عامّتهم التابعون وأبناء الصحابة، فقام الحسين (عليه السلام) فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أمّا بعد: فإنّ الطاغية قد صنع بنا وبشيعتنا ما قد علمتم ورأيتم وشهدتم وبلغكم، وإنّي أُريد أن أسألكم عن أشياء، فإن صدقت فصدّقوني، وإن كذبت فكذّبوني، اسمعوا مقالتي، واكتموا قولي، ثمّ ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم مَن أمنتموه ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون؛ فإنّي أخاف أن يندرس هذا الحق ويذهب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون. فما ترك الحسين شيئاً أنزل الله فيهم من القرآن إلّا قاله وفسّره، ولا شيئاً قاله الرسول في أبيه وأُمّه وأهل بيته إلّا رواه، وكل ذلك يقول الصحابة: اللّهم نعم، قد سمعناه وشهدناه. ويقول التابعون: اللّهم قد حدَّثنا مَن نصدِّقه ونأتمنه. حتى لم يترك شيئاً إلّا قاله، ثمّ قال: أنشدكم بالله إلّا رجعتم وحدَّثتم به مَن تثقون به. ثمّ نزل وتفرَّق النّاس على ذلك»[1].

وفي هذا النص عبرة لنا في شدّة اهتمامه (عليه السلام) بإيصال الحقّ والمحافظة عليه من الاندراس، ومواجهة عملية التجهيل المركّب الواسعة التي تقوم بها أجهزة إعلام الدولة التكفيرية الأُموية القمعية التي تُعظِّم الحاكم بالجور (الخليفة)، وتوظّف معالم الدين لخدمة سلطته المعادية لله وللرسول والمؤمنين.

وأيضاً بيان الحقّ في مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) في تعريف الإسلام للنّاس، وأنّ أيّ حذف لهم عن مقامهم الذي نصّبهم الله فيه فهو تشويه للدين وإضلال للمؤمنين.

كما قد حفلت كلماته التي وصلتنا بتعاريف إسلامية للمفاهيم التالية:

1ـ الحياة والموت: عند انتشار الباطل وضياع المقاييس: «فإنّي لا أرى الموت إلّا شهادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً»[2].

2ـ الدنيا: فقد رُوي عنه: «عِبادَ الله، اتّقُوا الله وكونوا من الدّنيا عَلى حَذَر، فإنّ الدنيا لو بقيت لأحدٍ وبقي عليها أحدٌ، كانت الأنبياء أحقّ بالبقاء، وأَوْلى بالرضا، وأرضى بالقضاء، غير أنّ الله تعالى خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء، فجديدها بالٍ، ونعيمها مضمحل، وسرورها مُكْفَهِر، والمنزل بُلغَة، والدَّار قُلعَة»[3].

3ـ الفتح (النصر): فقد رُوي أنّه أرسل إلى أخيه محمد بن الحنفية: «بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى بني هاشم، أمّا بعد: فإنّه مَن أُلحقَ بي منكم استُشهِد معي، ومَن تخلَّف لم يبلغ الفتح، والسّلام»[4].

---------------------

[1]-   الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج: ج2، ص18  ـ19.  وقد وردت الرواية مفصَّلة في كتاب سليم بن قيس الكوفي: ص320.

[2]-   الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأُمم والملوك: ج4، ص305.

[3]-   ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج41، ص218.

[4]-  الصفّار، محمد بن الحسن، بصائر الدرجات: ص502.

 

2017/11/08

لماذا يحاربون زيارة الاربعين؟

لا يخفى على احد في عالمنا اليوم ما تشهده الساحة الدولية من موجات إرهاب حولت حياة العديد من الشعوب الى جحيم، بما عكفت عليه المنظمات الارهابية من تجسيد لصور مهولة من القتل والعنف والذبح الذي لا يفرق بين رجل وامرأة وطفل، ومما يؤسف له ان هذه المنظمات انطلقت في مشروعها الارهابي بجلباب الدين الإسلامي، فحملت الاسلام شعارا وجعلت من فقهه واحكامه ومنهجه مادة لفتاوي القتل والعدوان وأساسا لمتبناها الفكري ومشروعها السياسي في إقامة دولة اسلامية تنفذ ـ حسب زعمهم ـ حكم الله على الأرض، وقد نمّ عن هذه المنظمات ـ بطبيعة الحال ـ وما قامت به من اعمال اجرامية بشعة استياء الملايين من بني البشر، كما أمتد ذلك الاستياء الى الاسلام نفسه عند الكثيرين في العالم بعد أن تعرفوا على الاسلام من خلال هذا النشاط الإرهابي، وتأكد لهم أن آيات الجهاد الموجودة في القرآن وما يحمله الفكر الاسلامي من مفاهيم كمطلقية الله وحاكمية الخطاب الديني على الناس، هي أسباب فعلية للقتل وإلغاء الاخر وعدم التسامح. 

\\

ولما كانت هذه الموجات الارهابية قد نبعت  بما بات أوضح من الشمس في رابعة النهارـ من جهات وقوى عالمية ذات أغراض سياسية تستهدف الاسلام وشعوبه. لم تعد للذابّين عن الدين الاسلامي والمدافعين عنه من وسيلة للدفاع سوى الاعتماد على حقيقة ان هذا الخط الارهابي بكل ما يحمل من فتاوى ومبان فكرية لا يمثل غير انحراف كبير عن الخط الاسلامي الحق.

ولهذا كان الحسين عليه السلام وشعائره في المقدمة عند متبني الارهاب ومموليه من حيث العداء والعمل على القضاء عليه, لأن ثورة الحسين عليه السلام مشروع عملاق لتأكيد الانحراف عن الخط الاسلامي

ويأتي تأكيد الثورة الحسينية على الانحراف من خلال عدة نقاط:

1- تأكيد الامامة المنصوص عليها من قبل السماء على أنها الاساس في قيادة الأمة, وان الخلافة المزعومة لاتمثل غير انحراف في المشروع الرسالي الهادف الى اصلاح البشرية, حيث أعلن الحسين عليه السلام في احدى أدوار ثورته عن ذلك بقوله ( إنا أهل بيت النبوَّة ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة ومهبط الوحي، بنا فتح الله، وبنا يختم، ويزيد رجل فاسق شارب للخمر قاتل للنفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله).

2- التأكيد على كون الاصلاح هو الغاية من ثورته وذلك بقوله (ماخرجت أشرا ولابطرا وإنما خرجت طلبا للاصلاح في أمة جدي) ولاشك أن الاصلاح مقترن بعملية الانحراف

3- الاشارة الى حقيقة أنه عليه السلام لايثور ضد انحراف محدد بشخص يزيد بن معاوية وحكومته بل إن ثورته على واقع منحرف صنعته الخلافات السابقة على خلافة يزيد حيث يقول الامام الحسين عليه السلام ( ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما. إن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء  قل الديانون) .

4- مما دار في عرصة كربلاء من مشاهد الارهاب حين تعرض الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه من رجال واطفال للقتل والذبح والتمثيل بجثثهم, وحيث أن هؤلاء هم حملة دعوى الاصلاح ضد الانحراف من خلال رفضهم البطولي لمظاهر الفساد واللاانسانية, سننتهي الى أن  ثورة الحسين عليه السلام قد عكست مشهدا مهما له دلالته في أن المدافعين عن الاسلام الحق كانوا ضحية الارهاب والعنف.

\\

 

وهنا نصل الى حقيقة مفادها:

1- إن السبب في سعي الجهات المسؤولة عن الارهاب والتي تهدف لإظهار العنف والقتل على انه جزء من حقيقة الاسلام  لطمس معالم ذكر الحسين عليه السلام هو كي تمحو كل ما يوضح حقيقة الاسلام البعيد عن العنف والقتل.

2- إن السبب في محاربة النواصب للشعائر الحسينية سيما المسيرة الاربعينية كون هذه الشعائر الوسيلة الفعالة في التذكير بما جرى من أمر ابن رسول الله (صلى الله عليه واله) حين رفض المسار المنحرف عن الاسلام الحق واستشهد في سبيل اصلاحه.

