منبر الجمعة

النصر منكم وإليكم.. خطبة المرجعية العليا في يوم النصر
خطبة النصر من الصحن الحسيني الشريف لممثل المرجعية الدينية العليا  في كربلاء المقدسة فضيلة العلاّمة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (26/ربيع الأول/1439 هـ) الموافق (15/12/2017م):

[اشترك]

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الأخوة والأخوات :

قبل ايام أعلن رسمياً عن تحرير آخر جزء من الاراضي العراقية من سيطرة تنظيم داعش الارهابي، وبهذه المناسبة نلقي على مسامعكم هذه الكلمة:
ايها العراقيون الشرفاء
بعد ما يزيد على ثلاثة أعوام من القتال الضاري وبذل الغالي والنفيس ومواجهة مختلف الصعاب والتحديات انتصرتم على اعتى قوة ارهابية استهدفت العراق بماضيه وحاضره ومستقبله، انتصرتم عليها بإرادتكم الصلبة وعزيمتكم الراسخة في الحفاظ على وطنكم وكرامتكم ومقدساتكم، انتصرتم عليها بتضحياتكم الكبيرة حيث قدمتم انفسكم وفلذات اكبادكم وكل ما تملكون فداءً للوطن الغالي فسطرتم اسمى صور البطولة والايثار وكتبتم تاريخ العراق الحديث بأحرف من عزّ وكرامة، ووقف العالم مدهوشاً امام صلابتكم وصبركم واستبسالكم وايمانكم بعدالة قضيتكم حتى تحقق هذا النصر الكبير الذي ظن الكثيرون أنه بعيد المنال ولكنكم جعلتم منه واقعاً ملموساً خلال مدة قصيرة نسبياً، فحفظتم به كرامة البلد وعزته وحافظتم على وحدته ارضاً وشعباً، فما اعظمكم من شعب.
ايها المقاتلون الميامين.. يا ابطال القوات المسلحة بمختلف صنوفها وعناوينها
ان المرجعية الدينية العليا صاحبة فتوى الدفاع الكفائي التي سخّرت كل امكاناتها وطاقاتها في سبيل إسناد المقاتلين وتقديم العون لهم، وبعثت بخيرة ابنائها من اساتذة وطلاب الحوزة العلمية الى الجبهات دعماً للقوات المقاتلة وقدمت العشرات منهم شهداء في هذا الطريق... لا ترى لاحدٍ فضلاً يداني فضلكم ولا مجداً يرقى الى مجدكم في تحقيق هذا الانجاز التاريخي المهم .. فلولا استجابتكم الواسعة لفتوى المرجعية وندائها واندفاعكم البطولي الى جبهات القتال وصمودكم الاسطوري فيها بما يزيد على ثلاثة اعوام لما تحقق هذا النصر المبين.
فالنصر منكم ولكم واليكم وأنتم أهله وأصحابه فهنيئاً لكم به، وهنيئاً لشعبكم بكم، وبوركتم وبوركت تلك السواعد الكريمة التي قاتلتم بها وبوركت تلك الحجور الطاهرة التي ربّيتم فيها. أنتم فخرنا وعزّنا ومن نباهي به سائر الامم.
ما أسعد العراق وما أسعدنا بكم لقد استرخصتم أرواحكم وبذلتم مهجكم في سبيل بلدكم وشعبكم ومقدساتكم ، اننا نعجز عن أن نوفيكم بعض حقكم ولكن الله تعالى سيوفيكم الجزاء الاوفى، وليس لنا الا أن ندعوه بأن يزيد في بركاته عليكم ويجزيكم خير جزاء المحسنين.
ايها الاخوة والاخوات
اننا اليوم نستذكر بمزيد من الخشوع والاجلال شهداءنا الابرار الذين روّوا ارض الوطن بفيض دمائهم الزكية، فكانوا نماذج عظيمة للتضحية والفداء.
ونستذكر معهم عوائلهم الكريمة : آباءهم وامهاتهم وزوجاتهم واولادهم واخوتهم واخواتهم ، اولئك الاعزة الذين فجعوا بأحبتهم فغدوا يقابلون ألم الفراق بمزيد من الصبر والتحمل.
ونستذكر بعزة وشموخ اعزاءنا الجرحى ولا سيما من اصيبوا بالإعاقة الدائمة وهم الشهداء الاحياء الذين شاء الله تعالى ان يبقوا بيننا شهوداً على بطولة شعب واجه اشرار العالم فانتصر عليهم بتضحيات ابنائه.
ونستذكر بإكبار وامتنان جميع المواطنين الكرام الذين ساهموا في رفد ابنائهم المقاتلين في الجبهات بكل ما يعزز صمودهم، حيث كانوا خير نصير وظهير لهم، في واحدة من اروع صور تلاحم شعب بكافة شرائحه ومكوناته في الدفاع عن عزته وكرامته.
ونستذكر بشكر وتقدير كل الذين كان لهم دور فاعل ومساند في هذه الملحمة الكبرى من المفكرين والمثقفين والاطباء والشعراء والكتّاب والاعلاميين وغيرهم.
كما نقدم الشكر والتقدير لكل الاشقاء والاصدقاء الذين وقفوا مع العراق وشعبه في محنته مع الارهاب الداعشي وساندوه وقدموا له العون والمساعدة سائلين الله العلي القدير أن يدفع عن الجميع شر الاشرار وينعم عليهم بالأمن والسلام.
 
وهناك عدة أمور لا بد من أن نشير اليها :
أولاً : إن النصر على داعش لا يمثل نهاية المعركة مع الارهاب والارهابيين بل ان هذه المعركة ستستمر وتتواصل ما دام أن هناك أناساً قد ضُلّلوا فاعتنقوا الفكر المتطرف الذي لا يقبل صاحبه بالتعايش السلمي مع الآخرين ممن يختلفون معه في الرأي والعقيدة ولا يتورع عن الفتك بالمدنيين الابرياء وسبي الاطفال والنساء وتدمير البلاد للوصول الى اهدافه الخبيثة بل ويتقرب إلى الله تعالى بذلك .. فحذار من التراخي في التعامل مع هذا الخطر المستمر والتغاضي عن العناصر الارهابية المستترة والخلايا النائمة التي تتربص الفرص للنيل من أمن واستقرار البلد.
ان مكافحة الارهاب يجب ان تتم من خلال التصدي لجذوره الفكرية والدينية وتجفيف منابعه البشرية والمالية والاعلامية ويتطلب ذلك العمل وفق خطط مهنية مدروسة لتأتي بالنتائج المطلوبة ، والعمل الامني والاستخباري وإن كان يشكّل الاساس في مكافحة الارهاب الا ان من الضروري أن يقترن ذلك بالعمل التوعوي لكشف زيف وبطلان الفكر الارهابي وانحرافه عن جادة الدين الاسلامي الحنيف، متزامناً مع نشر وترويج خطاب الاعتدال والتسامح في المجتمعات التي يمكن أن تقع تحت تأثير هذا الفكر المنحرف، بالاضافة الى ضرورة العمل على تحسين الظروف المعيشية في المناطق المحررة واعادة اعمارها وتمكين اهلها النازحين من العود اليها بعزة وكرامة وضمان عدم الانتقاص من حقوقهم الدستورية وتجنب تكرار الاخطاء السابقة في التعامل معهم.
ثانياً : إن المنظومة الامنية العراقية لا تزال بحاجة ماسة الى الكثير من الرجال الابطال الذين ساندوا قوات الجيش والشرطة الاتحادية خلال السنوات الماضية وقاتلوا معها في مختلف الجبهات وأبلوا بلاءً حسناً في اكثر المناطق وعورةً واشد الظروف قساوةً وأثبتوا أنهم أهلٌ للمنازلة في الدفاع عن الارض والعرض والمقدسات وحققوا نتائج مذهلة فاجأت الجميع داخلياً ودولياً .. ولا سيما الشباب منهم الذين شاركوا في مختلف العمليات العسكرية والاستخبارية واكتسبوا خبرات قتالية وفنية مهمة وكانوا مثالاً للانضباط والشجاعة والاندفاع الوطني والعقائدي ولم يصبهم الوهن أو التراجع أو التخاذل ..
ان من الضروري استمرار الاستعانة والانتفاع بهذه الطاقات المهمة ضمن الأطر الدستورية و القانونية التي تحصر السلاح بيد الدولة وترسم المسار الصحيح لدور هؤلاء الأبطال في المشاركة في حفظ البلد وتعزيز أمنه حاضراً ومستقبلاً، والوقوف بوجه أي محاولات جديدة للإرهابيين بغرض النيل من العراق وشعبه ومقدساته..
ثالثاً : إن الشهداء الابرار الذين سقوا ارض العراق بدمائهم الزكية وارتقوا الى جنان الخلد مضرجين بها لفي غنىً عنا جميعاً، فهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر، ولكن من أدنى درجات الوفاء لهم هو العناية بعوائلهم من الارامل واليتامى وغيرهم، ان رعاية هؤلاء وتوفير الحياة الكريمة لهم من حيث السكن والصحة والتعليم والنفقات المعيشية وغيرها واجب وطني واخلاقي وحق لازم في اعناقنا جميعاً، ولن تفلح أمة لا ترعى عوائل شهدائها الذين ضحوا بحياتهم وبذلوا ارواحهم في سبيل عزتها وكرامتها، وهذه المهمة هي بالدرجة الاولى واجب الحكومة ومجلس النواب بان يوفرا مخصصات مالية وافية لتأمين العيش الكريم لعوائل شهداء الارهاب الداعشي بالخصوص، مقدماً على كثير من البنود الأخرى للميزانية العامة.
رابعاً : إن الحرب مع الارهابيين الدواعش خلّف عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين في صفوف الابطال المشاركين في العمليات القتالية، وكثير منهم بحاجة الى الرعاية الطبية وآخرون اصيبوا بعوق دائم، والعوق في بعضهم بالغ كالشلل الرباعي وفقدان البصر وبتر الاطراف، وهؤلاء الاعزة هم الاحق بالرعاية والعناية ممن سواهم، لما لهم من الفضل على جميع العراقيين ، فلولاهم لما تحررت الارض وما اندحر الارهاب وما حفظت الاعراض والمقدسات، ومن هنا فان توفير العيش الكريم لهم وتحقيق وسائل راحتهم بالمقدار الممكن تخفيفاً لمعاناتهم واجبٌ وأيّ واجب، ويلزم الحكومة ومجلس النواب أن يوفرا المخصصات المالية اللازمة لذلك، وترجيحه على مصاريف أخرى ليست بهذه الاهمية.
خامساً : إن معظم الذين شاركوا في الدفاع الكفائي خلال السنوات الماضية لم يشاركوا فيه لدنياً ينالونها أو مواقع يحظون بها، فقد هبّوا الى جبهات القتال استجابة لنداء المرجعية واداءً للواجب الديني والوطني، دفعهم اليه حبهم للعراق والعراقيين وغيرتهم على اعراض العراقيات من أن تنتهك بأيدي الدواعش وحرصهم على صيانة المقدسات من أن ينالها الارهابيون بسوء، فكانت نواياهم خالصة من أي مكاسب دنيوية، ومن هنا حظوا باحترام بالغ في نفوس الجميع واصبح لهم مكانة سامية في مختلف الاوساط الشعبية لا تدانيها مكانةُ أي حزب او تيار سياسي، ومن الضروري المحافظة على هذه المكانة الرفيعة والسمعة الحسنة وعدم محاولة استغلالها لتحقيق مآرب سياسية يؤدي في النهاية الى أن يحلّ بهذا العنوان المقدس ما حلّ بغيره من العناوين المحترمة نتيجة للأخطاء و الخطايا التي ارتكبها من ادّعوها.
سادساً : ان التحرك بشكل جدي وفعال لمواجهة الفساد والمفسدين يعدّ من اولويات المرحلة المقبلة، فلا بد من مكافحة الفساد المالي والاداري بكل حزم وقوة من خلال تفعيل الاطر القانونية وبخطط عملية وواقعية بعيداً عن الاجراءات الشكلية والاستعراضية.
إن المعركة ضد الفساد ـ التي تأخرت طويلاً ـ لا تقلّ ضراوة عن معركة الارهاب إن لم تكن أشد وأقسى، والعراقيون الشرفاء الذين استبسلوا في معركة الارهاب قادرون ـ بعون الله ـ على خوض غمار معركة الفساد والانتصار فيها أيضاً إن أحسنوا ادارتها بشكل مهني وحازم.
نسأل الله العلي القدير أن يأخذ بأيدي الجميع الى ما فيه خير العراق وصلاح أهله إنه سميع مجيب.

2023/12/10
ذكريات الجمعة: النجاح يبدأ من الأسرة.. وخدمة البلد بحاجة إلى ’مواطن صالح’

تنويه هام: النص من أرشيف خطب الجمعة

ليعلم الإخوة الأساتذة في الجامعات والمدرّسون والمعلّمون أنّ مهنة التعليم والتربية تمثّل في بعض جوانبهما امتداداً لمهنة الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) في تعليم الناس وتربيتهم، فاجعلوا -أيّها الأساتذة أيّها المعلّمون أيّها المدرّسون... فاجعلوا مقصدكم والباعث لديكم هي النيّة الخالصة لله تعالى ليكون لكم بذلك الأجر في عملكم، ولتُجعَلَ ساعاتُ تعليمكم في ميزان حسناتكم.

[اشترك]

ثانياً: المأمول من الإخوة الأساتذة والمعلّمين أن يلتفتوا الى أنّ هؤلاء الطلبة أمانةٌ في أعناقهم، هؤلاء الطلبة فلذّات أكبادنا، أيّها الأساتذة في الجامعات أيّها المدرّسون أيّها المعلّمون هؤلاء الطلبة أمانة في أعناقكم، فالآباء والأمّهات بل المجتمع بأكمله قد سلّموا اليكم عقول وقلوب هؤلاء تصوغونها بما تشاءُهُ أفكاركم وتعاليمكم، فأعيدوا هذه الأمانة صالحةً بالمبادئ والخلق الرفيع -كما سُلّمت- مصونةً من الجهل والانحراف وتذكّروا أن مهمّتكم لا تقتصر على التعليم المهنيّ في مجال اختصاصاتكم، بل مهمّتكم هي التعليم والتربية على الأخلاق الفاضلة والمواطنة الصالحة معاً.

فلا ثمرةَ للتعليم بدون الأخلاق وتربية النفس على هذه القيم، والأستاذ الأكثر تأثيراً في طلبته هو الذي يبدأ بنفسه فيربّيها ويؤدّبها على محاسن الأخلاق ومحامد الصفات ويترجمها الى سلوك فعليّ أمام طلبته، ومن ذلك حسن التعامل مع الطلبة والتواضع لهم وعدم التعالي عليهم وسعة الصدر والتحمّل لهفواتهم وسلوكهم الخاطئ أحياناً، وذلك بإرشادهم بالحُسنى والموعظة الحسنة الى السلوك الصحيح وتنبيههم على ضرورة الاهتمام بأخلاقهم وسلوكيّاتهم كاهتمامهم بالحصول على الدرجات المتقدّمة في دروسهم، وهذا الكلام أيضاً نوجّهه اليكم يا أولياء الأمور للطلبة كما تهتمّون وتحرصون على أن ينال أولادكم الدرجات العالية في الدروس العلميّة والاختصاصية احرصوا واجهدوا أنفسكم في أن ينالوا المراتب العالية في الأخلاق وتربية النفس، فإنّ كلا الأمرَيْن مهمّان في حياتنا، وعلى المعلّم أن يحترم جميع الطلبة ولا يهين من لا يمتلك الذكاء العالي لتلقّي العلم، بل يعلّمه كيفيّة تطوير قابليّاته ليتقدّم في مسيرته العلميّة، وعليه أن يوضّح للطلبة -هذه نقطةٌ مهمّة أيضاً أرجو الالتفات اليها من أولياء الأمور ومن الطلبة ومن المعلّمين- وعليه أن يوضّح للطلبة أنّ النجاح في الدراسة...

أيّها الإخوة والأخوات ما هو معيار نجاحنا في الحياة هل أن ننال الدرجات العالية في دروس الرياضيات والفيزياء والكيمياء واللّغة وغير ذلك من الدروس الاختصاصية؟ أم إنّه أمرٌ آخر؟ النجاح في الحياة له مفهومٌ أوسع وأكبر وعلينا أن نوضّح هذا المفهوم للطلبة في المدارس وأن نوضّحه للجميع وهو أمرٌ مهمّ حتى ننجح ونسعد في حياتنا الدنيا والآخرة، وعليه أن يوضّح للطلبة أنّ النجاح في الدراسة مهمٌّ ولكنّه جزءٌ من النجاح الأكبر المطلوب في الحياة ألا وهو بناء العلاقة الصحيحة مع الله تعالى ومع بقيّة أفراد المجتمع، وامتلاك الشعور بالمسؤولية في أيّ موقع كان بعد التخرّج والقدرة على النجاح فيه، وبناء الأسرة الصالحة وخدمة المجتمع بصورةٍ صحيحة.

وهنا أودّ أن أُلفت النظر نحن نخاطب المعلّمين والأساتذة ونخاطبكم أيّها الإخوة والأخوات، فنحن نعيش تلك الحالة وهي أنّه كثيراً ما يأتي الطالب ويطلب منّا أن ندعو له بالنجاح في امتحانات الدراسة، والآباء والأمّهات حريصون على أن ينجح أولادهم في امتحانات الدراسة التخصّصية ولكن علينا أن نُفهم الطالب أنّ النجاح الأكبر المطلوب في الحياة -إضافةً الى النجاح في الدراسة التخصّصية- هو أن نبني العلاقة الصحيحة مع الله تعالى وأن نتعلّم كيف نبني أسرة صالحة، لا يكفي أن يكون الطبيب متفوّقاً في طبّه ولا يكفي أن يكون المهندس متفوّقاً في هندسته أو الفيزيائيّ في فيزيائيّته وغير ذلك، بل نحتاج الى طبيبٍ ينجح في بناء أسرةٍ صالحة ينجح في خدمة مجتمعه ومرضاه، والمهندس والمسؤول والسياسي أن ينجح في خدمة مجتمعه وأن يُدير الشؤون المكلَّف بها بنجاحٍ كبير، هذا هو النجاح الأكبر أمّا النجاح في الدراسة لوحدها دون تحقيق هذا النجاح الثاني فإنّه فشلٌ كبير، لذلك علينا أن نلتفت الى هذه المفاهيم ونغرسها في نفوس أبنائنا وجيلنا.

ثالثاً: تذكّر -أيّها الأستاذ أيّها المعلّم- أنّ لديك أبناء يُدرّسهم أساتذةٌ ومعلّمون مثلك، (المعلّم والأستاذ والمدرّس أيضاً لديه أبناء يدرسون في المدراس والجامعات) فأحسن التعليم والتربية لتلاميذك وابذل كلّ ما بوسعك للارتقاء بمستوياتهم العلميّة، يُقيّض الله تعالى لأبنائك معلّمين يُحسنون اليهم، فالجزاء من جنس العمل، وتذكّر أنّ بين يديك -أيّها المعلّم أيّها المدرّس أيّها الأستاذ- تذكّر أنّ بين يديك جيل المستقبل الذي هو أمل مجتمعك، فأشعرْهم بذلك وبثّ في روحهم العزيمة والهمّة والاندفاع للتعلّم وحبّب اليهم وطنهم، -أيّها الأساتذة أيّها المعلّمون حبّبوا للطلبة وطنهم وبلدهم- وأيقظْ فيهم النخوة والحميّة ليكونوا بناةً صالحين لهذا الوطن.

نلتفت أيّها الإخوة -كما قلنا- لا نحتاج فقط الى التفوّق في الدراسة، المواطن الصالح الذي إذا تسلّم مسؤوليةً في البلد همّه أن يخدم بلده هذا هو البناء العلميّ الصحيح..، ليكونوا بناةً صالحين لهذا الوطن وقادةً أمناء لهذا الشعب لا قادةً فاسدين، -هذا هو الغرض من التعليم والتربية ليكونوا بناةً صالحين لهذا الوطن وقادةً أمناء لهذا الشعب-، وتذكّر أنّ أوقات الدوام هي حقٌّ للطلبة والتلاميذ وعليك استفراغها لتعليمهم وتربيتهم وليس لك أن تنتقص من حقّهم شيئاً، إنّ تأخّرك عن الدوام ولو قليلاً أو خروجك من المدرسة قبل نهايته خلافاً للتعليمات أو غيابك عن بعض الحصص التعليميّة من دون عذرٍ يعتبر تخلّفاً عن عقد توظيفك، والوفاء بالعقود واجبٌ شرعاً وأخلاقاً.

وعليكم بالتواصل -أيّها الآباء والأمّهات- مع إدارات مدارس أولادكم فإنّه ضروريّ لنجاحهم وتقدّمهم وليس من الصحيح إهمال ذلك بعذر الانشغال بهموم الكسب والحياة، بل إنّ من أهمّ واجباتكم متابعة سلوك أولادكم وتوجيههم بالأسلوب الصحيح في علاقاتهم مع الآخرين، ماذا يقرأون؟ ماذا يشاهدون؟ مَنْ يصحبون؟ أيّها الآباء والأمّهات هؤلاء الأولاد مسؤوليّتهم في أعناقكم، تابعوا أولادكم كما تقضون الكثير من الوقت والجهد في التكسّب بأمور الدنيا، راقبوا أولادكم ماذا يقرأون؟ ماذا يشاهدون؟ من يصحبون؟ فهذه نقطة مهمّة، اسأل عن ولدك من يُصاحب من يُزامل من يُراقب من يخرج معه في اللّيل؟ وعن بنتك من تُصاحب ومن تُرافق ومع من تخرج؟ فإنّ الكثير من الأخلاق والسيرة لهؤلاء الشباب والبنات إنّما تُكتسب من خلال العشرة والمصاحبة، لذلك كما عليكم توفير مستلزمات المعيشة لأولادكم عليكم توفير مستلزمات التربية الصالحة والنجاح في الحياة الدنيا والآخرة، فإنّهم كما هم أمانةٌ في أعناق معلّميهم هم أمانةٌ في أعناقكم وأنتم مسؤولون عنهم.

أرشيف خطبة الجمعة الثانية، 23أيلول 2016م

2022/01/10
مواجهة ’خطر المخدرات’ مسؤولية الجميع

تنويه هام: النص من أرشيف خطب الجمعة

ظاهرة خطيرة بدأت بالانتشار والاتّساع في المجتمع، ألا وهي ظاهرةُ الاتّجار والتعاطي للمخدّرات التي تهدّد شريحة الشباب والأسرة العراقيّة والمجتمع العراقيّ، حيث يطرح عددٌ من المعنيّين في الشأن الأمنيّ والأخلاقيّ والاجتماعيّ أنّ هذه الظاهرة من حيث الاتّجار والتعاطي بدأت بالانتشار بصورةٍ كبيرة، ويُصاحبها أيضاً عدم الالتفات والتنبّه لخطورتها وعدم الاهتمام الكافي بمعالجتها.

[اشترك]

هذا الانتشار وهذا والترويج لهذه الآفة الخطيرة في الواقع تُهدّد المجتمع خصوصاً شريحة الشباب في حاضرهم ومستقبلهم، المشكلة كما بيّنّا أنّه حينما تكون لدينا ظاهرة خطيرة تُهدّد المجتمع ولكن هناك تنبّه وهناك التفات الى خطورتها، وهناك اهتمام كافي بمعالجتها فهذا يخفّف من المشكلة ويحدّ منها ويمكن أن يعالجها، ولكن مثل هذه الظاهرة الخطيرة التي سنذكر بعضاً من آثارها الخطيرة والمدمّرة والفتّاكة للأسرة والمجتمع والشباب، حينما لا يترافق مع انتشارها واتّساعها الالتفات والتنبّه الى مخاطرها العظيمة في مختلف مجالات الحياة، إخواني هذه الظاهرة ليست مخاطرها على الجانب الصحّي فقط بل على الجانب العقليّ والثقافيّ والفكريّ والأخلاقيّ والصحّي والنفسيّ خصوصاً لطبقة الشباب، وبالتالي عندما لا يكون هناك تنبّه وعدم اهتمام من الجهات المعنيّة بالمقدار الكافي للحدّ من هذه الظاهرة ومعالجتها، حينئذٍ هذه الظاهرة الفتّاكة تُنذر بكارثةٍ خطيرة على المجتمع العراقيّ في مختلف مجالات الحياة، خصوصاً إذا لاحظنا وتتبّعنا أنّها تستهدف شريحة الشباب، هؤلاء الشباب هم عماد الأمّة وهم أمل الأمّة في مستقبلها الذي ينشدونه، لذلك حينما تستهدف هذه الظاهرة هذه الشريحة فإنّها في الواقع تُنذر بكارثةٍ خطيرة على المجتمع، بل تُعدّ الآن من أكثر المشاكل الاجتماعيّة خطورةً لما لها من آثارٍ في مختلف مجالات الحياة.

وهنا إخواني نتعرّض الى أسباب هذه الظاهرة وما هي طرق العلاج؟ ومن هي المؤسّسات المعنيّة بالاهتمام بمعالجة هذه الظاهرة؟ هذه الظاهرة لها بُعدان خطيران، البعد الأوّل هو المتاجرة بها، حينما نجد بعض ضعاف النفوس -وهم كُثرٌ في الوقت الحاضر- يحاولون الحصول على الكسب السريع للمال الكثير من خلال الاتّجار والترويج لهذه المخدّرات بكلّ أنواعها، الفئةُ الثانية -وهي الضحيّة- الأشخاص الذين يتعاطون ذلك لأسبابٍ عديدة وسنذكر بعضاً منها، هنا نحتاج الى علاجين يترافقان معاً، علاجٌ للاتّجار والترويج لها وعلاجٌ للتعاطي، لابُدّ أن يترافق الحلّان معاً.

نأتي الى ذكر بعض هذه الأسباب، لماذا اتّسعت هذه الظاهرة الآن وانتشرت بهذا الشكل الذي يعتبر مخيفاً الآن في الواقع ويُنذر بكارثةٍ خطيرة خصوصاً على مستوى الشباب؟ السبب الأوّل هو ضعف الرّادع القانونيّ، وهذا له سببان رئيسيّان، الأوّل عدم وجود كفاية في الردع من القوانين والتشريعات التي شُرّعت لمكافحة هذه الظاهرة، السبب الثاني هو عدم فاعليّة الأجهزة التنفيذيّة المكلّفة بالحدّ من هذه الظاهرة ومعالجتها، لا لقصورٍ في الرجال المتصدّين لمعالجة هذه لظاهرة وإنّما لأسبابٍ متعدّدة، كما ذكر بعضُ المختصّين في هذا الجانب عدم إعطاء الحريّة الكافية والوسائل والصلاحيّات المناسبة للجهات التنفيذيّة لمعالجة هذه الظاهرة، أيضاً قصور الأجهزة والوسائل التي تُعطي القدرة لهذه الأجهزة التنفيذيّة أن تكتشف هذه الموادّ وتعالجها وتحاول أن تضع حدّاً لها منذ البداية، وهذه قضيّةٌ مهمّة وهي تدخّل بعض الأطراف النافذة في صلاحيّات وعمل هذه الأجهزة التنفيذيّة كما ذكر ذلك بعضُ المختصّين والمعنيّين، هذه الأمور تؤدّي الى ضعف الرّادع القانونيّ لمثل هذه الجريمة الخطيرة.

الأمر الثاني والمهمّ هو السببُ الاقتصاديّ -الفقر والبطالة-، البعض يُحاول أن يجني الكسب السريع والمال الكثير من خلال الاتّجار بهذه المادّة، عدم توفّر أنشطة اقتصاديّة كافية، والفقر والبطالة الذي يؤدّي عند الكثير من الشباب مثل بعض الخرّيجين الذي أتعب نفسه وحصل على الشهادة الدراسيّة، حينما لا يجد فرصةً للعمل ويجد مصيره مجهولاً ومستقبله مجهولاً، هذا في الواقع الكثير من الشباب ربّما ليست لديهم شهادات دراسيّة، لكن لا يجد فرصةً للعمل ويعيش -كما نرى- أجواءً اقتصاديّة ومعيشيّة ونفسيّة ضاغطة ربّما تؤدّي به الى القلق والكآبة والإحباط النفسيّ، لهذه الأسباب بالنتيجة يؤدّي به ذلك الى أن يتعاطى هذه الأمور التي يشعر أنّها تُبعده عن هذه الأجواء.

ومن الأمور المهمّة أيضاً التي نخاطب بها الأُسر هي العوامل الاجتماعيّة، ونقصد بالعوامل الاجتماعيّة رُفقاء السوء، الكثير من الشباب والكثير من الشباب والفتيات الذين يرافقون رفقاءَ السوء يوقعونه في مثل هذه الأمور، كذلك المشاكل الأسريّة والاجتماعيّة التي يعيشها بعضُ الشباب داخل الأسرة تؤدّي به الى أن يحاول الهروب من هذه الأجواء الى أجواء أخرى، يشعر أنّه ينعم فيها بالراحة والابتعاد عن هذه الأجواء الضاغطة، وأيضاً الحرّية المطلقة وفي الواقع البعض لم يفهم معنى الحريّة الحقيقيّة، أي هناك سوءُ فهمٍ وهناك سوءُ ممارسةٍ لهذه الحرّية وهناك سوء استغلال واستعمال للأموال التي تتوفّر للكثير من الشباب والناس، هذه الحريّة المطلقة مثل توفّر بعض وسائل التنعّم والترفّه والأموال الكثيرة تدفع البعض من الناس الى هذه الممارسات.

قلّة الوعي الثقافيّ والصحّي والتربويّ، إخواني التفتوا الى هذه القضيّة، نحن نحتاج في الواقع ابتداءً من الأسرة الى المدرسة الى الجامعة الى مؤسّسات المجتمع المدنيّ الى المؤسّسات التربويّة، الى وسائل الإعلام الى الفضائيّات الى وسائل التواصل الاجتماعيّ، أن تكون هناك حملة توعية تتناسب مع حجم انتشار وتوسّع هذه الظاهرة، يعني أن ترافق هذا الانتشار والتوسّع حملة توعية واسعة، لاحظوا إخواني من الآثار الخطيرة لهذه الظاهرة أنّها تُذهب عقل الإنسان وأنّها تُميت فيه الرؤية الواضحة لعواقب الأمور، وتُميت الغيرة عند هذا الإنسان والحياء، بحيث أنّنا نقرأ أحياناً أنّ البعض ممّن يتعاطى هذه الأمور قد يعتدي جنسيّاً على محارمه، وقد يؤدّي به الحال الى أن يقتل بعض أفراد عائلته وأن يرتكب أعمالاً قبيحة، لذلك نحن نحتاج في الواقع من جميع المؤسّسات التي من وظائفها ومن مهامّها أن تقوم بدور التوعية والتثقيف للمخاطر الكبيرة لهذه الظاهرة، أن تقوم بدورها في ذلك وأن تحاول على الأقلّ الحدّ من هذه الظاهرة بصورةٍ كبيرة.

أيضاً من الأمور الأخرى عدم الاهتمام الكافي من مؤسّسات الدولة المعنيّة لمعالجة هذه الظاهرة، هناك مؤسّسات كثيرة في الدولة معنيّة بمعالجة هذه الظاهرة، عدم وجود اهتمام ومعالجات وإجراءات بما يكفي للحدّ من هذه الظاهرة طبعاً مردّ ذلك الى أسباب عديدة، منها انشغال الطبقة الحاكمة في الصراعات والتجاذبات السياسيّة والمصالح الخاصّة، ذلك يشغلها عن القيام بمهامّ أخرى ومن جملتها هذه المهمّة الخطيرة التي ينبغي لهذه الأجهزة أن توليها اهتمامها، وأبيّن لكم إخواني من هي الجهات المسؤولة عن المعالجة، كلُّنا معنيّون بمعالجة هذه الظاهرة وكلٌّ من موقعه عليه أن يؤدّي الدور الذي ينبغي عليه أمام الله تعالى وأمام المجتمع، مسؤوليّةُ الأسرة تأتي بالدرجة الأولى في هذه الظاهرة وظواهر أخرى في المجتمع، ويأتي دورها في مراقبة أبنائهم وتوجيههم وتوعيتهم وإبعادهم عن رفقاء السوء، التفتوا أيّها الآباء أيّتها الأمّهات والإخوة والأخوات.. راقبوا أبناءكم وبناتكم مَنْ يرافقون؟ مَنْ يصاحبون؟ مَنْ يعاشرون؟ هذه من المسؤوليّات الأساسيّة للأسرة وهي إبعادُهم عن رفقاء السوء والأجواء المساعدة للوقوع في فخّ هذه الظاهرة الخطيرة، والحرص على تربية الأولاد وعلى الانشغال بالتعليم والنشاطات المفيدة وتوفير أجواء الثقة والاحترام لأولادهم والتواصل معهم وبناء علاقة حميمة وصداقة مع الأولاد، ينبغي أن تكون الأجواء التربويّة في داخل البيت مبنيّة على الاحترام والتقدير لهؤلاء الأولاد والبنات، بناء علاقة الأبوّة والأمومة الحقيقيّة وبناء علاقة الصداقة مع هؤلاء بحيث تنفتح عليهم وتعطيهم الثقة بالنفس، وتسأل عن مشاكلهم وما يعانونه وما هي الحلول لهذه المشاكل بعيداً عن أجواء التسلّط والأساليب التي تؤدّي الى بحث الأولاد عن علاقاتٍ خارج الأسرة تضرّهم وتأخذ بهم الى الهلاك.

ثانياً مسؤوليّة المدرسة والجامعة والمؤسّسات التربويّة في التحذير من مخاطر هذه الظاهرة والاهتمام بترسيخ القيم والمبادئ الصالحة، وإشعار الفرد والمجتمع بأنّ للأخلاق والمبادئ الحسنة دوراً مهمّاً جدّاً في الحياة كما للعلوم الأكاديميّة دورها، وتوجيه المؤسّسات الإعلاميّة والثقافيّة للفت نظر الشباب والمجتمع لخطورة هذه الظاهرة، واستخدام أساليب مؤثّرة في توعية المجتمع والشباب خاصّة.

أيّها الإخوة في الجامعات والمدارس وفي كلّ مكان، كما علينا أن نهتمّ بهذه الدروس الأكاديميّة والعلوم الأكاديميّة التخصّصية، علينا أن نهتمّ بنفس المقدار بالمبادئ والأخلاق والقيم الصالحة، ونربّي شبابنا على هذه المبادئ والاهتمام بها.

ثالثاً اهتمام مؤسّسات الدولة المعنيّة بتوفير فرص العمل لأجيال الشباب، الذين يزداد عددُ العاطلين منهم سنةً بعد سنة، وذلك بفتح المجال وتوفير مقوّمات تفعيل القطّاع الخاصّ لامتصاص المزيد من العاطلين وتوظيف الأموال بصورةٍ صحيحة.

رابعاً دعم الأجهزة الأمنيّة والمختصّة -الصحيّة والتوعويّة- لأداء دورها في معالجة هذه الظاهرة وعدم التدخّل في عملها، وتطبيق القانون الخاصّ بمعالجة وردع الأفراد المتاجرين بهذه الموادّ السامّة والقاتلة، وتشريع القوانين التي تمكّنها من قوّة الردع والمحاسبة ممّا يحدّ منها بصورةٍ كاملة.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لما يحبّ ويرضى وأن يحفظ مجتمعنا من شرّ هذه الأمور، إنّه سميعٌ مجيب والحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

المصدر: أرشيف خطب الجمعة لممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي

 (1 آذار 2019م)

2021/12/30
فوضى الحرية: بلد لا يحترم ’ العلم والتخصص’ تعصف به المشاكل!

تنويه هام: النص مقتطع من أرشيف خطب الجمعة

هناك بعض الأشياء قد تكون أشياء فرديّة وضررُها يُقيّد بالفرد، وهناك أشياء تكون عامّة ولا شكّ أنّ الضرر سيتّسع وستبدأ مشاكل جمّة إذا انتشرت هذه الظاهرة، والإنسان عليه أن يكون صريحاً خصوصاً إذا تنبّأ وتوقّع أنّ بعض المشاكل قد تبدأ الآن صغيرة لكنّها قد تنمو وتكبر، والذي سيدفع الثمنَ الكثيرُ من الناس، حتّى الذي لا يرضى بهذا الفعل سيدفع الثمن، باعتبار أنّه غضَّ النظرَ أو سكَتَ أو لم يكترثْ أو كان بسيطاً أو ساذجاً لم يعِ حجم المشكلة على اختلاف المشارب، بالنتيجة الواقع لا يتبدّل إذا كانت المشكلةُ فعلاً موجودة فستصل الآثار السلبيّة لها، وأيضاً إذا كان الواقع واقعاً جيّداً وواقعاً خيّراً أيضاً سيعمّ هذا الخيرُ على الجميع، حتّى على الذي لا يلتفت له.

[اشترك]

موضوعة الحياء من المواضيع المهمّة التي أصبحت تهدّد مجتمعنا لفقد الأساليب التربويّة الناجحة للنشء، وهذه القضيّةُ -كما نوّهنا- قطعاً لا تُحلّ بخطبةٍ أو محاضرةٍ أو ما أشبه، وإنّما تحتاج الى قراراتٍ وتحتاج الى رعايةٍ اجتماعيّة للحفاظ على هذا البناء المجتمعيّ المهمّ.

نتحدّث اليوم عن مصطلح فَلْنسمِّهِ (الحياء الفكريّ) ما معنى الحياء الفكريّ؟ أو الحياء العلميّ؟ وهذا يختلف عمّا سبق ذكرُه في الأوّل وهو الحياء العرفيّ، الإنسان الذي لا يستحي، وبعض الأحاديث تقول: (إذا كنت لا تستحي فافعلْ ما شئت)، لأنّ الحياء حالةٌ من الكوابح أمام النفس تمنع النفس من أن تُعطى قيادها، الإنسان الذي يستحي لا يفعل ما يشاء، والحديث يقول: إذا كنت لا تستحي فافعل ما شئت، باعتبار أنّ هذه نتيجة لعدم الحياء، الإنسان يتجاوز على الآخرين ويظلم ويكذب ويتصرّف أمام الناس تصرّفاتٍ تدلّ على عدم المبالاة بهم، وهذا كلّه ناشئٌ عن هذا المرض الخطير وهو عدم الحياء.

هناك حياءٌ من نوعٍ خاصّ هو الحياء الفكريّ، أي أنّ الإنسان عليه أن يحترم الفكر وعليه أن يحترم العلم، فإذا كان لا يحترم العلم والفكر معنى ذلك أنّ هذا الرجل ليس لديه حياءٌ علميّ وفكريّ، وإنّما يتخبّط تخبّط عشواء في أمورٍ هو ليس من فرسانها، لا يفقه فيها أيّ شيءٍ وتجده يخوض غمارها وهو جاهل، وأسلوبه أيضاً ينمّ عن جهلٍ، ومن الصعوبة بمكانٍ أن تُقنع جاهلاً، والجاهلُ قد تتعب معه ولا تصل الى نتيجة، وخصوصاً إذا كان لهذا الجاهل أتباعٌ مثله، وهذه مشكلةُ الناس إمّا عالمٌ ربّاني أو متعلّمٌ على سبيل نجاة أو همجٌ رعاعٌ على تقسيم أمير المؤمنين(عليه السلام)، ثمّ يعرّف الفئة الأخيرة فيشير ويقول: ينعقون مع كلّ ناعق، المشكلة هذه، لاحظوا الآن المجتمع فيه مشكلة اقتصاديّة، وفيه جوانب هندسيّة وفيه جوانب تجاريّة وفيه جوانب ثقافيّة وفيه جوانب فكريّة، والجوانب الثقافيّة والفكريّة أيضاً فيها جوانب دينيّة وفيها جوانب غير دينيّة، وهذه طبيعة أيّ مجتمعٍ عندما نفقد الحياء الفكريّ، أي لا نحترم العلم فنتخبّط، وهذا الحديث سواءً كان لدولةٍ تسمعه أو لمؤسّساتٍ تسمعه، العشائر تسمعه، المجتمعات تسمع، والأُسَر تسمع، والمدارس تسمع، عندما لا نحترم الجانب الفكريّ والجانب العلميّ نتخبّط، ولعلّ من أكثر الأشياء عرضةً لهذا هو الجوانب الدينيّة، الجوانب الدينيّة عرضة الى الكلام غير المربوط والكلام غير الدقيق، وتجد أنّنا نمتلك الجرأة على أن نتحدّث في الجوانب الدينيّة بكلّ شيء، قد لا نمتلك هذه الجرأة في الجوانب الهندسيّة مثلاً، أو لا نمتلك الجرأة في الجوانب الطبّية، لأنّ الناس ستُشكِلُ علينا، أنت مهندس؟ نقول: لا، أنت طبيب؟ لا. إذن هذا الأمر اجعله للأطبّاء، إلّا القضايا الدينيّة سمحنا لأنفسنا أنّ كلّ أحدٍ منّا يُمكن أن يتدخّل فيها، وللأسف البعض منّا فقد هذا الحياء الفكريّ، لماذا؟ أمام الطبّ يقف لأنّه إذا تكلّم بغير لُغَة الطبّ يُستهزأ به، أمّا في القضايا الدينيّة أبحنا لأنفسنا أنّنا نتكلّم بكلّ شيءٍ دينيّاً.

ونحن نلفت نظر الإخوة الى قضيّةٍ قد تكون غائبةً، البعض يتصوّر أنّ المسائل الدينيّة والعلوم الدينيّة سهلة، القضيّة قد أكون خارج الحديث لكن فقط للإلمام وهذا حقٌّ تاريخيّ لعلماء علينا، المسائلُ الدينيّة إخواني من أعقد المسائل، فهْمُ الأدلّة الشرعيّة من أعقد الأشياء، الإنسان ليس بالضرورة مع الدرس والتدريس يصلُ الى المراتب العالية التي تُبيح له أن يستنبط الحكم الشرعيّ، أيّ علمٍ من العلوم الآن واقعاً هي أدقّ منه، وفيها تخصّصات دقيقة جدّاً، أنت لا تعتقدْ أنّ الرسالة العمليّة للعالِم كتبها بين ليلةٍ وضحاها، إنّما أفنى عمره الشريف في سبيل أن يكتبها والبعض يتردّد في أن يكتبها، لأنّه يرى نفسه الى الآن هو غير قادر، ويشكّ أنّه مؤهلٌ أو لا، ويأتي أحدٌ بكلّ جرأة وبساطة يُشكِل ويُشكِل ويُشكِل وهو أقرب الى الاستهزاء منه الى المطلب العلميّ، هذا لا يتعلّق إخواني بالمسائل الدينيّة بل يتعلّق بالجميع، لكن مشكلتنا نحن أبحنا لأنفسنا أن نرفض التدخّل في تلك العلوم ونقبل التدخّل في هذه العلوم، وتجد هناك تجاوزاً على رموزٍ وعلى أئمّةٍ وعلى علماء بشكلٍ استسهلنا هذا اللّون من عدم الحياء، الإنسان لو يملك الحياء العلميّ والحياء الفكريّ سيقف ويحترم نفسه، فالذي يملك الحياء يمتلك الاحترام، أنا لابُدّ أن يكون لديّ حياءٌ علميّ فأحترم العلم، ولابُدّ أن يكون لديّ حياءٌ فكريّ فأحترم الفكر، أما إذا كنت لا أملك هذا الحياء سأتخبّط تخبّط عشواء وأكون أضحوكةً، والذي يُساعدني ويُثني على قولي هو مثلي لا يملك هذا الحياء، الذي يملك الحياء يقف يقول: هذا حرام لا يجوز أن أتعدّاه، أنا لست من هذا اللّون وأنا أحترم اختصاصي، وإذا كنت أحترم اختصاصي عليّ أن أحترم اختصاص الآخرين، أنا قلتُ سابقاً والآن أكرّر ويعلم الله أنا حريصٌ جدّاً على شبابنا وعلى أبنائنا وعلى بناتنا، من أن ينزلقوا منزلقاتٍ خطيرة نتيجة عدم تورّع وعدم حياء البعض في أن يلقّنهم معلوماتٍ بعيدةً عن الواقع.

