من هم أهل الذكر؟

ذكرت الرّوايات الكثيرة المروية عن أهل البيت عليهم السّلام أنّ «أهل الذكر» هم الأئمّة المعصومون عليهم السّلام، و من هذه الرّوايات:

اشترك في قناة «الأئمة الاثنا عشر» على تليجرام

‏روي عن الإمام علي بن موسی الرضا عليه السّلام في جوابه عن معنی الآية أنّه قال: «نحن أهل الذكر و نحن المسؤولون» [تفسير نور الثقلين، ج ٣، ص ٥٥.].

‏وعن الإمام الباقر عليه السّلام في تفسير الآية أنّه قال: «الذكر القرآن و آل الرّسول أهل الذكر و هم المسؤولون» [تفسير نور الثقلين، ج ٣، ص ٥٦.].

‏وفي روايات أخری: أنّ «الذكر» هو النّبي صلّی اللّه عليه و آله و سلّم، و «أهل الذكر» هم أهل البيت عليهم السّلام‌ [تفسير نور الثقلين، ج ٣ ص ٥٥ و ٥٦.].

‏و ثمّة روايات متعددة أخری تحمل نفس هذا المعنی.

‏و في تفاسير و كتب أهل السنّة روايات تحمل نفس المعنی أيضا، منها:

‏ما في التّفسير الاثنی عشري: روي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية، قال: هو محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام هم أهل الذكر و العقل و البيان‌ [إحقاق الحق، ج ٣، ص ٤٢٨- و المقصود من تفسير الاثنی عشر، هو تفاسير كل من: أبي يوسف، ابن حجر، مقاتل بن سليمان، وكيع بن جراح، يوسف بن موسی، قتادة، حرب الطائي، السدي، مجاهد، مقاتل بن حيان، أبي صالح و محمد بن موسی الشيرازي.].

‏فهذه ليست هي المرّة الأولی في تفسير الرّوايات للآيات القرآنية ببيان أحد مصاديقها دون أن تقيد مفهوم الآية المطلق.

‏و كما قلنا ف «الذكر» يعني كل أنواع العلم و المعرفة و الاطلاع، و «أهل الذكر» هم العلماء و العارفون في مختلف المجالات، و باعتبار أن القرآن نموذج كامل و بارز للعلم و المعرفة أطلق عليه اسم «الذكر»، و كذلك شخص النّبي صلّی اللّه عليه و آله و سلّم فهو مصداق واضح «للذكر» و الأئمّة المعصومون باعتبارهم أهل بيت النّبوة و وارثو علمه صلّی اللّه عليه و آله و سلّم فهم عليهم السّلام أفضل مصداق ل «أهل الذكر».

‏و هذا لا ينافي عمومية مفهوم الآية، و لا ينافي مورد نزولها أيضا (علماء أهل الكتاب) و لهذا اتجه علماؤنا في الفقه و الأصول عند بحثهم موضوع الاجتهاد و التقليد إلی ضرورة و وجوب أتباع العلماء لمن ليست له القدرة علی استنباط الأحكام الشرعية، و يستدلون بهذه الآية علی صحة منحاهم.

‏و قد يتساءل فيما ورد عن الإمام علي بن موسی الرضا عليه السّلام في كتاب (عيون أخبار الرضا عليه السّلام): أنّ علماء في مجلس المأمون قالوا في تفسير الآية: إنما عني بذلك اليهود و النصاری، فقال الرضا عليه السّلام: «سبحان اللّه و هل يجوز ذلك، إذا يدعونا إلی دينهم و يقولون: إنّه أفضل من الإسلام ...» ثمّ قال: «الذكر رسول اللّه و نحن أهله» [تفسير نور الثقلين، ج ٣، ص ٥٧.].

‏و تتخلص الإجابة بقولنا: إنّ الإمام قال ذلك لمن كان يعتقد أن تفسير الآية منحصر بمعنی الرجوع إلی علماء أهل الكتاب في كل عصر و زمان، و بدون شك أنّه خلاف الواقع، فليس المقصود بالرجوع إليهم علی مر العصور و الأيّام، بل لكل مقام مقال، ففي عصر الإمام علي بن موسی الرضا عليه السّلام لا بدّ من الرجوع إليه علی أساس إنّه مرجع علماء الإسلام و رأسهم.

‏و بعبارة أخری: إذا كانت وظيفة المشركين في صدر الإسلام لدی سؤالهم عن الأنبياء السابقين، و هل أنّهم من جنس البشر هي الرجوع إلی علماء أهل الكتاب لا إلی النّبي صلّی اللّه عليه و آله و سلّم، فهذا لا يعني أن علی جميع الناس في أي عصر و مصر أن يرجعوا إليهم، بل يجب الرجوع إلی علماء كل زمان.

‏و علی أية حال .. فالآية مبيّنة لأصل إسلامي يتعيّن الأخذ به في كل مجالات الحياة المادية و المعنوية، و تؤكّد علی المسلمين ضرورة السؤال فيما لا يعلمونه ممن يعلمه، و أن لا يورطوا أنفسهم فيما لا يعلمون.

‏و علی هذا فإنّ «مسألة التخصص» لم يقررها القرآن الكريم و يحصرها في المسائل الدينية بل هي شاملة لكل المواضيع و العلوم المختلفة، و يجب أن يكون‌ من بين المسلمين علماء في كافة التخصصات للرجوع إليهم.

‏و ينبغي التنويه هنا إلی ضرورة الرجوع إلی المتخصص الثابت علمه و تمكنه في اختصاصه، بالإضافة إلی توفر عنصر الإخلاص في عمله فهل يصح أن نراجع طبيبا متخصصا- علی سبيل المثال- غير مخلص في علمه؟! و لهذا وضع شرط العدالة في مسائل التقليد إلی جانب الاجتهاد و الأعلمية، أي لا بدّ لمرجع التقليد من أن يكون تقيا ورعا بالإضافة إلی علميته في المسائل الإسلامية.

مقتطف من كتاب تفسير الأمثل