3- المسيرة الاربعينية على وجه الخصوص لها دورها الاعلامي الفعال في نقل صورة نابضة بالمحبة والسلام، فهي ـ كما هو واضح للعيان ـ مسيرة سلمية يشارك فيها الملايين من محبي آل البيت عليهم السلام، ليحكوا عن الامام الحسين عليه السلام الذي وقف في ساحة المعركة ولسان حاله يقول ( اذا كان دين محمد لايستقيم إلا بقتلي فياسيوف خذيني), وليحكوا عن الامام الحسين عليه السلام الذي أحاطت به فرقة صغيرة من العسكر قادر هو على التغلب عليها وهذه الفرقة تريد أن تحمله الى جيش لايطيق مواجهته، فاقترح عليه نفر من أصحابه أن يقاتلوا الفرقة الصغيرة فاجابهم عليه السلام قائلا ( ماكنت لأبدأهم بقتال), ويحكوا عنه عليه السلام حين حمل رضيعه لأعدائه، من جنود الخلافة المنحرفة، طالبا له منهم شربة ماء فكان جوابهم ان ذبحوه في حضنه. 

4- وعليه فهي همسة في إذن الذين لاينفكون عن تسليط الضوء على ما تشهده المسيرة الاربعينية من بعض المشاهد السلبية والصور الخاطئة من المشاركين. إن المشاركة المحضة من الناس لها تأثيرها الفعال في التحشيد لهذه المسيرة وبالتالي تعزيز الدور الاعلامي الذي بينته للمسيرة، فيجب العمل على معالجة هذه المظاهر الخاطئة ونشر الثقافة الكفيلة بذلك، بدل التنكيل بمثل هذه المشروع الاسلامي العملاق.      

 

2017/11/08

لماذا نزور الإمام الحسين (ع) في أربعينيته؟

في عام 61 للهجرة، وفي نصف يوم فقط، اختزل الإمام الحسين عليه السلام ومن معه، من ولده وأصحابه، مسافة قرون على ولادة القيم الإنسانية بما تحويه من إصرار وثبات، واستدعاها آنذاك على صحراء كربلاء، ليكتب بخط عريض: موت في عز خير من حياة في ذل.

نعم، الجانب المميز والمشرق من بدايات حياة الإمام الحسين، عليه السلام، لم يكن قصيراً، إلا أن سويعات الطف احتلت مساحة أوسع، بل كانت أبلغ تأثيراً في نفوس المجتمعات الإنسانية على تنوعها، لأنها لم تكن أوقاتاً اعتيادية، بل كانت كل لحظة من لحظاتها ترسم مشهداً تراجيدياً مؤلماً.

\width=720\

وكأن لحظتي الموت والولادة امتزجتا معاً في الحسين ناهضاً ومظلوماً ومنتصراً! فبطولاته ومواقفه الإنسانية يوم عاشوراء لاتزال بعد كل هذه القرون محط اهتمام البشر عموماً، أما على نحو الخصوص، فإن نسبة كبيرة من اتباع الحسين، عليه السلام، في يومنا هذا، يحفظون رواية المقتل بتفاصيلها عن ظهر قلب.

مضافاً إلى كل هذا، فإن ثمة حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً، كما يعبر عنها النبي محمد، صلى الله عليه وآله، مثلت شعلة الانفجار العاطفي الذي تسبب بامتداد المراسيم بشكل واسع منذ اليوم الأول لشهر محرم الحرام حيث يتوافد الملايين من المسلمين غالبيتهم من الشيعة لأداء مراسم الزيارة والعزاء.

وهنا ينهض سؤال، اذا كان مصرع الحسين عليه السلام، والمشهد المأساوي الذي جرى عليه، وحالة التعاطف الكبيرة التي تسيطر على أتباعه، هي من يقف وراء زيارة مرقده في العاشر من محرم الحرام؛ إذاً لأي سبب يعودون إليه في أربعينيته، وتحديداً في الـ 20 من صفر في ممارسة تعرف بـ زيارة الأربعين؟.

سمة الإيمان

في واحدة من الروايات الأشهر حول زيارة الأربعين، تظهر أهمية التواجد عند قبر الإمام الحسين، عليه السلام، في العشرين من صفر، وهي بمثابة المعيار في تحديد صفة محورية بالنسبة للإنسان المسلم وهي الإيمان.

حيث يذكر الإمام الحسن العسكري، عليه السلام، في هذه الرواية: علامات المؤمن خمس صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والتختم باليمين وتعفير الجبين، وبطبيعة الإنسان أنى كان انتماؤه، السعي إلى نيل الدرجات الأعلى، سواء كان على المستوى الديني أو الاجتماعي أو الوظيفي غيرها من باقي التوجهات ومفاصل الحياة التي يراها مهمة بالنسبة له.

وهكذا فإن المسلم الشيعي يسعى عبر هذه الممارسة الدينية (الأربعين) إلى نيل هذه السمة -الإيمان- كونها درجة عالية لا يمكن الوصول إليها بسهولة، وفي عرض المشي الموسمي إلى قبر الحسين فرصة للفوز به.

التفاعل الكوني

إلى جانب ذلك، هناك جملة من الروايات التي تحدثت عن تفاعل كوني (أربعيني) مع مصيبة الإمام الحسين، عليه السلام، فعن الإمام الباقر، عليه السلام، الذي شهد تلك الحادثة المفجعة وهو في مقتبل العمر، إنه قال: إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً تطلع حمراء وتغرب حمراء.....

\width=720\

وفي رواية أخرى ينقل زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: إنّ السماء بكت على الحسين عليه السلام أربعين صباحاً بالدم، والأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد، والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة، والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً، وما اختضبت امرأة منا ولا اكتحلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد وما زلنا في عبرة من بعده.

والإنسان كأحد أجزاء هذا الكون؛ حتماً سوف ينال نصيبه من هذا التأثير والتفاعل الذي اجتاح معالم الطبيعة، فعندما تبكي السماء والأرض والشمس والقمر وسائر المخلوقات لمقتل الإمام الحسين عليه السلام، أربعين صباحاً او يوماً؛ فمن الطبيعي أن يلاحقه هذا التأثير الذي يظهر على شكل ممارسات مختلفة في زيارة الأربعين أو عاشوراء، والتي يصفها النبي بـ \الحرارة التي لا تبرد\ كما أشرنا في بداية المقال.

ختاماً، إن لزيارة الأربعين التي تزداد مع كل عام اتساعاً وتفاعلاً وتأثيراً، محفزات إنسانية قبل أن تكون شرعية أو اعتقادية، فهذه الأمواج البشرية الهائلة إنما هي تجسيد على الأرض لفطرة الإنسان التي تتألم لوجع المظلوم وتسعى لمواساته.

2017/11/07

العباس (ع).. رؤية جديدة!

شخصية تشغل حيزا واسعا في التراث الشيعي، لما سطرته من صور إن توّجت برائعة كربلاء وما كان منه (عليه السلام) يومها من بسالة وبطولة ووفاء، فلن يسع المتأمل فيها حينئذ إلا أن يردد ما جاء في كتاب الله {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا}.

وإننا في دائرة هذه الشخصية الفذة إزاء محورين:

المحور المليودرامي: المتمثل بالقوة والشجاعة التي جسدها يوم الطف حين نازل الابطال وصال بين الحشود، كأنه جيش تجمع في رجل، حتى وصل المشرعة مخترقا صفوف الحرس الذين وقفوا لحراستها وقد تجاوزوا الاربعمائة ألف، ووفاؤه الفذ مع أخيه الحسين عليه السلام والعقيلة زينب عليها السلام، إضافة الى لوحة الاطفال والظمأ وفناءه في سبيل جلب الماء إليهم.

وغني عن الذكر أن هذا المحور طالما كان المادة التي اعتمدها اصحاب المنابر في محاضراتهم، بيانا لسماته ومآثره عليه السلام واستدرارا للعاطفة والدمعة. وهو جهد لا يملك المرء غير الثناء عليه واعتباره الوسيلة الخلاقة في حفظ تراث ال البيت عليهم السلام وتخليد ذكرهم. ولكن رغم هذا فإن مع المنبر ثمة إشكال مفاده الاقتصار على هذا المحور في التعريف بالعباس عليه السلام، فلا يغدو عليه السلام للمتلقي غير الفارس البطل والاخ الوفي والكفيل الغيور، حتى نجد الكثيرين ممن هم خارج المذهب ناهيك عن اعداءه، وهم يسارعون الى تفسير هذا التعريف والإجلال، على أنه ناتج للوعي الجمعي وما فيه من تحفز لخلق الشخصية البطولية الخارقة.  

المحور الاخر: وفيه نجد جانبا انسانيا متكاملا في شخصية العباس عليه السلام وهو ما أدى الى ظهور سمات المحور الاول في شخصيته العظيمة، ولتكون تلك السمات مبنية على قاعدة صلبة من التكامل والنضج والوعي، أي أن تلك السمات هي انعكاس لبناء روحي متين ووعي عال.