الإنسانُ في بداية حياته هناك الكثير من الأشياء لا يقتنع بها، لكن بمقتضى تطوّر العقل بعد عشرين أو ثلاثين أو خمسين سنة يكتشف أنّ نفسه كانت خاطئة، قال: أنا كنت أُشكِل سابقاً والخطأ عندي، أنا لم أفهم لأنّ وعيي ونضجي لم يؤهّلني الى أن أفهم، لكن خلال هذه الفترة عليه أن يحترم قدراته وأن يحترم قابليّاته، بعض المشاكل تؤدّي الى هلاكٍ اجتماعيّ والى فسادٍ اجتماعيّ، نتيجة الجري مع نكراتٍ ومجهولين يتطاولون على الكثير من ثوابتنا ومبانينا، ونحن بصراحة نقول: لو أنّ هؤلاء لم يجدوا من يسمعُ لهم لَما نَمَوا، المشكلةُ أنّهم يجدون من يسمع لهم، أنا الآن لم أسمع أحداً يتطفّل على الطبّ أو يجعل هناك مكاناً كبيراً ويقول أنا أداوي وأُعالج الناس، سيُكتشف أمرُه والناس أصلاً سينفرون، نعم.. بعضُ الناس قد تأتي مع بعض الدجّالين الذين -مثلاً- يسهّلون العلاجات، وهذه مشكلةٌ أخرى سأتحدّث عنها في وقتٍ آخر، لكن كلّه يرجع الى الجهل، الوعي -إخواني- خصوصاً الإدراكات والوعي الفكريّ والثقافيّ مانعٌ من أن ينخرط المجتمع في المهاوي، اقرأوا الآن هناك أساطير تحكم بعض البلاد، القضيّة مبنيّة على أساطير، تجد هذا المجتمع لا يفهم ماذا يريد، الإنسان عندما يعي ما يفهم وعندما يفكّر سيقف الوعيُ مانعاً، هذه الآيات الشريفة الآن نحن عرب ونفهم اللّغة العربيّة، والقرآن الكريم جاء بلغة العرب، بعض الآيات الشريفة الإنسان يقضي وطراً كبيراً حتّى يفهم بعض ما تشير له الآية الشريفة، ونحن نسمع مَنْ يقول هناك خطأٌ في القرآن الكريم! حقيقةً عندما أقرأ كلام هذا الذي يُخطّئ القرآن الكريم واقعاً أجد كلامه يُضحك الثكلى، لأنّه لا يفهم شيئاً في اللغة ويريد أن يُخطّئ القرآن الكريم!

القرآن نزل بلغة العرب عند العرب الأقحاح الذين كانوا لا يتكلّمون إلّا اللغة العربّية، يتنفّسون الأدب وكلامهم حكمة، هم هؤلاء عجزوا عن ذلك وأنت الآن مجرّد أن تدرس كلاماً أو كلامين تُشكِل على القرآن وتُضحك الآخرين عليك؟!، نعم.. قد يميل معك الذي يكون على شاكلتك، أو أنت تأتي لمقدّساتٍ تستهزئ بها بطريقةٍ مجّة، لا تحترم نفسك ولا عندك حياء لمجرّد أنّ هذا الشيء في ذهنك لابُدّ أن تتفوّه به؟!! هل يُعقل هذا أن نصل الى حالةٍ نحن لا نحترم قيمنا ولا نحترم مبادئنا ولا نحترم مقدّساتنا؟ بدعوى من الدعاوى التي تكلّمنا عنها سابقاً.

نحن قلنا –اخواني- لابُدّ أن تلتفتوا لمميّزٍ مهمّ وأرجو الالتفات له، لتسمع الدولة وتسمع المنظّمات وكلّ أحدٍ يسمع، لابُدّ أن تميّزوا بين الفوضى والحريّة، وهذا الذي يجري هو بسبب الفوضى، ما جدوى أن نتكلّم كلاماً إذا كان لا يترتّب عليه أثر؟، هذا الذي أوصلنا الى ما نحن فيه هو وجودُ الفوضى، أنهوا الفوضى.. لا تقدرون على أن تُنهوا الفوضى؟! أنهوا الفوضى وأبدلوها بحريّة، فالحرّية لها ضوابط -كما قلنا- والحريّة لها أصول ولها قيم ونحن أبناءُ الحريّة، الله تعالى خلقنا أحراراً ونحن نريد الحرّية لا نريد الفوضى، الفوضى فيها مهالك، على الإنسان أن يحترم ويكون عنده هذا الحياء الفكريّ والحياء العلميّ، أنا عندما أناقش رجلاً عالماً لابُدّ أن أتسلّح بشيءٍ حتى أكون بمستوى النقاش.

واقعاً -إخواني- أنتم لا تعرفون طريقة الحوزات المباركة أينما كانت، في طريقة التلقّي والدرس والجهد، البعض يتعب ولا يتحمّل الجهد فيحتاج الى مران ويحتاج الى توفيق، حتّى يخرج عالماً يحمل علوم آل محمد بعد أن يقضي سبعين أو ستّين عاماً، الأمرُ ليس سهلاً -إخواني- هذه أمانةٌ أُلقيها من عنقي لكم لابُدّ أن تحافظوا على المقدّسات، إخواني حافظوا على المقدّسات وحافظوا على القيم وحافظوا على الحياء الفكريّ والحياء العلميّ، علينا أن لا نبيح لأنفسنا أن نتدخّل في كلّ شيء ونرفض كلّ شيء وننقد كلّ شيء، المشكلة أنّ بعض الشباب وقعوا في فخٍّ، يناقش ويناقش وعندما يصل الى الطبّ يسكت، وعندما يصل الى الهندسة يسكت، لذلك وقعنا في مشاكل إخواني.

هذا قولي وهذه نصيحتي لنفسي قبل أن تكون لكم، لكن يعلم الله أنّ ما يمرّ به شبابُنا وتمرّ به بناتنا أمرٌ يحتاج الى جهدٍ منّا جميعاً، إخواني هؤلاء الشباب هم بذرةُ البلاد وهؤلاء هم أملُ البلاد فلْيُربّوا تربيةً سويّةً صالحةً مؤمنةً فاضلة تنفع البلد، فهؤلاء هم من سيبنون البلد، إذا لم يكن فكرُ الإنسان مستقيماً كيف له أن يبني بلده؟!، الفكرُ المعوجّ لا يحقّق بناءً مستقيماً، فهذا مستحيل ولا يُمكن أن يكون.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا في بلدنا كلّ خيرٍ وأن يحفظ شبابنا ويحفظ بناتنا ويحفظكم جميعاً في أهلكم ومتعلّقيكم، ونأمل من الله سبحانه وتعالى أن تنتهي الفوضى ويحترم بعضُنا بعضاً، سائلين اللهَ تبارك وتعالى التوفيق للجميع بمحمّدٍ وآله، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

المصدر: أرشف خطب الجمعة لممثل المرجعية الدينية السيّد أحمد الصافي

الجمعة (5 نيسان 2019م).

2021/12/29
ذكريات الجمعة: تجنّبوا العنف.. هكذا نواجه ’المسيئين’

إن الإسلام حرص على إقامة الروابط والعلاقات الاجتماعية المتماسكة بين المؤمنين المنتمين إليه لكي يحفظ هذا الحرص الشديد من الإسلام على إقامة علاقات اجتماعية متماسكة، وليحفظ للمجتمع تماسكه وقوته حتى يستطيع أن يواجه المشاكل الداخلية والخارجية والتحديات والمصاعب التي يمر بها الفرد والمجتمع.

[اشترك]

وفي نفس الوقت يعطي القدرة للفرد والمجتمع للنهوض بأعباء التنمية والتطور والاستقرار والازدهار، في نفس الوقت حذّر من المخاطر الكبيرة في الدنيا والآخرة من التحديات والخروقات وعدم الالتزام بالمنظومة الاجتماعية، منظومة التعايش الاجتماعي.

لفد بيَّنا أن التعايش الاجتماعي والثقافي يكون بين مكوّن له دين مع مكوّن له دين آخر وبين مكوّن له انتماء قومي معين مع مكون له انتماء قومي آخر وبين مكوّن له انتماء مذهبي مع مكون له انتماء مذهبي آخر.

هناك مخاطر تؤدي الى ضعف التماسك الاجتماعي بحيث لا يستطيع الفرد او المجتمع أن يواجه المشاكل والمصاعب الداخلية والخارجية ولا يستطيع الفرد او المجتمع أن ينهض بأعباء المهام من التطور والازدهار والاستقرار وغير ذلك. وذكرنا جملة من الأمور المهمة التي تهدد العلاقات الاجتماعية، وكانت منها: مسألة التعصب والنظرة الفوقية والاستعلاء على الاخرين، وسنذكر الآن جملة من الامور التي تهدد التعايش الاجتماعي، ومنها: (استخدام اسلوب العنف في التعامل مع الاخرين).

إن الانسان عادة قد يواجه اختلافات ونزاعات ومشاكل اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، وقد يواجه مشاكل في داخل الأسرة او المدرسة او الوظيفة او المجتمع. وقد تحصل احتكاكات مع الافراد في المجتمع أو اختلاف مع الاخرين في المواقف والآراء، يصل أحيانا الى مرحلة التجاوز عليه من قبل الآخرين، فما هو الأسلوب الإسلامي الذي لو تعامل به الإنسان مع الآخرين في مختلف هذه القضايا لتمكن من الحفاظ على قوة العلاقة والارتباط مع الاخرين ولو نهجَ أسلوباً آخر لأدّى به الى توتر العلاقة وحصول التصادم وحصول نتائج غير محمودة.

في أغلب الأحيان يلجأ الإنسان الى الأسلوب العنيف، فيكون تارة بالكلام وتارة بأسلوب الخطاب وتارة بالتصرّف.. فيكون الانسان على قسمين، قسم قادر على ضبط انفعالاته وعواطفه ومواقفه تجاه هذا النزاع والمشكلة، وقسم يلجأ الى الأسلوب العنيف حتى في الكلام وفي مواجهة مشاكله، فيرد عليها بأسلوب عنيف بعيد عن ضبط المشاعر والأعصاب. والإسلام حذّر من استخدام هذا الاسلوب؛ لأنه يؤدي الى تعقيد المشكلة والى صعوبة الحل وربما يواجه بأسلوب مماثل من العنف فيؤدي ذلك الى تعقيد اكثر.

أحيانا قد تكون المشكلة بسيطة ولكن أسلوب العنف الذي يستخدم يحوّل القضية الى أمر معقّد ويصعب حلّه. والإسلام اعتبر ضبط ردود الأفعال والمشاعر والعواطف جهاد للنفس والجهاد الأكبر، واعتبر الجهاد بالسلاح الجهاد الاصغر؛ لأن الآثار المترتبة على عدم ضبط المشاعر وردود الفعل خطيرة جداً.

لذلك ومن أجل الحفاظ على هذا التماسك الاجتماعي يدعو الإسلام للتعامل بهدوء مع هذه الاختلافات والمشاكل والنزاعات مع الآخرين.

الأمر الاخر الذي يهدد سلامة العلاقات الاجتماعية هو استخدام الحوار السلبي والنقد غير البنّاء.

يعتبر الحوار من أهم الاساليب وأفضل الآليات للتعايش الاجتماعي الإيجابي، فمن الأساليب المهمة والفعّالة في معالجة وإصلاح العيوب والزلّات والعثرات وتصرفات الآخرين هو النقد البنّاء.

ما معنى النقد البنّاء؟ اذا شاهد الإنسان عند أحد الأشخاص زللًا او خطأ، عليه ان يؤشر له ويبّين له أن هذا خطأ، ولكن على أن يكون هذا التأشير موثوقاً ودقيقاً غير مبني على التسرع والأخذ بظواهر الأمور ويحكم وفق ظواهر الأمور. لابد أن يكون النقد بنّاءً ولابد أن يكون التأشير أمراً موثوقاً به ومتأكداً منه. وطرح النقد بأسلوب لا ينتقص فيه من الآخرين ولا يحط من شأنهم العلمي والاجتماعي وهذا من الأساليب الحيوية لتنبيه الآخرين على عيوبهم وزلاتهم وعثراتهم وإصلاحها.

من المؤسف أن نرى في الغالب أن ثقافة الحوار والنقد البنّاء غائبة عن أوساطنا الثقافية والاجتماعية والسياسية، ففي كثير من الأحيان لا يكون الحوار موضوعياً ولا يكون مبنياً على أسس علمية ويكون حواراً سطحياً. فلابد أن يكون الحوار بيني وبين الآخر حواراً موضوعياً علمياً، واذا كان هناك نقد فيجب أن يكون غير مبني على إظهار عيوب وزلاّت الآخرين.

لذلك ننصح في الحوارات والندوات التي تقام في الفضائيات او الندوات العامة او الجلسات الاجتماعية، وغيرها. أن يكون الحوار علمياً دقيقاً مبنياً على الأدلة والعمق، وفي نفس الوقت اذا كان هنالك نقد ويُطرح من خلال وسائل يشاهدها ويسمعها الكثير من الناس فلابد أن يكون هذا النقد مبنياً على الوثوق والتأكد، وأن يكون الأسلوب الذي يستخدم لا يجرح مشاعر الاخرين، ولا ينتقص من شخصيتهم او يستهين بهم.

ومن الأمور التي تهدد سلامة العلاقات الاجتماعية هو هتك حرمة الآخرين والاستخفاف بهم وتحقيرهم.

إن للمؤمن حرمة عظيمة عند الله تعالى حياً وميتاً، حاضراً وغائباً، وقد حثت الأحاديث على إجلال المؤمنين بعضهم لبعض، واحترامهم وتوقيرهم والتواضع لهم ونهت بشدّة عن أي أسلوب فيه استهانة او استخفاف او تحقير او توهين او انتقاص، واعتبرت ذلك من الاستخفاف بالدين؛ بياناً لمنزلة المؤمن وموقعه في نظر المشرع الاسلامي، إذ ورد في الحديث الشريف (من عَظَّمَ دينَهُ عَظَّمَ إخوانَهُ، ومَنِ استَخَفَّ بِدينِهِ استَخَفَّ بِإِخوانِهِ).

ولكن نجد أن البعض يتتبع عورات الاخرين وزلاتهم وعثراتهم ويذكرها أمام الآخرين او ينتقص من شأنهم او يصدر عنه فعل او قول او نظرة فيها احتقار او ازدراء او استخفاف بالآخرين او طعن بشخصيتهم الاجتماعية، مما ينشأ عنه الحقد والعداوة والتقاطع الاجتماعي.

ومن الأمور التي تهدد سلامة العلاقات الاجتماعية هي (فلتات اللسان والتسقيط الاجتماعي)

فلتات اللسان من قبل الغيبة والنميمة والفحش والسب والبهتان والافتراء والكلام البذيء الذي يصدر عن الانسان وهذا قد يؤدي الى الحط من المنزلة الاجتماعية للمؤمنين، فحينما يغتاب الانسانُ إنساناً آخر تكون النتائج ما يأتي:

أولاً: إن الله تعالى يريد منك ان تُحب أخاك واذا اغتبت الآخر تتبدل مشاعر الحب بمشاعر البغض والكراهية.

ثانياً: هذا يؤدي الى تسقيطه اجتماعياً بحيث لا تبقى له منزلة والتسقيط الاجتماعي يؤدي الى المقاطعة الاجتماعية من قبل الآخرين لهذا المؤمن الذي اغتبته او حصلت النميمة عليه، والمقاطعة الاجتماعية تؤدي الى أن يعيش أخوك المؤمن حالة من العزلة الاجتماعية والى أن يعيش الإنسان حالة من الهم والغم والشعور بهذه العزلة التي تعرقل عليه تحصيل مصالحه المعيشية والاجتماعية.

كل هذه الآثار هي نتائج لزلّات الانسان. لاحظوا كيف أن هذه الآثار تنتقل في المجتمع، بينما يريد الله تعالى دائماً تواصلاً وتحابباً بين المؤمنين، ولاحظوا أن التسقيط الاجتماعي للمؤمن أشد من القتل الجسدي، فالقتل الاجتماعي بتسقيط شخصية الآخرين تؤدي الى المعاناة طوال حياتهم.

لذلك ورد أنه من الصفات التي يجب أن يتصف بها المؤمن هي مراقبة لسانه دائماً، وورد في الحديث (إن لسان المؤمن من وراء قلبه) أي على الإنسان أن لا يتسرع في كلامه، وأن يعرضه على قلبه، ليكون (مصفى) لهذا الكلام، فإن وجد القلب والعقل ان هذا الكلام فيه نفع وخير أمضاه، وإن وجد القلب والعقل أن هذا الكلام فيه مضرّة وغير مقبول شرعاً وعقلاً أمسك عنه.

إن لوسائل التواصل الاجتماعي والمواقع المتعددة من تويتر وفيس بوك وغيرها مساهمة بشكل كبير في آفات اللسان، فقد يتكلم شخص أمام عدد قليل من الأشخاص عن عالِم او مرجع او شخصية اجتماعية، فسيؤثر بهذا الكلام ويترتب عليه موقف فهؤلاء الأشخاص القليلون من الممكن أن يصبحوا عشرات الآلاف. وفي يوم القيامة يظهر في سجله الآثار التي ترتبت على العشرة آلاف .

لذلك أيها الاخوة والاخوات اذا كانت الأحاديث تحثنا على أن نتوقف لنراجع أحاديثنا، وإذا أردنا ان نكتب في أي موقع او وسيلة من وسائل التواصل الحديثة والتي تنشر كلامنا لعشرات الآلاف، فينبغي أن نتوقف ألف مرة ولا نتسرع فيما نكتب، خصوصاً أن بعض الكتابات تولد موقفا ورأيا عند مجموعة كبيرة من الناس قد يمتد عبر سنوات. لذلك علينا اخواني ان نلتفت الى الاثار الخطيرة المترتبة على ذلك.

المصدر: الخطبة الثانية من صلاة الجمعة 8 جمادى الأولى، الموافق (26كانون الثاني 2018م )

بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي

2021/11/16
من أرشيف منبر الجمعة: حب الوطن تربية

إن تربية المواطن تبدأ بمرحلة، وهذه المرحلة تتدرج في حياته إلى أن ينشأ على عدة مفاهيم، لذا نعتقد إن هناك مسؤولية تقع على عاتق التربويين في هذا الأمر.

[اشترك]

فلابد من وجود منهجيه واضحة في تربية المواطن وحثه على حب بلده والتعريف به، والاهتمام بهوية العراق كما يجب أن يكون اهتمام كبير بهذه الهوية، والحرص على عدم الانسلاخ منها، ومحاولة رفد كل المنظمات والمؤسسات التربوية بكل ما هو ممكن من المناهج الصحيحة التي تكرس تعلق المواطن ببلدة وأن يحافظ على مقتنياته، هذا الجانب الإيجابي للموضوع.

هناك ثقافات دخيله لا تمت إلى البلد بصله، وغض النظر عنها بطريقة أو بأخرى غير صحيح، فالعراق بلد له جذور بمجرد الانفتاح على العالم وأخذ كل هذا الأمر غير صحيح فهناك ضوابط لابد أن توضع، ولا يمكن ترك الباب مفتوح، فهناك ثقافات لا تتماشى مع المجتمع، وهي تسبب الكثير من المشاكل، وسبب هذه المشاكل يعود للانفتاح بدون ضوابط فلا يوجد في كل العالم انفتاح دون ضوابط ولا حرية دون ضوابط، لذا على الجهات المعنية أن تكون دقيقة في إفراز هذه الثقافات الدخيلة، ودقيقة في معالجتها وأن تركز أيضاً على إثراء المواطن بثقافة رصينة وعلى مستويات متعددة.

المصدر: السيد أحمد الصافي -  الخطبة الثانية محرم 1434 هـ الموافق 16 تشرين الثاني 2012 م

2021/09/12
ممثل السيد السيستاني يدعو إلى مجهود شعبي ووطني للوقاية من فيروس «كورونا»

أيّها الإخوة والأخوات موضوعُنا في الخطبة الثانية هو أهمّية الوعي الصحيّ وتطبيق الإرشادات الطبّية في حياة الفرد والمجتمع، من الواضح للعَيان ولجميع الإخوة والأخوات وما هو محسوسٌ بالمشاهدة والوجدان، أهمّية الوعي الصحّي والرعاية الصحيّة وتطبيق الإرشادات الطبيّة في صحّة وعافية الإنسان.

الصحّة والعافية اللتان هما ضرورةٌ حياتيّة للفرد والمجتمع، حيويّة الإنسان والمجتمع، فعّاليتهما نشاطهما قدرتهما على تحقيق الوظائف والمهام التي ينبغي للإنسان فرداً ومجتمعاً أن يؤدّيها، قدرة المجتمع على توفير وسائل الحياة المعيشيّة والصحّية اللائقة بالإنسان، وقدرتهما على التطوّر والرقيّ والتقدّم والازدهار يعتمد على هذه الأمور، الوعي الصحّي والرعاية الصحيّة وتطبيق الإرشادات الطبيّة والاعتناء بهذه الأمور من قِبل الجميع.

وقبل أن أبيّن ما يتعلّق بما يُتَداول الآن من قضيّة انتشار وباء فايروس (كورونا) أودّ أن أوضّح هذه الأمور التي جُعل ما ذكرناه مقدّمةً لها، ما هو مفهوم الصحّة؟ وما هي أهمّية الوعي الصحّي وما ذكرناه في حياة الفرد والمجتمع؟ أيّها الإخوة والأخوات، ما نعنيه بالصحّة ربّما البعض لديه مفهومٌ متعارف عن الصحّة أنّها خلوّ الإنسان في جسده ونفسه وعقله من الأمراض، وهذا مفهومٌ قاصر.

المفهومُ الصحيح الذي ينبغي الوصول إليه وتحقيقه إضافةً الى خلوّ الإنسان من هذه الأمور أن تكون لديه القدرة البدنيّة والنفسيّة والعقليّة فرداً ومجتمعاً، على أداء المهامّ والوظائف التي ينبغي للإنسان أداؤها على وجه الأرض، وقدرته على توفير وسائل الحياة المعيشيّة المطلوبة وتوفير أسس التقدّم والازدهار والتطوّر والرقيّ للفرد والمجتمع، هذه هي الصحّة المطلوبة، الخلوّ من الأمراض والقدرة أيضاً، قدرة بدنيّة، قدرة نفسيّة، قدرة عقليّة على أن يؤدّي الإنسان -الفرد والمجتمع- الوظائف الموكولة والمهامّ الموكولة للإنسان والمجتمع في الحياة، وكما ينبغي له -لهذا الانسان-، علينا أن نحدّد إطار مفهوم الصحّة في ما ذكرناه.

الآن نأتي الى ما ذكرناه من الأمور، والتفتوا إخواني الى هذه الأمور التي سنذكرها وهي مطلوبةٌ منّا فرداً ومجتمعاً ومؤسّساتٍ صحيّة، ماذا نعني بالوعي الصحيّ المطلوب هنا؟ إخواني لدينا ركنان في هذه القضيّة، الركن الأوّل: زيادة الوعي الصحّي الذي يعني ثلاثة أسس التفتوا اليها:

1- نشر الثقافة الصحيّة الصحيحة المعتمدة على بيان وتوضيح المفاهيم الصحّية السليمة، المستندة الى الأُسس العلميّة والمعرفيّة المأخوذة من أهل الاختصاص بعيداً عن الأوهام والأساطير والتقاليد البالية، لدينا مفاهيم صحيّة خاطئة تستند الى أمورٍ تعتبر جهلاً في ذلك، ولدينا مفاهيم صحيّة سليمة، هذه هي الثقافة الصحيّة الصحيحة التي لابُدّ من بيانها وتوضيحها من قِبل أهل الاختصاص، والتي تستند الى الأسس العلميّة والمعرفيّة الناشئة والصادرة من أهل الاخصاص، بعيداً عن تأثير الأوهام والأساطير والعادات البالية.

2- اعتبار الوعي الصحيّ من ضرورات الحياة ومهامّها، فردٌ سقيمٌ مريض ومجتمعٌ سقيمٌ مريض لا يستطيع أبداً أن يؤدّي مهامّه ووظائفه في الحياة، كيف نصل الى هذا المستوى؟ لابُدّ أن يكون لدينا شعورٌ بأنّ هذا الأمر ضرورةٌ من ضرورات الحياة وليس أمراً ثانويّاً وهامشيّاً، وأن نعلّم الصغار والكبار ونُشعرهم أنّ ذلك من ضرورات الحياة ومهامّها، ولاحظوا الكثير من الشعوب المتقدّمة إنّما تقدّمت لأنّها أخذت بنظر الاعتبار هذه الأمور، كما أنّ الإنسان –إخواني- الآن يبذل الكثير من الجهد والمال من أجل توفير مستلزمات الحياة الماديّة والمعيشيّة من سكنٍ وغيره، كذلك المطلوب أن نُشعر أنفسنا بأنّ هذا الأمر من ضرورات الحياة ومهامّها، لكي نوفّر فرداً سليماً معافىً ومجتمعاً سليماً معافى يستطيع أن ينهض بمهامّه ووظائفه ويتقدّم ويتطوّر.

3- شعور الجميع بمسؤوليّتهم فكلّ فردٍ مسؤولٌ عن صحّته وصحّة الأفراد من حوله، ولابُدّ أن يكون هناك تثقيفٌ على هذا الأمر في الأسرة وفي المدرسة وفي الجامعة وفي الدوائر وفي غير ذلك، طبعاً المسؤوليّة الأساسيّة بلا شكّ تقع على المؤسّسات الصحّية المعنيّة، ولكن من دون أن يتوفّر شعورٌ لدى كلّ فردٍ الصغير والكبير أنّه أيضاً مسؤولٌ عن صحّة نفسه وصحّة بدنه وصحّة عقله، فهو أيضاً مسؤولٌ عن صحّة الأفراد من حوله، هذا الشعور يجب أن يتولّد لديه.

وأيضاً من الأمور الأخرى في الأساس الثالث هو لابُدّ أن تتحوّل هذه المفاهيم الى قناعاتٍ وميولٍ ورغباتٍ بحيث أنّ هذه المبادئ تُغرس كمبادئ سلوكيّة في نفسيّة الإنسان، لا تكفي الثقافة لوحدها إذا لم تكن لديّ قناعة وتبنّي وميل ورغبة الى هذه الثقافة الى أن تتحوّل الى سلوك فلا يُمكن أن نحصل على النتائج، هذه مسؤوليّةُ مَنْ؟ لابُدّ أن تقوم مختلف وسائل الإعلام وغير ذلك من الوسائل المتعارفة بأن توفّر هذه القناعات لتتحوّل الثقافة الى قناعة وميل ورغبة وتحويلها الى سلوك في حياة الفرد والمجتمع، هذا الركن الأوّل.

الركن الثاني: التفتوا له إخواني جيّداً، وهذا الذي سنذكره علينا أن نقارنه بما في حياتنا حتّى نحصل على تمام النتائج، لا يكفي نشر الثقافة الصحيّة بل لابُدّ أن يتغيّر نمطُ الحياة اليوميّة والسلوكيّات المجتمعيّة، لدينا نمطُ الحياة الغذائيّة والصحيّة والبيئيّة، وهذا يعتمد على أساسين:

1- تلافي وتجنّب السلوكيّات ونمط الحياة الغذائيّ والصحيّ والبيئيّ الخاطئ، لاحظوا إخواني الكثير منّا نظامُه الغذائيّ خاطئ، والنظام البيئيّ لدينا فيه الكثير من الخلل، كم نرى في شوارعنا وأزقّتنا وفي كثيرٍ من الأماكن عدم توفّر أجواء النظافة، التي هي من الأسباب التي تؤدّي الى الأمراض والأوبئة أو الأجواء الصحّية المطلوبة، تغيير نمط الحياة هذا أمرٌ عمليّ وممارسةٌ عمليّة يوميّة، أن نغيّر نمط الحياة والسلوكيّات المجتمعيّة لدينا في المجال الغذائيّ والصحّي والبيئيّ، حينما نوفّر أجواء النظافة ونوفّر الأسباب لخلوّ المجتمع من الأمراض والأوبئة، هذا الجانب العمليّ الذي ينبغي أن يكون من مسؤوليّة الجميع.

2- الالتفات الى التداعيات والآثار السلبيّة لعدم وجود وعيٍ صحّي أو عدم اتّباع الإرشادات الطبيّة اللازمة، أوّلاً الجانب الجسديّ الذي يتركه عدم الاعتناء بهذه المسائل، كم الآن إخواني هناك عدم وجود الوعي الصحّي وعدم اتّباع الإرشادات الصحيّة وما يتركه من أمراض، خصوصاً إذا لاحظنا أنّ المريض صاحب كفاءة علميّة وصاحب حذاقة مهنيّة وصاحب كفاءة حرفيّة، كم سيخسر المجتمع من طاقة ونشاط وعطاء هذا الإنسان الذي يمتلك مثل هذه القدرات لتطوير المجتمع، الآثار النفسيّة للفرد المريض وأسرته وعائلته وأرحامه وأصدقائه واعتناء الكثير منهم وبذل الجهد والوقت من أجل رعاية هذا المريض، كلّ ذلك إنّما يأتي بسبب عدم وجود هذه الرعاية، إضافةً الى الآثار الاقتصاديّة والماليّة، كم الآن يستنزف من الأموال من أجل علاج الأمراض، خصوصاً الأمراض التي تصل الى حدّ أن تكون مزمنة ويحتاج الإنسان الى العلاج المستمرّ طوال حياته، وتزداد هذه التداعيات السلبيّة خصوصاً مع ملاحظة أنّ المؤسّسات الطبيّة في بلدنا -وللأسف الشديد- دون المستوى المطلوب، ممّا يزيد المسألة تعقيداً وصعوبةً في معالجة هذه الأمور، هذا الأمر الثاني.

3- هو ما يتعلّق بالوباء المنتشر حاليّاً المعروف باسم (كورونا) وضرورة التقيّد بالوصايا الطبّية والتعامل معه من دون الوصول الى حالة الرعب والهلع والخوف منه، إخواني كما تلاحظون تتناقل وسائل الإعلام المختلفة سرعة انتشار هذا الوباء حتّى في دول متقدّمة لها قدرات صحيّة وطبيّة ولها قدرات جيّدة في هذا المجال، وأيضاً في دولٍ قريبة ومجاورة للعراق، ممّا يلزم المزيد من الحذر ورعاية الإجراءات الوقائيّة الفاعلة، خصوصاً من الدوائر الصحيّة المعنيّة ومن عموم المواطنين، وأيضاً ينبغي زيادة التوعية الصحيّة من قِبل مختلف وسائل الإعلام وخصوصاً وسائل التواصل المؤثّرة وسريعة الانتشار، كما ينبغي للمواطنين أخذ هذه الأمور الوقائيّة على محمل الجدّ والاهتمام الكافي وعدم الاستخفاف والاستهانة بها، وينبغي أيضاً عدم الإصغاء الى ما يُنشر أحياناً من أمورٍ يُزعم أنّ لها تأثيراً في الوقاية أو العلاج وهي ممّا لا أساس له في العلم الصحيح.

ولم تصل الأمور بحمد الله تعالى وفضله في بلدنا الى ما يبلغ مستوى الخطورة العالية، فلا موجب لكم للشعور بالرعب والهلع من هذا الوباء، ولا سيّما أنّ هذا الشعور قد يشلّ قدرة الإنسان على التعامل الصحيح والفاعل مع المرض، وينبغي تعاون الجميع في الأسرة والمدرسة والجامعة ومؤسّسات ودوائر الدولة وكلّ المؤسّسات الأخرى، في تحقيق مجهودٍ وطنيّ واسع للوقاية من هذا الوباء والحدّ من انتشاره، ومن الضروريّ اتّباع التعليمات الصادرة من الجهات المعنيّة في ما يتعلّق بهذا الشأن، وفي الوقت الذي يجب فيه رعاية الجوانب الصحيّة كاملةً والأخذ بأسباب وعوامل الوقاية والعلاج لابُدّ أيضاً من أن لا نغفل عن التوجّه الى الله تعالى، للتضرّع والإنابة بأن يدفع ويرفع عنّا وعن جميع البشريّة هذا البلاء، الذي جعله آيةً بيّنةً على قدرته وسُلطانه، وإنّ الإنسان مهما امتلك من قدرةٍ وإمكانات فإنّ أصغر المخلوقات يُمكن أن يصرعه ويشلّ قدراته كلّها.

اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآل محمّد، اللهمّ ارزقنا السلامة في ديننا وأبداننا وأوطاننا، وادفع عنّا كلّ سوءٍ وبلاء إنّك سميعُ الدعاء، والحمدُ لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


- النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة يوم الجمعة 28\02\2020

2020/02/29
لماذا نزور مراقد الأئمة (عليهم السلام)؟

أعوذُ باللّه السميع العليم من الشّيطان اللّعين الرّجيم، بسم الله الرّحمن الرحيم، الحمدُ لله الذي لا ينقطعُ منُّه، ولا يُخلَفُ وعدُه، ولا يُغلَبُ جندُه، وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) عبدُه ورسولُه، ذو الحسب الكريم، والخُلق العظيم، والقلب الرحيم، صلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله أئمّة الحقّ وأدلّة الصدق، الذين ارتضاهم اللهُ تعالى وانتجبهم، وأوجب على البريّة حبّهم واتّباعهم.. أوصيكم عبادَ الله تعالى وقبل ذلك أوصي نفسي بتقوى الله تعالى، الذي منّ عليكم بمعرفته، ودلّكم على موجبات رحمته ودواعي نقمته، واعلموا أنّكم لن تُدركوا مرضاة الله تعالى إلّا بطاعته، ولن تستوجبوا غضبه إلّا بمعصيته ومخالفته، وقد جعل لكم الوسيلةَ إليه وهم أهلُ بيت نبيّه الأطهار (عليهم السلام)، فاتّبعوا منهجهم واقتفوا آثارهم، وتخلّقوا بأخلاقهم وآدابهم وتفقّهوا بمنهجهم، تهتدوا سواءَ السبيل وصراطَ الله القويم.

أيّها الإخوة والأخوات عليكم منّي سلامُ الله جميعاً ورحمةُ الله وبركاته.. تمرّ علينا في هذا اليوم الثالث من شهر رجب ذكرى استشهاد الإمام أبي الحسن الثالث علي الهادي(عليه السلام)، وبهذه المناسبة لابُدّ أن نستلهم من إحياء ذكرهم الدروسَ والعِبَر، وندقّق في تلك الأساليب التربويّة والأخلاقيّة والعقائديّة التي ربّوا بها المسلمين وأتباعَهم، وهنا إذا ما لاحظنا ما وصل إلينا من الآثار عن الإمام علي الهادي(عليه السلام) وبقيّة الأئمّة (عليهم السلام)، نجد أنّ هناك تركيزاً في جانبين، الجانب الأوّل هو العلميّ والعقائديّ، والجانب الثاني هو إصلاحُ النفوس وتهذيبها وتربيتها، لذلك ورد في الحديث عن الإمام الرّضا(عليه السلام) قولُه: (رحم اللهُ من أحيى أمرَنا) فقال أحد أصحابه: وكيف نُحيي أمركم؟ قال (عليه السلام): (تتعلّمون أحاديثَنا وتعلّمونها الناسَ، فإنّهم لو عَلِموا محاسنَ كلامِنا لاتّبعونا)، ولذلك حرص الأئمّة(عليهم السلام) على تربية أتباعهم على التحصين العلميّ والعقائديّ، وذلك بأخذ هذه العلوم والمعارف من أهل العلم الذين يُطمأنّ الى مقامِهم الدينيّ والعلميّ، ويُطمأنّ الى تقواهم وورعِهم وأخلاقِهم وزهدِهم في الدنيا، من هؤلاء تؤخذ هذه العلومُ والمعارف مع الاهتمام أيضاً بإصلاح النفوس.

ونأخذ هنا بعضاً ممّا ورد عن الإمام الهادي (عليه السلام) ونأخذ حديثاً واحداً يُعدّ من الأساليب التي ينبغي اعتمادُها في تشخيص العيوب والخلل في شخصيّة الإنسان، ففي كثيرٍ من الأحيان الإنسان وإنْ كان هو على بصيرةٍ من نفسه، ولكن في كثيرٍ من الأحيان بسبب بعض الظروف والأحوال يغفل ولا يشخّص الخللَ والعيوبَ في شخصيّته، أخوك المؤمن يرى بعض هذه العيوب والنواقص والخلل في شخصيّتك، فيُهدي إليك بيان هذه العيوب لكي تُصلحها، وما عليك إلّا أن تقبل وتسلّم بهذا التشخيص إذا كان نابعاً عن نيّةٍ صحيحة وكان دقيقاً في تشخيص هذه العيوب، ولأنّ الكثير منّا لا يقبل بهذا التشخيص ويرفض التسليمَ له، بل أحياناً يحتدّ مع الشخص الآخر وربّما يؤدّي الى القطيعة وغير ذلك من هذه الأمور، لأنّ هذا التشخيص يعتبره انتقاصاً من شخصيّته وإظهاراً لعيوبه، لذلك الأئمّة(عليهم السلام) في كثيرٍ من الأحاديث نبّهونا الى أهمّية اتّباع هذا الأسلوب، لذلك ورد في بعض الأحاديث (لا يزال المؤمنُ بخيرٍ ما كان له توفيقٌ من الله، وواعظٌ من نفسه، وقبولٌ ممّن ينصحُه).

الإمام الهادي (عليه السلام) في هذا المجال أيضاً ورد عنه هذا الحديث: (إنّ الله تعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً إذا عوتِبَ قَبِل) مثلاً أنا يصدر منّي خللٌ أو نقصٌ أو شيءٌ غير مقبول فيُعاتبني أخي المؤمن على صدور هذا الأمر المرفوض، أنا لا أقبل وأرفض هذا العتاب المبنيّ على النصيحة وتشخيص العيب والخلل في الشخصيّة، الإمام الهادي(عليه السلام) يقول من الكواشف عن أنّ الله تعالى يريد بك الخير والصلاح أن تكون لك هذه الصفة، أي إذا عاتبك أخوك بأن شخّص عيباً أو خللاً في شخصيّتك وأراد أن يقيّم صفاتك ويؤشّر خللاً، إذا كنت تريد الخير لنفسك والصلاح لنفسك اقبلْ هذا التشخيص واذعنْ له واعملْ على إصلاحه، هذه من الوسائل المهمّة إخواني التي أشار اليها الأئمّة في كثيرٍ من الأحاديث، أسلوبٌ من أساليب تهذيب النفس (أنّ الله تعالى إذا أراد بعبدٍ خيراً إذا عوتِبَ قَبِل)، في مقابل ذلك الرفض وعدم القبول يؤدّي الى أنّ الإنسان يغفل عن هذا العيب وهذه النقيصة، وهذا العيب يتراكم ويكبر الى أن يصبح طبعاً متأصّلاً في شخصيّة هذا الإنسان، ويسبّب له الكثير من الأضرار في الدنيا والآخرة، لذلك من الأساليب التي لابُدّ للإنسان المؤمن أن يتّبعها أن يقبل تشخيص الآخرين، ما يكون في شخصيّتي من خللٍ ومن نقصٍ ومن عيب ثمّ بعد ذلك أعمل على إصلاح هذا الخلل.

لماذا نزور مراقد الأئمة (ع)؟

الأمر الآخر هي الأساليب العقائديّة التي اتّبعها الأئمّة (عليهم السلام) في تقوية الارتباط بالأئمّة(عليهم السلام)، لاحظوا إخواني تختلف أساليب الأئمّة في كيفيّة تقوية ارتباط أتباعهم بهم بحسب الظروف التي تحيط بالأئمّة وأتباعهم، من جملة هذه الأساليب هي الحثّ على زيارتهم وتكرار هذه الزيارة، لاحظوا إخواني ودقّقوا لا يكاد أن يمرّ أسبوع أو شهر إلّا وهناك زيارة لواحدٍ من الأئمّة (عليهم السلام)، كثرة المواسم التي ورد فيها الحثّ الشديد على الزيارات المليونيّة وطوال السنة، هناك زيارات متوالية لماذا إخواني؟ هل هو لمجرّد التواصل مع الأئمّة(عليهم السلام) والتعبير عن حبّهم؟ لا.. أبداً هم يعرفون أنّ أتباعهم سيتعرّضون الى المزيد من التضييق والتنكيل والمحاربة لإضعاف الولاء لهم، كيف يواجه أتباعُ أهل البيت هذه الأساليب من الحكّام والسلاطين الذين يريدون القضاء أو الإضعاف لهذا الارتباط والولاء؟ هل يكفي أن أقرأ علومهم ومقامهم وشخصيّتهم وفضلهم؟ لا يكفي بل لابُدّ من التواصل المستمرّ طوال أيّام السنة في زيارة قبورهم وإحياء أمرهم وذكرهم والتعرّف العقائديّ على مقامهم وفضلهم ومنزلتهم عند الله تعالى.

لذلك التفتوا إخواني الى مضامين هذه الزيارات، المُلفِت للنظر إخواني في الزيارات المشهورة المرويّة عن الإمام الهادي(عليه السلام) ومن جملتها الزيارة الجامعة الكبيرة، الذي قرأها اطّلَعَ على مضامينها والذي لم يقرأها فلْيقرأها ويطّلع على المضامين المهمّة التالية، أيضاً زيارة أمير المؤمنين(عليه السلام) في يوم الغدير، إخواني نلاحظ سمةً في زيارات بعض الأئمّة كالإمام الحسين(عليه السلام) مثلاً، هناك تركيز على مظلوميّته ومظلوميّة الأئمّة(عليهم السلام) وعلى قتلهم وانتهاك حرمتهم، لأنّهم أدّوا المهامّ الدينيّة فأدّى الى ذلك، وهناك مساحةٌ واسعة من الزيارة للتأكيد والترسيخ لمظلوميّة أهل البيت(عليهم السلام) في بعض هذه الزيارات، في الزيارات المرويّة عن الإمام الهادي(عليه السلام) ومنها الزيارة الجامعة الكبيرة تركيزٌ شديد على الجانب العقائديّ، وهو بيان مقام أهل البيت(عليهم السلام) ومنزلتهم وما هو دورهم في الحياة الإسلاميّة، لماذا؟ كأنّه في زمن الإمام الهادي وزمن الإمام الجواد وزمن الإمام العسكريّ(عليهم السلام) ازداد التضييق والتنكيل بأتباع أهل البيت وبالأئمّة(عليهم السلام) ازداد أكثر، يُراد منه إضعاف هذا الارتباط والولاء العقائديّ لأئمّة أهل البيت مع شيعتهم، جاءت الزيارة وتوسّعت وتعمّقت وكان هناك تفصيلٌ أكثر دقّةً وعمقاً في الجانب العقائدي والولائيّ لأئمّة أهل البيت(عليهم السلام).