ويتبيّن هذا في نقطتين:

الاولى: لقد شاء الله أن يكون الكائن الانساني ملتقى الاضداد وحلبة صراع لهما، فيكون فيه ـ دون غيره من المخلوقات ـ العقل والغريزة، الحكمة والشهوة، وبإحاطة واعية للخير والشر والخطأ والصح وإرادة حرة، ليكون تغليبه العقل والحكمة بعد ذلك تساميا حقيقيا له، ويستحق الثناء والثواب، فالملائكة وكونهم لم يودعوا غير العقل لا يستحقون ثناء او ثوابا في التزامهم جادة الصواب والفضيلة.

ولما كانت الشهوة والغريزة عناصر لها ـ في واقع الطبيعة البشرية ـ القوة والقدرة الكبيرة في التأثير على الانسان واختياره، كان تغليب العقل والحكمة أمرا ليس بالهين، ويحتاج الى رياضة روحية صعبة يجاهد فيها الانسان نفسه كي يكون قادرا على تملك زمام شهوته وغرائزه وكبح جماحها، وعليه فإن العباس عليه السلام في موقفه الخالد والاسطوري حين امتنع عن شرب الماء وكبده كالجمر من شدة الظمأ يكون نموذجا أعلى في مجاهدة النفس والوصول بها الى قدرة كاملة ليس في مجال العطش بل عموم تغليب العقل على الشهوة، وعلى الناس أن لا تتعامل مع موقف العباس عليه السلام في رفض الماء على أنه مشهد مؤثر يدل على عظمة أخ الحسين عليه السلام، بل مدرسة عظيمة في الجهاد الاكبر يتعلم فيها ذو المنصب كيف يعف عن الخوض في المال العام بالباطل ويتعلم العامل والموظف كيف لا يتكاسلان في إداء العمل، والمثقف والفنان وكل شرائح الوجود الانساني كيف لا ينكصون الى الذات ويؤثِرون على أنفسهم لخلق المجتمع البشري المتكامل.

النقطة الثانية: الشرائع السماوية طرق لاحبة أرادها الله (رحمة منه ولطفا) لإيصال الانسان الى حالة الكمال في مختلف شؤونه وجوانبه، وجعل المعصومين عليهم السلام للناس نماذج متكاملة في تجسيد مفردات الشرائع، فعلى الناس حينئذ أن يسعوا جاهدين للامتثال والاقتداء والتسليم لهؤلاء المعصومين عليهم السلام كي يبلغوا الكمال والسعادة التي تريدها لهم الشريعة السماوية.

وفي هذا الصدد يطالعنا العباس عليه السلام في علاقته بأخيه الامام المعصوم الحسين عليه السلام بكل ما جسده فيها من إكبار وإجلال له ومن طاعة وتسليم مطلق وتفان يبلغ حد الفناء والاستشهاد.. يطالعنا في هذه العلاقة بصورة متكاملة عن الشكل الصحيح والمستوى المطلوب لعلاقة الانسان بالمعصوم، فهذه العلاقة لم تكن علاقة أخ بأخيه تقوم على احترام وتقدير بالغين، بل علاقة قائمة على وعي عال وفهم متكامل لدور الانسان تجاه المعصوم عليه السلام.

وعليه فالعباس عليه السلام قد أحرز مقامه المتسامي بما مثله من تجسيد للإنسان الكامل الذي خلقت كماله الحالة النموذجية لاتباع المعصوم عليه السلام.

 

 

2017/11/07

لماذا شاء الله أن يرى نساء الحسين (ع) سبايا؟

لماذا اصطحب الإمام الحسين، عليه السلام، النساء والأطفال معه في مسيره ونهضته المباركة؟ ألم يكن يعلم بالمأساة التي سوف تجري على عياله؟ وهل يعقل أن يعرض الإمام الحسين عليه السلام نساؤه وعياله للخطر؟

تكمن الإجابة عن هذا التساؤل هو في معرفة أسباب خروجه، إذ قال، عليه السلام، مبيناً السبب عندما اعترضه أخوه ابن الحنفية واستفهمه حول حمل تلك النساء معه في هذه الرحلة الشاقة المليئة بالمخاطر بقوله: "شاء الله أن يراهن سبايا".

ومن هنا، فلا بد من بيان هذه العبارة الشريفة التي صدرت من المعصوم (عليه السلام) وقبل بيانها لا بد من المرور على بعض التوضيحات:

 المراد من المشيئة الإلهية

المشيئة ابتداء العزم على الفعل، وأما الإرادة فهي العزم على الفعل أو الترك بعد تصور الغاية المترتبة عليه من خير، أو نفع أو لذة ونحو ذلك، وهي أخص من المشيئة، لأن المشيئة ابتداء العزم على الفعل فنسبتها إلى الإرادة نسبة الضعف إلى القوة، والظن إلى الجزم، فإنك ربما شئت شيئاً ولا تريده لمانع عقلي أو شرعي. وأما الإرادة فمتى حصلت صدر الفعل لا محالة ([1]). 

المشيئة التشريعية والمشيئة التكوينية

وتنقسم المشيئة الى قسمين هما المشيئة التشريعية والمشيئة التكوينية وسيتضح من خلال بيانهما معنى قول الإمام الحسين (عليه السلام): «قد شاء الله أن يراني قتيلاً، وقد شاء الله أن يراهن سبايا».

فمن المعلوم أن المولى عز اسمه شاء أن يخلق الدنيا ويجعلها دار اختبار للإنسان من خلال ابتلائه وامتحانه، وكذلك شاء تعالى أن يجعل في هذه الدنيا الأنبياء والرسل والأئمة، وشاءت قدرته أن يجعل هذا الانسان مركباً من العقل والغريزة وهذه الامور كلها هي من المشيئة التكوينية.

وأما المشيئة التشريعية:

فهي كون الله تبارك وتعالى شاء أن لا يعبد معه أحد بل تكون العبادة خالصة له وحده لا شريك له، وأوجب الايمان برسله وأنبيائه كافة، واقتضت مشيئته تعالى أن عباده يطيعون هؤلاء الأنبياء والرسل، وشاء أن فرض عليهم العبادات والمعاملات وشاء أن لا يظلم الإنسان أخاه الإنسان وغير هذه الامور المذكورة من التشريعات الإلهية وكلها ضمن مشيئته سبحانه.

إلا أننا نجد أن الخلط قد يحصل بين هذين القسمين  ولعل السبب في هذا الخلط راجع الى إيجاد المبرر والعذر لتبرير ما يقترفه الانسان من ذنوب ومعاصٍ وتعدٍ لحدود الله تعالى، فعلى سبيل المثال؛ قد يقتل شخص شخصاً آخر وغرضه من هذا الفعل هو  السرقة ثم يعتذر عن هذا الفعل بقوله: لو لم يشاء الله لم تزهق نفسه على يدي ولم أكن قاتلاً في حين أن الإنسان القاتل هو الذي شاء قتل أخيه بعد أن أطاع شهواته الشيطانية؛ فالموت هنا: مشيئة تكوينية، لكن طريقة الموت وهو القتل مشيئة تشريعية بمعنى: أن الله تعالى شاء حرمة القتل ونهى عنه وحذر منه وعاقب عليه لكن القاتل بيده شاء ذلك.

ومن هذا المنطلق نلاحظ ن القرآن الكريم لم يغفل عن هذا التقسيم بل تعرض له في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) ([2]).

وفي بيان هذه المسألة يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله، وقوله تعالى: (...قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ...) جوابهم للدعوة إلى الانفاق، وإنما أظهر القائل ـ الذين كفروا ـ ومقتضى المقام الإضمار للإشارة إلى أن كفرهم بالحق وإعراضهم عنه باتباع الشهوات هو الذي دعاهم إلى الاعتذار بمثل هذا العذر المبني على الاعراض عما تدعو إليه الفطرة من الشفقة على خلق الله وإصلاح ما فسد في المجتمع كما أن الاظهار في قوله: (الذين آمنوا) للإشارة إلى أن قائل (أنفقوا مما رزقكم الله) هم الذين آمنوا.

وفي قولهم: (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) إشعار بأن المؤمنين إنما قالوا لهم: (أنفقوا مما رزقكم الله) بعنوان أنه مما يشاؤه الله ويريده حكما دينيا فردوه بأن إرادة الله لا تتخلف عن مراده فلو شاء أن يطعمهم أطعمهم أي وسع في رزقهم وجعلهم أغنياء.

وهذه مغالطة منهم، فقد خلطوا فيه بين الإرادة التشريعية المبنية على الابتلاء والامتحان وهداية العباد إلى ما فيه صلاح حالهم في دنياهم وآخرتهم، ومن الجائز أن تتخلف عن المراد بالعصيان، وبين الإرادة التكوينية التي لا تتخلف عن المراد.

ومن المعلوم أن مشيئة الله وإرادته المتعلقة بإطعام الفقراء والانفاق عليهم من المشيئة التشريعية دون التكوينية فتخلفها في مورد الفقراء إنما يدل على عصيان الذين كفروا وتمردهم عما أمروا به لا على عدم تعلق الإرادة به وكذب مدعيه.

وهذه مغالطة بنوا عليها جل ما افتعلوه من سنن الوثنية وقد حكى الله سبحانه ذلك عنهم في قوله: (وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) ([3]).

وقوله تعالى: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء ...) ([4]).

وقوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ ...) ([5]).

وقوله عزّ وجل: (...إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). من تمام قول الذين كفروا يخاطبون به المؤمنين أي إنكم في ضلال مبين في دعواكم أن الله أمرنا بالإنفاق وشاء منا ذلك) ([6]).

فمن خلال هذا البيان يتضح أن الله عز وجل حينما شاء أن يرى مخدرات بيت الوحي سبايا فهذه المشيئة تكوينية، كي يرى صبرهن وتجلدهن في ذاته تعالى ـ أي ضمن إطار المشيئة التشريعية ـ ومن ناحية أخرى فالله تعالى وضمن المشيئة التشريعية إبتلى هذه الامة بولاية أهل البيت ( عليه السلام ) فكان ما أقدم عليه الجيش السفياني هو انتهاك للمشيئة التشريعية باعتبار أن الله تعالى لم يرتضِ الظلم و قتل النفس المحرمة، فيكون ما قاسوه من سبي وتشريد وقتل هو من من أعظم الانتهاكات التشريعية لما يترتب على ذلك من تعد على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وجميع الرسالات والتشريعات الإلهية.

---------

*مقتطف من كتاب سفيرة الحسين (ع) – عن شعبة البحوث والدراسات


([1]) الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص35.

(([2] سورة يس: 47.

([3]) النحل: 35.

(([4] الأنعام: 148.

([5]) الزخرف: 20.

[6]) الميزان في تفسير القران: ج17، ص47.

2017/11/06

كربلاء تستقبل عشاقها

 منذ اكثر من عشرة أيام وطريق العشق الحسيني الابدي ينبري من قلوب سالكيه ليرسم لوحة المسير الزينبي، لكن رواده عشاق الحسين يحملون في خواطرهم ويستشعرون مع خطوات المسير كل تلك الخواطر والسلوكيات التي تخللت مسير الحوراء زينب (عليها السلام) من كربلاء الى الشام ومن الشام الى كربلاء، وها نحن نشاهد بل العالم كله يشاهد، هذا السيل الجارف الذي يحمل ذلك العشق الذي لا ينتهي لسببين أثنين: أولهما وعد النبي (صلى الله عليه وآله) لابنته الزهراء (عليها السلام) حيث قال لها:{ يا فاطمة! إنّ نساء أُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة}.

والامر الاخر، قول سيدة المسير زينب بنت علي (عليهما السلام) حيث قالت لولد أخيها الامام السجاد (عليه السلام): {سينصب بهذا الطف علم كلما اجتهد ائمة الجور على محو اثره فلا يزداد الا علوا وارتفاعا}.

فكان أولئك الزاحفون نحو قبلة الاحرار ومحط رحال العشاق حقيقة هم مصداق وعد النبي (صلى الله عليه وآله) وعهد زينب (عليها السلام) فها هم يأتون لزيارة الاربعين المقدسة.

وها نحن بل العالم كله يرى بأم عينه تلك العجوز وذلك الشيخ تلك الطفلة وذلك الطفل تلك المرأة وذلك الرجل وهم يسيرون مع كل ذلك البعد للطريق الذي يتخلله التعب والعناء والبرد والحر حسب تغير اجواء الليل والنهار لكنهم لم يروا في طريقهم إلا حقيقة واحدة وهي حقيقة الوصول الى أرض حملت على اكفها جسد حفيد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الامام الحسين (عليه السلام) أننا لو سألناهم لوجدنا من القصص ما لم تسمعها اذن سامع ولشاهدنا من معاجزهم ما لم ترى عين باصر، ابن يحمل امه مع مرضها وهي مصابة بمرض تسبب بقلع جزء من جسدها أو زوج ترك زوجته وهي بأيام ولادتها لرجع وأبنه يبصر النور ماذا نقص وماذا نقول عن سائر على ساق ليس لها قدم تسندها أو متكئاً على عربة علها تعينه على مسيره.

ثم لم ننسى أولئك الذين سهروا الليل وبذل المال والجهد لراحتهم انهم أعدوا بيوت العشق الحسيني مواكب الركب الزينبي أبوا إلا ان يملئوا طريق الحسين منازل للراحة والمبيت والاطعام أبوا ان لا تعاد غصة ألم سبي زينب والعيال وما لاقوه من جوع وعطش، وقفوا ليقولوا لها لم يعطش لكِ سيدتي طفلا ولا يجوع لكِ سيدتي يتيماً عاهدوها ان يفرشوا طريق سير محبيها بكل ما يسهل لهم غاية وصولهم فرشوا الطرقات واخلوا الدور ليكون نزالها سائري طريق الولاية. 

أما ما يقدمه أهم طرفا في القضية بل اساس القضية رجال السواتر وحماة المقدسات إذ لولا وقفتهم على سواتر العزة لما تمكن اهلنا من الحث بمسيرهم ولما تمكن خادميهم من الوقوف لخدمتهم انهم رجال الله من الحشد المقدس والقوى الامنية ورجال الاتحادية والجيش العراقي الغيور .

فكربلاء تفتح ذراعيها لقاصديها وها هي تستقبل زائريها وعشاقها بكل لهفة وذلة خدمة فنحن لهم خدم قائمون ليصلوا ويستنشقون من عطر معشوقهم حبيب قلوبهم الامام الحسين الشهيد (عليه السلام).

2017/11/06

زينب (ع).. عندما تواجه المرأة الطاغوت توقظ الضمائر!

حاول بنو أمية (لعنهم الله) بكل ما يملكون من تجبر وطغيان إركاع الثورة الحسينية بإركاع رموزها وما انفكوا يقرعون طبول الغدر والخيانة ليجتمع الناس حولهم بغية ردع الثورة وقهر الثوار ولكن مشيئة الله كانت هي الأقوى لإعلاء كلمة الحق ونصرة الدين وفضح الباطل ومن الرموز التي حاول الأمويون قهرها وإطفاء نورها هو شخص السيدة زينب (عليها السلام). 

فقد حاولوا جاهدين إخضاعها أمام تلك المصائب التي توالت عليها والمحنة التي عانتها بعد مقتل أخيها الحسين (عليه السلام) ليقتلوا بذلك آخر نفس في البيت الهاشمي. وليخمدوا صوت الحق ويطمسوا معالم الصدق بخبثهم ومكرهم.

ولكن عميدة البيت الهاشمي الرفيع أبت إلا أن تقف صامدة بوجه تلك الطغمة الأموية الفاسدة.

فخيبت آمالهم وكسرت اصنامهم وهزت عروشهم بصوت علي والحسين (سلام الله عليهما)، فكان لها (عليها السلام) الدور البارز والمهم في الحيلولة لمنع الإعلام الأموي آنذاك من نشر بدعه وظلالته وآراءه الفاسدة المزيفة التي نسجتها يد المكر والخديعة وحاكتها أصابع الشيطان الغوي بما ينسجم مع مصالحهم الخاصة، فقد وقفت (عليها السلام) بوجه الدعايات الأموية المختلفة التي اصطنعوها ليبرّروا بها شناعة فعلهم وعظم جرمهم بقتل الحسين (عليه السلام).

ومن المعلوم أن الوسائل الاعلامية يومها كانت بيد الحكومة الجائرة المتمثلة بحكومة يزيد (لعنه الله)، فقد قاموا بشن حملة دعائية واسعة المدى ضد الثورة الحسينية لتبرير الجرائم الشنيعة التي ارتكبوها مع الحسين وأهل بيته (عليهم السلام)، ولكي يقنعوا العامة من الناس ويمتصوا غضب الخاصة منهم ممن كان يوالي أهل البيت (عليهم السلام) ولجعلهم يدورون في فلك الحكم الأموي محققين بذلك المصالح والمطامع التي من أجلها تسلقوا على أكتاف المسلمين ليصلوا إلى ما وصلوا إليه.