وهذا ممّا ينبغي بل ربّما يجب على المؤمنين أن يتعرّفوا على دقائقه، لذلك حينما نقرأ مقاطع من هذه الزيارة –الزيارة الجامعة الكبيرة- وزيارة أمير المؤمنين(عليه السلام) في يوم الغدير أيضاً، لاحظوا ودقّقوا في فصول تلك الزيارة تجدوا الجانب العقائديّ والولائيّ له مساحة واسعة وهذه صادرة من الإمام الهادي(عليه السلام)، لذلك الذي نأمله من المؤمنين حينما يقرأون هذه الزيارة الجامعة الكبيرة أن يتأمّلوا في مضامينها، في مقابل محاولات مستمرّة لا تنتهي للحكّام والطواغيت لإضعاف بل القضاء على هذا الارتباط العقائديّ، تأتي محاولاتٌ مستمرّة من الأئمّة(عليهم السلام)، هم يحاولون دائماً إضعاف هذا الارتباط والأئمّة(عليهم السلام) يقابلون هذه المحاولات من الإضعاف بمحاولات التقوية وإدامة الارتباط العقائديّ والولائيّ لأهل البيت(عليهم السلام)، من خلال التعرّف -هذا العلم الذي أراده الأئمّة(عليهم السلام)- على تفاصيل مقام أهل البيت(عليهم السلام)، ولماذا دون غيرهم اصطفاهم الله تعالى للقيادة ولموقع الإمامة، هذا الوعي العقائديّ يستطيع من خلاله الإنسان أن يبني.

التفتوا إخواني، الفرد والمجتمع يستطيع أن يبني قدرةً ذاتيّة على مواجهة حملات التنكيل والمحاربة ومواجهة الأزمات والمصائب والابتلاءات التي يمرّ بها المؤمن، لذلك ورد في بداية الزيارة الجامعة الكبيرة قول: (السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرّحمة، وخزّان العلم، ومُنتهى الحِلم، وأصول الكرم، وقادة الأُمم، وأولياء النِّعَم...) يبيّن الإمام (عليه السلام) بالتفصيل وليس على نحو الإجمال، هنا الإمام الهادي(عليه السلام) يبيّن أمرين، أوّلاً أنّ الأئمّة(عليهم السلام) بلغوا القمّة في صفات الكمال الإنسانيّ، وليس هناك نقصٌ في صفات الكمال الإنسانيّ لهم، ثانياً أنّ كلّ واحدٍ منهم مجمعٌ لصفات الكمال الإنسانيّ، حينما نقول الإمام الهادي(عليه السلام) لا يعني أنّه لا يتّصف بالجود والكرم والصدق وغير ذلك من الصفات الأخرى للأئمّة(عليهم السلام)، ولكن تظهر هذه الصفات أحياناً لدى بعض الأئمّة بحسب الأوضاع والظروف والأحوال، هم بلغوا القمّة أوّلاً ثمّ إنّهم مجمعٌ لكلّ صفات الكمال الإنسانيّ، الإمام (عليه السلام) يبيّن هاتين النقطتَيْن الأساسيّتَيْن، لذلك هم دون غيرهم بلغوا القمّة وبلغوا أنّهم جمعوا كلّ هذه الصفات.

لذلك الإمام(عليه السلام) يبيّن بالتفصيل هذه الصفات التي حصل منها الجَعْل الإلهيّ والاصطفاء الإلهيّ لهم، والذي أوجب محبّتهم واتّباعهم والتمسّك بمنهجهم، ثمّ يبيّن أيضاً ما هو السلوك العمليّ المطلوب من أتباع أهل البيت، فصولٌ كثيرة في هذه الزيارة لا يسع المجال لذكرها، يقول الزائر فيها: (بأبي أنتم وأمّي وأهلي ومالي وأسرتي) أيْ كلّي أنا وأهلي ومالي وأسرتي وكلّ ما فيّ لأنّكم تستحقّون هذا المقام الإلهي الذي جُعل لكم، تستحقّون مثل هذه التضحية ومثل هذا الموقف، (أُشهد الله وأُشهدكم أنّي مؤمنٌ بكم وبما آمنتم به، كافرٌ بعدوّكم وبما كفرتم به، مستبصرٌ بشأنكم وبضلالة مَنْ خالفكم، موالٍ لكم ولأوليائكم...) وهكذا الى أن يقول (عليه السلام): (مطيعٌ لكم عارفٌ بحقّكم مقرٌّ بفضلكم محتملٌ لعِلْمكم...) لا يكفي المحبّة المجرّدة والارتباط العاطفيّ بل الاتّباع لجميع المناهج التي جاء بها الأئمّة(عليهم السلام) وعدم اتّباع غيرهم، لأنّهم هم وحدهم الذين اصطفاهم الله تعالى لكي يحفظوا تمام الرسالة المحمّدية الأصيلة.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا أن نكون من المقتفين لآثارهم والمتّبعين لنهجهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


- النص الكامل للخطبة الأولى من صلاة يوم الجمعة 28/02/2020

2020/02/29
2020/02/08
2020/02/01
المرجعية العليا: الإصلاح الحقيقي والتغيير المنشود ينبغي أن يتم بالطرق السلمية

نص الخطبة الثانية التي ألقاها ممثل المرجعية الدينية العليا فضيلة العلاّمة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في يوم الجمعة (26/صفر/1441هـ) الموافق (25/10/2019)

أيّها الأخوة والأخوات

    نقرأ عليكم نص ما ورد إلينا من مكتب سماحة السيد (دام ظلّه) في النجف الأشرف:

بسم الله الرحمن الرحيم

في هذه الأوقات الحساسة من تاريخ العراق العزيز حيث تتجدد التظاهرات الشعبية في بغداد وعدد من المحافظات، ندعو أحبّتنا المتظاهرين واعزّتنا في القوات الأمنية الى الالتزام التام بسلمية التظاهرات وعدم السماح بانجرارها الى إستخدام العنف وأعمال الشغب والتخريب.

إننا نناشد المشاركين في هذه التظاهرات أن يمتنعوا من المساس بالعناصر الأمنية والاعتداء عليهم بأيّ شكل من الأشكال. كما نناشدهم رعاية حرمة الأموال العامة والخاصة وعدم التعرض للمنشآت الحكومية أو لممتلكات المواطنين أو أيّ جهة أخرى.

إنّ الاعتداء على عناصر الأمن برميهم بالأحجار أو القناني الحارقة أو غيرها والإضرار بالممتلكات العامة أو الخاصة بالحرق والنهب والتخريب مما لا مسوّغ  له شرعاً ولا قانوناً ويتنافى مع سلمية التظاهرات ويبعّد المتظاهرين عن تحقيق مطالبهم المشروعة ويعرّض الفاعلين للمحاسبة.

ونذكّر القوات الأمنية بأن التظاهر السلمي بما لا يخلّ بالنظام العام حق كفله الدستور للمواطنين، فعليهم أن يوفّروا الحماية الكاملة للمتظاهرين في الساحات والشوارع المخصصة لحضورهم، ويتفادوا الانجرار إلى الاصطدام بهم، بل يتحلّوا بأقصى درجات ضبط النفس في التعامل معهم، في الوقت الذي يؤدون فيه واجبهم في اطار تطبيق القانون وحفظ النظام العام بعدم السماح بالفوضى والتعدي على المنشآت الحكومية والممتلكات الخاصة.

إنّ تأكيد المرجعية الدينية على ضرورة أن تكون التظاهرات الاحتجاجية سلمية خالية من العنف لا ينطلق فقط من اهتمامها بإبعاد الأذى عن ابنائها المتظاهرين والعناصر الأمنية، بل ينطلق أيضاً من حرصها البالغ على مستقبل هذا البلد الذي يعاني من تعقيدات كثيرة يخشى معها من أن ينزلق بالعنف والعنف المقابل الى الفوضى والخراب، و يفسح ذلك المجال لمزيد من التدخل الخارجي، ويصبح ساحة لتصفية الحسابات بين بعض القوى الدولية والاقليمية، ويحدث له ما لا يحمد عقباه مما حدث في بعض البلاد الأخرى من اوضاع مريرة لم يمكنهم التخلص من تبعاتها حتى بعد مضي سنوات طوال.

إنّ الاصلاح الحقيقي والتغيير المنشود في ادارة البلد ينبغي أن يتم بالطرق السلمية، وهو ممكن اذا تكاتف العراقيون ورصّوا صفوفهم في المطالبة بمطالب محددة في هذا الصدد.

وهناك العديد من الاصلاحات التي تتفق عليها كلمة العراقيين وطالما طالبوا بها، ومن أهمها مكافحة الفساد وإتّباع آليات واضحة وصارمة لملاحقة الفاسدين واسترجاع أموال الشعب منهم، ورعاية العدالة الاجتماعية في توزيع ثروات البلد بإلغاء أو تعديل بعض القوانين التي تمنح امتيازات كبيرة لكبار المسؤولين واعضاء مجلس النواب ولفئات معينة على حساب سائر أبناء الشعب، واعتماد ضوابط عادلة في التوظيف الحكومي بعيداً عن المحاصصة والمحسوبيات، واتخاذ اجراءات مشددة لحصر السلاح بيد الدولة، والوقوف بحزم امام التدخلات الخارجية في شؤون البلد، وسنّ قانون منصف للانتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية ويرغّبهم في المشاركة فيها.

مرة أخرى نناشد المتظاهرين الكرام أن لا يبلغ بهم الغضب من سوء الأوضاع واستشراء الفساد وغياب العدالة الاجتماعية حدّ انتهاك الحرمات بالتعدي على قوات الأمن أو الممتلكات العامة أو الخاصة.

إنّ رجال الأمن إنّما هم آباؤكم واخوانكم وابناؤكم الذين شارك الكثير منهم في الدفاع عنكم في قتال الارهابيين الدواعش وغيرهم ممن أراد السوء بكم، واليوم يقومون بواجبهم في حفظ النظام العام فلا ينبغي أن يجدوا منكم الا الاحترام والتقدير، فلا تسمحوا للبعض من ذوي الاغراض السيئة بالتغلغل في صفوفكم واستغلال تظاهراتكم بالاعتداء على هؤلاء الأعزة أو على المنشئات الحكومية أو الممتلكات الخاصة.

ونؤكد على القوى الأمنية بأن لا تنسوا بأنّ المتظاهرين إنّما هم آباؤكم واخوانكم وابناؤكم خرجوا يطالبون بحقهم في حياة حرة كريمة ومستقبل لائق لبلدهم وشعبهم فلا تتعاملوا معهم الا باللطف واللين.

يبقى أن نشير الى ان التقرير المنشور عن نتائج التحقيق فيما شهدته التظاهرات السابقة من اراقة للدماء وتخريب الممتلكات لما لم يحقق الهدف المترقّب منه ولم يكشف عن جميع الحقائق والوقائع بصورة واضحة للرأي العام فمن المهم الآن أن تتشكل هيئة قضائية مستقلة لمتابعة هذا الموضوع وإعلام الجمهور بنتائج تحقيقها بكل مهنية وشفافية.

 نسأل الله العليّ القدير أنْ يحفظ العراق وشعبه من شر الأشرار وكيد الأعداء إنه أرحم الراحمين.

2019/10/25
وكيل السيد السيستاني: الفهم العميق لما جاء به الإمام الحسين (ع) كفيل بتطهيرنا من الظلم والحقد

اخوتي اخواتي..

لعلّه من فوائد هذه المناسبة وهي زيارة الاربعين والفوائد كثيرة هو حالة الارتقاء المعنوي والاستفادة من الظرف الخاص بها لتحسين وتطوير قابلياتنا اذ ان التفكير الصحيح وفق رؤية صحيحة يعطي ثماراً طيبة ولقد كان سيد الشهداء (عليه السلام) صاحب مشروعا اصلاحي كبير اذ هو القائل : (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وانما خرجت لطلب الإصلاح في امة جدي، أُريد ان آمر بالمعروف وانهي عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين).

ولقد حقق سلام الله عليه ما أراد على قِلة الناصر وخذلان الامّة في وقته وما ذاك إلا لأنه كان على بصيرة من امره هو والذين معهُ، قال الله تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ).

والبصيرة هي الفهم الدقيق الواعي والثبات بل ومعرفة عواقب الامور والهدف والغاية وما الى ذلك من نكات مهمة والتفاتات عميقة قد لا تتيسر لأي أحد..

ونحن على وشك ان نودّع زيارة الاربعين أو تودعنا.. نأمل ان قد صدقنا انفسنا في الثبات على منهجه المبارك وإحياء انفسنا من خلال إحياء هذه الشعائر وأعطينا لأنفسنا حقّها من التأمل والتفكير الجاد من اجل الرُقي الى مدارج الكمال الممكنة والكينونة مع الحسين (عليه السلام).

ان التعبير الصادق عن مشاعر الولاء والفهم الدقيق العميق لما جاء به سيد الشهداء (عليه السلام) لكفيل بأن يطهر قلوبنا من الزيف والظلم والحقد وما الى ذلك من مساوئ الاخلاق.

حفظ الله الزائرين جميعاً وحفظ الله بلادنا من كل سوء وجميع البلاد وسدد الله كل من عمل من اجل انجاح هذه الزيارة امنياً وخدمياً وطبياً وعزائياً..

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

  • الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة السيد احمد الصافي في 19/صفر/1441هـ
2019/10/18
في موسمها وخارجه: كيف نكون من «أصحاب» و «أنصار» زيارة الأربعين؟

أيّها الإخوة والأخوات سلامٌ عليكم جميعاً من ربٍّ رحيمٍ غفور ورحمةٌ منه وبركات، أعظم الله تعالى أجورنا وأجوركم بمصاب سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، وها نحن نعيش ذكرى أربعينيّة الإمام الحسين(عليه السلام) والمسيرة المليونيّة لمحبّيه في درب التضحية والفداء، حيث تتوجّه الملايين من مختلف أقطار العالم الى زيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، ولا بأس هنا أيّها الإخوة والأخوات قبل أن أبدأ الحديث بمضامين هذه الخطبة، أن أذكر حديثاً عن الإمام الصادق(عليه السلام) في فضل المشي لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، هذا الحديث رواه الشيخ ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه قال: (مَنْ خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي -عليه السلام-، إنْ كان ماشياً كتب الله له بكلّ خطوةٍ حسنة ومحى عنه سيّئة، حتّى إذا صار في الحائر كتبه الله من المُفلِحين المُنجِحين، حتّى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتّى إذا أراد الانصراف أتاه ملكٌ فقال له: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) يُقرئُك السلام، ويقول لك استأنف العمل فقد غُفِر لك ما مضى).

أيّها الإخوة والأخوات علينا أن نلتفت وننتبه لهذا الفضل العظيم وهذه المنزلة الرفيعة، والمقام الجليل لزائر الإمام الحسين(عليه السلام) الذي يأتيه مشياً على الأقدام، حتّى يبلغ الزائر هذه المنازل الرفيعة والفضل العظيم لابُدّ من شروطٍ ومقدّمات ومقوّمات نلتفت إليها، وقبل أن نبيّن هذه الشروط والمقدّمات لدينا تساؤل ألا وهو: كيف نكون من أصحاب وأنصار زيارة الأربعين في موسمها وخارج موسمها؟ هذا الفضل لمَنْ يأتي زائراً مشياً على الأقدام، كيف نكون من أصحاب وأنصار زيارة الأربعين في موسمها وخارج موسمها؟ وكيف ننال هذه المنزلة والمرتبة؟ نلاحظ البعض حينما يؤدّي الزيارة والخدمة والعزاء يكون بهذه الصفات، ولكنّه بعد موسم الأربعين ينزع رداء الأربعين وينسى الحسين(عليه السلام)، لابُدّ هنا من أن نُديمَ هذا الموسم في عطائه العقائديّ والتربويّ والأخلاقيّ، وأنا هنا على عجالة من الأمر سأذكر بعض هذه الشروط والمقوّمات، حتّى تبلغوا هذه المنازل الرفيعة التي ذكرها الإمام الصادق(عليه السلام).

أوّلاً: لماذا حثّ اللهُ تعالى ورغّب وكذلك النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، لماذا حثّ ورغّب جدّاً في زيارة الأئمّة -زيارة مشاهدهم وقبورهم- وزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، نلاحظ أنّ هناك سبباً مهمّاً لذلك وهو أنّ الأئمّة(عليهم السلام) كانوا المَثَل الأعلى، التفتوا إخواني لهذه الصفة، كانوا المَثَل الأعلى في طاعة الله تعالى والجهاد في سبيله والتضحية من أجل دينه القويم، هذا أوّلاً.

وثانياً أنّهم جسّدوا السيرةَ المُثلى في أحكام الله تعالى وتطبيق مناهجه والتخلّق بأخلاقه، وإنّ هذا الموسم يمثّل فرصةً لتقوية الارتباط باللّه تعالى وتطهير النفوس والاتّصاف بالأخلاق الفاضلة، لذلك علينا أن نحوّل هذه الزيارة والخدمة والعزاء لما يحقّق هذه الأهداف المذكورة، فنبدأ إخواني على رأس قائمة هذه الشروط هي التوبة الصادقة والإخلاص لله تعالى، لذلك أيّها الزائر الكريم أيّتها الزائرة الكريمة ابتدئوا رحلتكم للإمام الحسين من أوّل ما تسيرون ابتدئوا رحلتكم بالتوبة الصادقة والخالصة لله تعالى، بترك الذنوب والمعاصي وتطهير القلب من مذامّ الصفات، وأن تعاهدوا الله تعالى على طاعته والاستمرار في ذلك، وأن تطهّروا القلب من التكبّر والحسد والغلّ والحقد والإيذاء للآخرين وأن تتّصفوا بالأخلاق الفاضلة.

ثانياً: الإخلاص لله تعالى، أيّها الإخوة الزائرون، أيّتها الأخوات الزائرات، أيّها القائمون على هذه الخدمة الذين يُقيمون مواكب العزاء، من أهمّ الصفات أن تكون الزيارة والخدمة خالصةً لوجه الله تعالى، أيّها الإخوة والأخوات وللإخلاص أيضاً لوازم واختبارات، منها أن لا يكون هناك حبٌّ لهذا الإنسان الزائر والقائم بهذه الخدمة في أن يُظهر خدمته، من أجل أن يحصل على مكسبٍ دنيويّ أو أن يتفاخر ويتباهى أمام الآخرين بما يقدّمه من خدماتٍ وأمورٍ أخرى، وأن لا يدخل في نزاعاتٍ ومشاكل مع الإخوة الزائرين الآخرين، وهكذا في بقيّة الصفات، كلّ ما يؤدّيه من هذه الأعمال عليه أن يواصل هذه الصفة أيضاً في خارج موسم الأربعين، لذلك لابُدّ أن يكون هدفنا ونيّتنا وباعثنا على هذه الزيارة والخدمة هو وجه الله تعالى، لا نبتغي من ذلك إلّا الثواب ورضا الله تعالى.

القضيّةُ الثانية أيّها الإخوة والأخوات، من الصفات والأغراض المهمّة في زيارتنا للإمام الحسين(عليه السلام) أن نجعل هذه الزيارة موسماً لقوّة الارتباط بالله تعالى، التفتوا إخواني من أجلى مظاهر قوّة الارتباط باللّه تعالى هو أداء الصلاة، الإمام الحسين(عليه السلام) في يوم عاشوراء وفي شدّة القتال لم يترك أداء الصلاة في أوّل وقتها، لم يتذرّع الإمام بأن يقول لأحد أصحابه حينما أشار له الى أنّ وقت الزوال ووقت الصلاة قد حان ولم يقلْ له: أنّه نحن في شغلٍ عن الصلاة بالقتال والقتالُ محتدم، بل دعا له فقال: (ذكرتَ الصلاة.. جعلك اللهُ من المصلّين الذاكرين)، وبادر الإمام(عليه السلام) الى أداء الصلاة في أوّل وقتها جماعةً، لذلك أيّها الإخوة الزائرون أيّتها الأخوات الزائرات، ورد في بعض الروايات (أحبّ العباد الى الله تعالى أسرعُهم استجابةً لنداء الصلاة)، إذا كان أحبّ العباد الى الله تعالى بهذه الصفة أليس يكون أحبّ الزائرين الى الإمام الحسين(عليه السلام) أسرعُهم استجابةً لنداء الصلاة؟!! حينما يُنادي المؤذّن (حيّ على الصلاة) فأحبُّكم الى الله تعالى وأحبّكم الى الإمام الحسين(عليه السلام) أسرعُكم استجابةً لنداء الصلاة، لذلك ينبغي أيّها الزائرون أيّتها الزائرات أن تُسارعوا حينما يكون هناك نداءٌ الى الصلاة وتُبادروا الى أداء الصلاة في أوّل وقتها، ولا يشغلكم شاغلٌ من طاعاتٍ أخرى أو أمورٍ مستحبّة أخرى عن أداء الصلاة في أوّل وقتها.

كما أنّنا ننبّه أنّه على طول الطريق وفي داخل المدينة هناك صلواتُ جماعةٍ تُقام على مسافة عشرات الكيلومترات، لذلك احفظوا هذا الأمر، أحبُّكم الى الله تعالى والى الإمام الحسين(عليه السلام) أسرعُكم استجابةً لنداء الصلاة، لذلك بادروا في أوّل وقت الصلاة الى أداء هذه الصلاة جماعةً، والاستفادة أيضاً في هذا الموسم من تعلّم الأحكام الفقهيّة خصوصاً وأنّ هناك العشرات من المحطّات التي يتواجد فيها المبلّغون المبيّنون لهذه الأحكام الفقهيّة، هذا الأمر الثاني.

الأمر الثالث: إنّ موسم الزيارة موسمُ تطهير القلوب من مذامّ الصفات والتحلّي بالأخلاق الفاضلة، لذلك أيّها الإخوة والأخوات كما ورد في الأثر (أفضلُكم موقفاً ومجلساً يوم القيامة أحسنُكم أخلاقاً)، لذلك انتبهوا واحرصوا في موسم الزيارة وفي بقيّة أيّام السنة على أن تتخلّقوا بأخلاق النبيّ(صلّى الله عليه وآله الأطهار)، هناك زائرون من مختلف دول العالم ومن مختلف القوميّات والجنسيّات والألوان يأتون لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، فيما بينكم وبين بقيّة أفراد المجتمع عليكم أن تتخلّقوا بالأخلاق العالية، الاحترام المتبادل فيما بينكم والتخلّق بأخلاق الصفح والعفو وعدم إيذاء الآخرين وعدم هتك حرمات الآخرين، طهّروا ألسنتكم -وهذا هو الذي يريده الإمام الحسين(عليه السلام)- من الغيبة والنميمة والكذب والبهتان والطعن والسبّ والشتم، املأوا قلوبَكم بالمحبّة لإخوانكم وطهّروا قلوبَكم من الغلّ لبقيّة إخوانكم، حينئذٍ تكونون من أنصار وأصحاب زيارة الأربعين، واحرصوا بالتعامل مع الجميع على حدٍّ سواء.

الآمر الآخر الذي أوجّهه أيضاً علينا أن نراعي حرمات المؤمنين، انتبهوا إخواني لهذه القضيّة المهمّة، راعوا حرمات المؤمنين والمؤمنات في أثناء الزيارة وخارج أيّام الزيارة وفي جميع أيّام عمركم، لا تنتهكوا هذه الحرمات بالكذب والبهتان وغير ذلك من هذه الأمور لإخوانكم، وأيضاً نأمل من الإخوة الزائرين مراعاة حرمات الطريق الذي هو للخدمة العامّة للزائرين، وكذلك مراعاة الأنظمة والتعليمات العامّة التي إنّما هي أدعى لسلامتكم، الالتزام بهذه الأنظمة والتعليمات في كلّ مكان، في الطرق الخارجيّة وفي الطرق الداخليّة وفي داخل العتبات المقدّسة، الالتزام بهذه الأنظمة والتعليمات أدعى لسلامتكم وحفظكم، وأيضاً يُمكن من خلالها تسهيل تقديم الخدمات، وكذلك نوصي بالتعاون مع الأجهزة الطبّية والخدميّة والأمنيّة من أجل تحقيق هذه الأهداف للزائرين، لذلك نأمل من الجميع الالتزام بهذه الأنظمة وحفظ الحرمات.

التوصية الأخيرة للنساء، الأخوات المؤمنات الزائرات عليهنّ أن يجعلن زينب(عليها السلام) مثالاً وأسوةً لهنّ في الالتزام بالعفّة والحشمة وحفظ الكرامة والشرف للمرأة الزائرة والمؤمنة، كيف كانت زينب(عليها السلام) ونساء النبوّة في أقسى الأيّام في معركة الطفّ حافظن على طاعتهنّ لله تعالى وعلى عفّتهنّ وحجابهنّ، لذلك ينبغي للمؤمنة الزائرة أن تحافظ على حجابها وعفّتها، وتتجنّب الاختلاطات المذمومة والكلام المذموم والاختلاطات المنهيّ عنها مع الرجال الأجانب، وأن تحافظ على عفّتها وشرفها وكرامتها، هذه من الأمور المهمّة التي ينبغي للزائرة والزائر أن يُراعيها، لذلك نأمل أيّها الإخوة والأخوات وأنا أكرّر لكم هذا الحديث الذي ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام)، والتفتوا الى فضل مَنْ يأتي مشياً على الأقدام لزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، التفتوا الى الثواب والفضل والمنزلة الرفيعة والمقام الجليل لهذا الزائر، قال (عليه السلام): (مَنْ خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي -عليه السلام-، إنْ كان ماشياً كتب الله له بكلّ خطوةٍ حسنة ومحى عنه سيّئة، حتّى إذا صار في الحائر كتبه الله من المُفلِحين المُنجِحين، حتّى إذا قضى مناسكه كتبه الله من الفائزين، حتّى إذا أراد الانصراف أتاه ملكٌ فقال له:...) انظروا الى عِظَم منزلة هذا الزائر (...أتاه ملكٌ فقال له: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) يقرئك السلام، ويقول لك استأنف العمل فقد غُفِر لك ما مضى)، ولكن كما بيّنّا أنّ هذا المقام وهذه المنزلة بشرطها وشروطها، لذلك لابُدّ أن نراعي هذه الشروط من أجل أن نصل إن شاء الله الى هذه المرتبة العظيمة.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لذلك، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


النص الكامل للخطبة الأولى من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (12/ صفر/ 1441 هـ) الموافق (11/10/2019).

2019/10/12
المرجعية العليا: الحكومة مسؤولة عن استخدام «العنف المفرط» ضد المتظاهرين

نصّ الخطبة الثانية التي ألقاها ممثل المرجعية الدينية العليا فضيلة العلاّمة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في يوم الجمعة (12/ صفر/ 1441 هـ) الموافق (11/10/2019)

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيّها الأخوة والأخوات

  نقرأ عليكم نص ما وردنا من مكتب سماحة السيد (دام ظلّه) في النجف الأشرف:

  في خطبة الجمعة الماضية أكّدت المرجعية الدينية على إدانتها ورفضها للإعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون السلميّون والعديد من عناصر القوات الأمنية، خلال الإحتجاجات التي شهدتها البلاد في الإسبوع السابق، كما أدانت ما وقع من إحراق وإتلاف بعض المؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة في تلك المظاهرات. وعبّرت عن أملها بأن يعي الجميع التداعيات الخطيرة لاستخدام العنف والعنف المضاد في الحركة الإحتجاجية الجارية في البلد، فيتم التجنب عنه في كل الأحوال.

   ولكن الذي حصل خلال الأيام التالية هو تصاعد أعمال العنف بصورة غير مسبوقة واستهداف أعداد متزايدة من المتظاهرين بإطلاق النار عليهم، وحصول اعتداءات سافرة على بعض وسائل الإعلام لمنعها من نقل ما يقع في ساحات التظاهر.

  وفي الوقت الذي أعلنت الجهات الرسمية أنها اصدرت أوامر صارمة بمنع القوات الأمنية من إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين سقط الآلاف منهم بين شهيد وجريح في بغداد والناصرية والديوانية وغيرها، بالاستهداف المباشر لهم من الأسلحة النارية بمرأى ومسمع الكثيرين، في مشاهد فظيعة تنمّ عن قسوة بالغة فاقت التصور وجاوزت كل الحدود.

   إن الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن الدماء الغزيرة التي أريقت في مظاهرات الأيام الماضية،  سواء من المواطنين الأبرياء أو من العناصر الأمنية المكلفة بالتعامل معها، وليس بوسعها التنصل عن تحمل هذه المسؤولية الكبيرة.

  هي مسؤولة عندما يقوم بعض عناصر الأمن باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، ولو بسبب عدم انضباطهم وانصياعهم للأوامر الصادرة اليهم أو لعدم كونهم مؤهلين ومدرّبين للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية بحيث يُتجنّب عن وقوع الضحايا في صفوف المشاركين فيها.

  هي مسؤولة عندما تقوم عناصر مسلحة خارجة عن القانون ـ تحت انظار قوى الأمن ـ باستهداف المتظاهرين وقنصهم، وتعتدي على وسائل اعلام معينة بهدف إرعاب العاملين فيها.

  هي مسؤولة عندما لا تحمي عناصرُها الأمنية المواطنين والمؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة من اعتداءات عدد قليل من المندسين في المظاهرات من الذين لم يريدوا لها أن تبقى سلمية خالية من العنف.

إنّ المرجعية الدينية إذ تدين بشدة ما جرى من إراقة للدماء البريئة واعتداءات جسيمة بمختلف اشكالها، وتبدي تعاطفها مع ذوي الشهداء الكرام ومع الجرحى والمصابين، وتؤكد على تضامنها مع المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين ـ كما بيّنت ذلك في مظاهرات الأعوام السابقة أيضاً ـ تطالب بقوة الحكومة والجهاز القضائي بإجراء تحقيق يتّسم بالمصداقية حول كل ما وقع في ساحات التظاهر، ثم الكشف أمام الرأي العام عن العناصر التي أمرت أو باشرت بإطلاق النار على المتظاهرين أو غيرهم، وعدم التواني في ملاحقتهم واعتقالهم وتقديمهم الى العدالة مهما كانت انتماءاتهم ومواقعهم، ولا بد من أن يتم ذلك خلال مدة محددة ـ كأسبوعين مثلاً ـ ولا يجري التسويف فيه كما جرى في الاعلان عن نتائج اللجان التحقيقية في قضايا سابقة.

  إنّ هذا هو الإجراء الأكثر أهمية وإلحاحاً في الوقت الحاضر، وهو الذي يكشف عن مدى جدية  الحكومة وصدق نيتها في القيام بخطوات واسعة للإصلاح الحقيقي. إذ لن يتيسر المضي في أي مشروع إصلاحي ـ بما يتطلّبه من مكافحة الفساد المالي والاداري وتحقيق درجة من العدالة الاجتماعية ـ ما لم يتم فرض هيبة الدولة وضبط الأمن وفق سياقاته القانونية، ومنع التعدي على الحريات العامة والخاصة التي كفلها الدستور، ووضع حدٍّ للذين يهدّدون ويضربون ويخطفون ويقنصون ويقتلون وهم بمنأى من الملاحقة والمحاسبة.

  إنّ المرجعية الدينية العليا ليس لها مصلحة أو علاقة خاصة مع أيّ طرفٍ في السلطة، ولا تنحاز إلاّ الى الشعب ولا تدافع إلاّ عن مصالحه، وتؤكّد ما صرّحت به في نيسان عام 2006 عند تشكيل الحكومة عقيب اول انتخابات مجلس النواب من أنها (لم ولن تداهن احداً او جهة فيما يمس المصالح العامة للشعب العراقي، وهي تراقب الأداء الحكومي وتشير الى مكامن الخلل فيه متى اقتضت الضرورة ذلك، وسيبقى صوتها مع اصوات المظلومين والمحرومين من ابناء هذا الشعب اينما كانوا بلا تفريق بين انتماءاتهم وطوائفهم واعراقهم). ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

2019/10/11
السيد السيستاني يحمل «الكُتل الكبيرة» مسؤولية ما يجري في العراق

الأخوة والأخوات..

أقرأ عليكم نصّ ما ورَدَنا من مكتب المرجع الدينيّ الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسينيّ السيستانيّ (دام ظلّه الوارف) في النجف الأشرف:

(في الأيّام الماضية وقعت اعتداءاتٌ مرفوضةٌ ومدانة على المتظاهرين السلميّين، وعلى القوّات الأمنيّة والممتلكات العامّة والخاصّة في بغداد وعددٍ من المحافظات، وانساقت المظاهراتُ في العديد من الحالات الى أعمال شغبٍ واصطداماتٍ دامية، خلّفت عشرات الضحايا وأعداداً كبيرة من الجرحى والمصابين، والكثيرَ من الأضرار على المؤسّسات الحكوميّة وغيرها، في مشاهدَ مؤلمةٍ ومؤسفةٍ جدّاً مشابهةٍ لما حصَلَ في بعض الأعوام السابقة.

إنّ المرجعيّةَ الدينيّةَ العُليا طالما طالبت القِوى والجهات التي تُمسك بزمام السُّلطة، أن تغيّرَ من منهجها في التعامل مع مشاكل البلد، وأن تقومَ بخطواتٍ جادّة في سبيل الإصلاح ومكافحة الفساد، وتجاوز المحاصصة والمحسوبيّات في إدارة الدولة، وحذّرت الذين يُمانعون من الإصلاح ويراهنون على أن تخفّ المطالبات به –راهنت- بأن يعلموا أنّ الإصلاح ضرورةٌ لا محيص منها، وإذا خفّت مظاهرُ المطالبة به مدّةً فإنّها ستعود في وقتٍ آخر بأقوى وأوسع من ذلك بكثير، واليوم تؤكّدُ المرجعيّةُ مرّةً أخرى على ما طالبت به من قبل، وتدعو السُّلطات الثلاث الى اتّخاذ خطواتٍ عمليّةٍ واضحة في طريق الإصلاح الحقيقيّ، وتشدّد على أنّ مجلس النوّاب بما له من صلاحيّاتٍ تشريعيّةٍ ورقابيّة يتحمّل المسؤوليّةَ الأكبر في هذا المجال، فما لم تغيّرْ كتلُهُ الكبيرةُ التي انبثقت منها الحكومة من منهجها، ولم تستجبْ لمتطلّبات الإصلاح ومستلزماته بصورةٍ حقيقيّة، فلن يتحقّقَ شيءٌ حقيقيّ على أرض الواقع، كما أنّ السُّلطةَ القضائيّة والأجهزةَ الرقابيّة تتحمّل مسؤوليّةً كبرى، في مكافحة الفساد وملاحقة الفاسدين واسترجاع أموال الشعب منهم، ولكنّها لم تقُمْ فيما مضى بما هو ضروريٌّ في هذا الصَّدَد، وإذا بقي الحالُ كذلك فلا أمَلَ في وضع حدٍّ لاستشراء الفساد في البلد، وأمّا الحكومةُ فعليها أن تنهضَ بواجباتها وتقومَ بما في وسعها في سبيل تخفيف معاناة المواطنين، بتحسين الخَدَمات العامّة وتوفيرِ فرصِ العملِ للعاطلين والابتعاد عن المحسوبيّات في التعيينات الحكوميّة، وعليها تكميل ملفّات المتَّهَمين بالتلاعب بالأموال العامّة والاستحواذ عليها، تمهيداً لتقديمهم الى العدالة.

ونُشير هنا الى أنّ مكتب المرجعيّة سبق أن اقترَحَ في تواصلِهِ مع الجهات المسؤولة، في السابع من آب من عام (2015م) في عزّ الحراك الشعبيّ المُطالِبِ بالإصلاح، اقترَحَ أن تُشكَّلَ لجنةٌ من عددٍ من الأسماء المعروفة في الاختصاصات ذات العلاقة من خارج قِوى السُّلطة، ممّن يحضون بالمصداقيّة ويُعرَفون بالكفاءة العالية والنزاهة التامّة، وتُكلَّف هذه اللّجنةُ بتحديد الخطوات المطلوب اتّخاذُها في سبيل مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح المنشود، على أن يُسمَحَ لأعضائها بالاطّلاع على مجريات الأوضاع بصورةٍ دقيقة، ويجتمعوا مع الفعاليات المؤثّرة في البلد وفي مقدّمتهم ممثّلو المتظاهرين في مختلف المحافظات، للاستماع الى مطالِبِهم ووجهاتِ نظرِهم، فإذا أكملت اللّجنةُ عملها وحدّدت الخطواتِ المطلوبةَ تشريعيّةً كانت أو تنفيذيّةً أو قضائيّة، يتمّ العمل على تفعيلها من خلال مجاريها القانونيّة ولو بالاستعانة بالدّعم المرجعيّ والشعبيّ، ولكن لم يتمَّ الأخذُ بهذا المقترح في حينه، والأخذُ به في هذا الوقت ربّما يكون مدخَلاً مناسباً لتجاوز المحنة الراهنة.

نأمل أن يُغلّب العقلُ والمنطقُ ومصلحة البلد عند مَنْ هم في مواقع المسؤوليّة وبيدهم القرار، ليتداركوا الأمور قبل فوات الأوان، كما نأملُ أن يعيَ الجميعُ التداعياتِ الخطيرةَ لاستخدام العنف والعنف المضادّ في الحركة الاحتجاجيّة الجارية، فيتفادون ذلك في كلّ الأحوال.

أخذ اللهُ بأيدي الجميع الى ما فيه خيرُ العراق وأهله، والسلامُ عليكم إخوتي وأخواتي ورحمةُ الله وبركاته).

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ أهلَنا وبلدَنا، وأن يرينا في الجميع كلّ خيرٍ إنّه سميعٌ مجيب، وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى اللهُ على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


*الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (5 صفر 1441هـ) الموافق لـ(4 تشرين الأوّل 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر وكانت بإمامة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)

2019/10/09
ممثل المرجعية العليا: على الحاكم والمحكوم مراعاة الحقوق

أيّها الإخوة والأخوات في هذا الأسبوع عشنا ذكرى استشهاد ورحيل الإمام السجّاد (عليه السلام)، وبهذه المناسبة يحسن بنا أن نتعرّض الى بعض ما تركه لنا الإمامُ السجّاد (عليه السلام)، من كنوز المعارف الإلهيّة التي غفلنا عن أهميّتها ودورها المهمّ في حياتنا الدنيا والآخرة، أهملناها في تعلّمها ودراستها ونشرها وكذلك تطبيقها، ألا وهي (رسالة الحقوق) التي تُعدّ من كنوز المعارف الإلهيّة العظيمة، التي ليس فقط ينبغي بل يجب أن نتعلّمها وندرسها ونعتني بها، ونطبّقها في حياتنا الدنيا ونحرص على تطبيقها.

(رسالة الحقوق) التي هي شاملة لجميع ما يتعلّق بحقوق الإنسان والمحيط الذي يحيط به، فيحتاج اليها الفردُ البسيط ابتداءً من الحاكم والمحكوم والراعي والرعيّة، وكلّ ما يتعلّق بشؤون الإنسان في مختلف مجالات حياته، لذلك إخواني أدعوكم هنا ونحن نعيش ذكرى رحيل الإمام السجّاد(عليه السلام)، احفظوا هذا الحديث دائماً -إخواني- ونحن سبَقَ أن أكّدنا مراراً وتكراراً على أهميّته، الإمام الرضا(عليه السلام) يقول: (رحِمَ الله من أحيا أمرنا)، أبو الصلت الهرويّ يسأله: كيف نُحيي أمركم؟ بأيّ وسيلةٍ نُحيي أمركم؟ قال: (تتعلّمون علومنا وتعلّمونها الناس، فإنّهم لو علموا محاسنَ كلامِنا لاتّبعونا).

من الوسائل المهمّة في إحياء ذكرى الأئمّة(عليهم السلام) إقامة المجالس للتذكير والتعريف بعلومهم، أيضاً نحن ندرس علومهم ونتعلّم علومهم ومعارفهم، نفهم هذه العلوم ونحرص على تطبيقها، فمن الكنوز العظيمة التي تركها لنا الأئمّةُ(عليهم السلام)، (نهجُ البلاغة) لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) و(رسالة الحقوق) للإمام السجّاد(عليه السلام).

هذا شيء والشيءُ الآخر إخواني ندقّق قليلاً، ما هي تلك الأسباب الأساسيّة في أغلب مشاكلنا ونزاعاتنا وخلافاتنا في الحياة الدنيا؟ نحن لو ندقّق في الأسباب الأساسيّة والجوهريّة لوجدنا أنّها إهمالُنا للحقوق، حقوق بعضنا على البعض الآخر، حقوق الإنسان مع كلّ موجودٍ حوله، حقّه مع الله وحقّ الله تعالى عليه وحقوقه مع الآخرين، أحد المشاكل الأساسيّة إخواني نحن نلاحظ على كلّ واحدٍ منّا، أنّ الواحد منّا دائماً يطالبُ برعاية حقوقه من الآخرين، ويرتّب المشاكل والنزاع والآثار الأخرى إذا لم تُراعَ حقوقُه من قبل الآخرين، ولكن هذا الإنسان هل يُراعي بنفس الدرجة حقوق الآخرين عليه أم لا؟!

لاحظوا إخواني نبتدئ بواحدةٍ واحدة، الكلّ منّا يطلبُ من الله تعالى أن يعطيه كلّ شيء، ولكن هو هل يراعي الأمور -ولو بعضها- التي يريدها الله تعالى منه؟ في داخل الأسرة الزوج دائماً يطالبُ بجميع حقوقه من الزوجة، وإذا لم تُراعِ بعض الحقوق يرتّب المشاكل والنزاع والكثير من الآثار، والزوجة تُطالب الزوج بكلّ الحقوق وترتّب الآثار والمشاكل السلبيّة إن لم يُراعِ الزوج هذه الحقوق، ولكن هي هل تُراعي كلّ الحقوق التي للزوج؟

لاحظوا إخواني القضيّة مهمّة فالحقوق متبادلة، ليس عندنا حقوقٌ من طرفٍ واحد، دائماً إذا نلاحظ في مسألة الحقوق هي متبادلة بين الطرفين، بمعنىً آخر كلّ طرفٍ لابُدّ أن يُراعي حقوق الطرف الآخر، والطرف الآخر لابُدّ أن يُراعي حقوق الطرف الأوّل، الآباء والأولاد -مثلاً-، الأولاد يطالبون آباءهم وأمّهاتهم بجميع حقوقهم، ولكن هل الأولاد يُراعون حقوق آبائهم وأمّهاتهم؟! الواحد منّا يطلب من أبناء مجتمعه أن يراعوا كلّ حقوقه الماديّة والمعنويّة، ولكن هل هو يُراعي حقوق الآخرين كما هو يطلب من الآخرين أن يُراعوا هذه الحقوق؟! هذه مشكلة أساسيّة.

أحدُ المشاكل الأساسيّة وأحدُ الأمور الأساسيّة في مشاكلنا في نزاعاتنا في تخلّفنا في أن نعيش هذه الحالة من التعاسة ومن التخلّف ومن الشقاء ومن المعاناة، أحدُ الأمور الأساسيّة هو أن كلّ واحدٍ يطلب من الآخرين أن يراعوا حقوقه بأجمعها، لكن هو لا يراعي حقوق الآخرين، لو أنّنا وازنّا -حالة التوازن- أنا أطالب الآخرين بهذه الحقوق وعليهم أن يُراعوا الحقوق التي لي عليهم، وأنا أيضاً لو كنتُ بنفس الدرجة ألاحظ وأُراعي وأطبّق حقوق الآخرين عليّ، لما حصلت هذه الأمور في حياتنا الدنيا.