ومن جملة الأمور التي ركزوا عليها هو سلب الشرعية عن الثورة الحسينية وجعلها غطاءً لهم، فزعموا بأن الحسين (عليه السلام) جائر بخروجه على يزيد (لعنه الله) فيزيد خليفة المسلمين والإمام المفترض الطاعة، ولا يحق للحسين (عليه السلام) أن يتمرد على إمام زمانه فإن لم يبايع ويتبع حَلَّ دَمُهُ وكان من العاصين خصوصاً بعد ما أيدوا هذا المعنى ببعض الكتب التي علقوها على أبواب المساجد ممن باع دينه بدنياه من أبواق الظلمة وأتباع الشيطان كشريح الشقي (عليه لعائن الله)، ومما ساعد على نشر هذه الأضاليل وتصديق الناس إياها ما كان يتمتع به المجتمع الأموي من مبادئ معادية للخط الرسالي لأهل البيت (عليهم السلام) بسبب التربية الأموية لذلك المجتمع الذي سرعان ما تلقف بدعهم وضلالاتهم، كونه مغرساً جيداً لها فنبت بذور الشرك والإلحاد لتنتج مجتمعاً معوجاً منحرفاً عن الجادة الحقة منقاداً لآراء أَسيادِهِ الأمويين منسجماً مع أهواءهم جاعلين منه أداة لقمع أئمة الحق واتباع الهدى.

فكانت هذه العوامل وعوامل أخرى سبباً في منع السيدة زينب (عليها السلام) من إبلاغ رسالتها بصورة طبيعية، بل كانت تصب في مصلحة العدو وداعماً قوياً لدعايتها ضد أهل البيت (عليهم السلام) وحائلاً دون نجاح مهمة العقيلة (عليها السلام) في إتمام دورها كحاملة لرسالة ابي الأحرار (عليه السلام).

ولكن تلك المرأة العظيمة التي ساخت الجبال وما ساخ صبرها وقفت بكل إصرار وقاطعية وبدون أي تردد أمام تلك العقبات لتذللها العقبة تلو الأخرى بروح ملؤها الإصرار والحزم، حتى شاء الله اسمه أن تكون المتممة لمسيرة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

فقد وقفت بتلك النفس المتعالية السامقة المملؤة عزماً وثباتاً مصرة على مقارعة الباطل بكل أطيافه فاضحة للناس حقيقة يزيد وأتباعه الجبابرة ومدى تنكبهم عن الصراط المستقيم واستهانتهم بمقدرات الأمة ودماء المسلمين، فكان ذلك تعرية لحكومة يزيد وأتباعه الظلمة.

فما كان منها (عليها السلام) إلا أن تتصدى بنفسها للخطابة جهاراً أمام الناس رجالاً ونساءً وهي المخدرة بل سيدة المخدرات التي ما رؤى لها شخص وما سمع لها صوت.

ولكن الطابع الخاص للظروف التي مرّت بها السيدة زينب (عليها السلام) ومقتضيات المنهج الذي حارب من أجله الحسين (عليه السلام) ودواعي إتمام المسيرة الحسينية وتخليداً لدماء الشهداء من آل البيت (عليها السلام) وأنصارهم وكشفاً لكثير من الحقائق الغامضة جعلها عازمة للتصدي بنفسها (عليها السلام) فوقفت صادعة بالحق ناطقة به كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد أومأت أن اسكتوا فسكتوا فارتدت الأنفاس وسكتت الأجراس، ثم انحدرت (عليها السلام) كأنها السيل الهادر تتدفق الحكمة من منطقها.

وكان لهذه الخطبة العصماء أثرها الواضح في نفوس الناس مما جعلهم يضجون بالبكاء ندماً على ما فعلوه مع أئمة الحق ودعاة الصدق من الخذلان وعدم النصرة.

فكانت هذه هي الخطوة الأولى في طريق الجهاد الزينبي إذ استطاعت (عليها السلام) أن تقرر حقيقة كبرى في أذهان الناس آنذاك بإماطتها حجب الباطل عن وجه الحقيقة لتنزع الشرعية المزعومة لخلافة يزيد وتكسر حاجز الظلال الذي آل إليه أمر الناس آنذاك، بسبب الفهم الفاسد لكثير من المعتقدات التي رسخها معاوية وأتباعه في أذهان بعض المسلمين ممن انجروا خلف الدنانير الأموية أو طليت عليهم الحيل الشيطانية التي تمتع بها معاوية ليظل الناس عن القيم الإسلامية الحقة ويسحبهم إلى جادة الباطل، خدمة للمصالح الأموية الاستبدادية اللامشروعة.

فبيّنت لهم بأن فعل يزيد الفاسق ومن نصره من رجالكم مريدي الدنيا وناصري الباطل وخاذلي الحق كان هدماً لركن الدين وفرياً لكبد النبي (صلى الله عليه وآله) ونكثاً لعهد الله وهتكاً لحرمة رسول الله (صلى الله عليه واله) وسفكاً لدمه الشريف، حتى كادت السماء أن تنفطر وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً، فاستقرت لهم عن وجه فعلتهم الشنيعة وأشعرتهم بخسة أفعالهم وسوء منقلبهم وعظم جرمهم فأصبحوا يؤنب بعضهم بعضاً يتلاومون على ما فعلوه فتفرّقت كلمتهم وتبدّدت جموعهم وانشقت صفوفهم حتى آل أمرهم إلى الشتات.

وكان هذا أول مكسب حققته العقيلة (عليها السلام) على صعيد الثورة فقد أيقظت الضمائر النائمة وأثارت دفائن العقول وكشف عن زيف الباطل فحطمت تلك الادعاءات التي شمخت بها أنوف الكفرة ممن ينسبون إلى الإسلام وهو منهم براء. 

----------

*مقتطق من كتاب سفيرة الحسين (ع) - عن شعبة البحوث والدراسات

 

2017/11/05

زيارة الأربعين بين الإرادة الإلهية وإرادة الحكام والملوك

 

ان الله لو أراد أمراً قال له كن فيكون والانسان ما لم يكن تحت تلك الإرادة فلن يكن قادراً على فعل شيء.

وها نحن والأربعين حيث نلاحظ ان فعل الله تعالى غلب فعل المخلوقين، فمنذ ان تسلط بنو أمية واخذوا مأخذ الحكم والتسلط وبمجرد ان ارتقى سدة ملكهم يزيد بن معاوية (لعنه الله) وما فعله بآل النبي (صلى الله عليه وآله) وعيالاته من قتل لسبطه الامام الحسين (عليه السلام) وسبيه لبنات الرسالة، وما دار في تلك الحقبة الى ان عاد الامام زين العابدين (عليه السلام) براس ابيه ورؤوس الأهل والاصحاب من ارض الشام وقد تزامنت تلك العودة مع وصول اول زائر لقبر الامام الحسين (عليه السلام) جابر بن عبد الله الانصاري (رضوان الله تعالى عليه)، وأخذت هذه المسيرة شرعيتها من ذلك اليوم فنهج أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بزيارة الامام (عليهم السلام) في كل عام حتى سقطت دولة بني امية وقامت دولة بني العباس على أكتاف الأخذ بثأر الامام الحسين (عليه السلام) لكن ما ان تحقق لهم المراد ففزعوا الى قبر الامام هادماً ومنعاً من زيارته، فعمد بنو العباس الى محاربة الامام الحسين (عليه السلام) وزوار قبره بشتى أنواع المحاربة من فرض ضريبة مالية لكل من أراد ان يزور القبر الشريف الى قطع الايادي ثم قتل تسعة من كل عشرة أرادوا القصد لقبره الشريف وكل تلك الطرق لم تمنع المحبين من الوصول بل أعطوا وضحوا من اجر الاستمرار على نهجهم مع أهل البيت (عليهم السلام) مستندين بشرعية التضحية لأجل استمرار تلك الزيارة بما ورد عن الأئمة (عليهم السلام).

حيث يأمرون شيعتهم بزيارة الامام الحسين (عليه السلام) حتى مع الخوف فقد روى ابن بكير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إني أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح.

فقال: يا ابن بكير، أما تحب أن يراك الله فينا خائفاً، أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه، وكان محدثه الحسين (عليه السلام) تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع وقرته(قوته) الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة (1)، كما أن جملة من النصوص تضمنت أن الثواب على قدر شدة الخوف، فكل ما كان الخوف أشد، كان الثواب أعظم وأكثر، ففي حديث لمحمد بن مسلم، قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام): هل تأتي قبر الحسين (عليه السلام)؟ …

قلت: نعم على خوف ووجل.

فقال: ما كان من هذا أشدّ فالثواب على قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة، وزاره النبي (صلى الله عليه وآله) ودعا له، وانقلب بنعمة الله وفضل لم يمسسه سوء واتبع رضوان الله (2).

وبل تضمنت بعض النصوص أن ترك زيارة قبره (عليه السلام) بسبب الخوف، وعدم الأمان سبب لأن يرى الإنسان في الدنيا الحسرة.

فعن معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: يا معاوية لا تدع زيارة قبر الحسين (عليه السلام) لخوف، فإن من ترك زيارته رأى من الحسرة ما يتمنى أن قبره كان عنده، أما تحب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى وفاطمة والأئمة (عليهم السلام) (3).

واستمر ذلك حتى سقوط دولتهم المشؤومة على يدي التتار المغولي واستمر الاضطهاد على شيعة آل البيت (عليهم السلام) من ملك الى ملك ومن حاكم الى حاكم حتى أخر عهدهم بالاضطهاد في زمن حكم المقبور صدام حسين حيث حشد جميع طاقة جهازه القمعي لمحاربة الشعائر الحسينية ومن تلك الشعائر التي عمد نظام الطاغية على محاربتها زيارة الأربعين من شهادة الامام الحسين (عليه السلام) فأخذ باعتقال كل من توجه قاصدا الزيارة الى ان وصل بهم قتل الزائرين.

وابرز تلك الحوادث التي اقدم عليها جهاز قمعه قتل زائري الامام الحسين (عليه السلام) في ذكرى زيارة الأربعين عام 1977 للميلاد الموافق 1397 للهجرة واستمر بعد ذلك بقمعه حتى سقوط عرشه عام 2003 للميلاد الموافق 1424 للهجرة ومن ذلك الحين انقلب الامر ببروز الإرادة الإلهية بوضوح حيث نلاحظ هذه الجموع الحسينية وهي تقصد كربلاء المقدسة حاملة في قلبها حب وعشق الوصول الى كعبة الاحرار الامام الحسين (عليه السلام) محيية بذلك زيارة يوم الأربعين.

فقد توافد الى كربلاء الحسين محبيه من كل حدب وصوب من بلاد الخليج وايران وشرق اسيا وأوربا وغيرها من الدول التي يقطنها محبو الامام الحسين (عليه السلام) نجد الوافدين قد قطعوا ألاف الكيلو مترات متناسين خطورة الطريق بين راكب وماشي همهم الوحيد الوصول الى نقطة الملتقى الحسيني الثائر لكي يجددوا العهد معه محين شعيرة من شعائر الله تعالى التي أراد الله تعالى لها الاستمرار والبقاء لتبقى راية وعلماً ومنارا للامة وتذكاراً لما حصل لآل البيت (عليهم السلام) يوم الطفوف على يد اعتى طاغية مرى على تاريخ الخليقة ولذلك اشارت سيد البيت الهاشمي الحوراء زينب (عليها السلام) حيث قالت: "ينصبون لهذا الطف علما لقبر أبيك سيد الشهداء (عليه السلام) لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا"(4).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كامل الزيارات ص 125.

(2) كامل الزيارات ب 45 ح 5.

(3) المصدر السابق ح 3.

(4) بحار الأنوار ج28 ص57.

 

 

2017/11/04

من أين جاء الشيعة بـ "البكاء" على الحسين؟

أول من بكى على مصرع الحسين في كربلاء كان رسول الله، صلى الله عليه وآله. ليس الشيعة وحدهم من يقول ذلك، بل فقهاء ورواة المذاهب الأخرى الذين تحدثوا عن إخبار إلهي لما سوف يجري على الحسين في كربلاء.

وتشير كتبهم إلى أن النبي بعد أن انفرد به الوحي -كعادته- عاد إليهم باكياً يحدثهم عن ولده الذبيح على أرض الطف. هذا كان مضمون ما قالته عائشة، أبرز زوجات النبي التي يعتمد أتباع المذاهب الأخرى مروياتها بما لا يحتمل الشك.

في تفصيل أكثر، يقول أحد أكبر فقهاء الشافعية، وهو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي في كتابه "اعلام النبوة" والمتاح بنسخ ورقية وإلكترونية.. يقول الماوردي وهو يسند خبره إلى كل من عروة وعائشة التي تقول: "دخل الحسين بن علي، عليه السلام، على رسول الله، صلى الله عليه وآله، و هو يوحى اليه، فبرك عل ظهره و هو منكب و لعب على ظهره. -وهنا كانت تشير إلى الحسين في طفولته-.

فقال جبرئيل: يا محمد، إن أمتك ستفتن بعدك و تقتل ابنك هذا من بعدك، و مدَّ يده فأتاه بتربة بيضاء، و قال: في هذه الأرض يقتل ابنك ـ اسمها الطف ـ.

والطف هي الأرض المعروفة حالياً بكربلاء والتي يقصدها الملايين من المسلمين غالبيتهم من الشيعة لزيارة قبر الحسين وأخيه العباس واستذكار تلك الحادثة الأليمة.

تتابع عائشة، نقل ما جرى وتقول: فلما ذهب جبرئيل خرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الى أصحابه و التربة في يده، و فيهم أبو بكر و عمر و علي و حذيفة و عمار و أبو ذر وهو يبكي. فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال: أخبرني جبرئيل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، و جاءني بهذه التربة، فأخبرني أن فيها مضجعه.

اما "ابن سعد" صاحب كتاب "الطبقات الكبرى"  والذي تتلمذ على يد "الواقدي" أحد أقدم وأهم المؤرخين السُنّة في الإسلام.. ابن سعد هذا ينقل رواية أخرى ينتهي سندها إلى عائشة أيضا، تقول فيها: "بينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحيته عنه ثم قمت لبعض أمري فدنا منه فاستيقظ يبكي فقلت: ما يبكيك؟ قال: إن جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه، وبسد يده فإذا فيها قبضة من بطحاء فقال: يا عائشة والذي نفسي بيده إنه ليحزنني، فمن هذا من أمتي يقتل حسيناً بعدي؟.

أما الشيعة، فبعيداً عن ذوبانهم في الوجد على تلك الأحداث التي جرت على أرض كربلاء عام 61 للهجرة، فهم يرون أن في بكائهم على الحسين، عليه السلام، أسوة واقتداءً ببكاء النبي والأئمة من بعده على السبط الشهيد.

ومن النبي إلى الأئمة ينتقل حث البكاء على هذه الفاجعة، فينقل الشيخ الصدوق (918- 992 هـ) في كتابه "الأمالي" رواية عن الإمام الرضا عليه السلام يقول فيها: "يا بن شبيب إن كنت باكياً لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش ".

 

 للحصول على آخر التحديثات اشترك في قناتنا على التيلغرام عبر الرابط التالي:

https://telegram.me/TwelveImamsWeb

 

2017/11/04

الحسين (ع).. لا جان بول سارتر!!

تشكل الارادة عنصرا أساسيا في النظرة الإسلامية للإنسان.. الارادة الحرة النابعة من العقل والوجدان اللذين انعم الله بهما على الانسان، فكانا الآلة الفعالة في تمييزه بين الخير والشر، الاسلام يؤمّن للانسان الحرية الكاملة من خلال الارادة الحرة التي لا يعيقها عائق من رغبة أو مطمع أو هوى، الارادة الحرة التي تجعل الانسان سيدا حقيقيا لقراراته وخياراته. بوسع الانسان مع (سارتر) وكل الفلسفات التي تجعل للحرية مفهوما مساوقا للإباحة, أن يفعل كل ما يرغب به, ليكتشف بعد حين أن رغبته تلك باتت مانعا حقيقيا لامتلاكه الارادة الحرة, فبوسعه أن يعاقر الخمرة التي يرغب في تناولها كحرية شخصية, ليكتشف أن الرغبة في تناول الخمرة قد استحكمت ولا إرادة له في تركها حتى وإن تسببت بالأضرار الصحية والاجتماعية له, وبوسع المرأة في الغرب أن تعاشر من تشاء من الرجال كحرية شخصية ولكنها لن تكون ذات ارادة حرة في اختيار الرجل الذي يتجاوز في علاقته بالمرأة حدود الاشباع الجنسي مادامت حرية المعاشرة هي الاساس المعتمد في العلاقة بين المرأة والرجل .