لذلك إخواني -أُلفت نظركم- اهتمّوا ولو بعض الشيء القليل برسالة الحقوق للإمام السجّاد(عليه السلام)، اقرأوها ولو شيئاً يسيراً، إضافةً الى ذلك علينا حقيقةً أن نهتمّ بهذه الرسالة الإلهيّة في الحقوق، في مدارسنا في جامعاتنا في مؤسّساتنا، نثقّف ثقافةً جماهيريّة في داخل الأسرة وفي داخل المدرسة وفي الجامعة وفي الدوائر وفي كلّ مكانٍ، أن نعرّف ونعلّم هذه الحقوق في مجالسنا وحتّى في المجالس الحسينيّة نعرّف بهذه الحقوق، الإمام ماذا قال في إحياء الأمر؟ قال: (تتعلّمون علومنا وتعلّمونها الناس)، في المجالس حينما نُحيي ذكرى الإمام السجّاد(عليه السلام) نعرّف الناس بجزءٍ من رسالة الحقوق التي تضمّنت جميع ما يحتاج إليه الإنسان في الحقوق مع ما يُحيط به، ابتداءً يبيّن الإمام (عليه السلام) أنّ أصل الحقوق هو حقّ الله تعالى على الإنسان، ثمّ بعد ذلك حقوق النفس وحقوق الجوارح وحقوق المجتمع وغير ذلك من هذه الحقوق.

ونذكر هنا إخواني مثالَيْن من هذه الحقوق المهمّة، الإمام (عليه السلام) في بعض هذه الحقوق بيّن حقوق التعايش الاجتماعيّ الصحيح ابتداءً من داخل الأسرة، الإمام (عليه السلام) يبيّن حقوق الزوج على الزوجة وحقوق الزوجة أيضاً على الزوج وحقوق الأبوَيْن، أنا أُلفت نظركم خصوصاً في هذه الأيّام نلاحظ عدم مراعاة حقوق الأبوَيْن حقّ الأب وحقّ الأمّ، لاحظوا نذكر شيئاً يسيراً من ذلك ماذا يقول الإمام (عليه السلام) أُلفت نظر الأبناء، طبعاً الأبناء ليس فقط الشباب أحياناً الابن كبير وأبوه أكبر منه، حتّى هذا الابن الكبير الذي بلغ الأربعين أو الخمسين لا يُراعي حقوق أبيه ولا يُراعي حقوق أمّه، فمسألة مراعاة هذه الحقوق شاملة للجميع وليست مقصورة على الأبناء الشباب، مثلاً يقول الإمام (عليه السلام) في بيان حقّ الأب -والتفتوا الى هذه النقطة المهمّة-: (وحقّ أبيك أن تعلم أنّك لولاه لم تكنْ...) ما معنى هذه العبارة؟ الإمام يُلفت نظرنا أنّ الله تعالى جعل الأب الواسطة والطريق التكوينيّ وفق إرادته في أن يكون وجودُك.

الوجود بذاته هو نعمةٌ عظيمة للإنسان، أنّه يكون مخلوقاً من قِبل الله تعالى وأن تكون له نعمة الوجود، الله تعالى جعل الأب هذه الواسطة والطريق التكوينيّ بمشيئته وإرادته لوجودك في الحياة الدنيا، ولولا الأب أنت أصلاً لم تكنْ موجوداً في الحياة الدنيا، ثمّ يقول: (...فمهما رأيتَ في نفسك ما يُعجبك، فاعلمْ أنّ أباك أصلُ النعمة) نعمة الوجود هذا واحد، نعمةُ التربية، ولا يقصد بالتربية التربية التي نفهمها تربية النفس وغير ذلك، إنّما التربية بمعنى النموّ سواءً كان النموّ الجسديّ، النموّ التربويّ، العلميّ، التعليميّ وغير ذلك من هذه الأمور هي من الأب والأمّ، هذا الأب أصل النعمة إنّما هو سببُها فإحسانه عظيمٌ عليك، أنت عليك أن تردّ له شيئاً من هذا الإحسان.

ثمّ في حقّ الأم يقول (عليه السلام): (فحقّ أمّك أن تعلم أنّها حملتك، حيثُ لا يحمل أحدٌ أحداً، وأنّها وقَتْك بسمعِها وبصرِها ويدِها ورجلِها وشعرِها وبشرِها وجميعِ جوارحِها)، يقول هذه الأم تحمّلت من المعاناة وكابدت من المشاقّ ما لا يتحمّله أحدٌ في الكون بإزائك، هي حملتك تسعة أشهر ثمّ بعد ذلك أتعبت نفسها وجوارحها وكلّ كيانها في سبيل أن تكبر وتنمو وتصل الى هذه المرتبة، لا يكون في يومٍ من الأيّام تحمل شهادةً عُليا أو تكون لك سلطة أو يكون لك جاهٌ ومنصب وموقع في المجتمع أو مالٌ كثير، وأبوك فقير أو أمّك في حالٍ آخر وتنسى تلك النعم أو تنسى ذلك الإحسان العظيم، لابُدّ أن تلتفت الى أصل نعمة الوجود ونعمة التربية والنموّ الى أن وصلت الى هذه المرتبة وأنت ما فيه، إنّما يعود الفضل فيه الى الأب والأم، لا تنسَ هذا الإحسان لا تعجبْك نفسُك إنْ وصلت الى ما وصلت من منصبٍ وجاهٍ ومالٍ وقوّةٍ وسلطة وغير ذلك من هذه الأمور، لا تنسَ أبوَيْك وهذا الفضل العظيم، كما تطالب أبوَيْك بحقوقك فعليك أن تلاحظ هذه الحقوق التي لأبوَيْك عليك.

ثمّ يبيّن الإمام (عليه السلام) حقّ خازن العلم وراعي العلم، ونحن نبتدئ سنةً دراسيّةً لهذا العام في الجامعات والمدارس لابُدّ أن نلاحظ هذا الحقّ، الله تعالى بفضله -والإمام (عليه السلام) هنا يبيّن- بفضله ومنّه جعل هذا الأستاذ وهذا المعلّم وهذا المدرّس جعله خازناً لهذا العلم وحافظاً لهذا العلم، لا يتصوّر أحدٌ أنّه بذكائه وبشطارته وبجهده وصل الى هذه المرتبة، الله تعالى أعطاك العقل الله تعالى أعطاك الذكاء الله تعالى وفّر لك الأجواء حتّى وصلت الى هذا المقام، فجعلك خازناً وحافظاً للعلم، وهذا العلم أمانةٌ في عنقك فعليك أن توصل هذا العلم الى الآخرين، كما جعل الآخرين -إخواني وأعزّائي- الأستاذ كان له أستاذٌ علّمه، والمعلّم كان له معلّمٌ علّمه، والمدرّس كان له مدرّسٌ علّمه، وكانت له مدرسة وكانت له أسرة، هذه الأجواء التي توفّرت له الله تعالى منّ عليه بتوفير هذه الأجواء ومنّ عليه أن هيّأ له أساتذةً آخرين ومعلّمين آخرين علّموه ووفّروا له هذه الأجواء.

فأنت الآن خازنٌ لهذا العلم وهذا العلم أمانةٌ عليك أن تُعطي لهذا العلم حقّه، الطالب أمانةٌ اؤتُمِن عندك من قبل أسرته ومجتمعه وبلده ووطنه، عليك أن تُعطي هذه الأمانة حقّها، الإمام (عليه السلام) يبيّن من خلال هذا الحقّ أن يتعاهد هذا العلم بأن يوصله الى طالبيه، ثلاث نقاط مهمّة ونحن نتبدئ العام الدراسيّ في كلّ مكانٍ فيه تعليم، الإمام يبيّن في هذا الحقّ ثلاثة أمور:

الأوّل: أن يوصل هذا العلم كاملاً تامّاً صحيحاً واضحاً بيّناً، هذا الكتاب -الكتاب الفلاني- عليّ أن أوصل ما فيه من العلوم تامّةً كاملةً غير ناقصة وواضحةً بيّنة، وأحرص على أن أوصل هذه العلوم والمضامين واضحةً بيّنةً لا لبسَ فيها ولا نقصَ ولا غموضَ ولا اشتباه، وعليّ أن أحرص وأتابع الطلبة هل أنّهم فهموا، هل أنّهم حفظوا، هل أنّهم أتقنوا هذه المادّة العلميّة، هذا الحقّ الأوّل.

الثاني: أن أكون رفيقاً متأنّياً صابراً، رحلة العلم شاقّة فأحتاج في الصيف وفي الشتاء أو في الليل وفي النهار أن أوصل هذه المادّة العلميّة -لما ذكرناه من مواصفاتٍ في النقطة الأولى- أن أوصلها وأجعل هذا الرفق بالطالب وهذا التأني والصبر في رحلة إيصال هذه المادّة العلميّة الى الطالب، حتّى إذا انتهيت من السنة الدراسيّة أو من الرحلة الدراسيّة أكون قد اطمأننت من خلال هذه الوسيلة، أمّا الأساليب الأخرى التي هي خلاف ذلك لا نصل منها الى نتيجة.

الثالث: وهي نقطة مهمّة نلفت نظر الإخوة الأساتذة ورئاسات الجامعات وإدارات المدارس والأسر، العلم والعلوم التخصّصية من غير تأديبٍ وتربيةٍ وأخلاقٍ وحكمة لا نفعَ فيها، تتحوّل الى شرّ وأداة ضررٍ للفرد والمجتمع، لابُدّ أن نحرص كما مطلوبٌ منّا أن نوصل مادّة الرياضيات والفيزياء والكيمياء والأحياء واللّغة الإنكليزيّة والعربيّة كاملةً تامّةً واضحة بيّنةً لا لبسَ فيها ولا غموض لعقل الطالب، علينا أن نهتمّ بتربية وتأديب الطالب وتخلّقه بالأخلاق الحميدة، ولابُدّ أن نُعطي قدراً من الاهتمام والعناية بتأديب الطلبة وترقّيهم في المبادئ الأخلاقيّة كما نُعطي اهتماماً بالمادّة العلميّة التخصّصية، وإلّا إن ركّزنا على المادّة العلميّة من دون أن نعتني بتربية هؤلاء الأولاد وتهذيبهم وتخلّقهم ونحرص على أن يكونوا من أصحاب الخُلُق الرفيع، سينحدر الكثير من الطلبة الى الانزلاق في مزالق المخدّرات والفجور والخروج عن المسار الأخلاقيّ الصحيح، وربّما يكونون أعضاء ضارّين في المجتمع مستقبلاً، لذلك هنا الإمام (عليه السلام) يؤكّد في هذه النقطة الثالثة (فإنّ العلمَ عِقادُه الأخلاقُ والحكمة)، لابُدّ أن يكون اعتناؤنا بالأمرَيْن معاً، لذلك الذي نرجوه من جميع المؤسّسات التربويّة على اختلاف مسمّياتها أن يكون الاهتمام كافياً بهذين المجالين الأساسيَّين.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لذلك إنّه سميعٌ مجيب، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (27 محرّم 1441هـ) الموافق لـ(27 أيلول 2019م).

2019/09/28
ما هو موقف السيد السيستاني من احتجاجات «حملة الشهادات العليا»؟

*ولاء الصفار

أعاد الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة، يوم الخميس، نشر موقف المرجعية الدينية العليا من حملة الشهادات العليا في العراق.

يأتي هذا عقب يوم واحد من الاعتداء على المتظاهرين من حملة الشهادات العليا الذين نظموا احتجاجات واعتصامات دخلت في يومها الـ ١٠٦ حتى الآن.

وكان المرجعية الدينية العليا قد خصصت خطبة الجمعة بتاريخ (2/ 8 /2019) لقضيتهم وجاءت تحت عنوان «حملة الشهادات العليا الماجستير والدكتوراه ما بين الطموح والآمال والواقع الأليم».

وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة "تتناقل وسائل الاعلام احتجاج واعتصام جمع من حملة الشهادات العليا من الدكتوراه والماجستير امام بعض الوزارات معبرين عن مطالبهم المحقّة بصفتهم مواطنين في هذا البلد وذلك بمطالبتهم بتوظيفهم ضمن اختصاصاتهم العلمية".

واضاف ان "هؤلاء الخريجين يمثلون النخبة من الطلبة الخريجين ممن بذلوا جهوداً استثنائية اضافية في مجالات علمية ومهنية تخصصية مهمة".

وتابع "هؤلاء يمثلون الطبقة الاكثر إقبالاً وتفوقاً في شريحة الطلبة وهم قد بذلوا جهوداً استثنائية وصعبة خلال مدة مديدة حتى بلغوا هذه المرتبة، وهم بعد هذه الجهود وما صاحبها من آمال وطموحات لديهم ولدينا كمواطنين في هذا البلد ان يصلوا الى تلك المواقع التي يستطيعون من خلالها ان يقدموا خدمة متميزة وكبيرة في مختلف دوائر الدولة ومختلف قطاعات الخدمات".

واستدرك "واذا بهم يجدون انفسهم قد عُطلّت قدراتهم وضُيّعت جهودهم وخُيبّت آمالهم وطموحاتُهم وهم يطمحون ان ينالوا شيئاً مما يسدوا بهِ رمقهم ويحقق لهم ولعوائلهم الحياة الكريمة، واذا الآلاف من هؤلاء يجدوا انفسهم غير واجدين للاماكن التي تليق بشهاداتهم وبحيث ينتفع منهم البلد والشعب انتفاعاً كبيراً".

ولفت الى ان "البعض قد يتذرّع  بأن القدرات الوظيفية لا تَفي بحاجة هؤلاء لأسباب منها ان التعيينات الوظيفية لاتفي وان القطاع الوظيفي الحكومي قد اثقل كاهله بالتعيينات الكثيرة وان الوضع المالي ايضاً لا يساعد على استيعاب هؤلاء وكذلك الخريجين من الكليات والجامعات وكثرة العاطلين".

واشار الى "نحن هنا امام الوضع الذي نعيشهُ وشكوى الكثير من هؤلاء بحيث ان البعض حينما يأتي يقول ربما انا اعمل بعمل احصّل فيه ثمانين الف او مئة الف دينار في الشهر وهو من حملة الشهادات العليا وينتظر طويلا ً حتى يستطيع ان يحقق هذا الامل بعد ان بذل جهوداً مضنية".

ودعا الكربلائي الجهات الحكومية قائلا "نقول هنا ونوجّه كلامنا الى الجهات الحكومية والنيابية المعنية ان تهتم بصورة جادة وفق الاستحقاق القانوني لهؤلاء وغيرهم من ان تضع حلولا ً تتناسب مع الواقع العراقي والوضع المالي".

المصدر: الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

2019/09/26
وكيل السيد السيستاني: الصلاح والفساد لا يجتمعان وهذا هو منهج الإمام الحسين (ع)

إخوتي أخواتي أودّ أن أتحدّث عن مقولة الإمام الحسين (عليه السلام) عندما عُرضت عليه البيعة وهو لا زال في المدينة، بعد حوارٍ طويل بينه وبين الوليد ذكر هذه الجملة قال: (ومِثلي لا يُبايع مثله)، ثمّ ذكر حديثاً آخر، هذه الجملةُ الشريفة من الإمام الحسين (عليه السلام) تمثّل خطّاً عريضاً وواضحاً لمسألةٍ، وهي أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قال: (ومِثلي لا يُبايع مثله)، تارةً الإمام الحسين (عليه السلام) يقول: إنّي لا أبايعُه، هذا له مطلبٌ آخر معناه أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) لا يبايع الطرف الآخر لاختلافٍ واضح بينه وبين الطرف الآخر، وتارةً -كما عبّر الإمام- يقول: (ومِثلي لا يُبايع مثله) كأنّه أشار الى نقطةٍ أخرى، وهذه النقطة الأخرى عامّة، يُمكن أن تنطبق على ما تفوّه به سيّد الشهداء (عليه السلام)، ومُمكن أن تنطبق على ما قبله ومُمكن أن تنطبق على ما بعده.

الإمام (عليه السلام) في هذه الجملة الشريفة جعل هناك خطّين متوازيين لا يلتقيان أبداً، خطُّ (مثلِي) مثّله هو (سلام الله عليه) والخطّ الآخر هو خطُّ (مثلِه) مثّل الطرف المقابل، وعدم البيعة هي عبارة عن عدم الالتقاء أصلاً، يعني أنا لا أُبايع أي أنا لا ألتقي معك أصلاً، لا شكّ أنّ هذا الطراز من البلاغة له من الأهمّية أيضاً بمكانٍ فهذا شعارٌ، الإمام الحسين(عليه السلام) بيّن طريقةً واضحةً للتعامل مع الطرف المقابل، أنّه مِثلي لا يُبايع مِثله تحت أيّ ضغطٍ من الضغوط، لماذا؟ لأنّ هذا منهج وهذا منهجٌ -التفتوا جيّداً لما أقول- يضادّه فلا يُمكن أن يجتمعا، الأمور المضادّة حتّى الأطفال يعرفونها، الآن عندما يأتي طفلٌ تقول له هذه الورقة سوداء وبيضاء لا يُصدّق، يقول: لا يُمكن للسواد والبياض أن يجتمعا في ورقةٍ واحدة هي بيضاء وسوداء، إمّا سوداء أو بيضاء.

الإمام أراد أن يبيّن أنّ هذه المثليّة التي هي عبارة عن منهج، وهذا المنهج هو منهجٌ ممتدّ والمنهجُ الآخر أيضاً هو منهجٌ ممتدّ، لكن هذان لا يُمكن أن يلتقيا لأنّ بينهما تمام المنافرة وبينهما تمام المضادّة، وإنْ أدّى ذلك الى سفك دمه، مسألة بيعة والتقاء هذا لا يُمكن أن يحصل، ولذلك نقرأ هذه القضيّة بإمعانٍ حتّى نعرف أنّ نتيجتها ماذا؟ نتيجتها شهادة كربلاء، الإمام (عليه السلام) والعالِم يُقدّم سمعته ويُقدّم خطّه ويُقدّم فكره على حياته، أنّ (مِثلي لا يُبايع مثله) هذه مسألةٌ مفروغ منها، هذان لا يُمكن أن يجتمعا، لأنّ هناك عند الإمام صلاح وذاك عنده فساد والصلاح والفساد لا يجتمعان، عند الإمام استقامة وذاك عنده اعوجاج وعنده انحراف، فكيف تجتمع الاستقامة مع الاعوجاج والانحراف؟! أمّا الإمام(عليه السلام) عنده أمانة وهؤلاء عندهم خيانة فلا يجتمع الأمينُ مع الخائن، -لاحظوا الأمانة- الإمام السجّاد له مقولة -أنا أتكلّم عن منهج- قال: (لو أنّ الشخص الذي قتل أبي الحسين أودعني السيف الذي قتله به لأرجعتُه إليه)، أميرُ المؤمنين(عليه السلام) في إحدى معاركه حين مسك الماء قال: (اتركوهم يشربوا من الماء) قالوا: هؤلاء أعداؤنا! قال: يشربون من الماء أنا منهجي يختلف، وهم لمّا مسكوا الماء منعوه عن أمير المؤمنين(عليه السلام).

الإمام الحسين(عليه السلام) الحرّ يُجعجع به بألف مقاتل والإمام قال: اسقوهم، قالوا له: هؤلاء آذونا في الطريق! قال: اسقوهم. منهجُ الإمام يختلف، منهج استقامة وأمانة وعدل ورحمة، هم مسكوا المشرعة قالوا: لا تذوق الماء، منعوا عن العائلة وعن الأطفال والنساء الماء، هذا منهج، كيف يلتقي هذا مع هذا؟!!.

الإمام الحسين(عليه السلام) في الأمانة ويعلّمنا النزاهة ويعلّمنا الصدق ونأخذ منه هذه المعارف، المقابل يسرق ويغصب ويقتل، كيف يجتمع هذا مع هذا؟!!، الإمام (سلام الله عليه) منتهى العدل ولا يُمكن أن يظلم، حتّى في واقعة الطفّ وضع خدّه على خدّ ولده عليّ الأكبر ووضع خدّه على خدّ جون مولى أبي ذر، كان يأتي لهذا المقاتل كما يأتي لولده، الطرف المقابل ظالمٌ غشوم يقتل النفس المحترمة المحرّمة، كيف يستقيم هذا مع هذا؟!.

لذلك إخواني وأعزّائي -وهذا الكلام عامّ- كما كانت مقولة الإمام الحسين في ذلك الوقت مستمرّة الى أن يرث اللهُ الأرض ومنْ عليها، لابُدّ أن تكون هناك (مِثلي لا يُبايع مثله)، استحالةُ التقاء الفضائل مع الرذائل، استحالة الالتقاء، ولذلك ذكرنا في أكثر من مناسبة أنّ المنازعة الدينيّة لا تقبل المصالحة، تختلف عن المنازعة الدنيويّة، لأنّ المنازعة الدينيّة هذا شعارُها (مِثلي لا يُبايع مثله)، عليه أن يتحلّى بما عندي أهلاً وسهلاً، عليه أن يترك القتل والسرقة والنفاق والظلم والدجل أهلاً وسهلاً، أمّا أن نكون بهذين الخطّين المتنافرين الذي أحدهما يرفض الآخر فيستحيل أن يلتقيا، فهذه قاعدةٌ ضربها سيّد الشهداء(عليه السلام) وبالنتيجة هي مستقاة من جدّه المصطفى(صلّى الله عليه وآله وسلم) في قوله: (حسينٌ منّي وأنا من حسين)، النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلم) عُرض عليه كلّ شيء، أن اترك هذا الأمر، هؤلاء جهلة.

إخواني الجاهلُ مشكلة، الجاهلُ أو المتجاهل، والمتجاهلُ قد يكون شأنُه أصعب، يعرضون على النبيّ كلّ شيء مقابل ماذا؟ اترك الدعوى، هذا أمرٌ خارجٌ عن أن أترك وما أترك، أنتم الآن في الكعبة تعبدون الأصنام وتتّخذون آلهةً من دون الله، أنا منهجي منهجُ توحيد وهذا غير هذا، لا يُمكن أن يجتمعا، وأميرُ المؤمنين(عليه السلام) مرّ بقصصٍ من هذه القِصص التي لا نتحدّث عنها، وسيّد الشهداء بيّنها وهو في المدينة (ومِثلي لا يُبايع مثله)، أنا أختلف منهجيّاً، منهجي مِثلي، لا الإمام السجّاد يُبايع المقابل ولا الإمام الصادق وحتّى الإمام الرّضا(عليهم السلام)، تعرفون جيّداً تلك المعاناة التي مرّ بها (عليه السلام) بيعة بمقدار أنا وأنت؟ لا، وهذه (مِثلي لا يُبايع مثله)، (لاءات) سيّد الشهداء أرجو أن نقف عندها هذه ليست (لاءات) شعاراتٍ وإنّما (لاءات) حقيقيّة، الإنسان عندما تكون هناك عنده مصداقيّة وحقّانية حقيقيّة يقترب من سيّد الشهداء خطوةً خطوةً، (لا أُعطيكم بيدي...) حقيقةً هي شعارٌ حقيقيّ ولم يُعطِ، (لا أقرّ) هو لم يقرّ، (ومِثلي لا يُبايع) لم يبايعْ، لماذا؟ لأنّ هذا المنهج يختلف عن ذاك المنهج.

لذلك إخواني في كلّ أوقاتنا وأزماننا وعصورنا هذان المنهجان موجودان، هما امتدادٌ الى صراع قابيل وهابيل، الى الحقّ والباطل، الى الخير والشرّ، أحدهما لا يُمكن أن يلتقي بالآخر، يعني الخير لا يخضع للباطل وإن كان الباطل أقوى، وإن كان الباطل استعدى، وإن كان جنود الباطل أكثر، لكن الحقّ لا يخضع إطلاقاً.

وبحمد الله تعالى اليوم نرى سيّد الشهداء(عليه السلام) هو الصوت الأقوى، حتّى بعد أربعة عشر قرناً -كما يتصوّرون- وهو دائماً الصوت الأقوى، يتصوّرون كما قلت في الخطبة الأولى أنّ المُكنة لهم، لماذا؟ لأنّ هذا الخطّ لا يُمكن أن يكون تحت هذا الخطّ.

نسأل الله سبحانه وتعالى بمَنْ نحن بجواره صاحب هذه المقولة (ومِثلي لا يُبايع مثله) أن نكون من الذين يستنّون بسنّته وتكون فيهم كلّ المُثُل من القيم التي جاء بها سيّد الشهداء(عليه السلام)، وأن يُبعدنا وإيّاكم عن الظالمين والمنافقين والحاسدين والكائدين وكلّ جهات الانحراف، ونسأله تعالى التوفيق لما يحبّ ويرضى، أرانا الله تعالى في الجميع كلّ خير، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


*الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (6 محرّم 1441هـ) الموافق لـ(6 أيلول 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر وكانت بإمامة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)

2019/09/07
منبر الجمعة: كيف نجدد معطيات ثورة الإمام الحسين (ع)؟

أيّها الإخوة والأخوات ها نحن نقترب من موسم عاشوراء، ومع اقتراب موسم عاشوراء نستذكر أعظم فجيعة إنسانيّة على مرّ التاريخ، فيها قدّمت تلك الأرواح القدسيّة أنفسها قرباناً من أجل حفظ مبادئ إنسانيّة في العدل والحريّة والكرامة الإنسانيّة، مع ما رافقها من معاناةٍ إنسانيّة قلّ نظيرها في التاريخ، والتي مرّت بها نفوسٌ في قمّة الطهر والعفّة من أجل أن تحفظ لهذا الدين ولهذه الفطرة ولهذا الإيمان جوهره ونقاوته.

أيّها الإخوة والأخوات مع اقتراب موسم عاشوراء يأتي تساؤلٌ مهمّ هنا، وهو: كيف يتسنّى لنا وكيف يُمكن لنا أن نُبقي ونجدّد معطيات ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) العقائديّة والتربويّة والأخلاقيّة والجهاديّة والتضحويّة؟ كيف يمكن أن نُبقي تأثير تلك المعطيات على أنفسنا وعلى واقعنا؟ بحيث نستطيع من خلال هذا التأثير وهذا التجديد أن نقترب من الإمام الحسين (عليه السلام)، وأن نُديم تحقيق تلك الأهداف والمبادئ التي ضحّى من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) في أعظم فجيعةٍ إنسانيّة على مرّ التاريخ الإنسانيّ، كيف يُمكن لنا؟ أيّها الإخوة والأخوات الفرد منّا والمجتمع منّا بسبب تراكم الذنوب (الرين على القلوب) وهذه العبوديّة للدنيا وللذات والأهواء يبتعد تدريجيّاً عن الدين والقيم والمبادئ، ويبتعد عن الإمام الحسين (عليه السلام) وعن مبادئه وقيمه وأخلاقه.

علينا أن نستثمر موسم عاشوراء الاستثمار الأمثل الذي أراده الإمام الحسين(عليه السلام) والأئمّة(عليهم السلام)، من أجل أن نُبقي هذا التأثير لثورة الإمام الحسين (سلام الله عليه) على أنفسنا وعلى واقعنا المرير، لكي نغيّره نحو الأفضل ونحو ما يحبّه الإمام الحسين (عليه السلام)، شهورٌ تمرّ علينا، حبّنا للدنيا ذنوبنا معاصينا ابتعادنا عن نهج الله ونهج الأئمّة (عليهم السلام)، هذا التراكم من الذنوب والمعاصي هذا الرين على القلوب هذه العبوديّة للدنيا للأهواء وهذا التسلّط وغير ذلك من هذه الأمور، تُبعدنا عن الإمام الحسين (عليه السلام)، هذا التساؤل يأتي في هذا الموسم وهو: كيف نحيي هذه المبادئ؟ التفتوا هناك تسع وصايا ومبادئ نذكرها، ولكن لا يسع الوقت في هذه الخطبة أن نذكرها جميعها، سنذكر بعضاً منها:

الأمر الأوّل:

لابُدّ من تحديد طبيعة المسؤوليّة والموقف تجاه التحدّيات والمشاكل والأزمات الأخلاقيّة والثقافيّة والمبدئيّة والقيميّة التي يمرّ بها مجتمُعنا، هناك تحدّيات وأزمات ومشاكل وهناك بُعد في الثقافة والمبادئ والأخلاق وفي القيم عند مجتمعنا عن هذه المبادئ الحسينيّة، سأوضّح ذلك بالتفصيل، كيف نحدّد الأولويّات في المهامّ لإحياء الثورة الحسينيّة؟ كيف نحدّد طبيعة الوظيفة والموقف المطلوب منّا تجاه هذه التحدّيات والأزمات والمشاكل الخطيرة التي تهدّد هويّتنا الدينيّة والثقافيّة والوطنيّة والأخلاقيّة والمبدئيّة؟ لابُدّ أن يكون لنا بصيرة ووعي في أمور ديننا، فيما هي المبادئ المهمّة التي لها الأولويّة في الثورة الحسينيّة، هناك وظائف ومبادئ لها أهمّية كبرى ولها أولويّة وهناك أمور أخرى لها مرتبة ثانويّة، التفتوا إخواني سأذكر مثالاً:

واحدٌ من هذه الأمثلة أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) يقول: (إنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) يقول: خرجتُ، وهذا واضح لكلّ العالم ولدى الكثير، أنّني خرجتُ لا طلباً لرئاسة ولا دنيا إنّما خرجتُ لأنّني أريد أن أؤدّي هذا الواجب وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن التفتوا أيّها المؤمنون والمؤمنات هل أنّ هذا الواجب مسؤوليّتي لوحدي؟ لا تفهموا من كلامي أنّ هذا الواجب مُلقى على عاتقي فقط وعلى عاتق الخواصّ من أصحابي، إنّما أريد أن أستنهضكم أنتم أيّها الشعب أيّها الجماهير، عامّة الناس أستنهضكم بقولي هذا، هذا الواجب ليس محصوراً بي فقط، هذا الواجب لابُدّ أن يؤدّى على مستوى الأداء الجماهيريّ والشعبيّ، نخاطبكم بهذه اللّغة لغة العصر، هذا الواجب لابُدّ أن يؤدّى على مستوى الأداء الجماهيريّ والشعبيّ، لا تتصوّروا أنّ هذا الواجب مُلقى على عاتقي وعاتق الخواصّ، كلامي هذا أنا أبيّن أنّني لم أطلب دنيا أو رئاسة بل أريد أن أؤدّي هذا الواجب المهّم والحسّاس والخطير، ولكن افهموا من كلامي أنّ هذا الواجب ليس مُلقى على عاتقي فقط، بل مُلقى على عاتق الجماهير وعموم الشعب في أن يؤدّوا هذه المهمّة.

الآن نأتي الى واقعنا وحاضرنا، كيف نتعامل مع هذه المفردة وأداء هذا الواجب حينما نمرّ بهذه التحدّيات والأزمات، فنقول هنا: حينما تنتشر المنكرات والفساد بمختلف أشكاله من الفحشاء والكذب والبهتان والغيبة والنميمة، وحينما تُزهق أرواح الأبرياء وحينما ينتشر الاستحواذ على الأموال العامّة والخاصّة بغير وجه حقّ، وحينما تنتشر الرشوة من غير أن يكون هناك رادعٌ من قانون أو أخلاق أو قيم أو ضمير، وحينما تنتشر هذه الرشوة من دون خجلٍ أو حياء، وحينما ينتشر أكل الرّبا من دون رادعٍ ولا خجل ولا حياء، ثمّ بعد ذلك شاهدوا بأعينكم ماذا نرى في بعض الأماكن وماذا نقرأ في وسائل الإعلام من الصحف والقنوات الفضائيّة والوسائل الأخرى، حينما يتجرّأ أهل الفسق والفجور بأن يرتكبوا المنكرات أمام الملأ ولا رادع لهم من قانون أو ضمير أو أخلاق، بل يمارسون المنكرات من دون خجلٍ ولا حياء وليس هناك رادعٌ لهم من عامّة أهل الدين، ماذا تقرأون في الصحف هذه الأيّام وماذا تشاهدون في وسائل الإعلام، هذه المنكرات التي تُرتكب جهراً وعلناً من غير أن يكون لها رادعٌ أبداً، وتُرتكب من دون خجلٍ ولا حياء وتنتشر هذه الأمور.

ماذا تتصوّرون إذا أردنا أن نطبّق مبادئ الثورة الحسينيّة؟ البعض يتصوّر أنتم أهل الدين أنتم الخواصّ قوموا بالردع عن هذا المنكر، ولا شغل لنا نحن العامّة بهذه الأمور، حينئذٍ -التفتوا الى هذه العبارة- حينما نرى هذا الواقع أمامنا وتُرتكب هذه المنكرات ويتجرّأ أهل الفسق والفجور من غير رادعٍ ولا نكير من عامّة الناس ومن عامّة أهل الدين، حينئذٍ يكون العمل على النهي عن المنكر بأساليبه الشرعيّة والقانونيّة من أجلى مصاديق الولاء والانتماء الصادق للإمام الحسين (عليه السلام)، ومن دون ذلك يكون هذا ولاءً كاذباً وانتماءً كاذباً للإمام الحسين (عليه السلام)، هكذا ينبغي أن يكون فهمنا لحقيقة وجوهر القضيّة الحسينيّة.

أذكر لكم مثالاً على صدق الولاء، حينما شاهدنا بأمّ أعيننا أداء الواجب على مستوى الأداء الجماهيريّ والشعبيّ، وليس الأداء على مستوى الخواصّ، حينما شاهدنا بأمّ أعيننا كيف كانت الاستجابة الجماهيريّة والشعبيّة لنصرة الدين والوطن في فتوى الدفاع الكفائيّ عن العراق، كيف آتت أكلها وكيف سجّلت شاهداً تاريخيّاً عظيماً على حقيقة الولاء وصدق الانتماء للإمام الحسين(عليه السلام)، لاحظوا إخواني الفتوى لوحدها لا تكفي، هذه حماية الوطن والدين والأعراض والمقدّسات بشيئين، بفتوى الدفاع عن العراق والمقدّسات والاستجابة ليست من الخواصّ فقط بل هذه الاستجابة الجماهيريّة الشعبيّة في أداء هذا الواجب الكفائي، هو الذي سجّل ذلك الشاهد التاريخيّ العظيم، على أنّ لهؤلاء الذين استجابوا صدق الولاء والانتماء للإمام الحسين(عليه السلام)، هكذا نريد أن نتحدّث، الإمام الحسين (عليه السلام) حينما يقول: (إنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي) يريد أن يقول أنا من الخواصّ وأنا الإمام المعصوم خرجتُ لأؤدّي هذه الوظيفة وأن أقف في وجه المنكر والفساد والظلم والانحراف، ولكن معنى هذا الكلام أنّي أستنهضكم (ألا من ناصرٍ ينصرنا) ما معنى ذلك؟ إنّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمّة جدّي هذا واجبٌ أؤدّيه وعليكم أيّها الجماهير أيّها الشعب أيّها الناس يا من لكم الغيرةُ على دينكم ووطنكم، هذا كلامي يستبطن أنّني أستنهضكم لأداء هذه المهمّة وهذا الواجب، كما أنّ فتوى الدفاع الكفائي خرج الخواصّ وخرجت الجماهير وعموم الشعب فأدّوا هذا الواجب الكفائيّ.

وكان ذلك قد سُجّل في التاريخ شاهداً إيمانيّاً تاريخيّاً عظيماً على أنّ هؤلاء صادقون في انتمائهم وولائهم، وهؤلاء فهموا ووعوا حقيقة وجوهر القضيّة الحسينيّة فخرجوا مجاهدين ومضحّين بأنفسهم في سبيل حماية وطنهم ودينهم وأعراضهم ومقدّساتهم، افهموا وعُوا حقيقة وجوهر القضيّة الحسينيّة، أداء هذا الواجب في الإصلاح ومكافحة الفساد والنهي عن المنكر، على مستوى -بين قوسين- الأداء الشعبيّ والجماهيريّ، قضيّة جوهريّة في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) إحياؤها بأن نفهم ونعي ونؤدّي هذا الواجب في النهي عن المنكر، وأن يكون هناك صوتٌ يصرخ في وجه المنكر والفجور والفسوق والفساد، هكذا نفهم حقيقة وجوهر القضيّة الحسينيّة.

الشيءُ الآخر الذي نحتاج اليه هو الحفاظ على الهويّة الثقافيّة والوطنيّة والدينيّة والأخلاقيّة لمجتمعنا وخصوصاً شبابنا، في هذه الأيّام تزايدت الحملات على شبابنا في طمس هويّتهم الثقافيّة والأخلاقيّة والدينيّة وغير ذلك من الأمور، ما يعنينا في أن نفهم جوهر القضيّة الحسينيّة أن نتصدّى لهذه الحملات بكلّ جهودنا من أجل الحفاظ على هويّة شبابنا بالخصوص وعموم المجتمع، هذه الهويّة الثقافيّة والدينيّة وأنا أودّ أن أبيّن مسألة مهمّة:

قد يقول البعض إنّ شبابنا الآن لديهم الكثير من المعاناة والمحن والأزمات والمشاكل، يمرّون بظروف حياتيّة معيشيّة صعبة وقاسية، يعيشون ظروفاً نفسيّة معقّدة وصعبة، وهم في حالةٍ من الإحباط النفسيّ وفقدان الأمل، هذا أمرٌ يُشغلهم عن الحفاظ على الهويّة الثقافيّة والوطنيّة والأخلاقيّة، نعود الآن.. كيف نستطيع أن نربط هؤلاء الشباب بالقضيّة الحسينيّة؟ طبعاً هذا الأمر معنيٌّ به الجميع، كيف نستطيع أن نربطهم بشباب القضيّة الحسينيّة؟ نأتي الآن الى الشباب -أراجيزهم- أراجيز الشباب الذين قاتلوا في معركة الطفّ ماذا نفهم منها؟ علينا أن نعرّفهم بما كان يفهمه هؤلاء الشباب الذين قاتلوا، والآن أيضاً الشباب الذين قاتلوا في معركة الدفاع الكفائيّ عن العراق.

أحد الشباب -كما بيّنّا- شابٌّ صغير الآن هو في الجامعة، وكان أبوه متمكّناً والله تعالى منعمٌ عليه، أراد أن ينهاه عن الذهاب للقتال، قال له: أبي هل تريد منّي أن أستبدل الجنّة بقطعةٍ من الحديد؟!! التفتوا إخواني هذا الشابّ الصغير طالبٌ في الجامعة وهو ما زال في مقتبل العمر، أبوه من شدّة حبّه له أراد أن يثنيه عن الذهاب الى القتال، انظر هذه المقولة له تعكس فهمه لحقيقة الحياة الحقيقيّة، يقول: تريد منّي أن أستبدل الجنّة بقطعةٍ من الحديد؟!! ربّما البعض من الشباب يفهم الحياة على أنّه عليه أن يسعى لينال وظيفة وشهادة جامعيّة وزوجة ومال وسيارة وترفّه في الحياة، نعم.. هذا مطلوب بمقدار، ولكن علينا أن نفهم ما هي الحياة الأسمى والحياة الحقيقيّة التي يجب علينا أن نبحث عنها، لتحقّق لنا السعادة والرخاء والكمال الذي نتمنّاه؟ الحياة الحقيقيّة لا الزائفة كما نفهم من مقولة شباب ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) وهذا الشابّ وأمثاله ممّن قاتلوا وضحّوا بأنفسهم.

علينا أن نتصدّى لنُفهِم هؤلاء الشباب ما هي الحياة الحقيقيّة التي علينا أن نسعى من أجلها؟ وما هي قيمة الأخلاق؟ ما هي قيمة الهويّة الدينيّة والوطنيّة؟ ما هي قيمة سموّ المُثُل والمبادئ والقيم في حياة الإنسان؟ علينا أن نسعى لأن نُفهِمهم ونوعّيهم بهذه الأمور، نعم.. هناك الآن عديدٌ من الجهات التي تقوم بهذه المهمّة، الآن نشكرهم ونثني على جهودهم وجزاهم الله تعالى خيراً، الشباب الآن بهذه الوسائل الجذّابة التي تُفتن هؤلاء الشباب وتطمس هويّتهم وتحرفهم عن مبادئهم وأخلاقهم وقيمهم، وحتّى في عاداتهم ومظهرهم الخارجيّ، انظروا إخواني كم من الشباب طُمست هويّتهم حتّى بمظهرهم الخارجيّ فضلاً عن العادات والأخلاق والقيم والمبادئ التي انصرفوا وانحرفوا عنها الى مبادئ وأخلاق وثقافات غريبة عن مجتمعنا وبعيدة عن هويّتنا.

هناك حملةٌ على الشباب لحرفهم عن مبادئهم الدينيّة والإيمانيّة نحو الإلحاد واللادين، ونحو حرف هذه الهويّة العظيمة في الأخلاق والمبادئ والقيم التي نادى بها الإمامُ الحسين (عليه السلام)، ماذا علينا أمام هذا التحدّي؟ هذا هو الإحياء للثورة الحسينيّة ومبادئ قيم الإمام الحسين(عليه السلام)، متى ما كانت لنا جهود في أن نحفظ لهؤلاء الشباب هويّتهم الدينيّة والأخلاقيّة والمبدئيّة والقيميّة، وننشغل ببذل المال والجهود ومختلف الوسائل من أجل أن نحفظ لهم هويّتهم الدينيّة والوطنيّة، حينئذٍ نقول: نحن صادقون في انتمائنا وولائنا للإمام الحسين(عليه السلام)، ونحن صادقون في إحيائنا لفجيعة الإمام الحسين(عليه السلام).

هذه الأمور التي لها الأولويّة علينا أن نعطيها الاعتبار ونُشعر أنفسنا بأهمّيتها وجوهرها وحقيقتها وخطورتها في حياتنا، ونعطيها المزيد من الاهتمام وبذل الجهود والمال، هذا واحدٌ من الأولويّات في الوظائف التي علينا أن نؤدّيها، التفتوا إخواني هناك أولويّات وهناك مهامّ ووظائف تأتي في مرتبةٍ بعد هذه المرتبة، هذه التوصية الثانية وهناك تسع وصايا، هذه الأولى والثانية نبيّن فيها أنّنا نريد منكم وعياً ونريد منكم فهماً لحقيقة وجوهر القضيّة الحسينيّة، حتّى تكون حسينيّاً صادقاً انتبهْ وافهمْ وعِ ما هي حقيقة هذه المبادئ والثورة الحسينيّة، كيف تكون موالياً حقيقيّاً وحسينيّاً صادقاً للإمام الحسين(عليه السلام) وقد ضربنا لكم الأمثلة في ذلك، فليكنْ هؤلاء قدوةً لكم.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لأن نحيي هذه الثورة الحسينيّة كما يحبّ الله تعالى والنبيّ(صلّى الله عليه وعلى آله الأطهار) إنّه سميعٌ مجيب، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


* النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في (28 ذي الحجّة ١٤٤٠هـ) الموافق لـ (30 آب 2019م)

2019/08/31
وكيل السيستاني يحذر من البطالة: على الجهات المعنية أن تتصدى

إخوتي أخواتي أعرض عليكم الأمر التالي وأكون بخدمتكم فيه.

من الأمراض التي قد تمرّ في حياة كلٍّ منّا، وقد تسبّب بعض المشاكل تارةً شخصيّة وتارةً أخرى اجتماعيّة، والتي قد تتوسّع هذه الدائرة شيئاً فشيئاً بسبب طبيعة هذه الحالة هي حالة الفراغ، أنا عبّرتُ عنها وقلتُ هي من الأمراض، والفراغ معناه أنّ الإنسان غير مشغول ظاهراً بعملٍ سواءً كان فراغاً روحيّاً أو بدنيّاً فيشعر بحالةٍ من الحالات هي أشبه بالضياع.