إن الحرية المقننة التي يتيحها الاسلام تنبع من عقل الانسان ووجدانه وهما العنصران اللذان يشكلان الجانب المتسامي منه, فلا يقيدها بعد ذلك خوف او هوى او رغبة, حرية تنبع من ارادة حرة مطلقة, وهذا ما جسّده علي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي صنعه الاسلام فكان مثاله الأسمى, حين يعبر عن حرية مطلقة في عبادة الله سبحانه في قوله ( الهي ما عبدتك اذ عبدتك طمعا في جنتك ولا خوفا من نارك, ولكني رايتك أهلا للعبادة فعبدتك).

وحيث كانت ثورة الامام الحسين (عليه السلام) هي الثورة التي فعّلت كل مضامين الاسلام ليبقى شعلة وهاجة تضمن للإنسانية نظامها الأصلح, فقد أكدت هذه الثورة على عنصر الحرية في الانسان, لهذا نجد الإمام الحسين (عليه السلام) حين اعلن رفضه الاسطوري لبيعة يزيد, أعلن عن ذلك لأنه في عقله ووجدانه المقدسين قرر الرفض لهذه البيعة فنتجت الشجاعة التاريخية والتحدي الصارخ الذي كان منه يوم عاشوراء عن إرادته المطلقة التي لم تعلق بها عوالق الخوف او الرغبة او المطامع, فقال (عليه السلام): ( والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقرّ لكم اقرار العبيد), وعلى اساس الحرية كان تعامله مع الاخرين في الثورة, حيث نراه يخاطب من كان معه بعد خروجه من مكة من كان فينا باذلا مهجته موطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبح ان شاء لله تعالى ويخاطبهم عند وصول خبر استشهاد مسلم بن عقيل (عليه السلام) اما بعد, فانه قد اتاني خبر فظيع, قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وعبد الله بن يقطر, وقد خذلنا شيعتنا, فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف من غير حرج ليس عليه ذمام فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي من اصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انظموا اليه, وأذن (عليه السلام) لأصحابه ليلة العاشر بتركه والانصراف عنه, وخاطب جيش ابن سعد يوم العاشر قائلا إن لم يكن لكم دين فكونوا احرارا في دنياكم , كل ذلك لتكون نصرتهم له عن ارادة حرة تليق بالانسان الحر الذي ينطلق من تكوينه المتسامي.

إننا نجد سلوك الحسين (عليه السلام) في الثورة سلوكا يضيّع عليه كل فرصة للنصر العسكري, فحين قطع عليه الحر الرياحي الطريق وهو ظامئ, كان بوسع الحسين (عليه السلام) ان يتركه وجنوده يعانون الظمأ, فلا يقوون على اخذهم الى كربلاء, ولو فعل الحسين (عليه السلام) ذلك لما كان اكثر من رجل عادي يبحث عن فرصة للنجاة, ولكنه (عليه السلام) سقاه ورجاله وخيله ومكنّهم من اخذه الى المكان الذي سيقتلونه فيه, لأنه بنفسه الانسانية العملاقة لا يمكن ان يرى من يطلب الماء ويمنعه عنه, ولكي يعطي الحر بعد ذلك فرصة الوقوف في ذلك المحك البشري الخالد, بين الخير والشر أو الحق والباطل, وتحت عامل المطامع والخوف, ليقرر ما يختار بإرادة حرة, لقد وقف الحر يوم العاشر يتأمل جانب الحسين (عليه السلام) باسمى دلائل الخير والإنسانية, فماذا بعد أن لم يمنع (عليه السلام) الماء عمَّن قاده الى حتفه, وينظر الى جيش عمر بن سعد الذي يمنع الماء عن الاطفال والنساء, فاختار جانب الحق, لهذا قال له الحسين (عليه السلام) حين مال الى جانبه ( انت حر كما سمتك امك حر).

إن انصار الحسين عليه لم يعينوه في وقوفهم معه في العاشر من محرم, بل هو الذي اعانهم في التمكن من الوصول الى المرتقى العالي من القدرة على اتخاذ القرار بحرية لا تؤثر بها رغبة او خوف.

لقد ثار الحسين (عليه السلام) واستشهد لا من أجل تغيير نظام حكم أو دفاع عن بلد أو دفع جيش غازِ, بل ليؤكد هذه الحقيقة الخالدة, إن الانسان كائن متسام وهبه الله العقل والضمير والوجدان, فعليه أن يكون سيد قراراته واختياراته, فلا تقيده رغبة او خوف او مطمع. استشهد لكي تبقى الاجيال البشرية على مدى التاريخ تتأمل قصة الطف فلا تجد غير رجل فوّت على نفسه كل فرصة للنجاة كي يخلّد مبدأ الانسان المتسامي بإرادته الحرة.

 

2017/11/02

هل قرأت من قبل هذا الموقف؟ الإمام الحسين وأخته زينب (ع) وحرارة الشمس!!
إن روابط المحبة، والعلاقات الودية بين الإخوة والأخوات كانت من قديم الزمان، حتى صارت يضرب بها المثل في المحبة والمودة بين اثنين، فيقال: كأنهما أخوان، أو كأنهما أخ وأخت. ولكن العلاقات الودية وروابط المحبة بين الإمام الحسين وبين أخته السيدة زينب (عليهما السلام) كانت في القمة وكانت تمتاز بمزايا، لا نبالغ إذا قلنا، أنه لا يوجد ولم يوجد في العالم أخ وأخت تربطهما روابط المحبة والوداد مثل الإمام الحسين وأخته السيدة زينب (سلام الله عليهما). فإن كلاً منهما كان قد ضرب الرقم القياسي في مجال المحبة الخالصة، والعلاقات القلبية. وكيف لا يكونان كذلك وقد تربيا في حجر واحد وتفرعا من شجرة واحدة؟! ولم تكن تلك العلاقات منبعثة عن عاطفة القرابة فحسب، بل عرف كل واحد منهما ما للآخر من الكرامة، وجلالة القدر وعظم الشأن. فالسيدة زينب (عليها السلام) تعرف أخاها بأنه: سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله) وتعلم بأن الله تعالى قد أثنى على أخيها في آيات كثيرة من القرآن الكريم، كآية المباهلة، وآية المودة، وآية التطهير، وسورة «هل أتى»، وغيرها من الآيات والسور. بالإضافة إلى أنها عاشت سنوات مع أخيها في بيت واحد، وشاهدت ما كان يتمتع به أخوها من مكارم الأخلاق والعبادة والروحانية، وعرفت ما لأخيها من علو المنزلة وسمو الدرجة عند الله عز وجل. وتعلم انه إمام منصوب من عند الله تعالى، منصوص عليه بالإمامة العظمى والولاية الكبرى من الرسول الأقدس (صلى الله عليه وآله). مع توفر شروط الإمامة ولوازمها فيه، كالعصمة، والعلم بجميع أنواع العلوم، وغير ذلك. وهكذا يعرف الإمام الحسين (عليه السلام) أخته السيدة زينب (عليها السلام) حق المعرفة، ويعلم فصائلها وخصائصها. ومن هنا يمكن لنا أن نطلع على شيء من مدى الروابط القوية بين هذا الأخ العظيم وأخته المكرمة (سلام الله عليهما). وقد جاء في التاريخ: أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان يقرأ القرآن الكريم ـ ذات يوم ـ فدخلت عليه السيدة زينب (عليها السلام)، فقام من مكانه وهو يحمل القرآن بيده، كل ذلك احتراماً لها. بل أكثر من ذلك فقد نُقل إن الإمام الحسين (عليه السلام) زائر أخته الحوراء زينب (عليها السلام) في دارها فوجدها نائمة وقد نشرت الشمس أشعتها  على الحوراء الانسية، فما كان من الإمام الحسين (عليه السلام) الذي يأبى أن يرى أخته العقيلة تتأذى من حرارة الشمس، إلا أن يقف إلى جانبها ويرفع ردائه ليظلل لها عن حرارة الشمس، فبقي هذا الموقف مسجلاً في ذاكرة الحوراء تنتظر الحين بعد الآخر لتعيد ذلك المعروف إلى صاحبه، لكن شتان ما بين الموقفين، نعم لقد وقفت العقيلة (عليها السلام) على جسد أخيها وظللت له عن حرارة الشمس، لكن حينما كان ملقىً على رمضاء كربلاء.. فواحدة تحنو عليه تضمه وأخرى عليه بالرداء تظلل وأخرى بفيض النحر تصبغ شعرها   وأخرى لما قد نالها ليس تعقل وقفت وهي بتلك الحال تشاهد من تبقى من أهل بيتها وقد أحاط به العتاة والأجلاف من كل جانب، كل يريد القصاص لما حل بعسكر أبي سفيان يوم بدر، وما كان منها إلا أن تقف ذات الموقف الذي وقفه أبوها (عليه السلام) في عظيم صبره، ولقد ضارعت الأنبياء في رباطة جأشها وتجلدها ولشدة إيمانها وانقطاعها إلى الله، فقد وقفت على جثمان شقيقها الذي مزّقته سيوف الشرك، وهو جثة هامدة بلا رأس، فرمقت السماء بطرفها، وقالت كلمتها الخالدة التي دارت مع الفلك وارتسمت فيه: (اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان)( ). إنّ الإنسانية تنحني إجلالاً وخضوعاً أمام هذا الإيمان الذي هو السرّ في خلودها وخلود أخيها. لقد تضرعت بطلة الإسلام بخشوع إلى الله تعالى أن يتقبّل ذلك القربان العظيم الذي هو ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله). فأيّ إيمان يماثل هذا الإيمان؟! وأيّ تبتّل إلى الله تعالى يضارع هذا التبتّل؟! لقد أظهرت حفيدة الرسول بهذه الكلمات الخالدة معاني الوراثة النبوية، وأظهرت الواقع الإسلامي وأنارت السبيل أمام كلّ مصلح اجتماعي، وأنّ كلّ تضحية تُؤدّى للأمّة يجب أن تكون خالصة لوجه الله غير مشفوعة بأيّ غرض من أغراض الدنيا. ومن عظيم إيمانها الذي يبهر العقول، ويحيّر الألباب أنّها أدّت صلاة الشكر إلى الله تعالى ليلة الحادي عشر من المحرّم على ما وفّق أخاها ووفّقها لخدمة الإسلام ورفع كلمة الله. لقد أدّت الشكر في أقسى ليلة وأفجعها، والتي لم تمرّ مثلها على أيّ أحدٍ من بني الإنسان، فقد أحاطت بها المآسي التي تذوب من هولها الجبال، فالجثث الزواكي من أبناء الرسول (صلى الله عليه واله) وأصحابهم أمامها لا مغسّلين ولا مكفّنين، وخيام العلويات قد أحرقها الطغاة اللئام، وسلبوا ما على بنات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من حُلي وما عندهنّ من أمتعة وهن يعجن بالبكاء لا يعرفن ماذا يجري عليهن من الأسر والعذاب إلى غير ذلك من المآسي التي أحاطت بحفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهي تؤدي صلاة الشكر لله على هذه النعمة التي أضفاها عليها وعلى أخيها. تدول الدول وتفنى الحضارات وهذا الإيمان العلوي أحقّ بالبقاء، وأجدر بالخلود من هذا الكوكب الذي نعيش فيه. --------- مقتطف من كتاب سفيرة الحسين (ع) - عن شعبة البحوث والدراسات
2017/11/02