الفراغ هذا له مناشئه وله أيضاً علاج، أنا الآن لا أريد أن أتحدّث عن الفراغ الروحيّ، بمعنى أنّ الدين ليس حديثي في هذه النقطة، نعم.. هذا مبحثٌ في غاية الأهمّية لكن الآن حديثي ليس متعلّقاً به، وإنّما حديثي يتعلّق في مسألة ضياع الهدف والشعور بالفراغ لسببٍ أو لآخر، خصوصاً عندما تكثر المشاكل ونبحث عن بعض جذور المشاكل نجد أنّ هناك حالةً من عدم الشعور بأيّ مسؤوليّةٍ ناشئة من فراغٍ ما أوجَدَ هذه المشكلة، الفراغ واقعاً له مردوداتٌ سلبيّة على الإنسان، الإنسان يشعر بنفسه فارغاً، هل هناك عملٌ بدنيّ يؤدّيه؟ لا عمل عنده، بالنتيجة يرى أنّ وقته بدأ يتبدّد بلا ثمرةٍ حقيقيّة ترجع اليه أوّلاً والى الآخرين ثانياً.

هذه الحالة عادةً الجهات المسؤولة تحذّر منها، يعني تحذّر من بقاء الفراغ الى آمادٍ طويلة، لماذا؟ -من جهةٍ شرعيّة أتحدّث- أنّ الفراغ غير محبّب عندنا، أن الإنسان يبقى بلا أيّ عملٍ غير محبّب، ومن جهةٍ اجتماعيّة الفراغ فيه مشاكل، من جهة مجتمعات ودول، الدول أيضاً تحاول أن توجد مساحات من العمل حتّى لا يبقى الفراغ عند أبنائها، وذلك شعوراً منها بالمشاكل التي يولّدها الفراغ.

كلّ مشكلةٍ إذا لم تُحلّ تبقى وقد تنتفخ وتكبر وتولّد مشاكل أخرى جانبيّة، مقتضى حرص الإنسان على نفسه وعلى أبناء جلدته أن يبيّن مفاسد هذه الحالة أي حالة الفراغ، طبعاً كذلك الفراغ فيه حالةٌ من ضياع الهدف خصوصاً إذا كان عند بعض الفئات الشبابيّة التي تشعر بأنّها تريد أن تعمل، وتشعر بأنّها عندها طاقة تريد أن تفرغ هذه الطاقة بعملٍ ما، ثمّ لا تجد الى ذلك سبيلاً، هذا الفراغ غير المشغول سيولّد عملاً لا تُحمد عقباه، بمعنى أنّ بعض الأعمال السيّئة ناشئة من الفراغ.

الإنسان الذي لا يستطيع أن يُشغل وقته بشيءٍ نافع، يبدأ يفكّر بطريقةٍ أخرى حتّى يشغل نفسه بها، وهذه الطريقة الأخرى قد تكون مضرّةً بالآخرين، لاحظوا إخواني.. شابّ في مقام الفتوّة والنضوج يشعر بالفراغ، إضافةً الى شعوره هذا هناك حاجيّات يريدها لكنّها لا تتحقّق، فماذا يفعل؟ إمّا أن يقضي وقته بالنوم وإذا قضى وقته بالنوم سيتحوّل الى حالةٍ من التوتّر دائماً.

كلّ إنسانٍ إذا كان يشعر بأنّه غير مُنتِج سيتعب، -أعيد هذه العبارة- أيّ إنسان يشعر بأنّه غير مُنتِج سيتعب، فلابُدّ من أن يشعر أنّه مُنتِج وأنّه نافع وفعلاً هو نافع، البعض قد يَكسَل أو يُكسِل نفسه، وذكرنا في خطبةٍ سابقة التحذير من هذه القضيّة، فالكسل حالةٌ من التعطيل، يقضي وقته بالنوم ويتحوّل الى عاطلٍ فإذا أراد أن ينام ولم يتمكّن من أن ينام سيستعمل بعض الوسائل التي تُنوّمُه قهراً، وشيئاً فشيئاً سيتحوّل الى حالة ضياعٍ والى حالة إدمان -والعياذ بالله-.

الإنسان إذا كان عنده فراغ وليس له عملٌ سيحاول أن يكسب من طريقٍ غير شرعيّ، ويحاول أن يفرغ هذه الطاقة بأمورٍ أخرى تضرّ نفسه وتضرّ المجتمع، الآن أمامنا بعض الإحصاءات لا أذكر أرقاماً لكن بعض الإحصاءات حقيقيّة، فبعض الشباب عندما تأتي اليه وتجلس معه تراه ناضجاً وهو ليس من أرباب السوابق -كما يقولون-، لكنّه ذهب الى مذاهب شتّى فبدأ شبابه يضيع، وعندما تسأل تجد الحالة الأساسيّة عنده الفراغ، وعمليّة الفراغ عمليّة مدمّرة، ولعلّ من باب الطريفة الآن حضراتكم كلٌّ في عمله، إذا يرى نفسه يجلس في البيت يومين أو ثلاثة بلا عمل حقيقةً يُحدث مشاكل حتّى في البيت، لأنّه متعوّد على أن يُنتج فعندما يجلس بلا عملٍ لا تناسبه هذه القضيّة، فيُحاول أن يتشاجر ويُحاول أن يُحدث بلبلةً في البيت، فكيف إذا كانت نسبة الفراغ عندنا كبيرة وكثيرة؟!.

طبعاً إخواني هذا جزءٌ من المشكلة التي قطعاً لابُدّ أن تُحلّ، على الجهات المعنيّة -أيّ جهةٍ معنيّة تعرف تكليفها- أن تستوعب الناس الذين يعيشون حالة الفراغ التي تؤدّي الى أمورٍ لا يُحمد عقباها، فعليها أن تؤشّر الى وجود حالةٍ حقيقيّة ومؤلمة، في عين الوقت عليها أن تتصدّى لاستيعاب من يعيش حالة الفراغ.

الحالة الثانية حالة نفس الشخص الذي يشعر بالفراغ، أقول له: حاولْ أن لا تجعل نفسك فارغاً دائماً، ماذا تفعل؟ قطعاً هناك مسائل كثيرة يُمكن أن تفعلها غير الذي تفعل، لا تجعلْ نفسك أسيراً للفراغ، الفراغ فيه مشاكل وفيه أفكار وهميّة وفيه اعتقادات، أشياء ناشئة من خيالات قد تعتقدها أموراً صحيحة وهي ليست كذلك.

ليس من الصحيح أن يكيّف الشخص نفسه ويعيش مع حالة الفراغ، يعني أن لا تكون حالة دائميّة، نعم.. الإنسان يحتاج عندما يعمل أن يرتاح، الراحة إخواني غير الفراغ، أنا أتكلّم عن حالةٍ كثيرة وشائعة لا أتكلّم عن حالة الراحة، الإنسان يحتاج أن يرتاح يوماً يومين عشرة لا بأس، أنا أتحدّث عن حالةٍ كما قلت ضياع، يعني لا يوجد هدفٌ حقيقيّ من وراء الإنسان ماذا يريد، قطعاً بعض المشاكل العامّة تؤثّر لكن أقول لا تكنْ أسيراً للفراغ، إذا كنت كذلك ستضيع أكثر، لابُدّ للذي يعيش هذه الحالة أن ينتبه ولا يكون غافلاً عن كثيرٍ من الأمراض التي يوجدها الفراغ.

الإنسان يجب أن لا يعيش حالةَ الوحدة والفراغ، ويحاول أن يرتّب وضعه بطريقةٍ إيجابيّة لا تسيءُ لنفسه -لا قدّر الله- وتسيءُ الى المجتمع، طبعاً هذا حديثٌ طويل وقطعاً يحتاج الى معالجاتٍ جذريّة، وبعض الشباب عندما يعيش حالة الفراغ يسكت وبعضهم يقول: أنقذوني من هذه الحالة، أنا درستُ وتعلّمتُ -مثلاً- والآن لا أعرف ماذا أفعل، بعض الأبواب موصدة أمامي، نعم أنا معه وأقول: لابُدّ أن تُفتح الأبواب أمامه من أجل استيعاب هؤلاء الذين يعيشون في الفراغ، هذا كلامي للآخرين أمّا الكلام الذي لك مع ذلك لا تستسلمْ لحالة الفراغ وتكون أسيراً الى أمورٍ أخرى قد تؤدّي بك الى ما لا يُحمد عقباه.

هذا ما يسمح به الوقت عسى الله سبحانه وتعالى أن يرينا في أعزّتنا وأهلينا أن يكونوا دائماً مشغولين بالعمل النافع والعمل الصالح الذي فيه نفعٌ للبلاد والعباد، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


*الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (21 ذي الحجّة ١٤٤٠هـ) الموافق لـ(23 آب 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر وكانت بإمامة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)

2019/08/24
ممثل السيد «السيستاني»: العمل مبدأٌ وطني وله قيمة وطنيّة عليا

أيّها الإخوة والأخوات موضوعنا في الخطبة الثانية هو: العمل الوظيفيّ بين الاستحقاقات الشرعيّة والوطنيّة والأخلاقيّة وبين واقع الحال، ونعرض هنا مقدّمة، مقصودُنا بالعمل الوظيفيّ ليس هو العمل الذي يُكلّف به الموظّف، سواءً كان طبيباً أو مهندساً أو معلّماً أو أستاذاً أو غير ذلك، هذا جزءٌ مهم، العمل الوظيفيّ الذي نذكره هو يشمل بالدرجة الأساس هؤلاء المكلّفون بأعمال وظيفيّة، أو أيّ شخصٍ مكلّف بعملٍ لخدمة سواء كان موظّفا ًأو له حرفة ومهنة، أي يشمل الجميع وليس مقصودنا من خلال هذه المبادئ وما يتعلّق بمنافاتها التي سنذكرها في هذه الخطبة، قد يتصوّر البعض أنّها محصورة وضيّقة بالموظّفين فقط، بل هي تشملهم أوّلاً وتشمل أيّ إنسان مكلّف بأداء مهمّة وخدمة ووظيفة للباقين، سواءً كان فلّاحاً أو نجّاراً أو سائقاً أو صاحب مهنة وإن لم يكن موظّفاً في دوائر الدولة، ولكنّ المعنيّ بهم أساساً الإخوة الموظّفون بمختلف أعمالهم ووظائفهم.

ضرورة من ضرورات الحياة

هنا لابُدّ من مقدّمة نذكرها، بالنسبة الى العمل لا شكّ أنّه من ضرورات الحياة المعيشيّة الاجتماعيّة الاقتصاديّة التربويّة، العمل يُعتبر ضرورة من ضرورات هذه الحياة، العمل مبدأٌ للكمال الإنساني وارتقاء الإنسان الى المراتب التي تليق به، أيضاً هو أساسٌ للتطوّر للازدهار للرخاء للعزّة والكرامة والسعادة التي ينشدها الإنسان فرداً ومجتمعاً، التفتوا الى هذه الأمور التي نذكرها في المقدّمة ثمّ بعد ذلك نذكر المبادئ، لذلك لاحظوا إخواني، هو ضرورةٌ من ضرورات الحياة، مبدأٌ للكمال الإنسانيّ وأساسٌ لعمارة الأرض واستخلاف الإنسان في الأرض للتطوّر والازدهار وللعزّة والكرامة والموقعيّة التي تليق بالإنسان فرداً ومجتمعاً، لذلك قلّما نجد آيةً من آيات القرآن الكريم إلّا قرنت العمل بالإيمان، بهذه المهمّات التي ذكرناها، إلّا إذا كان هناك في دائرة العقائد البحتة والمجرّدة لا يُذكر، ولكن قلّما نجد آيةً تذكر الإيمان إلّا وذكرت العمل معه.

موضوعنا هنا نخصّ العمل الوظيفيّ باعتبار له دورٌ حسّاس ومهمّ في تحقيق الحاجات الأساسيّة والضروريّة للحياة، معيشةً خدماتٍ طبيّة خدماتٍ تعليميّة وتربويّة وغير ذلك من هذه الأمور، العمل الوظيفيّ بالأساس دوره أيضاً في تحقيق الازدهار والرخاء والراحة والسعادة والازدهار والموقعية والعزّة والكرامة للفرد والمجتمع داخليّاً وخارجيّاً، هذه مقدّمة إخواني.

ما هي مبادئ صلاح العمل وكماله؟

وكيف نحقّق هذه الغايات التي نرجوها جميعاً؟ انظروا إخواني الآن، هذه المبادئ التي سنذكرها للإنسان المتديّن الذي يؤمن بالله تعالى، وهي مبادئ موجودٌ بعضُها حتّى في المجتمعات التي لا تؤمن بدين، وسنبيّن السبب في ذلك، لذلك هي مبادئ عامّة للجميع ولا تقتصر على الإنسان المؤمن، حتّى الذي لا يصلّي ولا يصوم الآن من أجل أن نحقّق هذه الغايات أو بعضها لابُدّ من ملاحظة هذه المبادئ والتقيّد بها، من أجل الوصول الى هذه الأهداف التي ذكرناها.

أوّل مبدأ محبوبيّة العمل عند الإنسان، هذه المحبوبيّة ما هو منشؤها؟ كيف نجعل العمل محبوباً عندنا؟ هذا يرتبط بقضيّة مهمّة إخواني، سنتكلّم مع المتديّنين وغير المتديّنين، إذا اعتبر الإنسان العمل مبدأً من مبادئ الحياة الدينيّة والإيمانيّة أو اعتبره له قيمة عُليا في حياته وحياة مجتمعه، تعامل معه على أنّه مبدأٌ من مبادئ الحياة وله قيمةٌ عُليا وغايةٌ سامية في حياته، تارةً هناك إنسانٌ مؤمن يعتبر العمل له قيمة إسلاميّة وله قيمة دينيّة وله قيمة إيمانيّة عُليا، كما ذُكر في الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة، يعتبره مبدأً من مبادئ الدين، أيّ عملٍ يقوم به يتعامل معه هكذا، وتارةً هناك إنسان يعتبره مبدأً وطنيّاً له قيمة وطنيّة تتعلّق بشعبه ووطنه، يقول هذا العمل يُساهم في تقدّمي وازدهاري وفي راحتي وفي سعادتي لتحقيق العزّة والكرامة والسؤدد والسيادة لشعبي وبلدي، يعتبره مبدأً وطنيّاً له قيمة وطنيّة عُليا، وتارةً يعتبره ذا قيمةٍ أخلاقيّة عُليا، تارةً نتعامل مع العمل هكذا وتارةً نتعامل معه على أنّه مبدأٌ مادّي يحقّق لي أهدافاً ماليّة ضيّقة تتعلّق بالجوانب المادّية البحتة من حياتي، وتتعلّق بتحقيق احتياجاتي الذاتيّة سواءً كنت شخصاً أو كياناً أو حزباً أو جهةً معيّنة، ولا أعتبره مبدأً من مبادئ الإيمان ولا مبدأً وطنيّاً ولا مبدأً أخلاقيّاً، حينئذٍ سيكون حبّي للعمل بمقدار ما يحقّق لي من نتائج ماديّة، أمّا إذا اعتبرته مبدأً إلهيّاً ومبدأً إيمانيّاً ودينيّاً وأحببتُه لأنّ الله تعالى يحبّه ولأنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) يحبّه والأئمّةُ يحبّونه والصالحون يحبّون هذا العمل، حينئذٍ أتعامل معه على أنّه مبدأٌ له غايات سامية فأندفع بإخلاصٍ وأُتمّ هذا العمل وأُتقنه، وأقدّم هذا العمل بمختلف خصوصيّاته ومختلف الجوانب التي تحقّق الغاية المرجوّة وهي خدمة الناس والوصول الى الأهداف الأخرى، أمّا إذا تعاملتُ معه -وهو عند الكثير- على أنّه كلّما هذا العمل أعطاني جوانب ماديّة شخصيّة، حينئذٍ لا يتوفّر لي الدافع القويّ لكي أخلص وأُتمّ وأُتقن وأقدّم كلّ ما لديّ من طاقات في سبيل إنجاز هذه الخدمة، ولا يكون العملُ عندي محبوباً بهذه المنزلة، لذلك علينا إخواني جميعاً -موظّفين وغير موظّفين- أن نجعل العمل وننظر إليه هذه النظرة المبدئيّة وهي أنّه له قيمة عُليا، التفتوا إخواني بعضُ الدول لا تؤمن بدين ولكنّها تقدّمت وازدهرت وارتقت ولها موقعٌ كبير عند الشعوب الأخرى، لماذا؟ دقّقوا في هؤلاء الذين يعملون في مختلف مواقع العمل من موظّفين وغيرهم، تجدون أنّ العمل يمثّل لهم مبدأً وطنيّاً ومبدأً أخلاقيّاً وهم لا يؤمنون بدينٍ أصلاً، يقول:

هذا العمل أنا أخدم به شعبي أخدم به وطني وأرتقي بعزّة وكرامة وموقعيّة وطني وشعبي لدى الدول والأمم الأخرى، ينظرون الى العمل كمبدأٍ له قيمة وطنيّة عُليا وسامية لا ينظرون اليه على أنّ له مردوداً ماديّاً وشخصيّاً فقط، لذلك تقدّموا وازدهروا وأصبح العمل محبوباً لديهم بهذا الإطار وهذا المنظار، لذلك إخواني أوّل ما تبدأون إذا أردتم أن تكون لديكم مبادئ لصلاح العمل وإنجازه، كما يحبّه الله تعالى ويحبّه النبيّ وآله الأطهار أو كما يحبّه شعبكم ووطنكم، لابُدّ أن تكون لدينا نظرة مبدئيّة قيميّة عُليا للعمل فيكون محبوباً لدينا، هذا المبدأ الأوّل.

الإخلاص

المبدأ الثاني الإخلاص في العمل، إخواني الصفة الأساسيّة، لماذا اختار الله تعالى محمد بن عبد الله سيّد الأنبياء والرسل؟ لماذا اختار فلاناً نبيّاً للأمّة الفلانيّة؟ كثيرٌ من الناس موجودون لماذا اختار فلاناً وفلاناً نبيّاً ووصيّاً ووليّاً، أوّل صفة هي الإخلاص لله تعالى في الإيمان والعمل، تارةً الإنسان يكون مخلصاً لله تعالى عندما يربط عمله بالله تعالى، تارةً الإنسان يكون مخلصاً لوطنه وشعبه، هناك تفاضل بين البشر بصفة الإخلاص لله تعالى إن كان مؤمناً بالله تعالى أو القيم الإنسانيّة الأخرى التي يؤمن بها، لذلك إخواني إذا أردنا الاستثمار الأمثل للموظّفين والأطبّاء والمهندسين نحن جميعاً إذا أردنا أن نستثمر أفضل استثمار لطاقاتنا العقليّة والجسديّة ولإمكاناتنا حياتنا أمورنا أوقاتنا كلّ شيء لدينا، إذا أردنا الاستثمار الأمثل لهذه الطاقات والقدرات، والاستثمار الأمثل للحياة والوصول الى أفضل النتائج، لابُدّ أن يكون لدينا إخلاصٌ في عملنا لله تعالى، لا نطلب بعملنا مقابلاً، ونحن بيّنّا في الخطبة الأولى أن لا يتأثّر عملي وخدمتي وعطائي سواءً نلتُ مبالغ ماليّة كبيرة أو لا، سواءً نلت منصباً أو لم أنله، مكسب انتخابيّ جاه منزلة ذكر مدح ثناء إطراء، إن لم أنلْ شيئاً من ذلك لا يتأثّر عملي وخدمتي وعطائي للآخرين، هذا هو الإخلاص، أو إذا نلت أذىً من وراء خدمتي لا أتراجع الى الوراء، هذا الإخلاص الحقيقيّ في أداء العمل والوظيفة لكلّ إنسان.

أخلاقيات العمل

ثالثاً أخلاقيّات العمل، ما معنى أخلاقيّات العمل؟ أنا موظّف -مثلاً- حين أقدّم خدمة إنّما أريد أن أخدم إنساناً لا أخدم جماداً، أنا طبيب أخدم مريضاً إنساناً، معلّم أخدم طالباً إنساناً، موظّف أخدم مراجعاً إنساناً لا أخدم جمادات، لذلك حينما أقدّم هذه الخدمة عليّ أن أقدّم هذه الخدمة بأخلاقيّات الإنسان الراقي، لا أنظر الى عملي كإنتاج الماكنة الجامدة، بل أنا إنسان وأمامي إنسان وأريد أن أخدمه وأوظّف طاقاتي وإمكاناتي لخدمة الإنسان، لذلك لابُدّ أن تكون لديّ أخلاقيّات المهنة التي تناسب طبيعة المهنة، الطبيب يعالج إنساناً مريضاً لينقذ حياته ويخفّف آلامه، فعليه أن يوظّف هذه العلميّة الطبيّة ويؤطّرها بأخلاقيّات الإنسان، المعلّم يريد أن يعلّم طالباً إنساناً فعليه أن يقدّم علمه بأخلاقيّات المعلّم الإنسان، الموظّف يتعامل مع مراجعيه ويريد أن يخدمهم بأخلاقيّات الإنسان، لذلك لكلّ مهنةٍ أخلاقيّات لابُدّ أن نؤطّرها بها حتّى نصل الى النتائج، من دون هذه الأخلاقيّات لا ينفع بل ينفع بمقدارٍ قليل، طبّ علم هندسة وغيرها لابُدّ أن تكون لكلّ مهنةٍ أخلاقيّاتها الخاصّة بها.

الوظيفة تكليف

المبدأ الرابع: العمل أمانةٌ اؤتُمن عليها الإنسان، التفتوا إخواني الآن أيّ خدمة وأيّ وظيفة نقوم بها إنّما هي تكليف بأمرٍ واجب أو مستحبّ أو أداء مهنة الاستخلاف في الأرض، التفتوا (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) ما هي الأمانة التي عُرضت على السماوات والأرض والجبال؟ هذا التكليف بالعمل، الله تعالى قال: أيّها الإنسان جعلتُك خليفةً في الأرض، إنّما هذا الاستخلاف يبتدئ بالإيمان والعمل، هذه أمانةٌ كلّفتك بها وليست تشريفاً لك، نعم.. إن أدّيتَ هذه الأمانة على وجهها وصلاحها صار تشريفاً لك، لذلك على الإنسان هنا إذا أراد أن يأتي بهذه الخدمة وهذه الوظيفة تامّة مُتقَنة تصل الى المرتبة التي نحقّق منها الغاية، لابُدّ أن يعتبر أنّ هذه الوظيفة مهما بلغت، هذا المنصب وهذا الموقع وهذا المكان الذي يعمل فيه، إنّما هو تكليفٌ له بأن يؤدّي هذه المهمّة التي هو مكلّفٌ بها إمّا من الله تعالى أو من وطنه وشعبه.

إن كان يؤمن بالله تعالى يقول: الله تعالى كلّفني، أو أنا إنسانٌ وطنيّ وإنسان أعمل حقّاً من أجل شعبي أقول: هذا شعبي، حينما يكون هؤلاء الناس اختاروني أو اختاروا فلاناً لكي يكون في الموقع والمنصب الفلانيّ، معنى اختياري يعني أنّهم قالوا: جعلنا هذا الموقع والمنصب وهذه الوظيفة أمانة في عنقك وتكليفاً كلّفناك به لا تشريفاً منّا لك، حينئذٍ ستؤدّى هذه مهامّ العمل وهذه الخدمة على أفضل وجه.

أيضاً من المبادئ المهمّة هو التقيّد بالحقوق والواجبات، التفتوا إخواني الى هذه القضيّة المهمّة، هناك لدينا عمل، وعامل، وربّ العمل، الكون كلّه قائمٌ نظامه إصلاحُه وصلاح هذا النظام للكون قائم على مسألة الحقوق والواجبات، عطاء وإعطاء، لابُدّ أن يكون لكلّ عملٍ نظام حقوق وواجبات تتعلّق بجميع الأطراف.

علينا إخواني كما نطالب، ومن حقّ أيّ إنسان أن يطالب بحقوقه، لكن ليس من الصحيح ومن الخطأ الفاحش والكبير أن يركّز الإنسان على حقوقه فقط دون أن ينظر الى الواجبات المكلّف بها بإزاء هذه الحقوق، أنت أيّها الموظّف أيّها العامل في أيّ موقع، لك هذه الحقوق لك هذا المال هذا الموقع هذا المنصب، هذه حقوق مقابلها واجباتٌ بقدر هذه الحقوق، أحياناً قد أطالب بحقوق بهذا المقدار ولكن حينما آتي الى الواجبات المكلّف بها إزاء هذه الحقوق، أنظر فقط الى رُبْعها وخُمْسها وثُلُثها أؤدّي هذا الجزء الصغير من هذه الواجبات التي عليّ بإزاء تلك الحقوق، صحيح طبعاً المفروض أن تكون هناك حقوق وأن تكون هناك قوانين وتشريعات تنظّم ما هو مقدار الحقوق وما هو مقدار الواجبات.

ولكن علينا في نفس الوقت أن ننظر نحن بعين الإنصاف وأداء الأمانة المكلّفين بها، أنّه لا أُضيع هذه الحقوق في مقابلها، بل لابُدّ أن أؤدّي مقدار الواجبات بإزاء تمام الحقوق التي لي، لا أن أنظر بعينَيْن الى الحقوق وأنظر بعينٍ واحدة الى الواجبات، فأفرّط في الواجبات ولكنّني لا أفرّط في الحقوق، لذلك لابُدّ إخواني حتّى نصل بهذا العمل الوظيفيّ الى الغاية التي نبتغيها، وهي راحتنا ورخاؤنا وتقدّمنا وتحقيق هذه المطالب الحياتيّة لنا، لابُدّ أن يكون هناك توازن بين الحقوق والواجبات، ونراعي هذا التوازن بين الحقوق والواجبات، هذه المبادئ الخمسة لابُدّ من ملاحظتها.

ما هي مفسداتُ العمل التي تخرّب العمل وتفسده؟ إن شاء الله نبيّنها في الخطبة القادمة، أيضاً مقابل هذه الأمور التي ذكرناها هناك مفسدات لهذا العمل، والتي أدّت الى تأخّرنا وأن نكون في هذا الحال، إن شاء الله هذا سنذكره في الخطبة القادمة.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لما يحبّ ويرضى إنّه سميعٌ مجيب، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


* النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 14/ذو الحجة/1440هـ الموافق 16 /8/ 2019م

2019/08/17
استفهامات المرجعية: دعوة للمحاسبة وليس السؤال!

*السيد أحمد الصافي

إخوتي أخواتي أبيّن بخدمتكم بعض الأمور، في الواقع هي عبارة عن مجموعةٍ من التساؤلات، كثيراً ما يأتي الإخوة الأعزّاء أصحاب الاختصاصات والشهادات والحرف، وعموم الناس تقريباً من جميع الشرائح الاجتماعيّة الموجودة في البلد، وعندهم مجموعةٌ من التساؤلات، بعضها سياسيّة وبعضها تساؤلات اقتصاديّة والأخرى اجتماعيّة وإداريّة، وللإنصاف إنّ أغلب هذه التساؤلات هي مشروعة، وقد لا تصل الى آذانٍ يُمكن أن ترتّب الأثر على ذلك.

هذه التساؤلات تحمل في طيّاتها معاناة، وهذه المعاناة قطعاً ليس من الصحيح أن تبقى، معاناةٌ تحتاج الى من يرفعها، حقيقةً وجدنا من المناسب أنّ هذه التساؤلات التي ترد من خلال الأوراق ومن الاتّصالات أن تظهر أمام الملأ، وهذه التساؤلات بعفويّتها هي تطلّعات الناس والشعب وذوي الاختصاصات الذين عندهم تساؤلات تحتاج الى أجوبة، وهذه التساؤلات تُطرح أمام مَنْ بيده القرار ومَنْ بيده الحلّ، سواءً كان شخصيّة سياسيّة أو اقتصاديّة أو إداريّة أو اجتماعيّة أو عشائريّة، بالنتيجة هذه التساؤلات ستبقى ما لم يوجدْ لها حلّ، أنا سأعرض التساؤلات وهذه التساؤلات كثيرة، قد نأخذ اليوم بعضها ونوفّق لعرض الباقي في يومٍ آخر، لكن بالنتيجة هذه التساؤلات نابعة من واقع ما نعيش، وطبعاً فليتّسع صدرُ مَنْ يرى نفسه مسؤولاً عن الإجابة عن هذه التساؤلات، كما قلت هي تساؤلاتٌ عامّة فيها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والإداريّة وكلّ شيء، نعم.. قد يكون محورها المركزيّ هو أنّ المواطن يشعر بالحيف، وبالنتيجة يطمح ويطمع أن يجد أجوبةً لهذه الأسئلة.

التساؤل الأوّل يقول: نحن كشعبٍ في العراق هل هناك أُفقٌ لحلّ مشاكلنا أو لا؟ أنا قلت سأتكلّم بشكلٍ صريحٍ جدّاً، هل هناك أفق؟ هل هناك نور؟ هل هناك سقفٌ زمنيّ حتّى تُحلّ مشاكلُنا أو لا؟ لماذا دائماً نحن مُتعَبون؟ لماذا دائماً نحن نُعاني؟ أما آنَ الأوانُ لنا كشعبٍ أن (نرتاح)؟ أن تُلبّى أبسطُ الحقوق الطبيعيّة لحياتنا اليوميّة؟ الى متى نحن نركض؟ الى متى ونحن نأمل اليوم وغداً حتّى شابت الناس، وماتت والرضيعُ بدأ يشيب ولا زالت مشاكلُنا لا تُحلّ!! أين المشكلة؟ حقيقةً هذا السؤال نحن نقف عاجزين عن الإجابة عنه، لكن لابُدّ أن نتكلّم، أين المشكلة؟ حقوقُ أغلب الناس غير موجودة، نحن نسمع بين فترةٍ وأخرى سيُشرّع القانونُ الفلاني، ستُصدَرُ التعليماتُ المعيّنة، ونترقّب كشعبٍ ثمّ لا تأتي النتيجةُ كما نحبّ، نحن نريد أن نعيش حياةً طيّبة.

نحن ذهبنا الى دول الجوار وسافرنا ووجدنا أنّ هناك إمكاناتٍ أقلّ من إمكانات البلد، لكن ما الفرق بيننا وبينهم؟ لماذا تلك الدول تلتزم بالنظام ونحن لم نلتزمْ بالنظام؟ كمؤسّسات دولة أتكلّم، مطلب هذا الكلام ليس سياسيّاً إنّما عن مؤسّسات دولة، لماذا الدولة لا تربّينا على الانتماء الحقيقيّ لمحبّة هذا البلد؟ لماذا؟!! الآن عندنا عشرات ومئات بل الآلاف من العقول لماذا لا نستجلب هذه العقول ونجلس معها ونقول: يا أيّتها العقول العراقيّة الراقية لماذا لا تحلّون المشاكل؟ لماذا يفكّر المواطن العراقيّ الآن بأن يخرج خارج العراق؟ تعب في تعب في تعب، الى أين؟ ما هي الفرص التي يجب أن نحصل عليها كشعب؟ نركض دائماً، ودائماً في خوف ودائماً في وجل.

الأطروحة الآن التي أمامنا، إعلاميّاً نحن في خوف، إعلاميّاً نحن في شكّ، البلاد تتجاذبها رياحٌ يميناً وشمالاً ونحن نتفرّج، الى أين؟ متى سيأتي الفرج؟ لماذا هذه الحالة عندنا في العراق؟ هل هي قلّة خيرات؟ كلّا، هل هي قلّة عقول؟ كلّا، هل هي لضيقٍ في المساحة؟ كلّا، إذن أين المشكلة؟ هل توجد علينا مؤامرات من العالم جميعاً؟ حتّى نفهم أفهمونا أيّها الناس، أين المشكلة؟ غير معقولٍ دائماً الشعارات والاهتمام وإذا جاءت الانتخابات -مثلاً- سترى أنّ أعزّ شيءٍ هو المواطن، بمجرّد أن انتهت الانتخابات هذا المواطن المسكين يرجع أسوء ممّا كان عليه، أين المشكلة؟ حقيقةً نريد أن نبحث عن المشكلة، إخواني هذا كلامٌ فيه معاناة، يعني أنّ الناس أقسموا علينا الى أين؟ وأين الحلّ؟.

المرجعيّةُ المباركة ركّزت على قضيّة الفساد منذ سنين، الناس تقول: نحن نسمع، قالوا: نحن نسمع الخطب والبيانات ونسمع عبارات تقول فيها المرجعيّةُ: (الفساد المستشري في مؤسّسات الدولة) منذ سنين، لماذا لا يزال الفساد موجوداً؟ من المسؤول عن هذه الأشياء؟ لماذا علينا دائماً أن ننتظر؟ وعلينا أن نصبر؟ وعلينا أن نتحمّل؟ أين المسؤولون؟ أين المتصدّون؟ أليست هذه القضيّة قضيّة تهمّ البلد؟!! أموال البلد أين ذهبت؟!! أنا كمواطن لماذا لا أستشعر بها؟ تأتيني أرقام مرعبة كلّها سرقة وأموال فساد لماذا؟ ألمْ يحِنْ حينٌ عندما نجلس وهؤلاء الشباب الآن قضوا أكثر من خمسين سنة بين معاناةٍ سابقة وحروبٍ طاحنة واقتصادٍ وحصار، ثمّ جاء القتل وجاءت الحروب وجاءت داعش، بالنتيجة ماذا؟

كلامٌ صريح أنا أتحدّث إخواني ولم أغلّفه بأيّ عبارات، أقول هذه الحالة ألا تستدعي -حقيقةً- تساؤلاً حقيقيّاً ووقفةً جادّة ممّن بيده الأمر؟ لماذا دائماً نحن عندنا معاناة؟ أين المشكلة؟ توجد مشكلة؟ نعم.. توجد مشكلة. طبعاً بعض المشاكل أنا أُبعد نفسي عن الدخول فيها، لكن واقعاً التساؤلات موجودة كثيراً وهذه التساؤلات نابعة من معاناةٍ حقيقيّة، الناس تقول نريد أن نرتاح، أنا دخلت الكلّية وأهلي أتعبوا أنفسهم الى أن تخرّجت، وأبي ينظر إليّ يوماً بعد يوم الى أن كبرت، أليس هذا حقٌّ مشروعٌ في كلّ دول العالم؟ نقول: نعم. يقول: لماذا أنا عندما أتخرّج أجد المعاناة ثمّ المعاناة ثمّ المعاناة، بحيث أفكّر أن أخرج خارج العراق أو أعمل عملاً آخر أو أعيش حالة الفراغ المدمّرة لي، لماذا؟.

أسمع بين فترةٍ وأخرى ستُعالج هذه المشكلة وعمليّاً المشكلة لا تُعالج إلّا أنفاراً جدّاً جدّاً معدودة، مشكلة شباب وأنتم تقولون اهتمّوا بالشباب، نأتي نحن الشباب نريد أن يحتضننا أحد لا يوجد أحد بل نُطرد ولا يهتمّون بنا!! عندنا أفكار عندنا رؤى لا أحد يسمعنا، نحن نعيش يوميّاً لا نملك الخمسة آلاف دينار، وهذا شابٌّ عنده رؤى عنده تطلّعات لا يملك هذا المال، وقضى أكثر من (18) سنة في الدراسة، والأب المسكين ينتظر والأمّ المسكينة تنتظر والإخوة الصغار ينتظرون، هذه أحلام طبيعيّة لكن لماذا هي مفقودة في البلد؟! حقيقةً أنا الآن أقف أمامكم وأنا لا أعرف أن أجيب ولا أستطيع أن أُجيب حقيقةً، صحيح هذا شابٌّ أتعب نفسه ثمّ أراد، نحن كشعبٍ أليس لنا -سابقاً- قصبُ السبق في أمورٍ كثيرة؟؟

سؤالٌ أخير ولعلّ الوقت لا يُسعفنا فهناك مجموعةُ تساؤلات، -لاحظوا- هويّة المحافظات، لاحظوا هذا السؤال ماذا تحسبه؟ سياسيّاً اقتصاديّاً إداريّاً؟ هويّة محافظاتنا، أليس كلّ محافظةٍ فيها هويّة؟ أين هويّة المحافظات؟ هناك محافظةٌ -لا أُسمّي حتّى لا تنصرف-، هناك محافظة طبيعتُها زراعيّة تُضيف الى البلد الجانب الزراعيّ وتصدّر الى المحافظات أو تعطي للمحافظات الجانب الزراعيّ، لماذا هذه الهويّة لم يُحافَظْ عليها؟ لماذا الجوانبُ الزراعيّة في البلد تبدّدت وانتهت وتفتّتت؟ هويّة المدينة انتهت، أليست هذه مدنٌ تهمّنا؟ لماذا هذه الهويّة ذهبت؟ هذا تساؤلٌ، يقول المزارع: أنا تعوّدت أن أزرع وتعوّدت أن أذهب الى البساتين، وقد ذهبت البساتين، أنا كمواطن أشعر أنّ هذه المدن توفّر لي السلّة الغذائيّة الكاملة، لماذا كلّما أردتُ أن أزرع وأهتمّ فجأةً فُتِحت الحدود وجاءت البضاعة من الخارج، فأنا زهدتُ في الأرض، مَنْ المسؤول عن هذا؟ كمواطنٍ يتكلّم يقول: أنا أحبّ أرضي، أتعبتُ نفسي حتّى أزرع، وحينما بدأت ثماري تنضج إذا بالسوق امتلأ ببضاعةٍ مستوردة، مع مَنْ أتكلم؟ قال: لا أدري.

الموسم القادم أنا سأعكف عن الزراعة، والعراق بلدٌ زراعيّ العراق أرضُ السواد في خيراته في مائه، لماذا تحوّل الى حالةٍ من التصحّر؟ من المسؤولُ عن ذلك؟ مواطنٌ يسأل ويحتاج من يجيب، طبعاً إخواني هناك عشرات التساؤلات قد أكرّ عليها لاحقاً، لكن هذه التساؤلات إنصافاً أراها تساؤلات مشروعة، متى ينتهي التعب؟ متى؟ معاناة متكرّرة ومتكرّرة، الإعلام مشوّش، الثقة مفقودة، الأخبار دائماً فيها أخبار مُتعِبة، لماذا؟ كم دولةٍ في العالم؟ فقط العراق؟ ودائماً هذا الضغط والضغط عليه، هل من مجيب؟! أعيد وأكرّر هل من مجيب؟!!

نسأل الله تعالى أن يهيّئ مَنْ يجيب ومن يحقّق بعض الأماني، وقلت هذه بعض التساؤلات ولعلّنا نكرّ على تساؤلاتٍ أخرى، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا في هذا البلد كلّ خير وأن يجنّبنا كلّ سوء، وأن يجمع شملنا على الخير دائماً، وأن نراه دائماً بلداً معافى، ولا تنسونا في الدعاء في هذه الأيّام المباركة، نسأل الله تعالى قبول الأعمال لحجّاج بيت الله الحرام وأن يعودوا سالمين غانمين إن شاء الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (7 ذي الحجّة 1440هـ) الموافق لـ(9 آب 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر وكانت بإمامة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)

 

2019/08/10
المرجعية العليا تضع ثلاث توصيات لحل «أزمات» العراق

ايها الاخوة والاخوات..

موضوعنا في الخطبة الثانية (حملة الشهادات العليا في العراق من ابنائنا الطلبة من حملة الشهادات العليا الماجستير والدكتوراه ما بين الطموح والآمال والواقع الأليم)..

تتناقل وسائل الاعلام احتجاج واعتصام جمع من حملة الشهادات العليا من الدكتوراه والماجستير امام بعض الوزارات معبرين عن مطالبهم المحقّة بصفتهم مواطنين في هذا البلد وذلك بمطالبتهم بتوظيفهم ضمن اختصاصاتهم العلمية..

ايها الاخوة والاخوات..

ما حجم هذه المشكلة وما حجم هذه المعاناة وما هو المطلوب إزاء هذه المشكلة والمعاناة واجراءات لابد من اتخاذها من السلطات المعنية..

نحن اذا ما اخذنا بنظر الاهتمام والاعتبار ان هؤلاء الخريجين يمثلون النخبة من الطلبة الخريجين ممن بذلوا جهوداً استثنائية اضافية في مجالات علمية ومهنية تخصصية مهمة..

ولعلّه هؤلاء يمثلون الطبقة الاكثر إقبالاً وتفوقاً في شريحة الطلبة وهم قد بذلوا جهوداً استثنائية وصعبة خلال مدة مديدة حتى بلغوا هذه المرتبة، وهم بعد هذه الجهود وما صاحبها من آمال وطموحات لديهم ولدينا كمواطنين في هذا البلد ان يصلوا الى تلك المواقع التي يستطيعون من خلالها ان يقدموا خدمة متميزة وكبيرة في مختلف دوائر الدولة ومختلف قطاعات الخدمات..

واذا بهم يجدون انفسهم قد عُطلّت قدراتهم وضُيّعت جهودهم وخُيبّت آمالهم وطموحاتُهم وهم يطمحون ان ينالوا شيئاً مما يسدوا بهِ رمقهم ويحقق لهم ولعوائلهم الحياة الكريمة..، واذا الآلاف من هؤلاء يجدوا انفسهم غير واجدين للاماكن التي تليق بشهاداتهم وبحيث ينتفع منهم البلد والشعب انتفاعاً كبيراً..

هنا في نفس الوقت نجد ان البعض قد يتذرّع  بأن القدرات الوظيفية لا تَفي بحاجة هؤلاء لأسباب منها ان التعيينات الوظيفية لاتفي وان القطاع الوظيفي الحكومي قد اثقل كاهله بالتعيينات الكثيرة وان الوضع المالي ايضاً لا يساعد على استيعاب هؤلاء وكذلك الخريجين من الكليات والجامعات وكثرة العاطلين..

نحن هنا امام الوضع الذي نعيشهُ وشكوى الكثير من هؤلاء بحيث ان البعض حينما يأتي يقول ربما انا اعمل بعمل احصّل فيه ثمانين الف او مئة الف دينار في الشهر وهو من حملة الشهادات العليا وينتظر طويلا ً حتى يستطيع ان يحقق هذا الامل بعد ان بذل جهوداً مضنية..

نقول هنا ونوجّه كلامنا الى الجهات الحكومية والنيابية المعنية ان تهتم بصورة جادة وفق الاستحقاق القانوني لهؤلاء وغيرهم من ان تضع حلولا ً تتناسب مع الواقع العراقي والوضع المالي..

وهنا ايها الاخوة والاخوات نلتفت الى هذه التوصيات المهمة وانا اقرأها نصّاً حتى لا يفوتنا شيء مما هو مذكور في هذه التوصيات التي نحتاجها ليس فقط اخواني لهؤلاء الخريجين فهذا جزء مهم من المعاناة وجزء مهم لو اعتنينا بهِ بصورة جادة نتمكن ان نطوّر بلدنا ونحل الكثير من المشاكل وننهض بواقعنا المرير الذي نعيشهُ الآن، لو تمكنا والجهات المعنية سَعَت بصورة جادة وبهمّة عالية وارادة خالصة ان تعمل بهذه التوصيات لأمكننا ان ننهض بالكثير من المهام والوظائف ونطوّر بلدنا الى وضع افضل بكثير من الواقع الذي نعيشهُ الآن..

هذه التوصيات هي متعلقة بالوضع الاقتصادي للعراق بصورة عامة وجزء من المشكلة ما يتعلق بهؤلاء الخريجين:

التوصية الأولى:

ان الخبراء واهل الاختصاص في الاقتصاد يطرحون بصورة مستمرة ضرورة فتح مدخل مهم وكبير لتوفير فرص عمل مناسبة ضمن القطاع الخاص المعطّل في العراق لأسباب لا يصعب معالجتها لو توفرت الارادة الجادة والتشريعات الكافية والتسهيلات الادارية المناسبة لتفعيل وتنشيط هذا القطاع الذي يُلاحظ للعيان ان دولاً كثيرة مجاورة واخرى نامية بعضها ومتقدمة بعضها قد نهضت باقتصادها وعالجت مشكلة البطالة من خلالها وتقدمت بخطوات واسعة في مجال التنمية الاقتصادية في مختلف القطاعات العلمية والصناعية والزراعية من خلال تبنيها لسياسة رشيدة في دعم هذا القطاع وحمايته وتوفير الاجواء الملائمة ليأخذ دوره الاقتصادي والانساني في استيعاب الايادي العاملة والعقول العلمية لأبناء بلدانهم – مع ضرورة تقيّد هذا القطاع بالأنظمة والتعليمات والجديّة في تفعيل الاجازات الحاصلة لبعض موارده واختصاصاته.

ومن اهم مستلزمات تفعيل القطاع الخاص هو توفير الاجواء الآمنة للمستثمرين وقصرُ يد الفاسدين والمرتشين وتعديل القوانين التي تعرقل العمل ولا تساعد على تحقيق التقدم فيه بالقياس الى ما يشاهد في دول اخرى.

فعندما يكون هناك سلاحٌ خارجَ الدولة بإمكان اصحابه ان يهددوا من لا يروقُ لهم من اصحاب الشركات او لا يستجيبون لابتزازهم وعندما يكون حجم الفساد والرشى في مؤسسات الدولة وفق ما تتحدث عنها الارقام والاحصاءات الحالية وعندما تكون القوانين والتعليمات المرتبطة بالعمل الاستثماري قديمة وبالية لا تناسب مستلزمات الاستثمار في العصر الراهن وتَحولُ دون نهوض القطاع الصناعي والزراعي فلا يتوقع احد أيَّ تقدم في هذا المجال.

التوصية الثانية:

ان ضرورة تفعيل القطاع الخاص لاستيعاب الخريجين لا يعني اعفاء القطاع العام ودوائر الدولة المختصة من مسؤولياتها تجاه هذه الطبقة المهمة..

فلو ان الجهات المعنية اعطت الاولوية لمن يستحقونها بعيداً عن العلاقات والمصالح الحزبية والفئوية وقدّمت قسماً من هؤلاء على غيرهم ممن ينالون مواقع ووظائف مهمة في الدوائر الحكومية وهم ادنى منهم بكثير في مستوياتهم العلمية والمهنية لأمكن حل جزء مهم من المشكلة..

التوصية الثالثة:

ان من الضروري وضع برنامج مناسب لتحديد الحقول التعليمية والاختصاصات العلمية الاكثر حاجة في البلد وتوجيه الطلبة الى اختيارها بمحفزات تشجعهم على ذلك وما يلاحظ من كثرة الخريجين في اختصاصات تقل الحاجة اليها وبالتالي يتم توظيف قسم من خريجيها في مواقع لا علاقة لها باختصاصاتهم خطأ لابد من عدم الاستمرار فيه، بل لابد من الاهتمام الجاد بتزايد حملة الشهادات العليا في الحقول التعليمية ذات العلاقة بحقلي الزراعة والصناعة ونحوهما، كما ان من الضروري عدم تجاوز الضوابط والانظمة الرصينة التي كانت تحكم المؤسسة التعليمية العراقية فيما مضى وعدم فسح المجال لأصحاب المصالح والاغراض الخاصة بالإضرار بمكانتها التي كانت مميزة بين دول المنطقة وليست كذلك اليوم مع الأسف..

ومن المهم ان لا يُسمح بالتدخل في مفاصل وزارة التعليم العالي وفقاً لأهواء ورغبات البعض خصوصاً في مجال اختيار المناهج وارسال البعثات والزمالات وتحديد النظم الامتحانية ونحوها..

الأمر الثاني:

ما تزال الاحصاءات الواردة من وزارة الصحة ودوائر المرور في تسجيل عدد الوفيات والاصابات الحاصلة فيما يسمى بـ (طرق الموت) هناك طرق في بعض المحافظات تسمى بطرق الموت.. لماذا؟! لكثرة من يتعرض فيها الى حوادث السير المميتة، هذه الاحصاءات في الواقع تمثل قلقاً كبيراً وأسفاً بالغاً على ازهاق آرواح الالاف من المواطنين وعوق الالاف منهم.. لماذا هذا القلق والأسف؟!

في الواقع هذه الاحصاءات حينما نقارنها بسبب حوادث السير بعدد الوفيات من بعض الامراض الخطيرة نجد ان العدد يقارب عدد هذه الوفيات، عدد الوفيات في حوادث هذه الطرق يقارب عدد الوفيات بسبب بعض الامراض الخطيرة وهذا أمر مقلق ومؤسف..

طبعاً هؤلاء الذين يذهبون كثير منهم آباء وامهات وفلذات اكبادنا.. قائمة تُضاف اخرى الى قائمة الأيتام والارامل..، البعض منهم من حملة الشهادات وبعضهم من أهل العقول ومن أهل العلم وتارة عوائل بأكملها تذهب بسبب هذه الحوادث..، لابد ان تكون هناك معالجة واهتمام كافي..

هنا لدينا هذه التوصيات بعضها للجهات المعنية وبعضها لكم ايها المواطنون، في الواقع هناك شكاوى كثيرة في هذه الطرق (طرق الموت) بين محافظات رئيسية بعضها يحتاج الى الاهتمام الكافي ومع الاسف مضت مدة طويلة هناك اهمال لم يوجد اهتمام كافي ادى الى هذه النتائج وسنة بعد سنة تزداد لذلك على الجهات المعنية والوزارات المعنية ومجالس المحافظات عليهم ان يعطوا الاهتمام الكافي فليس شيء سهل علينا وعليكم ان يذهب هؤلاء الالاف في كل سنة اضافة الى المعوقين الآن وقائمة جديدة تُضاف من الايتام والارامل..، على هذه الجهات المعنية ان تُعطي اهتمام كافي فهذه مدّة طويلة مضت ولم نجد هناك ولم يحصل تحسّن في هذا المجال مما ادّى الى ان يزداد سنة بعد سنة عدد هذه الحالات وايضاً في نفس الوقت لابد ان تُرصد اموال كافية حتى نحافظ على سلامة مواطنينا وفي نفس الوقت لابد من وجود جُهد هندسي يمكن ان يوجّه لمراقبة حسن التنفيذ لهذه المشاريع حتى نضمن الاداء السليم لها..

ايضاً الى المواطنين اخواني التفتوا هناك وظيفة شرعية انسانية حضارية الآن..

هناك الكثير من اجراءات السلامة نحن لا نهتم بها ولا نبالي بها ونعتبرها امر بسيط ولكن عدم الاعتناء بها يؤدي الى ازهاق ارواح الالاف..

اخواني التفتوا انا حينما اسوق سيارة في هذه الطرق انا مسؤول عن سلامة نفسي مسؤول مسؤولية شرعية وطنية اخلاقية حضارية ومسؤول عن سلامة الاخرين..

الانسان حينما لا يعتني ولا يهتم ولا يبالي هذه الاجراءات بسيطة وغير مهمة في الواقع هو الآن يجازف بحياته وحياة الاخرين.. وهو مسؤول عن سلامة نفسه ومسؤول عن سلامة الاخرين ومسؤول عن سلامة اولاده ومسؤول عن سلامة بقية المواطنين..

اخواني لاحظنا ولاحظتم في بعض الدول الاخرى كيف ان المواطن يعتني ويحرص حرصا شديدا على اتباع هذه الاجراءات لسلامته وسلامة الاخرين، وبالنتيجة تقلّ هذه الحوادث ونحافظ على ارواحنا وممتلكاتنا.. لا تتصورون ان الذي يُهمل مثل هذه الاجراءات سيضر نفسهُ فقط..، سيضر نفسهُ وعائلتهُ واولادهُ وبقية المواطنين..

لذلك علينا اخواني هذه وصية هذه مسؤولية شرعية وطنية حضارية اخلاقية.. كما نوجّه ونُلفت عناية واهتمام الجهات المعنية نُلفت عنايتكم واهتمامكم بضرورة الحفاظ على سلامتكم وسلامة بقية المواطنين..

ايضاً دوائر المرور معنية عليها ان تهتم وتتشدد ولا تتسامح في تطبيق هذه الاجراءات وتحرص كذلك في اعطاءها لإجازات المرور وغير ذلك من الاجراءات المهمة التي تساهم في سلامة المواطنين..

لذلك نوجّه العناية لجميع الجهات المعنية ولكم ايها الاخوة المواطنين ونسأل الله تعالى ان يحفظ وطننا وشعبنا من كل سوء.. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

 حررها: حيدر عدنان


*النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 29/ ذو القعدة/1440هـ الموافق 2 /8 /2019م

2019/08/03
وكيل السيد «السيستاني» يدعو إلى الاهتمام بشريحة الشباب

إخوتي أخواتي أودّ أن أستكمل ما ذكرناه سابقاً حول حديثنا المتعلّق بفلذّات أكبادنا -الشباب-، وقبل ذلك أبيّن أنّ الطبقة الشبابيّة دائماً تؤشّر الى حيويّة أيّ مجتمع، فكلّما كان المجتمع فيه طبقات شبابيّة كثيرة وأعمار يُمكن الاعتماد عليها يكون هذا المجتمع مجتمعاً حيويّاً ومجتمعاً نَشِطاً، بخلاف المجتمعات التي انحسرت فيها الطبقات الشبابيّة، فإنّها تميل الى أنّ المجتمع يكون من المجتمعات الكسولة أو ما يعبّر عنه بمجتمع العجائز، والمقصود بالعجائز هو الأعمار الكبيرة، وهذه الطبقات الشبابيّة يُفترض أن تكون هي محطّ نظر الجميع باعتبار أنّ هذه الطاقة الاجتماعيّة العامّة تمرّ من خلال هذه الطبقة، طبعاً هذا لا يعني أنّه يكون الاهتمام الأوّل والأخير وترك بقيّة الأمور في الطبقات الاجتماعيّة، الحديث لا يتناول هذا الجانب، بالعكس في بعض الحالات كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (لَرَأْيُ الشَّيْخِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَلَدِ الْغُلاَمِ)، قطعاً هناك طبقات تُعتبر ذخيرة للمجتمع على أنحاء اختصاصها، لكن أنا أريد أن أتحدّث عن هذه الطبقة استكمالاً لما ذكرناه سابقاً.

مسؤولية الشباب تقع على عاتق من؟

أنا أتحدّث عن جنبتين، الجنبة الأولى ما لها والجنبة الثانية ما عليها، أمّا ما يتعلّق بالجنبة الأولى وهو ما لها، فواقعاً هذه الطبقة الشبابيّة تحتاج الى رعايةٍ خاصّة وتحتاج الى مزيدٍ من الاهتمام، طبعاً من المسؤول عن الرعاية والاهتمام فهذا أمرُهُ يختلف، لكن يُمكن أن تكون المسؤوليّة مشتركة، مثلاً هناك مسؤوليّةٌ تقع على عاتق الدولة، وعلى مؤسّسات الدولة هي أن تهتمّ بهذه الشريحة وأن توفّر لها جميع الأجواء المناسبة، لأنّ هذه الطبقة هي الطبقة الفاعلة التي يعوّل عليها في بناء البلاد في قادم الأيّام بل في الوقت الحاضر أيضاً، وبعض الفرص لابُدّ أن تُعطى بمساحاتٍ معيّنة الى الطاقات الشابّة، حتّى تستكمل فرصتها وتبدأ بالعمل الجيّد بالنسبة الى المجتمع، تارةً منظّمات عامّة هي التي تهتمّ وتارةً الأسرة -بما هي أسرة- تهتمّ بشبابها اهتماماً خاصّاً، فتوفّر له الأجواء المناسبة والإرشاد الى سلامة التخطيط مستقبلاً، وتارةً المجتمع -نحن كمجتمع- عندما نلتقي في وضعنا الاجتماعيّ سواءً كان في الأسواق أو في الشارع أو في الساحات والمنتديات أو مكانات الاجتماع، لابُدّ أن نرعى هذه الطبقة بشكلٍ وأن نهتمّ بها.

وسأبيّن في النقطة الثانية ما عليها، ولعلّه جزءٌ أهمّ من الرعاية هو عدم ترك الشباب أن يسبحوا في تيّارات متناقضة، لاحظوا إخواني.. الإنسان كما قلنا فيما سبق من الضروريّ أن يعتمد على نفسه لكن ليس من الصحيح أن يعتمد على نفسه في كلّ شيء، هناك مسألتان مهمّتان: الإنسان في مقام أن يتربّى على الشجاعة وعلى القوّة وعلى البسالة وعلى استثمار عقله، نعم.. لابُدّ أن يعتمد على نفسه، لكن أن يعتمد على نفسه في كلّ شيء بلا مشورة هذا أمرٌ غير صحيح.

لاحظوا الآن عندنا من باب التشبيه، لو كانت عندنا الآن شجرتان شجرةٌ مثمرة وشجرةٌ غير مثمرة، الشجرة غير المثمرة منذ أن تبدأ وهي صغيرة الى أن تكبر حتّى لو عمّرت مائة سنة تبقى شجرةً غير مثمرة، نعم.. قد نستفيد منها في الاستظلال لكن كثمرة -أي أنّنا نرجو منها ثمراً- هذا لا يُمكن، وتارةً شجرة مثمرة، والشجرة المثمرة تحتاج من البداية الى الاهتمام وتحتاج الى الرعاية حتّى تصل الى مرحلةٍ يُمكن أن نأخذ منها الثمار، نعم.. هي تختلف عن الأولى، هذه الشجرة فيها ريعٌ مستقبليّ وفيها أثرٌ مستقبليّ، لكن لابُدّ أن تُرعى رعايةً خاصّةً، ولا يُمكن أن تُترك وحدها بلا رعاية على أنّها شجرةٌ مثمرة لأنّها ستموت، فقد تذوي وقد تكون بشكلٍ ما عرجاء أو عوجاء ولا تكون الشجرة المؤمّلة، فلذلك إخواني شبابنا اليوم في الوقت الذي لابُدّ أن نهتمّ بهم لابُدّ أن نوجّههم ولابُدّ أن نجعلهم بعد عشرين سنة لا يندمون على بعض التصرّفات التي يتصرّفونها الآن بمقتضى شبابيّتهم، وهذه مسؤوليّةٌ مهمّة بل مقتضى المسؤوليّة أن يوجّه الشباب الوجهة الصحيحة، هذا ما يتعلّق بمسؤوليّة الآخرين تجاه الشباب.

أمّا الجنبة الثانية: فهي ما يتعلّق بنفس الشباب، بالنسبة الى شبابنا وأبنائنا أحبّ أن أبدأ معهم بهذه المقدّمة، أوّلاً نحن عندما نتكلّم بلحاظ الوضع الخاصّ والوضع النفسيّ والوضع التربويّ لا نُريد إلّا الخير لأبنائنا، فعليهم أن يلتفتوا الى أنّ الذي يتحدّث معهم أيضاً كان شابّاً، أنتم لم تكونوا كباراً، الأب عندما يتحدّث معكم أو الأمّ أو الأستاذ حينما يتحدّثون معكم هم يعرفون مراحل الشباب، لأنّهم كانوا شباباً، فاللّغة التي يبيّنها والنصيحة التي يبيّنها خذوها بعنوان التأمّل ولا تهملوها ابتداءً وإنّما توقّفوا عندها، خذوا منها ما قد ينسجم معكم والبقيّة لا تطرحوه دائماً، وإنّما تأمّلوا فقد يكون فيه الصواب لكم، ولذلك عندما تسمعون نصيحةً -وأنا قلت في السابق- عندما تسمعون نصيحةً لا تهملوا هذه النصائح، باعتبار أنّ الفتوّة والشباب يبرّران لكم أن تتركوا النصيحة، وهذا أمرٌ أعتقد أنّه خلاف الحكمة.

ولذا هناك فرقٌ بين الهمّة والعمل وبين التمرّد والتجاوز، أنتم شبابٌ وفيكم هذه الروح الوثّابة للعمل، ولكن هناك فرقٌ بين روح الهمّة والمثابرة وبين روح التمرّد والرفض والتجاوز، الأولى غير الثانية، فالأولى فيها مستقبل والثانية فيها ضياع، على الإنسان أن لا يعوّد نفسه على أن يرفض كلّ شيء، أنا كشابّ هذا يختلف معي ومع مزاجي فعليّ أن أرفضه وبقوّة، هذا أمرٌ غيرُ صحيح، نعم.. عندك همّة ابدأْ باستثمار الهمّة واستثمار الطاقة في سبيل أن تتطوّر، أنا أعلم أنّ الكثير من الشباب يعانون من المشاكل، مشاكل الضغط الحياتيّ ومشاكل الضغط في فرص العمل ومشاكل ضغوطات الحياة، المشاكل في بعض الحالات تكمن في ضياع الهدف، ووجهة النظر الآن غير محدّدة عند بعض الشباب، طبعاً أنا دائماً عندما أذكر وأتحدّث عن عيّنة لا أعمّم الخطاب، لكن هذه العيّنة التي تُعاني لا شكّ أنّها تهمّنا، البعض لم يحدّد الهدف، هناك حالة من ضياع الوقت، الوقت الآن يمضي (الوقت كالسيف إنْ لم تقطعْه قَطَعَك)، واقعاً بعضُ الحِكَم الشباب عندما يستثمرها سينجح، لكن لابُدّ أن يفهم أنّ النجاح لم يكن حليف الكسالى، النجاح لم يكن حليف من يفرّط في وقته، إيّاك أن تكسل وإيّاك أن تعترض بلا مبرّر وإيّاك أن تتمرّد، هناك أشياء في مجتمعنا وأنا أعلم أنّ هناك بعض الشباب يعمل بحسن نيّة، لا يحقّ لك أن تتمرّد على أبيك أو على أمّك هذه التي حملتك وأنجبتك لمجرّد أنّك تعلّمت، أو تجعل من ضغوطات الحياة مبرّراً لأن تتمرّد على أسرتك وعلى إخوتك، هذا ليس صحيحاً، اليوم الشباب ممتلئون من الطاقة وممتلئون من الحماس، نعم النقطة الأولى مسؤوليّةُ مَنْ؟؟! لابُدّ أن يُهتَمَّ بهم حتّى يُفرغوا هذه الطاقة بما ينفع، لكن أنا أتحدّث لشبابنا وأبنائنا عليكم أن تشعروا بالأمل، وكما قلنا الأمل الممدوح، (دوام الحال من المحال) الأمور تتغيّر، لا تشعرْ بحالة الإحباط عندك لأنّك فشلت أو لم تنجح في قضيّةٍ معيّنة، وكما قُلنا سابقاً لابُدّ أن تشعر دائماً بالقوّة، لاحظوا قصّة أهل الكهف وغير معلومٍ كم كانت أعمارهم، القرآن يقول: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ...)، عبّر عنهم بفتيةٍ لأنّ هذه الفتوّة فيها نوعٌ من القوّة ليست العضليّة إنّما الذهنيّة، عليكم أن تميّزوا بين الأشياء وعليكم أن تتثبّتوا من الأشياء، وثِقُوا أنّ الأمور قطعاً ستكون الى خير، لكن الإنسان عليه أن يرتّب وضعه بشكلٍ لا يجعل هناك سوداويّة دائماً بل لابُدّ من وجود أمل، نحن في بلدٍ له ما له وعليه ما عليه، وأنتم تعلمون أنا لا أحبّ أن أدخل في قصّةٍ أو مشاكل قد تبدأ ولا تنتهي، لكن بالنتيجة هذا قدرُنا والبلد الآن يحتاج الى كلّ فكرةٍ والى كلّ شابٍّ والى كلّ طاقةٍ من طاقاتكم، وجّهوا أنفسكم بما يخدم بلدكم وبما يخدم أُسركم وبما يخدم أنفسكم، إنّما أعمالُكم تردّ إليكم.

إلى المسؤولين!

على كلّ حالٍ واقعاً أنا أشعر بالواجب والمسؤوليّة كأبٍ وكأخ وكموقع أنّ هؤلاء شبابنا يحتاجون الى رعاية، أيّها المسؤولون الرجاء الرجاء لابُدّ أن تهتمّوا بهذه الشريحة المهمّة وشبابيّة المجتمع بكلّ أنواع الاهتمام، وشبابنا نرجو أن تكون هذه قلوبكم الطريّة حافظوا عليها من أن يُلعَبَ بها ومن أن يحاول البعض أن يستغلّها استغلالاً لمصالحه من خلالكم، أنتم أجلّ قدراً من أن تُستغلّوا، وحاولوا أن تكونوا كما كانوا إخوتكم في الأمس، عندما رابطوا ودافعوا عن البلد بكلّ ما تعني الكلمة من معنى، وحفظوا البلاد والعباد، وهذا تاريخٌ ناصع للبلد على الجميع أن لا ينساه، وهو أنّ هؤلاء الذين وقفوا دفاعاً عن البلد من أجل أن يحيى البلد، والبلد الذي فيه أمثال هذا الشباب الواعي هو بلدٌ يبقى حيّاً ما جدّ الجديدان.

نسأل الله سبحانه وتعالى الستر والعفاف، وأن يحمي الجميع ويرينا في بلدنا كلّ خير، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

دعت المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا مسؤولي الدولة للاهتمام بفئة الشباب وإيلاء أهمّيةٍ لهم، من خلال توفير فرص العمل وخلق الأجواء المناسبة لهم، لكي يُسهموا في بناء هذا البلد، وبيّنت أنّه على مؤسّسات الدولة أن تهتمّ بهذه الشريحة وأن توفّر لها جميع الأجواء المناسبة، لأنّ هذه الطبقة هي الطبقة الفاعلة التي يعوّل عليها في بناء البلاد في قادم الأيّام بل في الوقت الحاضر أيضاً، وبعض الفرص لابُدّ أن تُعطى بمساحاتٍ معيّنة الى الطاقات الشابّة، حتّى تستكمل فرصتها وتبدأ بالعمل الجيّد بالنسبة الى المجتمع.


الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة ليوم (26 ذي القعدة1440هـ) الموافق لـ(26 تمّوز 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر وكانت بإمامة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه)

2019/07/27
منبر الجمعة: ما هي أسباب تدني مستوى التعليم في العراق؟

أيّها الإخوة والأخوات موضوعُنا في الخطبة الثانية هو عن التدنّي والانخفاض في مستوى التعليم في العراق، ما هي أسبابه؟ وما هو العلاجُ المُمكن لهذه الظاهرة؟، أيّها الإخوة والأخوات لعلّكم اطّلعتم من خلال وسائل الإعلام على ما تناقلته وما أعلنته وزارةُ التربية من معدّلات النجاح في الصفوف المتوسّطة في الامتحانات الوزاريّة للصف الثالث المتوسّط، وممّا أعلنته بأنّ نسبة النجاح هي أربعةٌ وثلاثون وسبعة عشر بالمائة، وبملاحظة نسب النجاح الأخرى المنخفضة في مراحل تعليميّة أخرى في التعليم في العراق، يُمكن أن تكشف هذه الأرقام عن تدنّي وانخفاض -على مستوى العموم والإجمال- بنسب النجاح في العراق، وهذه ظاهرةٌ مؤلمة تدعو الى القلق والسرعة لتشخيص الأسباب ووضع العلاجات المناسبة لها، نعم.. نحن لا ننكر ولا نتجاهل أنّ هناك نسباً من النجاح العالية لبعض الطلبة الذين حقّقوا معدّلات عالية -جزاهم الله تعالى خيراً-، ولكن بملاحظة على نحو العموم والإجمال لهذه المرحلة الوزاريّة في الصفّ الثالث والنسبة التي أُعلنت، وأيضاً النسبة لعددٍ من المراحل يكشف ذلك عن ظاهرة خطيرة في المجال التعليميّ، وهو انخفاض وتدنّي في مستوى التعليم.

إخواني نلتفت لماذا هذه الظاهرة تُقلق، أوّلاً إذا لاحظنا الطلبة في هذه المراحل هم يمثّلون القاعدة الطلّابية المستقبليّة للمرحلة الجامعيّة، وأيضاً يمثّلون القاعدة للكوادر التعليميّة والوظيفيّة التي تتصدّى للمسؤوليّات في مستقبل البلد، فهم بعد سنين سيصلون الى الجامعات وبعد الجامعات سيكونون في الوظائف المهمّة والكثيرة والمتشعّبة في مؤسّسات الدولة، وبالتالي هذا الانخفاض قد يؤشّر انخفاضاً في العطاء والأداء مستقبلاً هذا أوّلاً.

الشيء الثاني أنّ هذا الانخفاض له انعكاسات نفسيّة سلبيّة على الطلبة وعلى أولياء الأمور وعلى الكوادر التعليميّة وعلى مؤسّسات الدولة وعلى الوضع النفسيّ العامّ للبلد، لماذا؟ لأنّه سيولّد حالةً من الإحباط النفسيّ، وضعفَ الثقة بالنفس، وضعفَ الثقة بالقدرة التعليميّة والتدريسيّة والتربويّة في العراق على النهوض بهذا الجيل، لكي يكون هناك تطوّر وازدهار في البلد، هذه الحالة النفسيّة التي تحصل ستُنذر بمزيدٍ من الانحدار والتدنّي مستقبلاً ممّا يهدّد موقع العراق التعليميّ والتربويّ الإقليميّ والدوليّ، وحتّى يؤثّر على مستقبل العراق حضاريّاً وفي مجالات الحياة المختلفة، لذلك من هنا إخواني لابُدّ أن يكون هناك اهتمامٌ وعناية كافية توازي هذا التدنّي والانخفاض في مستوى التعليم ووَضْع العلاج السريع، وهنا قبل أن نذكر الأسباب إخواني ونذكر ما هي العلاجات، نقول: مَنْ يتحمّل المسؤوليّة في ذلك؟ نحن هنا لابُدّ أن نشخّص بالنسبة الى العمليّة التربويّة هي منظومة متكاملة، مرتبطٌ بعضها بالبعض الآخر ارتباطاً وثيقاً، العمليّة التعليميّة نتاجُ منظومة وسأبيّن ماهي عناصر هذه المنظومة التي هي نتاج منظومةٍ متكاملة ترتبط بعضها ببعض ارتباطاً وثيقاً، هذه المنظومة بعناصرها المتعدّدة إن فشلت فشلت العمليّة التعليميّة وإن نجحت بتمامها نجحت العمليّة التربويّة.

نبتدئ أوّلاً بهذه المقوّمات الثلاثة، الأفراد (الطالب، الكوادر التعليميّة، كوادر إدارات المدارس، كوادر المؤسّسات التربويّة) هذا أوّلاً، ثانياً المؤسّسات التعليميّة (الأسرة -أوّل شيء كأسرة- دعنا عن أولياء الأمور كأسرة، كإدارة مدرسة، كإدارة مديريّة تربية، كإدارة وزارة التربية، السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة التي تتعلّق مهامّها ووظائفها بالعمليّة التربويّة)، ثالثاً المنهج التعليميّ الذي يُتّبع وله مواصفات خاصّة، هذه المقوّمات الثلاثة عبارة عن منظومة مترابطة بعضها ببعض، أيّ فشلٍ أو إخفاق في واحدٍ من هذه المقوّمات يؤدّي الى الفشل في العمليّة التعليميّة.

نأتي الآن -إخواني- الى ذكر بعض الأسباب التي ذُكرت في هذا المجال ونبيّنها، من الأسباب التي ذُكرت وتحتاج الى العلاج هو عدم تطوّر القدرة التعليميّة للكوادر التعليميّة والتدريسيّة أي أنّها بقيت جامدة على حالها، قدرة المعلّم وقدرة المدرّس في أن يوصل المادّة العلميّة الى ذهن الطالب، والطلبة مختلفون في مستوياتهم الذهنيّة والعقليّة وفي الأجواء الاجتماعيّة التي يعيشونها، قدرة هذه الكوادر لم تتطوّر ولم ترتقِ، الكثير من دول العالم طوّرت من القدرات التعليميّة لمعلّميها ومدرّسيها بحيث استطاعوا أن ينهضوا بالمناهج التعليميّة الجديدة، نحن لم تتطوّر لدينا هذه القدرات التعليميّة، المعلّم بحاجة الى دوراتٍ لتطوير هذه القدرة حتّى يستطيع أن يوصل المادّة العلميّة الى الطلبة، وإلّا إذا بقي الوضعُ على هذا الحال لا يُمكن أن ترتقي العمليّة التربويّة والتعليميّة.

الأمر الثاني هو عدم استقرار المناهج الدراسيّة والتغيير المستمرّ لها، بل صعوبة بعض هذه المناهج للطالب، نحن مع تطوير المناهج التعليميّة ولكن لابُدّ أن يُلاحظ فيها أنّ هذا المنهج التعليميّ للصفّ الكذائي يُناسب المستوى الذهنيّ والعقليّ للطالب، ثانياً لابُدّ أن تُهيَّأ المستلزمات حتّى يستطيع الطالب أن يستوعب هذا المنهج الدراسيّ الجديد، وإلّا فإنّ هذا التغيير المستمرّ من دون أن يتناسب مع قدرات المعلّمين والمدرّسين قد لا يستطيع المعلّم والمدرّس أن يوصل هذا المنهج الدراسيّ الجديد الى ذهن الطالب، وبالتالي تحصل الكثير من الإخفاقات، من هنا لابُدّ أن تكون هناك كوادر تدرس قدرات الطالب في المرحلة والأوضاع التي يعيشها الطالب، ثمّ تضع المناهج التعليميّة التي تُناسب مستويات الطلبة.

أيضاً من الأمور الأخرى المهمّة هي الأساليب التعليميّة المتّبعة والوسائل المتّبعة، أيّها الإخوة والأخوات ما زلنا نتّبع أسلوب التلقين، والطالب تعوّد على ما يُعرف بـ(الدرخ) للمادّة العلميّة، الآن في واقع الدول المتطوّرة هناك أسلوب التحفيز الذهنيّ أو ما يسمّيه أهل الاختصاص (العصف الذهنيّ)، هذا الأسلوب أيضاً يُتّبع في الدراسة الحوزويّة، كيف نعوّد الطالب على أن يستخدم عقله وقدرته الفكريّة في أن يفكّر وأن يحلّل وأن يستنتج، هذه مسألةٌ مهمّة، نستطيع أن نصنع طالباً ناجحاً إذا ابتعدنا عن هذا الأسلوب التقليديّ في أن نلقّن الطالب المادّة العلميّة دون أن نعطيه القدرة على أن يفكّر من ذاته في المادة العلميّة، فيحلّلها ويستنتج من هذا التحليل المعلومات المطلوبة للوصول الى النتائج.. هذا في الواقع الإخوة الكثيرون الآن المطّلعون يعرفون أنّ الكثير من دول العالم التي تطوّرت وارتقت، لأنّ أسلوب التعليم تغيّر لديهم إضافةً الى الوسائل، ونحن ما زلنا في هذه الوسائل التقليديّة المتعارفة.. مع أنّ هناك وسائل حديثة تسهّل على الطالب الوصول الى فهم المادّة العلميّة.

من الأمور المهمّة أيضاً هي مسألة عدم احترام الكوادر التعليميّة والتدريسيّة وانتهاك حرمة التعليم من قِبل بعض الشرائح.. إخواني نلتفت الى هذه القضيّة، فهي لا تعني فقط المؤسّسات التعليميّة بل تعنينا نحن جميعاً، لاحظوا إخواني نحن جميعنا كنّا طلبة، سابقاً كنّا نحترم المعلّم والمدرّس والأستاذ لذاته.. سواءً كان غنيّاً أو فقيراً.. لديه وجاهة اجتماعيّة أو لا يملك وجاهة اجتماعيّة.. لكونه معلّماً نحترم العلم.. ونقدّس العلم.. هذا المعلّم والمدرّس والأستاذ نحترمه مع قطع النظر عن هذه الأمور العارضة، الآن في كثيرٍ من الأحيان ربّما من قبل بعض الطلبة أو المجتمع -بعض فئات المجتمع- ليس هناك احترام وتقديس للمعلّم لذاته، قد يُحترم المعلّم والمدرّس لأمورٍ تتعلّق بمستواه المعيشيّ والاجتماعيّ والغنى وغيرها من الأمور، يُحترم من أجل ذلك، وقد يمتازُ معلّم بقدراته لكنّه لا يُحترم لكونه فقيراً وليست له وجاهة ومكانة ومنزلة، سابقاً لم يكن الأمر كذلك.. نحن أيّها الإخوة والأخوات بحاجة الى أن نشعر بقيمة العلم في حياتنا ونحترم المعلّم والمدرّس، حتّى وصل الأمر أن يُعتدى على المعلّم والمدرّس والكادر التعليميّ في داخل المدرسة لأسبابٍ غير مقبولة.. لذلك إخواني هذا الى ماذا سيؤدّي؟!! سيؤدّي الى أنّ المعلّم والمدرّس لا يشعر بقيمة العلم ولا يشعر بقيمة القضيّة التعليميّة والمهنة التعليميّة، فيصبح لا يحترم العلم ولا يكترث للقضيّة التعليميّة، لذلك هذه تُعدّ من الأسباب والأمور التي نحتاج نحن كمجتمع أن نتحرّك من أجل أن نُعطي للعمليّة التعليميّة وللمعلّم احترامه، حتّى هو يهتمّ بهذه العمليّة.

أيضاً من الأمور المهمّة هي قلّة الأبنية المدرسيّة واكتظاظ المدارس بالطلبة، وسبق أن تحدّثنا عن ذلك حتّى أنّ بعض المدارس دوامها ثلاثيّ يصل دوام الطالب فيها الى ساعتين أو ساعتين ونصف، كما أنّ بعض الأبنية المدرسيّة الأجواء التي فيها لا تتناسب مع الأجواء الصحيّة والطبيعيّة المطلوبة، من أجل أن يتعلّم الطالب ويصل الى المستوى التعليميّ المطلوب، لذلك فالمأمول من المسؤولين المعنيّين أن يعطوا اهتماماً وتخصيصاتٍ ماليّة الى هذه الأبنية، لكي تكون هناك كفاية في الأبنية والأجواء الصالحة المطلوبة، من أجل أن يستطيع الطالب أن يصل الى المستويات المطلوبة.

أيضاً هناك توجّه من قِبل الكثير من المعلّمين والمدرّسين نحو التعليم والتدريس الخصوصيّ، وهذه من المشاكل الخطيرة كثيراً طمعاً لتحصيل المزيد من المال وعلى حساب ما يُعطى للطالب من استحقاقه التعليميّ في المدرسة، هذا أيضاً أثّر على العمليّة التربويّة والتعليميّة، لذلك نوجّه خطابنا الى الإخوة المعنيّين في العمليّة التعليميّة أن يستشعروا أنّ العمليّة التعليميّة أمانةٌ إلهيّة في أعناقهم، وأنّ الطالب أمانةٌ إلهيّة في أعناقهم، أمانةٌ من أُسرهم والعلم أمانةٌ في رقابهم.. لابُدّ أن يُعطوا للعلم وللطالب والتعليم حقّه.

من الأسباب الأخرى -إخواني- ما يتعلّق بالأسرة، لا نجد اهتماماً كافياً من أولياء الأمور بالمستوى الدراسيّ لأبنائهم، ولا يهتمّون بتحصينهم وحفظهم من الأمور التي تضرّ مستوياتهم الدراسيّة، ومن الأمور الشائعة في الوقت الحاضر التي لم تكن موجودة سابقاً هي كثرة انشغال الطلبة بالوسائل الإلكترونيّة الحديثة والألعاب التي قتلت وقتهم وطاقاتهم العقليّة والنفسيّة، نلتفت الى هذه القضيّة فنحن لسنا ضدّ هذه الوسائل بالعكس.. هذه الوسائل فيها الكثير من القابليّات والاستعدادات التي تنفع الإنسان لو أحسَنَ استخدامها، ولكن في نفس الوقت فيها الكثير من الأمور الجاذبة والمثيرة والمغرية والضارّة للطالب في عقله وتفكيره وعاداته وأخلاقه وسلوكه، إن لم يكن هناك تحصين لهذا الطالب فسوف يستنزف هذا الطالب الكثير من وقته وجهده وعقله وتفكيره في أمورٍ ضارّة ولا نفع لها.. من واجب الأسرة هنا أن تهذّب هذا الاستعمال وتعلّمه حسن الاستعمال، ومن المُمكن أن تُستعمل أيضاً في وسائل التعليم الحديثة.

الأمر الآخر أيّها الإخوة والأخوات الذي أثّر كثيراً هو الإحباط النفسيّ لدى كثيرٍ من الطلبة، في أنّه حينما يتخرّج وبعد جهد سنين طوال من التعب والسهر والتحصيل الدراسيّ، لا يجد فرصة عملٍ بعد أن يتخرّج من الجامعة تتناسب مع تعليمه الاختصاصيّ وما بذله من جهود، فهو مصيره إمّا الى البطالة والمشاكل الكثيرة التي تصاحبها أو مصيره الى مهنةٍ وضيعة تهدر كرامته وموقعه الاجتماعيّ.. ماذا سيُصبح من شعورٍ لدى الطالب؟ أنّه لا جدوى من الدراسة طالما أنّني في المستقبل حينما أتخرّج من الجامعة لا أجد فرصة عملٍ تتناسب مع جهدي العلميّ ومع اختصاصيّ العلميّ، وهذه النقطة صحيحة إخواني.

فالمأمول من الجهات المعنيّة وسبق أن خاطبنا الجهات المعنيّة.. من الضروريّ الاهتمام الكبير في المجال الصناعيّ وفي المجال الإنتاجيّ، إعطاء فرصة وافية وكافية للقطّاع الخاصّ لكي يُساهم في النهوض بالخدمات ويوفّر فرص عملٍ كبيرة لهؤلاء الخرّيجين، وأيضاً في نفس الوقت هو خطابٌ لكم -إخواني- علينا أن ننظر الى جنبة الشهادة الجامعيّة والدراسة بنظرين، نظر أنّه يوفّر لنا فرصة عمل جيّدة وتناسب الإنسان وتليق به، من الأمر المهمّ أن ننظر أنّ العلم بذاته ودراسة الطالب بذاتها وحصوله على العلم نورٌ في الطريق.. يوفّر له وسيلة تفكير في الحياة أفضل ويرتقي بأسلوب حياته، لذلك إخواني حثّوا أبناءكم على أن يواصلوا الدراسة ويجتهدوا في دراستهم، حتّى لو افترضنا أنّهم لم يحصلوا على فرصة عمل فهذه الشهادة وحدها تمثّل نوراً في الطريق ونوراً في الحياة، لابُد أن نعلّم أبناءنا قيمة هذا العلم الذي نحصل عليه.

الوصيّة الأخيرة التي أتقدّم بها الى أبنائنا الطلبة جميعاً بعد الذي ذكرناه، أنّ الأمل معقودٌ بكم يا أبناءنا الطلبة، أن تعطوا التعليم حقّه في الحياة فإنّكم أملنا ونظرتنا المستقبليّة، وقلوبنا جميعاً تتطلّع الى ذلك اليوم الذي نراكم فيه قد ارتقيتم مدارج العلم والتربية لتكونوا أملنا في التغيير الذي ننشده، فالله الله يا أبناءنا الطلبة في علمكم ومستقبلكم وبلدكم وأُسركم، عسى أن تقرّوا عيوننا بمستقبلٍ يداوي جراحنا ويرفع آلامنا ويُحقّق آمالنا.

نسأل الله التوفيق والسداد إنّه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


*النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة (15 ذي ال قعدة1440هـ) الموافق لـ(19 تمّوز 2019م)، والتي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الطاهر بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ (دام عزّه)

2019/07/20
المرجعية العليا: العشائر ركيزة أساسية في تركيبة الشعب ويمكن أن تكون مطمعاً

إخوتي أخواتي أعرض على مسامعكم الكريمة أمرين، الأمر الأوّل أتحدّث فيه عن العشائر، والأمر الثاني أتحدّث فيه عن ظاهرة الانتحار.

أمّا الأمرُ الأوّل فأبيّن بمقدّمةٍ بسيطة أنّه لا شكّ أنّ الهويّة -هويّة كلّ شعب- هي محلّ اعتزاز وافتخار، وهذا التنوّع الموجود عندنا في العراق نعتزّ به وبكلّ ما يمتّ لهذا البلد من وجودات متنوّعة ومختلفة، ومن الركائز الأساسيّة في تركيبة هذا الشعب هي مسألةُ العشائر، والعشائر العراقيّة لها تأريخٌ حافل ومهمّ ولها وقفاتٌ مشرّفة أيضاً وكثيرة، ويُمكن أن تقفز الى الذاكرة بشكلٍ سريع كيف كان موقفها في ثورة العشرين، وقد أخذت زمام المبادرة بشكلٍ حفظت -في وقتها- للبلاد هذه الحالة للحفاظ على هويّة البلاد، وفي السنين المتأخّرة أيضاً هبّت العشائر مِنْ ضمن مَنْ هبّ للدفاع عن أرض العراق وعن مقدّساته وعن قِيَمه، عندما توفّق الجميعُ لتلبية ما تفوّهت به المرجعيّةُ الدينيّةُ العُليا المباركة في قضيّة الإفتاء ضدّ زمر داعش، إضافةً الى المآثر المحمودة والأخلاق التي تتمتّع بها هذه العشائر من الجود والكرم والشجاعة والنبل والغيرة وغيرها من المآثر المحمودة، ولقد تكوّنت في هذه العشائر مجموعة من حلقات التربية -إذا جاز التعبير- عندما كانت الدواوين والمضائف يجتمع فيها وجوهُ القوم ووجهاءُ العشيرة، ويجلس أبناء العشيرة ممّنْ لم تَخبره الحياة ليستمع للنصيحة ويستمع للتوجيه ويستمع للموعظة، بحيث تُصقل شخصيّة هذا الشابّ وهو يستمع الى وجوه قومه بكلّ ما يُمكن أن يكون عنواناً للفضيلة، بحيث أصبحت المقولة الدارجة أنّ (المجالس مدارس)، ونشأت طبقةٌ تحمل في ثناياها هذه القيم النبيلة والقيم الأصيلة التي نفتخر بها جميعاً، وطبعاً العشائر لأهمّيتها ممكن أن تكون مطمعاً لمن لا يُريد بالبلاد خيراً، لأنّها ذخيرةٌ مهمّة -كما قلت-، وهذه العشائر أيضاً صدّرت الى المجتمع الكوادر العلميّة على اختلاف وجوداتها.