إمام زماننا: كيف نعرفه؟

شاعت في الفترة الأخيرة ظاهرة خطيرة في المجتمع الشيعي بصورة عامة، وهي ادعاء بعض الأشخاص الإمامة أو النيابة عن الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) وهذه الظاهرة وللأسف الشديد قد وجدت صدىً عند بعض الجهال أو أنصاف المتعلمين، ولأن الإمامة ـ كما هو مقرر عن الشيعة ـ لطف من الله تعالى إذاً لا بد من قانون يكون بموجبه اختراق الإمامة متعسر على المبطلين وإلا للزم عدم كونها لطف من الله، وهذا القانون هو (المعجزة).

لكن، ما هي المعجزة؟

بعيداً عن العبارات التي يتداولها علماء الكلام والتي يراها عامة الناس معقدة نوعاً ما، سنتناول هذا المصطلح بإسلوب بسيط لتعميم الفائدة، نقول التالي:

إن لهذا العالم قوانين تكوينية (طبيعية) تكون سارية المفعول على كل من يتواجد فيه، فعلى سبيل المثال قانون الجاذبية لا يستثني أحداً من الموجودات، فالطبيعة الأرضية من شأنها أنها تجذب الأشياء نحوها، وهذا القانون أودعه الله تعالى في الأرض، فإن حصل وشاهدنا شخصاً له سلطة على خرق هذا القانون أو غيره، كإحياء الموتى مثلاً، فمعناه أنه حجة من الله تعالى، على أن لا يكون سحراً!

وهنا سؤال آخر: كيف نفرق السحر عن المعجزة

إن السحر وإن كان الظاهر منه أن فاعله قد خرق القانون الطبيعي إلا أن ذلك خلاف الواقع، بمعنى أن السحرة يعتمدون على القوة الخيالية عند البشر وبشيء من السرعة وخفة فيتضح الأمر وكأنه حقيقي، أما المعجزة فهي خرق واقعي للقانون الطبيعي لا أنه مجرد تخيل للرائي، وكمثال على ذلك أن السحرة الذين آمنوا على يد النبي موسى (عليه السلام) كان سبب إيمانهم أنهم قد رأوا أن عصا موسى  قد تحولت الى ثعبان حقيقي وأما ما فعلوه هم فإنهم قد طلوا حبالهم بمادة الزئبق بنسب وتركيبات معينة، وبخفة يدهم المعتادة تخيل المشاهدون أن حبالهم تحولت الى ثعابين، ولما إطلعوا على حقيقة فعل موسى (عليه السلام) آمنوا به لا لأن ثعبان موسى تغلب على ثعابينهم في حلبة المواجهة.

فيتضح مما تقدم أن قانون المعجزة لا يمكن إختراقه لأنه تخويل من الله تعالى لشخص يبعثه بغرض تبليغ رسالته ودعوته، ومن غير المعقول أن يفوضه للمبطلين لأنه خلاف حكمته تعالى.

فنخرج بنتيجة مفادها أن كل من يدعي أنه إمام في هذا الزمان فعليه أن يثبت لنا ذلك من خلال هذا القانون الآلهي المحكم، وقد دلت الروايات وكلام العلماء على ذلك وهذه الشواهد

قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام:

" ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء الّا يُظهر الله تبارك وتعالى مثلها على يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء "

وأما ما ذكره علمائنا في كيفية معرفة الامام

1 ] الشيخ المفيد ( قدس الله روحه ): "واتفقت الإمامية على أن الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلا بالنص على عينه والتوقيف، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة والمتسمون بأصحاب الحديث على خلاف ذلك، وأجازوا الإمامة في من لا معجز له ولا نص عليه ولا توقيف".

2 ] ما ذكره الشيخ ابو جعفر الطوسي ( قدس الله روحه ) في تلخيص الشافي

"مما يدل على ذلك أن الامام اذا وجبت عصمته وكانت العصمة غير مدركة بالحواس فيستفاد العلم بها من جهتها ولم يكن ايضا عليها دليل يوصل الى العلم بحال من كان عليها فيتوصل اليها بالنظر في الادلة فلا بد مع صحة هذه الجملة من وجوب النص على الامام بعينه أو إظهار المعجز القائم مقامه عليه".

3 ] الحر العاملي

"إنّ الإمام عليه ‌السلام عالم بالاسم الأعظم الذي إذا دُعي الله به لإحياء الموتى أحياهم".

السفراء لا بد من إتيانهم بالمعجزة

إن السفراء في زمن غيبة ولي الله الأعظم (عجل الله فرجه الشريف) كان الشيعة يتعرفون عليهم من خلال المعجزة، وإليك الشاهد:

 ذكر الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الإحتجاج ما نصه:

"وأما الأبواب المرضيون، والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة:

فأولهم: الشيخ الموثوق به أبو عمرو (عثمان) بن سعيد العمري. نصبه أولا أبو الحسن علي بن محمد العسكري، ثم ابنه أبو محمد الحسن، فتولى القيام بأمورهما حال حياتهما عليهما السلام، ثم بعد ذلك قام بأمر صاحب الزمان عليه السلام، وكان توقيعاته وجواب المسائل تخرج على يديه.

فلما مضى لسبيله، قام ابنه أبو جعفر (محمد) بن عثمان مقامه، وناب منابه في جميع ذلك.

فلما مضى هو، قام بذلك أبو القاسم (حسين بن روح) من بني نوبخت.

فلما مضى هو، قام مقامه أبو الحسن (علي) بن محمد السمري ولم يقم أحد منهم بذلك إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر عليه السلام، ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر على يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام، تدل على صدق مقالتهم، وصحة بابيتهم..".

 

 

2018/01/01