في الفترة المتأخّرة بدأت بعضُ الأشياء تبرز وبدأت تُسيء الى قيم العشيرة، بدأت هذه الأشياء تُسيء الى تلك القيم النبيلة والقيم التي كنّا نراها ونسمع بها، بحيث أصبح بعضُ أفراد العشيرة في حراجةٍ ممّا يسمع وممّا يقول، وأصبحت بعض التصرّفات تتطفّل على هذا التكوين الذي نعتزّ به، وهذا التطفّل العشائر الأصيلة والسلوكيّات النبيلة والتربية التي ذكرنا هي بريئةٌ منه، وأصبحت هذه الأمور تأخذ مساحةً -حقيقةً- هي مساحة غير طيّبة في بعض المجالات، هذه وإنْ قلّت لكنّها تؤثّر، أنا من المُمكن أن أذكر على نحو العُجالة بعضَ هذه التصرّفات التي من غير الصحيح أن تبقى، مثلاً حالة الاحتكام، تعرفون أنّ هناك مشاكل واحتكاك، طفل من هنا وشابٌّ من هنا وشيخٌ من هناك فتحدث حالةٌ من الاحتكاك كما لا يخلو منها أيّ مجتمع، لكن هذا الاحتكاك الموجود الآن هي حالة من الاحتكام التي لا تُحلّ إلّا بمبالغ مُجحِفة، بحيث أصبح الموضوع لا يُغلق إلّا بأمواٍل طائلة، وأصبح هناك من يتصيّد افتعال هذه المشاكل لغرض الاستفادة المادّية بطريقةٍ أو بأخرى، وأصبح هذا الموضوع الآن هو مادّي بحت ويعزّ علينا أن تتحوّل هذه القيم والمآثر الحميدة الى جانبٍ مادّيّ، وتتحوّل الى سلوكٍ لا يعرف إلّا المادّة، وأصبحت هذه الحالة هي حالةٌ سائدة وإنْ قلّت لكن سائدة في مواطن بحيث لا يُمكن أن تُحلّ المشاكل إلّا بمبالغ مُجحِفة جدّاً، أنا أحبّ أن أبيّن موقفاً شرعيّاً أنّ هذه المبالغ أغلبها أكل مالٍ بالباطل، ومن الجميل جدّاً أن يتثقّف الإنسان في الجانب الفقهيّ ويسأل على أنّ هذا الجانب المادّي المُثقِل ما هو وجهُهُ الشرعيّ في ذلك؟ نعم.. وجهاء القوم يُحاولون أن يُلملموا المشكلة ويُمكن أن تتصالح الأطراف ببعض مالٍ أقلّ ما يكون في الجانب الشرعيّ، يُصالح بين الأطراف بشكلٍ حتّى يُطفئ النائرة ويُطفئ الفتنة، أمّا أن تتحوّل المسألة الى جهةٍ ماديّة بحتة وهناك من يدفع بهذا الاتّجاه، حقيقةً هذا خلاف المآثر الحميدة والمسموعات عن تلك الأصول الجيّدة التي تربّت عليها العشائر.

النقطة الثانية تزوير الحقائق، يعني العشيرة تنتصر لولدها وإن كان مخطئاً، هذا الأمر تنأى بنفسها الحكماءُ عنه، الإنسان يملك عقله والعقلاء ينأون عن هذا بل بالعكس هم يحاسبون فرد العشيرة إذا أخطأ بحقّ الآخرين، هم يوجّهون النصح له إذا أخطأ لا أن يكونوا معه على باطله، لا يُمكن أن يتنازع اثنان وكلٌّ منهم يرى أنّ صاحبه هو ملك من الملائكة، لابُدّ من وجود مخطئ والمخطئ يتوجّه له النصح، لا أن نكون مع المخطئ كيفما اتّفق لأنّه من أطراف عشيرتنا، لا تكون هناك حميّة لا ترضى بها الموازين العرفيّة، فيبدأ تزوير الحقائق وأيمانٌ مغلّظة وكلّه كلامٌ باطل في باطل، من أجل أن هذا منّي فلابُدّ أن يكون على صواب كيفما اتّفق، ولا أعتقد أنّ الوجوه الطيّبة التي يُمكن أن تؤثّر قطعاً ترضى بهذا الفرد.

من النقاط المهمّة أيضاً أصبح هناك تعطيل في بعض المؤسّسات وفي بعض الجهات، مثلاً تُعطَّل عيادةُ طبيبٍ لأنّه -مثلاً- اتُّهِم بأنّه أخطأ بحقّ المريض الفلاني، لا معنى لذلك -إخواني التفتوا- دائماً نقول: لا يُمكن أن تكون ردود الفعل أكبر من الفعل، هذا غير صحيح، ما دام المنطق موجوداً والعقل موجوداً تُحلّ الأمور بطريقةٍ أسهل بكثير، في حالة لابُدّ أن تعطَّل عيادةُ الطبيب لأيّامٍ الى أن تُحلّ القضيّة هذا تعطيلٌ لحياتنا اليوميّة، حقّك يُمكن أن يؤخذ بطريقةٍ تحفظ كيان الجميع، الإنسان أخطأ -لو افترضنا- فهناك حلول لمعالجة الخطأ، لا أن تكون ردود الفعل أكبر من الفعل فهذا أمرٌ أصبح يُعاب علينا، بلدُنا بلدٌ متحضّر فلابُدّ أن نرتقي الى حالةٍ كيف نواجه المشاكل بطريقةٍ في منتهى الموضوعيّة.

من النقاط الأخرى الأَنَفة من تطبيق القانون، إخواني التفتوا لخطورة ما أقول: يشكو لنا بعضُ موظّفي الدولة وهذه أضعها الآن أمام أنظار المسؤولين، يشكون لنا أنّنا إذا طبّقنا القانون بمجرّد تطبيق القانون سنُحاكم من العشيرة الفلانيّة -بمجرّد تطبيق القانون-، هذا أخطأ في العمل يُعاقب فتأتي العشيرة تُحاكم مَنْ عاقبه، شرطي المرور يقول: أوقف سيارةً متجاوزة يُجيب السائق: ألا تعرفني من أيّ عشيرة؟!!، بعض المؤسّسات فيها عمليّة نقل من مكانٍ الى آخر تجد العشيرة لا تقبل، أنا أقول: إنّ هذا ليس له علاقة بما قلت في البدء من تلك الأصالة والمآثر الحميدة والأخلاق والتأريخ العزيز الكريم، لا يُمكن للبعض أن يحاول أن يصادر هذا كلّه بهذه التصرّفات الضعيفة والقليلة والتي هي بعيدة عن العرف أصلاً، المرجوّ من الأحبّة ممّن يسمع الكلام ويلتفت هذا التماسك لابُدّ أن يبقى في العرف المقبول، لا أن ينفرط العقد وتتحوّل القضيّة الى قضايا غير مفهومة، لابُدّ من وجود ضوابط مقبولة لا تتصادم مع العرف ولا تتصادم مع الشرع ولا تتصادم مع القانون، حتّى يطمئنّ الآخرون بأن إذا أخطأت فهذا الخطأ معروف كيف أتعامل معه، أمّا أن تبقى القضيّة هكذا -إخواني- أعتقد لا يرضى بها الجميع، هذا ما كان من الأمر الأوّل وعندي شواهد كثيرة ولكن طوينا عنها كشحاً.

الأمر الثاني هو مسألة الانتحار، واقعاً تتبّعت ما تذكره الصحافة والإعلام عن مثل هذه الحالات، وبعض الحالات نجا محاوِلُ الانتحار من ذلك، مثلاً يصعد على جسرٍ فيُحاول أن يرمي نفسه ثمّ يُدركه البعض، حاولتُ أن أتتبّع وجدت أنّ هذه الحالة أوّلاً لم تكن موجودة وإن وُجدت فهي لا تُعدّ أصلاً، ثانياً وجدنا هذه الحالة عند الشباب يعني ممّن هم في ريعان الشباب، أنا نصيحتي لمن يكون على هذه الطريقة، أمّا الذي انتحر فهو لا يسمع الكلام لكن الذي قد يفكّر -لا قدّر الله- أبيّن هذا المعنى بخدمتكم، كلّ إنسان في بداية شبابه قد يُبتلى، يُبتلى بتجربةٍ مادّية قد يخسر فيها، بتجربةٍ اجتماعيّة أو علميّة أيضاً قد لا يتوفّق فيها، بتجربةٍ -افترض- عاطفيّة كأن يريد أن يتزوّج من المرأة الفلانيّة لكن لا يجد الى ذلك سبيلاً، هذا الشابّ لا يملك تجربةً واسعة، المشكلة مركّبة فتبقى هذه المشاكل في صدره، لا يجد أباً متفرّغاً له ولا يجد أسرةً تحاول أن توجّه سلوك ولدها، هذا الشابّ في عمره مجموعةٌ من الأصدقاء يحملون نفس ما عنده من أفكار ومن رؤى ومن نظرة قد تكون تشاؤميّة، فيحاول إذا فشل في أوّل تجربة له أن يرى الدنيا قد اسودّت في عينيه، يحاول أن يُعين على نفسه ويحاول أن يجعل ضبابيّة وغشاوة على قلبه وعلى عقله وعينيه بحيث لا يفكّر إلّا في هذه المشكلة، فيرى أنّ المنافذ قد أوصدت عنده، ويرى أفضل حلّ هو التخلّص من الدنيا فيُقدم على الانتحار، أنا أسأل وأنا أطلب من هؤلاء الإخوة، أقول: يا أولادي يا أعزّائي أنتم في ريعان الشباب أنتم الآن الأمل، لا يُمكن أن نُنهي حياتنا بتجربةٍ واحدة بل بتجربتين بثلاثة بعشرة، لا تُنهِ حياتك فأنت الآن تُقدم على فناء أعزّ شيء عندك، من أجل تجربةٍ قد تكون أنت أخطأت أو قد خطّأوك فيها، عليك أن تنتفض وعليك أن تصحو، لا تأخذ النصيحة من فاشل، الفاشل لا يعطيك نصيحةً لأنّ الفاشل لو كان يُمكن أن ينصح لنصح نفسه، خذ النصيحة من إنسانٍ ناجح، تعلّم أن تستنصح الآخرين، لا تفرّطْ بحياتك، الانتحار عملُ المنهزمين، الانتحار عملُ الفاشلين، الانتحار عبارة عن قلّة تدبّر وقلّة تعقّل، المجنون من يرفض حياته، نعم.. عليك أن تستفيد من هذه التجربة وليس من الشجاعة أن ترمي نفسك وتُنهي حياتك وتجعل مآسي الأسرة خلفك، لا أعرف ما الذي تستفيده لمجرّد أن مررت بتجربةٍ وهذه التجربة كانت غير جيّدة فتدمّر مستقبل حياتك بهذه الأشياء، إخواني أنا أقول هذا وأنا أعلم أنّ هذا الكلام لابُدّ أن يُتمّم بكلامٍ آخر، هناك تربية وافدة إلينا لم تكن ثقافة الانتحار لم نسمع بها، نعم كلّ المبرّرات موجودة أحدهم يقول: عمل لا يوجد أو الظروف صعبة، نعم.. أنا أقرّ معك بالظروف الصعبة والعمل لكن ليست النتيجة أن تنتحر، النتيجة أن تبقى، قلْ أنا تحدّيت الظروف وبقيت شامخاً، يا حبيبي لا تُرهقْ أهلك ولا تفكّر بطريقةٍ سلبيّة، الأمل أمامك وأنت شابٌّ دون العشرين، ألم تقل لي ما هي تجربتك؟!! الأب يا أخي العزيز اجلسْ مع الولد علّمه وافتحْ صدره، أنتم الأولاد لا تتعلّموا عدم الاهتمام بالآخرين، نعم.. اعتزّ بشخصيّتك واعتمدْ على نفسك لكن أنت كالعود الطريّ تحتاج الى مسند، تعلّمْ من هذه الأشياء في الطبيعة، الله تعالى علّمنا هناك نبات جيّد مُثمِر لكنّه في بدايته يحتاج الى مسند الى أن يقوى عوده ويشتدّ ثمّ بعد ذلك يعتمد على نفسه، أنت تحتاج وكلّنا نحتاج في أعمارنا الى مسند والى من يوجّه ومن يرشد، ليس عيباً أن تستنصحوا الآخرين أبنائي وأحبّائي، والله كلّما سمعنا بحالةٍ من الانتحار تأذّينا، هذا من رصيد هذا الشعب الأبيّ، لماذا تذهبون الى هذه الطريقة؟!!

أنتم شبابٌ في مقتبل العمر لا تغرّكم بعض الأمور فتجعلون الدنيا مسودّةً لأنّه مستقبلي انتهى، لا لم ينتهِ مستقبلك يا ولدي، الآن الحياة أمامك لابُدّ أن تكون قويّاً أن تكون شجاعاً أن تكون صبوراً، هذه الخشونة في الرجولة مطلوبةٌ منكم أبنائي، الرجل يتحمّل المسؤوليّة، شخص كان عمره ستّة عشر عاماً ذهب الى الدواعش وفجّر قنبلةً في الدبّابة وفرّ سالماً منها، ستّة عشر عاماً كان عمره وهو في الصحراء، الإنسان إذا أراد شيئاً حصل عليه، لماذا هذا الإحباط والانكسار؟! لماذا؟! أنتم أبناء لديكم أمّهات غذَّيْنكم بحليبٍ طاهر، أبناء آباءٍ من أصلابٍ طاهرة، لا تذهبوا الى أن تُنهوا حياتكم من أجل أشياء في منتهى التفاهة والبساطة، من علّمكم على هذه الطريقة؟ هذه ليست شجاعة، المنتحر مهزوم، المنتحر فاشل، المنتحر جبان يجبن أن يواجه الحياة فيذهب الى الانتحار، لا أعرف من أين وفدت هذه القضيّة والصحافة تنقل يوميّاً، طبقة شباب لا تزالون في ريعان شبابكم أبنائي لا تذهبوا الى هذه القضيّة، واجهوا الأمور بشجاعة وقوّة والله سبحانه وتعالى يُعينكم على فتح آفاق كثيرة جدّاً، أنت لا ترى كلّ المشهد الآن أنت لا تزال في تجربةٍ قليلة، المشهد أصعب من جهةٍ ممّا تراه وأسهل من جهةٍ أخرى ممّا تراه، الحياة تحتاج الى مرشِد وتحتاج الى موجّه وتحتاج الى أحد تستند عليه يا بُني، لا تُعجّل بأن تُنهي حياتك لأسبابٍ هي جدّاً جدّاً بسيطة وتافهة.

نسأل الله سبحانه وتعالى وأدعو لشبابنا الأعزّاء في هذه الأعمار الفتيّة، نحن نرغب ونتمنّى أن نراكم في طليعة الناس الذين يبنون هذا البلد بعيداً عن هذه الممارسات المرفوضة، نسأل الله سبحانه تعالى لكم يا شبابنا ويا أبنائي دوام التوفيق والتسديد والأمل، وأن يفتح الله تعالى بصركم وبصيرتكم على أمورٍ تُبعدكم عن هذه الممارسات، اللهمّ احفظنا واحفظ شبابنا واحفظ أهلنا جميعاً وأسرنا، واحفظ بلدنا من كلّ سوء، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة ليوم (8 ذي القعدة1440هـ) الموافق لـ(12 تمّوز 2019م)، والتي أُقيمت في الصحن الحسينيّ بإمامة السيّد أحمد الصافي (دام عزه)

 

2019/07/14
ممثل المرجعية العليا يحذر من ظاهرة انتشار «المخدرات»

أيّها الإخوة والأخوات نُشير وننبّه في الخطبة الثانية الى ظاهرةٍ تُعدّ من أكثر المشاكل الاجتماعيّة خطورةً في الوقت الحاضر إنْ لم توضعْ لها العلاجاتُ المناسبة، لما لهذه الظاهرة من تدميرٍ للطاقات البشريّة في المجتمع، ألا وهي تنامي ظاهرة انتشار المخدّرات في بعض الشرائح الاجتماعيّة بشكلٍ سريع يدعو الى القلق البالغ، خصوصاً أنّ بعض ما يرد إلينا من ترويج هذه الظاهرة هو بين فئة الشباب والشابّات، هذه الشريحة الاجتماعيّة التي نبّهنا كثيراً على أهمّيتها في بناء حاضرٍ ومستقبلٍ واعدٍ لهذا المجتمع وهذا البلد، فهم الشريحة الأكثرُ عنفواناً وفاعليّةً في بناء المستقبل الذي نرجوه.

في الواقع بدء انتشار هذه الظاهرة والترويج لها بين الشباب والشابّات يؤدّي الى استنزاف هذه الطاقات العقليّة والفكريّة والنفسيّة والجسديّة والصحيّة لهؤلاء الشباب الذين ننتظرهم جميعاً، ممّا يؤدّي الى إماتة هذه القدرات لدى الشباب الذين يمثّلون الشريحة الأكثر فاعليّةً في بناءِ حاضرِ ومستقبل البلد، وخصوصاً إذا لاحظنا أيّها الإخوة والأخوات لننتبه الى هذه المسألة التي بدأت تُستخدم في الفترة الأخيرة بطريقةٍ ماكرة وخادعة وجاذبة للشباب والشابّات، لإيقاعهم في فخّ التعاطي للمخدّرات، هو أنّنا نجد هناك وسائل متعدّدة لغسيل الدماغ لدى الشباب والشابّات، هذه الوسائل تستخدم أساليب ماكرة وخادعة وهي جاذبة في نفس الوقت لهؤلاء الشباب، كيف؟ هناك البعض من الشباب والشابّات يعاني من الاضطراب النفسيّ والقلق النفسيّ والمشاكل الاجتماعيّة والإحباط بسبب الشعور بالفشل وغير ذلك من الأسباب، كيف يخدعه ويجذبه الى تعاطي هذه الموادّ؟ لا يأتي اليه بالعنوان الواضح في عدم مقبوليّته اجتماعيّاً، هذه الموادّ المخدّرة الواضحة في عناوينها أنّها موادّ مخدّرة وقاتلة وضارّة جدّاً، يأتي اليه من بابٍ آخر وهو استعمال الحبوب المخدّرة، ويُبيّن له أنّ هذه الحبوب تؤدّي به الى حالةٍ من التهدئة وتُعالج حالة الاضطراب والقلق النفسيّ لدى الشابّ والشابّة، وتعالج لديه هذه الحالات النفسيّة التي يمرّ بها، فيجرّه ابتداءً الى عنوانٍ أقلّ مرفوضيّة ومقبولٍ بعض الشيء، لأنّه إذا يأتيه مباشرةً من المادّة الواضحة في مرفوضيّتها اجتماعيّاً وتدميرها الصحّي والنفسي سيرفض ذلك، لكنّه يأتيه بهذا العنوان، يجرّه الى هذا العنوان فيبدأ يتعاطى هذه الحبوب ثمّ بعد ذلك حينما يقع في الفخّ ابتداءً ويتأثّر بتعاطي هذه الحبوب يجرّه شيئاً فشيئاً الى تعاطي الموادّ الأكثر ضرراً وقاتليّة في الشباب والشابّات، وهكذا يجرّه شيئاً فشيئاً.

هذه الوسائل التي كثرت لا توجد في مقابلها وسائلُ تحمي عقول الشباب وأفكارهم من هذا التلويث، الذي يحصل من خلال هذه الوسائل الماكرة والخادعة والجاذبة في نفس الوقت، لذلك علينا حينما تأتي الأخبار وحتّى أنّها أحياناً تأتي من مسؤولين معنيّين، في تنامي هذه الظاهرة الخطيرة جدّاً بالنسبة الى جيل الشباب والشابّات بصورةٍ خاصّة، هذا يستدعي مزيداً من الاهتمام والتنبّه لوضع وسائل العلاج الفاعلة والسريعة، من أجل صيانة وحفظ هؤلاء الشباب من الوقوع في مخاطر هذه الظاهرة.

نحن لسنا بصدد بيان الأسباب والآثار الضارّة لهذه الظاهرة، بقدر ما يعنينا تنبيه ولفت انتباه واهتمام الجهات المعنيّة والمجتمعيّة أيضاً بضرورة الالتفات الى خطورة هذه الظاهرة، ووضع العلاجات السريعة والناجحة لإيقاف تناميها وسرعة انتشارها، نذكر هنا بعض الخطوات المطلوبة عسى أن تكون نافعةً في هذا المجال:

أوّلاً: نحتاج لوجود رادعٍ قانونيّ وعقابيّ صارم يكفي للحدّ من سرعة انتشار هذه الظاهرة. أوضّح هذه القضيّة إخواني، إذا كانت هناك جريمة وظواهر خطيرة على المجتمع الأمر الأوّل لابُدّ أن يكون هناك قانون وتشريع فيه من الأحكام ما فيها من قوّة الردع التي تحدّ من هذه الظاهرة وهذه الجريمة، ابتداءً في مرحلة التشريع والتقنين للأحكام الى التطبيق والتنفيذ، هنا المشكلة أين إخواني؟ كما يذكر ذلك عددٌ من المسؤولين أنّ أوّل شيء ربّما في مرحلة الأحكام في إطار القانون أو تطبيق هذه الأحكام القانونيّة هناك ضعف وهناك عدم كفاية في ردع هذه الأحكام للمجرمين، هناك الكثير ممّن يتاجر بهذه الموادّ بسبب جَشَعه وطمعه بالمال وسرعة التحصيل على المال، يتجرّأ في نشر هذه الظاهرة، لابُدّ أن تكون هناك قوّة ردع في القانون بحيث تكفي لردعه عن ممارسة هذه الظاهرة، نجد أحياناً هناك خفّة وضعف عقوبات بمستوىً خفيف وضعيف بحيث لا تؤثّر بردع هؤلاء الذين يتاجرون بهذه الموادّ، هذه المرحلة الأولى ليست بمستوى من التأثير بحيث تردع هؤلاء.

الأمر الثاني: ربّما في مرحلة التطبيق -وهذا ما نجده- بمجرّد أنّ هذا المدان بجريمة التعاطي يُحكم عليه حتّى يجد باباً قريباً يفلت منه من العقاب من خلال أحكام العفو المتكرّرة، بمجرّد أن يثبت عليه ويُدان ويُحكم عليه حتّى وجد باباً قريباً فُتح له وأفلَتَ من العقاب، هذه المرحلة الثانية التي تُضعف القانون في التأثير في الردع.

الأمر الثالث: أنّ بعض الذين يتاجرون بهذه الموادّ بسبب علاقاتهم مع متنفّذين في الدولة يستطيعون أن يفلتوا بسرعةٍ من العقوبات المجعولة لهم في القانون، لذلك لا يكون القانون فيه قوّة ردع ومنع كافية لهؤلاء الذين يتاجرون، بحيث تخفّ هذه الظاهرة وتُعالج بنسبةٍ ما، هذا أوّلاً.

أمّا ثانياً: وهي الحاجة الشديدة الى ملء الفراغ لدى الشباب. هناك أحياناً فراغٌ قاتل لدى الشباب لا يستطيعون بما لديهم من طاقة وحيويّة أن يفرغوا طاقاتهم في أمورٍ مفيدة، فهم بحاجة الى برامج تنمويّة وبرامج ترفيهيّة يُمكن أن تبني هؤلاء الشباب بناءً عقليّاً نفسيّاً فكريّاً صحيحاً، يملأون من خلالها أوقات الفراغ أو كذلك الحالات النفسيّة التي تحصل لدى البعض من الشباب، بسبب عدم وجود فرصة عمل أو وجود مشاكل اجتماعيّة، يريد أن يهرب من هذا الضغط النفسيّ الذي يتعرّض اليه بوجود مشكلة اجتماعيّة أو عاطفيّة وعدم وجود فرصة عمل، ضغوط الحياة المختلفة عليه تدفعه أن يلجأ الى هذه الموادّ لكي يهرب من هذا الواقع المرير الذي يعيشه.

نحن ذكرنا مراراً وتكراراً أنّ هناك بعض الوسائل التي لا تلقى الاهتمام المطلوب، من أجل توفير فرص العمل الكافية كما هو الحال في مجال تشجيع القطّاع الخاصّ أو تشجيع بعض القطّاعات المهمّة الصناعيّة والزراعيّة، ومراكز الشباب التي يُمكن من خلالها أن توفّر ملءً لهذا الفراغ لدى الشباب، وتوفّر فرص عملٍ كافية، هذه المجالات لم تلقَ الاهتمام الكافي بحيث نُعالج شيئاً ما من هذه الظاهرة، أدّى ذلك الى أنّ البعض يهرب من هذا الواقع ويلجأ لمثل هذه الموادّ هروباً من هذه المسألة.

العلاج الثالث والمهمّ والذي يعنينا جميعاً، هو الحاجة الى التوعية المجتمعيّة والاهتمام الكافي لمعالجة مثل هذه الظواهر، ابتداءً من الأسرة الى المدرسة الى الجامعة الى الإعلام الى الوسائل الأخرى التي يجب أن تلقى منها اهتماماً بالقدر الكافي، إخواني وأخواتي هناك خللٌ مجتمعيّ لدينا يسبّب مثل هذه الظواهر وتناميها حتّى على مستوى الأُسر والمدراس والجامعات، وهو أنّه فقدنا حالة التوازن في الاهتمام والاعتناء بالمشاكل والتحدّيات التي نمرّ بها، أُعطيكم مثالاً على ذلك، مثلاً المشكلة السياسيّة والتحدّي السياسيّ ينال قسطه من الاهتمام والمناقشات والمجادلات ووضع الحلول والعلاج والاهتمام من الجميع، التحدّي الأمنيّ ينال استحقاقه من الاهتمام وهذا مطلوب، ولكن التحدّي الأخلاقيّ والتربويّ والقيميّ في المجتمع لا ينال استحقاقه من الاهتمام والعناية ووضع العلاجات له، وأنا أضرب مثالاً واضحاً على ذلك، إذا فقدنا حالة التوازن حصلت المشاكل والمخاطر، لاحظوا -إخواني- في الإسلام، أعطى الإسلام كنظامٍ وتقنين ونظام عملٍ لكلّ مشاكل وتحدّيات الحياة حقّها من الاهتمام والعلاج، حتّى المجتمعات المتطوّرة في العالم أعطت لكلّ تحدّيات ومشاكل الحياة حقّها من الاهتمام والعناية، في كلّ مكانٍ سواءً في الأسرة في المدرسة في الجامعة في مؤسّسات الدولة، نحن فقدنا حالة التوازن في الاهتمام المطلوب، مثلاً الأسرة أو المدرسة تُعطي للطالب وللشابّ حقّه من الاهتمام بالتعليم الأكاديميّ ولكن لا تُعطي حقّه من الاهتمام بالتربية والقيم والأخلاق والمبادئ، ضعف هذا الاهتمام أدّى الى وقوع الشابّ والطالب في مشاكل أخلاقيّة وقيميّة وتربويّة، كذلك الجامعة وكذلك مؤسّسات الدولة والمؤسّسات المجتمعيّة الأخرى.

نحن علينا أن نعيد حالة التوازن في الاهتمام الكافي والعناية ووضع العلاجات لكلّ المشاكل والتحدّيات التي نمرّ بها، الآن لدينا تحدّي ومشكلة في قضيّة انتشار المخدّرات، علينا أن نعطي هذه المشكلة والتحدّي حقّها من الاهتمام والعناية والتنبّه ووضع الحلول ووضع العلاجات لها وتفعيل هذه العلاجات، لذلك علينا إخواني ابتداءً من الأسرة كما تهتمّ بالتفوّق لأبنائها -وهذا شيءٌ حسن وجيّد- في دروسه الأكاديميّة وتوفّر لهم وسائل الترفيه والراحة، عليها أن تهتمّ بنفس المقدار بتربية أبنائها وتخلّقهم بالأخلاق الحسنة، وهكذا.

أيضاً أودّ أن أبيّن لبعض وسائل الإعلام، هناك بعض وسائل الإعلام مهنيّة والبعض الآخر انفلتت بعض الشيء وخرجت عن الضوابط المطلوبة، بعض من الوسائل التي يتلقّى منها المتلقّي ثقافته وأفكاره ومنهجه في الحياة، البعض منها خرج عن الضوابط المطلوبة، نحن نحتاج من البعض الحرفيّ والمهنيّ أن يعوّض عن هذه النسبة من الانفلات وعدم الانضباط لدى بعض الوسائل التي تُلقي بثقافاتها وأفكارها ومناهجها الى المجتمع والى الشباب خاصّة، ولدينا في الواقع إخواني طاقات شابّة جيّدة لها حرقة القلب على مجتمعها وشباب أمّتها، نحتاج من هؤلاء الشباب أن يعطوا شيئاً من طاقاتهم وكفاءاتهم في هذا المجال، وينبّهوا الى هذه المبادئ والقيم للمجتمع ويُحذّروا من هذه المخاطر، وأيضاً المدرسة نأمل من إدارات المدراس وإدارات الجامعات أن تتنبّه الى هذ الأمر، بقي التنبيه الأخير الذي نودّ التنبيه اليه، هو أيضاً تنامي ظاهرة انتشار بعض مراكز الفساد خصوصاً في العاصمة بغداد، والمشكلة أنّ بعض هذه المراكز تُعنون نفسها بعناوين مقبولة اجتماعيّاً وعناوين صحّية وتنمويّة وغير ذلك وترفيهيّة، ولكن في الحقيقة تُعنون وتُغلّف وتؤطّر نشاطها بعناوين صحيّة وترفيهيّة مقبولة اجتماعيّاً وهي في حقيقتها تستبطن إفساد المجتمع.

نحن نحتاج أن تتنبّه بعض مؤسّسات الدولة المعنيّة وتضع بعض هذه المراكز التي تتظاهر بعناوين مقبولة اجتماعيّاً ولكن في داخلها تستبطن إفساداً للمجتمع أخلاقيّاً وغير أخلاقيّ، نحتاج من مؤسّسات الدولة المعنيّة أن تتنبّه الى ذلك وتضع هذه المراكز تحت المراقبة والمعاينة، وتتبيّن من حقيقة نشاط بعض هذه المراكز التي أخذت تُفسد العناصر في المجتمع من الشباب والرجال والنساء، تفسدهم أخلاقيّاً وقيميّاً ومبدئيّاً ولكن هي في ظاهرها مؤطّرة ومعنونة ومغلّفة بعناوين مقبولة وتخدع الآخرين، وبدأت تنتشر هذه الظاهرة وتتنامى، لذلك نحن علينا أن ننتبه وعلى مؤسّسات الدولة المعنيّة أن تتنبّه من خطورة بعض هذه المراكز التي عنوانها الظاهر شيء وفي باطنها وداخلها شيءٌ آخر، هذه لو تنامت وانتشرت ستشكّل خطراً على المبادئ الأخلاقيّة والأمن الأخلاقيّ للمجتمع.

نسأل الله تعالى أن يجنّبنا ما فيه فساد مجتمعنا وأمّتنا إنّه سميعٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


النص الكامل للخطبة الثانية من صلاة الجمعة (1 ذي القعدة 1440هـ) الموافق لـ(5 تموز 2019م)، التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ المطهّر بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ (دام عزّه).

 

2019/07/06
وكيل السيد السيستاني يحذر من انشغال الأولاد بـ «الأجهزة الحديثة»

إخوتي أخواتي أودّ أن أتحدّث معكم حول موضوع ما يُتعارف عليه بالتواصل الاجتماعيّ، كمقدّمةٍ سريعة قطعاً الأمم تتفاخر بثقافاتها، وهذه الثقافات أيضاً بينها نوعٌ من التباين والتفاضل، وكلّما كانت تلك الثقافات تهتمّ بتربية الإنسان كانت أفضل، وأنتم تعلمون -كما تكلّمنا سابقاً- أنّ الثقافة التربويّة من أهمّ الثقافات عندنا، وتصدّى قديماً وحديثاً المتصدّون لبيان المدارس الثقافيّة، كلٌّ يرى أنّ هذا المنهج الثقافيّ هو الأفضل لحاجة المجتمع بشكلٍ ملحّ الى مسألة الثقافة، بماذا نتثقّف؟ ومن هو المسؤول عن ثقافتنا؟ وتبقى هذه الصراعات اجتماعيّاً تبرز بين فترةٍ وأخرى سمةً ثقافيّة وتأخذ حيّزاً كبيراً، والمجتمع الآخر يتأثّر أيضاً بهذه الثقافة، وهناك بصمةٌ ثقافيّة تمتاز بها كلّ أمّة عن الأخرى.

سأتحدّث الآن بما يتعلّق بنا وما سنقوله له علاقة على نحو الأسرة وعلى نحو الجانب السياسيّ والجانب الاجتماعيّ والجانب الاقتصاديّ والجانب الإداريّ، نتحدّث عن ثقافتنا من جهةِ وسيلةٍ من الوسائل، مثلاً الكتاب عاملٌ من عوامل الثقافة، وذكرنا سابقاً قبل أكثر من جُمُعة أنّ المعلّم والأب أيضاً من عوامل الثقافة، لكن يبدو أنّ هناك حالاتٍ تحتاج الى مزيدٍ من الكلام فيها، وهذا الكلام ليس لغرض الكلام وإنّما لغرض إيجاد المعالجة.

المسافة الزمنية أقل من طموحاتنا

لاحظوا الآن من وسائلنا الثقافيّة أصبحت، الشابّ والشابّة والشخص الكبير والصغير يقضي وقتاً كبيراً أمامه، لغرض ما يُتعارف أن أقضي وقتاً عند هذه الجهة المعيّنة التي سأتطرّق لها، أوّلاً نحن نحتاج أن نؤسّس مبادئ حقيقيّة ومبادئ اجتماعيّة، كلّ إنسانٍ منّا حريصٌ على وقته وحريصٌ على عمره، أن يقضي هذا العمر بما يلبّي بعض طموحه، الإنسان لا يستطيع أن يقول حقّقت كلّ ما أريد في فترة العمر، دائماً -إخواني- العمر مسافته الزمانيّة أقلّ من طموحاتنا، دائماً العمر هكذا فلابُدّ أن نأتي الى تلك الأولويّات في حياتنا، ونحصر هذه الأولويّات حتّى نقلّل من مساحة الاهتمام الزائد، ونجعل هذه الأولويّات بمقدارٍ ما تتماشى مع عمرنا ومع وقتنا، حتّى نستفيد من كلّ وقتٍ يمرّ بفائدةٍ تنعكس علينا.

أولادنا والتكنلوجيا الحديثة

بعض الناس يحبّ أن يستفسر في بداية حياته وفي بداية مراهقته، يبدأ يكتشف عالماً آخر يحبّ أن يستفسر ويحبّ أن يتوجّه، فإذا وجد من يوجّهه اختار الطريق الصحيح، وإذا لم يوفَّقْ لذلك يبدأ يتخبّط الى أن قد يحصل بنفسه على حلّ أو أنّه يبقى في حالة التخبّط الى حين، اليوم عندنا مشكلة أخرى تسبق مرحلة المراهقة، وهذه المشكلة هي مشكلة انشغال الأولاد بأعمارٍ صغيرة بما يُتعارف عليه بالأجهزة الحديثة، ويبقى هذا الطفل يأخذ هذا الجهاز مساحةً من حياته كثيرة في أن ينشغل، فتبدأ تنصهر عندنا شخصيّة جديدة لم نألفها سابقاً، بحيث إذا منعت عنه هذا الجهاز يبدأ بالصراخ والعويل، والعائلة تريد أن تُسكته فترجع الجهاز له مرّةً ثانية، طبعاً العائلة تشكو لكن لا تتّخذ تدابير -أتكلّم عن البعض-، لأنّ صوت الطفل في البكاء يُزعج العائلة فيُسكتوه بإرجاع الجهاز له، ثمّ ينتظرون سنتين أو ثلاث أو أربع أو عشر، هذا الطفل سيمرض نفسيّاً وستكون هناك مشكلة لا الأب يستطيع أن يعالجها ولا الأم تستطيع أن تعالجها، والأسرة عندما تشكو لأسرةٍ أخرى تجد تلك الأسرة تعاني أيضاً من نفس المشكلة، فيهون الخطب لكن المشكلة باقية، يهون الخطب لشياع المشكلة وعندما يكبر هذا الطفل يبدأ يعبّر عن هذه الثقافة، التي تؤخذ من الفيس بوك وتؤخذ من باقي مواقع التواصل الاجتماعيّ، حقيقةً هناك -كثقافة- شيء هجين، ماذا فيها هذه الثقافة؟

من الأشياء التي أحبّ أن أُلفت النظر اليها، لاحظوا الآن -مثلاً- لو تحدّث شخصٌ بالسوء عن شخصٍ آخر أو عن جهةٍ أخرى، مجموعةٌ كبيرة لا تعرف ذلك الشخص ولا تعرف تلك الجهة تكون مع هذا الذي يتكلّم بسوء، فتجد السُباب والشتيمة والكلام اللاذع والكلام غير المؤدّب، والإنسان بدأ يثقّف نفسه على الكلام النابي، تحوّلت حالة الثقافة الى حالة سبٍّ وشتم، طبعاً لا أحد يُنكر -أسريّاً- أنّنا نحن مَنْ هيّأنا المجال كأسرة أن تنفلت بعض الأمور منّا ونعاني منها، وهذا الذي يشتم يتصوّر أن لا أحد يعرفه فيُعطي العنان للسانه أن يتكلّم بما يشاء، المقابل يردّ له الشتيمة بعشرة والسباب يتجاوز الشخص ويذهب الى الأمّ والأب والعشيرة، ويعيش الإنسان ساعات من هذا العمر الذي قلنا في البدء هو عمرٌ محدّد، يعيش الإنسان هذا العمر بسبابٍ وشتيمةٍ بحيث يقضي هذا العمر حتّى أنّ هذا اللّسان يتعوّد على أن لا يتكلّم إلّا بالكلام النابي، وهذه الأُذُن تتعوّد على سماع الفحشاء من القول، مع أنّه واقعاً هذه الوسائل وسائل ممتازة لو استغلّت الاستغلال الأمثل.

الإنسان الآن ربّما ليس له مجالٌ أن يقرأ الكتب كما كان يقرأ سابقاً، من المُمكن أن يستعيض عنها بثقافةٍ رصينة وهي مبثوثة، لكن كيفيّة إدارة وقته -انتبهوا إخواني- كيفيّة إدارة وقت الإنسان تحتاج الى مربٍّ، كيف للإنسان أن يشغل وقته؟ هذه الأشياء تشغل الإنسان لساعاتٍ وساعات حتّى يصبح هذا الإنسان كسولاً، حتّى قيل لي -والله العالم- إنّ في بعض مؤسّسات الدولة بعض الموظفين يأتي متأخّراً لعمله، لأنّه واقعاً لا يكتفي من النوم ليلاً، لماذا؟ لأنّه شغل نفسه بهذه التُرُّهات!!

إخواني يُمكن أن نتعلّم من بقيّة مخلوقات الله تعالى، الله تعالى جعل الليلَ سَكَناً جعله للراحة، نحن قلبنا الأمور فلا نعرف كيف نتصرّف وفق عقولنا بشكلٍ جيّد، هذا الوقت الثمين للإنسان يقضيه بتُرُّهات لا تُسمن ولا تُغني من جوع؟! أو يقضيه بأمورٍ أخرى عواقب هذه الأمور وخيمة، وكم من مشكلةٍ وكم من فتح نافذةٍ لمشاكل حصلت بهذه الأمور، أنا لا أتكلّم الآن عن جزئيّات لو أبدأ لا أنتهي، وهذه جزئيّات أصبحت مقلقة بالنسبة للجميع، أيّ أحدٍ تتكلّم معه يشكو، إذن من المسؤول عن الحلّ؟

ثقافة البلد

بعد ذلك كشفت هذه الحالةُ شيئاً آخر وهو بصراحة الجهل الكبير عند مستخدمي هذه الأدوات، في الكتابة فيها جهلٌ وفي الإملاء فيه جهلٌ وفي الثقافة فيه جهلٌ، وهو يملك شهادة وعندما ترى بعض ما يتحدّث عنه حقيقةً تجده كلاماً يُضحك الثكلى!!، لا توجد ثقافةٌ حقيقيّة بل حالةٌ من الجهل وحالةٌ من التواضع في الفهم، فإذا كان هذا مستواه فكيف يفهم معقّدات الأمور؟! قيل في حقّ فلان كذا...، اندفع العشرات شتيمةً وسباباً!! من أين تعرفونه؟ لماذا هذه الطريقة؟ تصدّقون كلّ ما يُقال سلباً في الآخرين!! الإنسان عليه أن يتروّى إذا كان متديّناً (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ) أمام الله أمامك يومٌ عبوسٌ قمطرير، الآن الكلمة لا أتكلّم بها بيني وبين نفسي فكيف يراها عشراتٌ آخرون وينقلونها الى عشراتٍ آخرين، من المسؤول عن ذلك؟ إذا كنت غير متديّن هناك لياقات في التعامل، لماذا تلجأ الى الأساليب الشاذّة في التعامل؟! هذا السُباب له وجه وهذه الطريقة من الشتيمة؟!

البلد يحتاج أن يرقى بثقافته وبطريقة كلامه، الإنسان مأمورٌ أن يتكلّم بودّ حتّى الناس تستفيد لا أن تتكلّم دائماً بالسوء والكلام النابي وثقافتك أصبحت هجينة، الإنسان عندما يجلس أمام آخر حتّى وإن جاءه بهندام أو بشيءٍ يسحر الألباب يبقى ينتظر حتّى يتكلّم، تكلّمْ لأراك هل أنت إنسانٌ جيّد تملك عقلاً جيّداً وتملك ديناً وتملك أدبيّات وتملك لياقات؟ أو لا أنت مجرّد هذا الهيكل ولا تعقل من كتاب الله شيئاً ولا تعقل من الألفاظ شيئاً ولا تفهم إلّا السُباب؟ اكتبْ لأراك، هذه الثقافة إخواني أصبحت شائعة وهي ليست ثقافتنا، البلد معروفٌ عنه أنّه بلد ثقافةٍ وأدبٍ وبلد فكرٍ وعقلاء وبلد عقولٍ ناضجة، هؤلاء الشباب بالنتيجة سيطفحون على سطح ثقافتنا بسبب إهمال الأسرة وإهمال المعلّم وإهمال الصديق، ولا أعتقد أنّ أحداً منّا يرضى أن يوصم بلدُنا بهذه الثقافة الهجينة، ثقافة السُّباب والشتيمة والكلام النابي وشتم الأعراض، لا تعرف مجرّد أنّ فلاناً قال!!

نحن عندما نتكلّم واقعاً نتكلّم من منطلق أنّ الإنسان يحبّ بلده ويحبّ أهل بلده، بلدٌ تحمّل ما تحمّل وزهرةُ شباب البلد ذهبت في أيّامٍ خلت، طحنتها طواحينُ القتل والاضطهاد وهذا تاريخٌ تعرفونه، ثمّ جاءت هذه الفتنة الداعشيّة وبحمد الله تعالى تصدّى لها أبناءُ البلد، بلدٌ مملوءٌ بالعطاء والتضحيات لابُدّ أن يتناسب هذا المستوى، لا نفسح المجال ولا نسمح لأبنائنا أن يحطّوا من قدر أنفسهم، الإنسان الذي يسبّ هو مَنْ ينزل قدره والذي تسبّه قد يرتفع، والتاريخ هكذا كشف لنا وعلّمنا أنّ الإنسان الذي يشتم هو مَنْ تقلّ قيمته، فلنحافظ على أبنائنا ونُبعدهم عن هذا اللون من التعامل، أيّها الأب تكلّمْ مع ولدك قلْ له: اكتبْ لأراك ماذا تكتب، هذا عقلُك ما الشيء الذي غذّاه، المغذّي للعقل ما هو؟.

إخواني هذه مسؤوليّةٌ تضامنيّة وجماعيّة، ونحن نثير إثاراتٍ هنا، وقطعاً المسألة لا تنتهي بخطبةٍ ولا بمائة لكن تحتاج الى جهدٍ من الجميع، هذه ثقافةٌ متدنّية لو تُقارن بثقافة بعض البلدان حقيقةً نحن نخجل منها، سبّ وشتيمة وقذف وقدح ... على كلّ حال، نسأل الله سبحانه وتعالى الستر، وأن يجعل الله تعالى هذه الألسنة ألسنةً تتحدّث بالبرّ والخير، هذه أمانةٌ إخواني، هذه الأعضاء التي نمتلكها الله تبارك وتعالى يحاسبنا غداً عليها، لم يخلقها عبثاً، الإنسان مسؤولٌ عن اللّسان، كلّ كلمةٍ يتكلّم الإنسان بها سيرى أثرها يوم القيامة فضلاً عن الدنيا.

نسأل الله تعالى أن يقوّم ألسنتنا جميعاً وأن يجعل أعضاءنا لا تتصرّف إلّا في طاعته، أخذ الله تعالى بأيدينا وأيديكم لما فيه خير الدنيا وسعادة الآخرة، وحفظ اللهُ البلادَ والعبادَ من كلّ سوءٍ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


*النص الكامل لخطبة صلاة الجمعة التي ألقاها وكيل المرجعية العليا السيد أحمد الصافي (دام عزه)

2019/06/29
العطلة الصيفية.. موسم استجمام أم فرصة للكسل والخمول؟

أيّها الإخوة والأخوات نشهد هذه الأيّام بدء العطلة الصيفيّة لطلبة الجامعات وطلبة المدارس، أو قرب انتهاء الامتحانات النهائيّة لبعضٍ آخر من هؤلاء الطلبة، وهذا يعني انتهاء موسم شهد فيه الأساتذة في الجامعات والمدرّسون والمعلّمون والمدرّسات والمعلّمات وطلبتنا الأعزّاء الذين يقدّر عددهم بالملايين، شهدوا انتهاء موسمٍ كانوا فيه في حالٍ من الجدّ والاجتهاد والسهر والمطالعة والكتابة، ليبدأوا رحلةً جديدة يشهدوا فيها قسطاً من الراحة والاستجمام العقليّ والنفسيّ والفكريّ، ليتهيّأوا ويستعدّوا لموسمٍ دراسيّ آخر أصعب وأشقّ.

أيّها الإخوة والأخوات ما هو موضع اهتمامنا وحديثنا بهذه المناسبة؟ كيف نستطيع أن نتعامل ونتعاطى مع هذا الموسم من التعطيل الصيفيّ بما يحقّق النتائج المرجوّة من أبنائنا الطلبة؟ هنا أيّها الإخوة والأخوات حتّى يتّضح لنا أهمّية ما سنذكره نبيّن النقاط التالية:

أوّلاً: عدد الطلبة بالملايين وهم يشكّلون نسبةً كبيرةً من أبناء مجتمعنا، هؤلاء الطلبة هم بناةُ المستقبل وهم أملنا في أن يُبنى مستقبلٌ ناجح وزاهر في قادم السنين، هؤلاء الطلبة هم في عمر الشباب ومرحلة الشباب تمثّل المرحلة الحيويّة والمزدهرة بالنشاط والتألّق والإبداع الفكريّ والعقليّ وغير ذلك من هذه المواصفات، فهي فرصةٌ ثمينة للبناء الصحيح والناجح، نحن كيف نستطيع أن نستثمر هذه العطلة الصيفيّة بما يحقّق النجاح والبناء الصحيح لجيل المستقبل، هؤلاء بالملايين وأعدادهم ليست قليلة، هم جيل المستقبل الذي نحن ننتظره، كيف نتعامل التعامل الذي ينظر اليه العقلاء والإسلام؟ نظرة الإسلام الى هذا الموسم من التعطيل، ما هي نظرةُ المجتمع أو المجتمعات التي تقدّمت وازدهرت، وكيف تعاملت وتعاطت مع هذا الموسم من التعطيل، بحيث حقّقت النجاحات لمجتمعها وخصوصاً لمجتمع الطلبة، من هنا تأتي أهمّية ما سنذكره من توجيهاتٍ وتوصيات لهذه المناسبة.

في الواقع نحن حينما ننظر الى كيفيّة تعاطي مجتمعنا مع هذا التعطيل الصيفيّ نجد تارةً هناك استخدامٌ صحيح واستخدامٌ عقلائيّ، وأحياناً هناك استخدامٌ ضارٌّ وسيّئ للطلبة في هذا الموسم أو تضييع لهذه الفرصة، بحيث نفوّت على مجتمعنا وطلبتنا أبنائنا الأعزّاء كيفيّة الاستثمار الصحيح العقلائيّ لهذه الفرصة التي تمرّ على الطلبة، تارةً لا ننظر الى الشيء بنفسه بل لابُدّ أن ننظر الى الشيء ضمن الإطار العامّ، نحن لو نحسب في حياة الطالب منذ الابتدائيّة الى المتوسّطة والإعداديّة والجامعة موسم التعطيل أربعة أشهر من بين ثمانية أشهر من الدراسة، مع وجود التعطيل في موسم الدراسة لا يصفى إلّا النصف من السنة موسم دراسة ونصفها تعطيل، نحسب هذا التعطيل الذي هو نصف سنة في عمر الطالب الذي هو ستّ سنوات دراسة ابتدائيّة ثمّ ستّ سنواتٍ بعدها ثمّ أربع سنوات في الجامعة، كم سيكون موسم التعطيل؟ نصف عمر الطالب في حياته الدراسيّة، ثمّ إذا نظرنا الى عددهم، ثمّ إذا نظرنا أنّ هؤلاء سوف يتولّون الوظائف المهمّة التعليميّة والثقافيّة والمجتمعيّة والخدميّة، في مستقبلنا هم من سيتصدّون للمسؤوليّة، لذلك ندرك أهميّة التعاطي مع هذا الموسم، نحتاج هنا الى مجموعة من التوصيات.

في الواقع نحتاج أوّل شيء -وهو الأساس- الى بناء الثقافة المجتمعيّة الصحيحة، ماذا نفهم من العطلة الصيفيّة؟ ماذا يُراد من العطلة الصيفيّة؟ نحتاج الى ثقافة مجتمعيّة، نظرة وفهم صحيح لما يُراد من المجتمع الصيفيّ ثمّ نحوّل هذه الثقافة المجتمعيّة العامّة الى منهج وتطبيق في الحياة، حتّى نستطيع أن نوظّف هذه الطاقة للطلبة في البناء الصحيح لهم ولمستقبلنا.

العطلة الصيفية.. موسم استجمام أم فرصة للكسل والخمول؟

في الواقع إنّ الطالب والأساتذة والمدرّسين كما بيّنّا يشهدون موسماً شاقّاً ومتعباً من الدراسة والتحصيل، هنا بحسب الطبيعة الإنسانيّة يحتاج هذا الإنسان أن يأخذ قسطاً من الراحة حتّى يستعدّ الى موسمٍ دراسيّ أصعب وأشقّ، (ابتدائيّة، متوسّطة، إعداديّة، ثمّ جامعة) ينتظره فصلٌ دراسيّ أصعب وأشقّ يحتاج بحسب طبيعته الإنسانيّة أن يأخذ قسطاً من الراحة، ولكن تارةً الراحة يُفهم منها موسمٌ للكسل والخمول والتعطيل للطاقات، وهذا فهمٌ لدى الكثير حتّى يجدّد طاقته، كما النوم يحتاج اليه الإنسان بحسب طبيعته لكي يجدّد الطاقة والحيويّة والنشاط حتّى يستمرّ بأداء وظائفه الحياتيّة في اليوم اللاحق، الطالب كذلك يحتاج الى هذا القسط من الراحة حتّى يستعدّ ويتهيّأ لموسمٍ أصعب وأشقّ، هل الاستعداد للموسم الأشقّ بالكسل والخمول والراحة؟ وتضييع هذا الوقت الثمين في أمورٍ ربّما ضارّة وغير نافعة على الأقلّ؟! في الواقع النظرة العقلائيّة -نظرة الإسلام- يُراد أن يكون هذا الموسم موسم الاستجمام، هناك فرقٌ -إخواني- بين الكسل والخمول وبين الاستجمام العقليّ والفكريّ والنفسيّ والجسديّ للطالب والمدرّس والأستاذ، كيف نحوّل هذا الموسم الى موسم استجمامٍ عقليّ وفكريّ ونفسيّ لنجدّد فيه طاقة الطالب وطاقة الأستاذ، هذا يتوقّف على مجموعةٍ من الأمور.

أوّلاً أن تكون لدينا توعيةٌ وفهم لنعمة الفراغ في حياة الإنسان، التفتوا الى هذا الحديث، كيف نتعامل مع الأحاديث؟ يحتاج الواحد أن يقرأ بدقّة ويتأمّل (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس....) لم يقل قليلٌ من الناس (نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس، الصحّةُ والفراغ)، تأتي أحاديث أخرى تقول: (اغتنم خمساً قبل خمس...) يعني إن فاتتك خسرت كثيراً (...شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغك قبل شُغلك، وحياتك قبل موتك) الطالب فارغٌ من المسؤوليّات والمهامّ فإذا تخرّج انشغل بمسؤوليّاتٍ كثيرة وظيفيّة واجتماعيّة وغيرها، الآن عنده فراغ وهذه نعمةٌ من الله تعالى، فاغتنمْ هذه النعمة بماذا نغتنمها؟ الاغتنام ما هو معناه؟ أن تُستثمر هذه الطاقة وهذه النعمة -عدم الانشغال بالمسؤوليّات- أن تُستثمر نعمةُ الفراغ فيما يؤدّي الى بناء الطالب بناءً صحيحاً، التفتوا إخواني كيف ذلك؟ الطالب خلال ستّة أشهر من الدراسة هو مشغولٌ بالبناء العلميّ الأكاديميّ التخصّصي، ماذا يدرس؟ يدرس اللّغة العربيّة واللغة الإنكليزيّة والفيزياء والكيمياء والحاسوب والرياضيات وغيرها من العلوم الأكاديميّة، هل هذا يكفي لوحده في بناء شخصيّة الطالب البناء المتكامل والناجح، بحيث يحقّق شخصيّة ناجحة في الحياة؟ لا، هذا مهمّ لكنّه لا يكفي لوحده، لأنّ الطالب سيتحمّل مسؤوليّةً بعد تخرّجه، مسؤوليّةً وظيفيّة وقياديّة واجتماعيّة وأسريّة، أو علاقات عمل وعلاقات اجتماعيّة، يتحمّل كثيراً من المسؤوليّات فإذا لم يُبنَ البناء المتكامل والصحيح لا ينجح في حياته، لا يكفي أن نبنيه بناءً علميّاً أكاديميّاً فقط مع أنّه مهمّ لكن هذا لا يكفي، الآن لديك فراغ، أيّتها العائلة أيّها الطالب استثمروا هذا الفرصة في استكمال بناء شخصيّة الطالب، كيف؟ الآن نحن سنبيّنها، يجب أن نلتفت ونحسبها، نصف عمر الطالب التعطيل في حياة الطالب نصف عمره ونصفه دراسة، كم هذا الوقت؟ ولدينا هذا العدد من الملايين من الطلبة، الآن نأتي لكيفيّة استثمار هذه الطاقات، لكن قبل ذلك أبيّن نقطة مهمّة وهذه خلل اجتماعيّ لدى الكثير، نحن نحتاج أيضاً أن نشيع ثقافة التشارك والتعاون والتآزر في تحمّل المسؤوليّة، ما هو معنى ذلك؟ كثيرٌ منّا يحمّل الآخرين عبء المسؤوليّات بتمامها، يقول: الآخرون هم مسؤولون عنّي تعليميّاً وتربويّاً اجتماعيّاً وظيفيّاً خدميّاً، هذا واقع الكثير منّا وهو يتهرّب من أداء ولو جزءٍ من هذه المسؤوليّة، ويطلب أن تُلقى المسؤوليّات على عاتق الآخرين بتمامها وبالمجّان وجاهزة، وهو لا يتحمّل جزءً من المسؤوليّة، هذا خطأٌ كبير لا يُبنى المجتمع هكذا أبداً، لابُدّ أن تُشاع عندنا مجتمعيّاً ومؤسّساتيّاً ثقافةُ التشارك والتعاون والتآزر في تحمّل المسؤوليّات بتمامها، كلٌّ بحسب طاقته، هذا الواجب الوطنيّ والتربويّ يقتضي هكذا، أنّ الجميع يتشارك وسأوضّح ذلك الآن.

بناء البعد الديني والأخلاقي لدى الطالب

نحن في بلدنا -في العطلة الصيفيّة- نحتاج أن نبني أبناءنا وبناتنا البناء الدينيّ الأخلاقيّ العقائديّ التربويّ النفسيّ الاجتماعيّ الصحيح، وهذه فرصةٌ في العطل هناك الكثيرُ من المراكز دينيّة وعقائديّة وتنمويّة ومهنيّة وغير ذلك، ولديها الإمكانات أن تُقيم دورات، هذا جزءٌ من كيفيّة استثمار العطلة الصيفيّة في بناء أبنائنا وبناتنا الطلبة البناء الصحيح، هناك الكثير من المراكز دينيّة وغير دينيّة لديها الاستعدادات الفنّية والمهنية أن تبني هؤلاء الشباب والشابّات البناء الدينيّ والعقائديّ والأخلاقيّ والتربويّ الصحيح، نحن علينا أن نبتدئ بالعوائل، قد الكثير من هذه المراكز لديها الإمكانات الفنيّة لكن ينقصها المال، غير صحيح إخواني أن نقول: إنّ على هذه المؤسّسات أن تتحمّل كلّ المسؤوليّة في بناء هؤلاء الطلبة والطالبات البناء الاجتماعيّ والتربوي والعقائديّ الصحيح وأنا ليس عليّ شيءٌ من المسؤوليّة، كما أنّنا -وهذا الشيء مطلوب- في أحد استثمارات هذه العطلة أن يدخل أبناؤنا وبناتنا دوراتِ التقوية في الدروس ونصرف الكثير من الأموال على ذلك -وهذا مطلوب-، أن يكون موسم العطلة الصيفيّة للتقوية في الدروس الخصوصيّة ونبذل جهودنا وأموالنا في بناء أبنائنا وبناتنا البناء الأكاديميّ العلميّ التخصّصي، ولكن أيضاً مطلوبٌ منّي أن أبني أبنائي وبناتي بناءً دينيّاً أخلاقيّاً تربويّاً، ليشعر بالمسؤوليّة ويبني شخصيّته البناء الناجح المتكامل للمستقبل، نحن أيضاً علينا مسؤوليّة كما أنّ العوائل تصرف الكثير من الأموال في هذا البناء عليها أيضاً أن تهتمّ وتصرف الكثير من أموالها في بناء أبنائها وبناتها هذا البناء المتكامل التربويّ والأخلاقيّ والعقائديّ والدينيّ.

خطر عظيم!!

الآن أبناؤنا وبناتنا في خطرٍ عظيم بسبب ما غزانا من كثرة هذه القنوات الفضائيّة وشبكات الأنترنت والتواصل الاجتماعيّ، فضلاً عن الألعاب الإلكترونيّة الجذّابة التي تجعل الكثير من أبنائنا وبناتنا يسهرون الى الصباح، لذلك علينا أن نهتمّ في مقابل هذا ببناء أبنائنا وبناتنا بناءً تربويّاً دينيّاً أخلاقيّاً، الذي من خلاله ينجحون في حياتهم النجاح المأمول، هذا ماذا يتطلّب؟ يتطلّب أن نتشارك جميعنا في المسؤوليّة بل كلّ جهةٍ في المجتمع، عائلة، إدارة مدرسة، جامعة، أساتذة، مدرّسين، مدرّسات، معلّمين، معلّمات، الكلّ يتحمّل هذا البناء واستثمار العطلة الصيفيّة في البناء الصحيح، نحن شَيَبَةُ هذا الزمان حينما كنّا شبّاناً شهدنا في ذلك الوقت، كانت الأجيال تهتمّ في العطلة الصيفيّة، البعض يذهب الى العمل لكي يجمع شيئاً من المال حتّى يساعد عائلته في تحمّل مسؤوليّة الحياة أثناء الدراسة، والبعض يذهب لكي يتعلّم مهنة وحرفة حتّى يستفيد منها مستقبلاً، البعض ينمّي مواهبه في مجالات متعدّدة، نحن كذلك نحتاج الى أن نتوجّه ونلتفت الى أهمّية هذا البناء في حياتنا، هذا أيضاً من الأمور المهمّة.

نعم نقطة أخرى -إخواني- نحن نقدّر أنّ هذا الطالب والإنسان بصورةٍ عامّة يحتاج الى فترةٍ من الترويح والترفيه، يُمكن للسفرات التي يتوجّه الكثير الآن اليها أن تكون سفراتٍ هادفة وناجحة، إمّا أن تأخذه للسفر والترويح للأماكن الدينيّة للتعرّف على سيرة الرموز الدينيّة في تلك الأماكن هذا واحد، إذا كنت في رحلةٍ سياحيّة تُطلعه على عظيم خلق الله تعالى كهذه الجبال وهذه النباتات وهذه الطبيعة الساحرة والجميلة، حتّى تكون السفرة هادفة وناجحة تُطلعه على عظيم خلق الله تعالى.

أيضاً أُلفت نظركم الى قضيّة مهمّة وأرجو الاهتمام بها والالتفات اليها، نحن التقينا مع عددٍ من الشباب خلال هذه الفترة، شباب بسطاء بعضهم طلبة وبعضهم موظّفون اهتمّوا بعملٍ تطوّعي خيريّ، التوجّه وتوجيه الطلبة والطالبات نحو الأعمال التطوّعية الخيريّة في العطلة الصيفيّة، بعض من الشباب اجتمع مع الآخرين وجمعوا شيئاً من المال البسيط، ثمّ توجّهوا الى عوائل الأيتام والفقراء والشهداء وساعدوهم بهذا المال البسيط لقضاء حوائجهم، بعض من أفراد المجتمع شاهد هذا العمل فعلاً وساعدهم ونتج عن ذلك كثيرٌ من الخدمات الإنسانيّة، لنعوّد هؤلاء الشباب والشابّات على الشعور بالمسؤوليّة وعلى روح التكافل الاجتماعيّ وأشجّعه وأحفّزه لهذه الأعمال، مثلاً العوائل تشجّع أبناءها على الذهاب والاشتراك في هذه الدورات، الآن في الكثير من المدن تُقام دوراتٌ لبناء شخصيّة الشابّ والشابّة، عائلة تشجّع وتحفّز أبناءها وتساهم في المشاركة في هذه الدورات وتشجّع أولادها وتحثّهم على هذه الأعمال الخيريّة وغير ذلك من هذه الأمور النافعة، أيضاً نأمل من إخواننا أساتذة الجامعات والمدرّسين والمدرّسات والمعلّمين والمعلّمات في آخر السنة أن يجتمعوا مع طلبتهم وطالباتهم لينبّهوهم على هذا الأمر المهمّ، ويقولوا لهم هذه الآن العطلة فرصة فاغتنموها، ويعلّموهم الأسلوب الصحيح لاغتنام هذه الفرصة، ويحذّروهم من سوء الاستخدام وسوء التوظيف لهذه العطلة، ويحذّروهم من الكثير من المواقع الإلكترونيّة المفسدة والضارّة عقائديّاً وأخلاقيّاً ويحذّروهم من الاستخدام السيّئ لهذه النعمة -نعمة العمر ونعمة الشباب ونعمة الفراغ- في عدم توظيفها فيما ينفع الشابّ والشابّة، نصف عمر الطالب في التعطيل ونصفٌ في الدراسة، المأمول من أساتذة الجامعات مدرّسين مدرّسات معلّمين معلّمات وعوائل أن ينبّهوا هؤلاء الطلبة والطالبات ويوجّهوهم، كما يصرفون الكثير من الوقت في التدريس والتعليم -جزاهم الله تعالى خيراً- كذلك ينبّهونهم على أهمّية استثمار هذا العمر وهذه الفترة من حياة الطالب، فترة الشباب المزدهرة يستثمرونها الاستثمار الحسن ويحذّرونهم من تضييع هذه النعمة وتضييع هذا العمر، إمّا في أمورٍ ضارّة وغير مفيدة أو أمور ليست بذات جدوى، لذلك إخواني هذه مسؤوليّة الجميع ولا يحقّ لأحدٍ أن يقول ليست عليّ مسؤوليّة، بل هي مسؤوليّة الجميع وهؤلاء الشباب أبناؤنا وبناتنا هم مستقبلنا الذي ننتظره، لذلك علينا أن نبنيهم البناء الصحيح والمتكامل مثلما نبنيهم بناءً علميّاً أكاديميّاً تخصّصيّاً، علينا أن نبنيهم بناءً عقائديّاً وأخلاقيّاً صحيحاً وتربويّاً صحيحاً واجتماعيّاً صحيحاً حتّى ينجح في حياته النجاح المأمول، فإنّ الحياة الناجحة لا تقوم فقط على النجاح في الجانب العلميّ الأكاديميّ أبدا ًبل هو جزءٌ من النجاح، النجاح الكامل حينما نبني شخصيّة الطالب والشابّ البناء المتكامل الذي يعتمد على المنهاج العلميّ والأكاديميّ والمنهاج العقائديّ والمنهاج التربويّ الاجتماعيّ والأخلاقيّ والأسريّ، كلّ هذه المجالات في الحياة إذا نجحنا في بناء أبنائنا وبناتنا وفق هذا البناء الصحيح أوّلاً والمتكامل ثانياً استطعنا أن نشكّل ونبني مجتمعاً ناجحاً ومزدهراً ومتقدّماً.

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لذلك وأن يُعيننا على ذلك إنّه سميعٌ مجيب، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.


* الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة ممثل المرجعية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائيّ (دام عزّه) التي أُقيمت يوم الجمعة (17 شوال 1440هـ) الموافق لـ(21 حزيران 2019م) في الصحن الحسيني الشريف.

2019/06/22
بيان المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف بمناسبة ذكرى فتوى الدفاع الكفائي

(أيّها الإخوة والأخوات... أقرأ عليكم نصّ ما ورد من مكتب سماحة السيد المرجع الأعلى (دام ظلّه) في النجف الاشرف بمناسبة ذكرى فتوى الدّفاع الكفائي):

في مثل يوم أمس الثالث عشر من حزيران من عام 2014م -أي قبل خمسة أعوام- انطلق من هذا المكان المقدّس نداءُ المرجعيّة الدينيّة العُليا وفتواها الشهيرة بوجوب الدّفاع الكفائيّ، حيث دعت العراقيّين القادرين على حمل السلاح للانخراط في القوّات الأمنيّة للدّفاع عن العراق وشعبه ومقدّساته أمام هجمة الإرهابيّين الدواعش، الذين كانوا قد اجتاحوا مساحاتٍ شاسعة في عددٍ من المحافظات وباتوا يهدّدون العاصمة بغداد ومحافظات أخرى أيضاً، فهبّ رجالُ العراق الأبطال شيباً وشبّاناً ومن مختلف الشرائح الاجتماعيّة، واندفعوا الى ساحات القتال بحماسٍ منقطع النظير وهمّةٍ لا توصف، وخاضوا لأزيد من ثلاثة أعوام عشرات المعارك الضارية بكفاءة عالية، تجلّت فيها البطولة بأروع صورها وأسمى معانيها، وقد قدّموا في هذا الطريق عشرات الآلاف من الشهداء وأضعاف ذلك من الجرحى والمصابين إنقاذاً للوطن الغالي وفداءً للحرمات والمقدّسات، حتّى منّ الله عليهم بالنصر المؤزّر وتمكّنوا من دحر الإرهابيّين وتخليص الأراضي المغتصبة من رجس المعتدين والقضاء على دولتهم المزعومة.

ولم يكن ليتحقّق هذا الإنجاز التاريخيّ العظيم لولا تكاتف العراقيّين وتلاحمهم وتوحيد صفوفهم، وتجاوز القوى السياسيّة لخلافاتهم وصراعاتهم، وتعاليهم على المصالح الشخصيّة والفئويّة والقوميّة والمناطقيّة أمام المصلحة العُليا للوطن والمواطنين من مختلف المكونات. بالإضافة الى تعاون الدول الشقيقة والصديقة ومساهمتهم الفاعلة في مساعدة العراق على دحر الإرهاب الداعشيّ.

ولكن بعد أن وضعت الحرب أوزارها وتحقّق الانتصارُ المبين وتمّ تطهير مختلف المناطق من دنس الإرهابيّين دبّ الخلاف من جديد -مُعلَناً تارةً وخُفْياً تارةً أخرى- في صفوف الأطراف التي تُمسك بزمام الأمور، وتفاقم الصراع بين قوى تريد الحفاظ على مواقعها السابقة وقوى أخرى برزت خلال الحرب مع داعش تسعى لتكريس حضورها والحصول على مكتسبات معيّنة، ولا يزال التكالب على المناصب والمواقع -ومنها وزارتا الدّفاع والداخلية- والمحاصصة المقيتة يمنعان من استكمال التشكيلة الوزاريّة، ولا يزال الفساد المستشري في مؤسّسات الدولة لم يُقابلْ بخطواتٍ عمليّة واضحة للحدّ منه ومحاسبة المتورّطين به، ولا تزال البيروقراطيّة الإداريّة وقلّة فرص العمل والنقص الحادّ في الخدمات الأساسيّة -باستثناء ما حصل مؤخّراً من تحسّنٍ في البعض منها- تتسبّب في معاناة المواطنين وتنغّص عليهم حياتهم، ولا تزال القوانين التي منحت امتيازاتٍ مجحفة لفئاتٍ معيّنة على حساب سائر الشعب سارية المفعول ولم يتمّ تعديلُها، كلّ ذلك في ظلّ أوضاعٍ بالغة الخطورة في هذه المنطقة الحسّاسة، وتصاعد التوتر فيها بعد فترةٍ من الهدوء النسبيّ لانشغال الجميع بالحرب على داعش.

إنّ استمرار الصراع على المغانم والمكاسب وإثارة المشاكل الأمنيّة والعشائريّة والطائفيّة هنا أو هناك لأغراضٍ معيّنة، وعدم الإسراع في معالجة مشاكل المناطق المتضرّرة بالحرب على الإرهاب، تمنح فلول داعش فرصةً مناسبة للقيام ببعض الاعتداءات المخلّة بالأمن والاستقرار، وربّما يجدون حواضن لهم لدى بعض الناقمين والمتذمّرين فيزداد الأمر تعقيداً.

إنّ تطبيع الأوضاع في تلك المناطق وتوفير الأمن فيها على أسسٍ مهنيّة تراعي حرمة المواطن وتمنحه فرصة العيش بعزّ وكرامة وتمنع من التعدّي والتجاوز على حقوقه القانونيّة يتّسم بالضرورة القصوى، وبخلاف ذلك تزداد مخاطر العود بالبلد الى الظروف التي لا تُنسى آلامها ومآسيها.

إنّ على الجهات المعنيّة بالملفّ الأمني أن تكون حذرةً جدّاً ممّا يُمكن أن يحدث نتيجةً للعوامل المشار إليها، وأن تتعامل بمهنيّةٍ تامّة مع هذا الملفّ المهمّ، وتولي عنايةً خاصّة للجهد الاستخباريّ لإحباط مخطّطات الإرهابيّين قبل تنفيذها، وتوفّر مراقبةً دقيقة للمناطق التي يُمكن أن تكون محطّةً لتحرّكاتهم، ولا تسمح بأيّ إهمالٍ أو تقصير في هذا المجال.

تحيّة إجلالٍ وإكبار للشهداء العِظام، وللأحبّة في أسرهم وعوائلهم، وللأعزّاء من المقاتلين الجرحى والمعاقين، وللرجال الأبطال في مختلف صنوف القوّات المسلّحة والأجهزة الأمنيّة الذين يسهرون على أمن الوطن واستقراره وحماية المواطنين والمقيمين.. نسأل الله تعالى أن يحفظهم ويسدّد خطاهم، ويأخذ بيد الجميع الى ما فيه خير البلاد والعباد إنّه أرحمُ الراحمين.

2019/06/15
ممثل المرجعية العليا: الرحمة فُقدت في الكثير من مواقع الحياة

أيّها الإخوة والأخوات نتعرّض في هذه الخطبة الثانية وما بعدها إن شاء الله تعالى لمجموعةٍ من المبادئ الأخلاقيّة الضروريّة للفرد والمجتمع، ونبدأ بجزئها الأوّل المتمثّل بمبدأ خلق الرحمة الإنسانيّة والتراحم الإنسانيّ بين أفراد المجتمع، ودور هذه الرحمة والتراحم في حياة الأسرة والمجتمع.

أيّها الإخوة والأخوات.. الرحمة والتراحم في مقابل القسوة والعنف والغلظة والخشونة والفظاظة، التفتوا الى هذا المبدأ الأخلاقيّ المهمّ والخطير والرفيع جدّاً، تأمّلوا أوّلاً ما هي أهمّية هذا المبدأ الأخلاقيّ العظيم، تأمّلوا في الآيات القرآنيّة، لله تعالى الكثير من الصفات والأسماء، البعض عدّ ما ذكرَه اللهُ تعالى من الاسم المشتقّ من الرحمة وصفة الرحمة وذكرها في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرّة، لماذا اهتمّ الله تعالى بذكر هذه الصفة والاسم بهذا العدد الكبير؟ بالتأكيد لأهميّتها، والكثير من الصفات الإلهيّة أساسها الرحمة من العطف والحنان واللّطف بالعباد، وغير ذلك من هذه الصفات التي ذكرها الله تعالى بهذا العدد أكثر من غيرها من الصفات الإلهيّة.

إحدى الصفات الأساسيّة للأنبياء والأوصياء وعباد الله الصالحين هي الرحمة، لاحظوا في وصف النبيّ(صلّى الله عليه وآله) مع أنّ فيه الكثير من الصفات، ماذا قالت الآية القرآنيّة؟ (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) ما معنى هذه الآية؟ معناها أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله) في جميع مناهجه في الحياة، طبعاً عدا المواضع التي تقتضي ما يقابل هذه الصفة ذاك بحسب الحكمة، إنّما في جميع مناهجه بالحياة وتعامله تجد فيه صفة الرحمة والعطف واللين والتودّد والرقّة مع الآخرين، وكذلك في الأحاديث التي وردت عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) وفي بيان مواصفات المؤمنين الذين كانوا مع النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، الأساس في العلاقات الاجتماعيّة بين المؤمنين الصادقين في ولائهم للنبيّ(صلّى الله عليه وآله) (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) لماذا ذكرت الآية الرحمة مع أنّ هناك صفات كثيرة لهم؟ تقول الآية: لأنّها هي الأساس في علاقاتكم الاجتماعيّة والنظام الاجتماعيّ الذي يُمكنكم من خلاله أن تؤدّوا وظائفكم في الحياة.

لاحظوا إخواني نحن الآن كلّ واحدٍ منّا يحتاج الى الآخر، الحياة حياتنا قائمة -كلّها اجتماعيّة اقتصاديّة معيشيّة- قائمة على التعاون والتآزر والتوادد والتعاطف، كلّ هذه الصفات منشأها وأصلها الرحمة، ولا يستطيع أيّ واحدٍ منّا مهما كانت له من المقوّمات والإمكانات لا يستطيع أن يؤدّي دوره ومهمّته ويوفّر احتياجاته ويواجه المشاكل والأزمات والمحن إلّا من خلال وجود هذه الصفات التي منشأها الرحمة لأهمّيتها، التفتوا أيّها الإخوة والأخوات أيضاً أودعها الله تعالى في فطرة الإنسان وفي أصل خلقته وتكوينه الإنسانيّ، الإنسان مهما كان مؤمناً أو غير مؤمن من دون صفة الرحمة لا يكون إنساناً بل هو مخلوق آخر.

لذلك أكّدت الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة على أهمّية أن يتحلّى الإنسان -فرداً أسرةً مجتمعاً- بهذه الصفة، التفتوا الى بعض هذه الأحاديث التي تبيّن ضرورة اتّصافنا بالرحمة في حياتنا، كلّنا حتّى الأنبياء والمرسلون بحاجة الى رحمة الله تعالى، فمهما أطعنا الله وعبدناه نحن بحاجةٍ الى رحمة الله تعالى، الله تعالى يقول إذا أردتم رحمتي ارحموا الناس، كما في هذه الأحاديث (لا يرحم اللهُ من لا يرحم الناس) أي إذا كنتم تريدون رحمتي التي تحتاجون اليها جميعاً إذن رحمتي لكم مشروطة بأن يرحم بعضكم بعضاً، وفي حديثٍ آخر (الراحمون يرحمهم الرحمان) انظروا ثلاث كلمات كلّها مشتقة من الرحمة: الراحمون، يرحمهم، الرحمان، وفي حديثٍ آخر (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، فلابُدّ من وجود صفة التراحم فيما بيننا، فلا تنتظم لنا الحياة إلّا من خلال هذه الصفة العظيمة وهي الرحمة.

والإنسان هو بمجموعة أمور -كما ذكرنا- رحمة وعدل وعقل وحكمة، الله تعالى وضع منظومةً فكريّة للرّحمة ليس دائماً الرحمة مطلوبة، في بعض الأحيان الشدّة والحزم والحسم والغلظة مطلوبة في موضعها وموقعها ووقتها، لكن نحن بصورةٍ عامّة في حياتنا الاجتماعيّة وفي مختلف مجالات الحياة بحاجة الى أن نتّصف بهذه الصفة، ولكنّها للأسف الشديد فُقدت في الكثير من مواقع الحياة، ونلتفت إخواني الى بعض أنواع الرحمة، أوّل رحمةٍ مطلوبة من الإنسان رحمة الإنسان بنفسه، أنّ الواحد منكم يرحم نفسه، كيف؟ أهمّ مصداقٍ من مصاديق رحمة الإنسان بنفسه هو أن يعصمها ويحفظها ويقيها من عذاب الله تعالى وسخطه، ويحفظ هذه النفس من شرورها ونوازعها الشريرة وتسويلاتها ورذائلها وموبقاتها، إخواني داخل كلّ نفسٍ من أنفسنا توجد نوازع شرّ وتوجد رذائل وموبقات ومشاعر شرّ فعلينا أن نحمي أنفسنا من هذه الدواخل ونعصمها من الوقوع في المعاصي.

والتفتوا الى هذه القضيّة، أخطر جريمة وأبشع جريمة بحقّ الإنسان أن يحرم الإنسان نفسه من حقّ الحياة، وهو المتمثّل الآن بشيوع ظاهرة الانتحار، هذه مشكلة الآن، هذا إنسان قاسٍ مع نفسه، الرحمة بالنفس تقتضي أن يعطي الإنسان لنفسه حقّ الحياة وأن يتنعّم بهذه الحياة بالطرق الصحيحة والشرعيّة والمعقولة، يأتي إنسان الآن في مشكلةٍ يمرّ بأزمة نفسيّة أو أزمة معيشيّة أو مشكلة عائليّة أو طالبة فشلت بالامتحان -مثلاً- لم تنل الدرجات المطلوبة، أو رجل لم يجد فرصةً للعمل والكسب أو واجه مشكلة عائليّة نفسيّة حياتيّة اجتماعيّة اقتصاديّة انتحر، تلاحظون الآن وتقرؤون في وسائل الإعلام كم انتشرت ظاهرة الانتحار؟ هذا يؤشّر الى خللٍ مجتمعيّ وخللٍ في مؤسّسات الدولة، إخواني من الأمور التي تؤشّر الى خللٍ في حياتنا الآن عدم اهتمامنا جميعاً لا مؤسّسات دولة ولا المجتمع يهتمّ بالبناء النفسيّ والمعنويّ والأخلاقيّ للفرد والأسر والمجتمع، كثيراً ما نشغل أنفسنا بالأمور الأكاديميّة والأمور الماديّة والمعيشيّة والدنيويّة وأهملنا جميعاً الجانب المعنويّ، وبناء الإنسان المعنويّ النفسيّ الأخلاقيّ الاجتماعيّ الذي يمثّل ركناً أساسيّاً في الحياة، كثيراً ما يكون اهتمامنا وصرفنا وتوجّهاتنا في القضايا الأكاديميّة والعلميّة البحتة، هذا شيء جيّد ولكن لابُدّ من التوازن وإعطاء كلّ شيءٍ حقّه ولابُدّ من الاهتمام بالبناء المعنويّ، تلاحظون كثرة حالات الانتحار بنت شابّة عمرها (18) سنة تنتحر، أو امرأة تنتحر لأنّها تواجه مشكلة عائليّة، شابّ ينتحر لأنّه لا يجد فرصة عمل، شخص يواجه مشكلة في عائلته في أسرته في مجتمعه ينتحر، هذا يؤشّر الى خللٍ مجتمعيّ علينا أن نهتمّ بالبناء المعنويّ والقيميّ والأخلاقيّ المبدئيّ للإنسان، كما نهتمّ بالبناء المادّي والدنيويّ علينا أن نهتمّ بهذه الأمور، لذلك هي مسؤوليّة الجميع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ...) قوا أنفسكم أوّل ما ابتدأ به، وقاية النفس تقتضي الرحمة بها والعناية بها وحفظها من الوقوع في المهالك.

الشيء الثاني: الذي نحتاج اليه أن نحوّل خلق الرحمة والتراحم بيننا الى نظامٍ للحياة وحالة مجتمعيّة وليست فرديّة، وسأذكر أمثلةً على ذلك كيف نحوّل التراحم الى نظامٍ للحياة، وعلى رأسها النظام السياسيّ أن يكون قوامه الرحمة والتراحم، ويتجلّى ذلك في الحاكم -أيّ حاكم من في يده أمور السلطة والحكم- أن تكون لديه رحمة في الخلق، الرحمة التي تدفعه بأن يفكّر ويهتمّ ويعمل لمصالح الأمّة وخدمتها وقضاء حوائجها، أي الرحمة المحرّكة أن تتحوّل هذه الرحمة الى منهج فكر وقرار وتحرّك ومنهج عمل، أن تقدّم مصالح الأمّة على المصالح الخاصّة، أنّ الحاكم -بمطلق عنوانه- يستنفر الطاقات بأجمعها لتحقيق الحاجات والعدل بين مكوّنات المجتمع، وخصوصاً الطبقات المستضعفة التي لا تقوى على توفير احتياجاتها الأساسيّة، من هنا البداية أهمّ شيء الرحمة والتراحم في الطبقة الحاكمة، لأنّ هذه الرحمة والتراحم إذا حصلت انتشرت الى الناس.

في بعض الأحيان أنا أرحم إخواني خمسة أو عشرة منهم، أمّا الحاكم إذا كانت لديه الرحمة انبسطت الرحمة على الملايين وانبسط العدل على الملايين، ولذلك على رأس قائمة الصفات والمقوّمات للحاكم الناجح الذي يحوّل مَنْ معه الى أدواتٍ لخدمة الناس والرحمة للناس والطبقات المستضعفة وبين جميع مكوّنات الأمّة، لذلك ورد في أوّل وصيّةٍ لأمير المؤمنين(عليه السلام) الى مالك الأشتر، وهناك الكثير من الوصايا في عهده الى مالك الأشتر إنّما أوّل وصيّة هي: (وأشعِرْ قلبك الرحمة للرعيّة والمحبّة لهم واللّطف لهم، ولا تكوننّ عليهم سبُعاً ضارياً تغتنم أكلهم فإنّهم صنفان...) الكلّ سواءً كان يشترك معك بالدين بالمذهب بالقوميّة أو لا يشترك معك لا بدين ولا بقوميّة ولا بمذهب (...فإنّهم صنفان: إمّا أخٌ لك في الدين أو نظيرٌ لك في الخلق)، ما معنى نظيرٌ لك في الخلق؟ معناه هذا إنسان كما أنّك إنسان، ارحمه مع قطع النظر عن انتمائه الدينيّ والمذهبيّ والقوميّ، فلابُدّ أن تكون الرحمة الصفة الأساسيّة في الحاكم.

التفتوا الى هذه الظاهرة المجتمعيّة التي نجدها قد بدأت تتّسع، رحمة الآباء بالأبناء ورحمة الأبناء بالآباء ورحمة الإخوة بالإخوة ورحمة الأخوات بالأخوات، الرحمة الأسريّة الأب لابُدّ أن يتّصف بالرحمة بالعناية باللطف، أن يحمي أفراد أسرته من الأمور التي تُهلكهم وتضيّعهم، وأن يوفّر لهم مقوّمات العيش الكريم بحسب الإمكانات المتوفّرة، لكنّنا نجد العجب من بعض الآباء كيف انتُزِعت الرحمة من قلوبهم، أنّ البعض يستخدم العنف والقسوة مع أولاده الصغار، حتّى أنّه يقتل طفله ويعذّب ابنته وابنه ويكويهم بأعقاب السكائر!! قد يقول أحد الآن نحن ماذا نعمل؟ ما هو الحلّ؟ هو أبٌ قاسٍ ماذا نفعل له؟ لا إخواني.. هذا الذي نقوله يجب أن يكون التراحم صفة مجتمعيّة وظاهرة مجتمعيّة، ماذا نفعل؟ علينا أن نراقب هذه الحالات ونحاول أن نكتشفها ونعوّض عن رحمة الأب برحمتنا لهؤلاء الأبناء، أحياناً -وهذا واقع الحال- أبٌ يقسو مع ابنه المعوّق وصاحب العاهة لأنّه أصبح عالةً عليه، نحن نذهب ونعوّضه، المجتمع يذهب ويعوّض عن قسوة الأب وقلّة رحمته، البعض يتحرّك ليكتشف هذه الحالة، البعض يتحرّك لكي يغدق الرحمة والعطف على هذا الإنسان وهذا الولد الذي قسا عليه أبوه.

أحيانًا الأبناء يقسون مع آبائهم، نجد أباً يجلس على كرسيّ المعوّقين، رُمي في الشارع وابنه غنيّ متمكّن، لأنّ زوجته لا تقبل به أو لأنّه أصبح عالةً عليه رماه في الشارع، يتكفّف الناس ونسي أنّ من أهمّ الصفات لدى الإنسان بعد الإيمان بالله تعالى هو الإحسان والبرّ بالوالدين، ماذا نفعل له هو ابنٌ متمكّن ولكنّه قاسٍ عاقٌّ بوالديه، ماذا نفعل؟ نتركه؟! لا إخواني.. نحن نتحرّك لكي نعطف على هذا الأب الكبير في السنّ الذي رُمي في الشارع فنعطف عليه ونتحنّن عليه، عسى أن يرحمنا الله وتصبح هذه الحالة حالة مجتمعيّة، نحن نتحرّك لا نقف ساكتين متفرّجين أمام هذه الظواهر.

أيضاً الأخ مع أخيه والأخ مع أخواته، البعض من الإخوة حوّل نفسه الى حاكمٍ متجبّر وسلطانٍ جائر بحقّ أخواته، يظلمهم ويغصب حقوقهم، كذلك الزوج والزوجة، رحمة الزوج بزوجته، الله تعالى جعل العلاقة والارتباط بين الزوج والزوجة علاقة المودّة والرحمة والسَّكَن، ولم يجعل الزوجة همّاً وغمّاً للزوج أو العكس، هذه من موارد الرحمة التي علينا أن نسعى اليها، وأيضاً التراحم والتعاطف بين أفراد المجتمع، هذا إخواني حديثٌ التفتوا له واحفظوه فهو مهمّ وينفعكم جميعاً، أنت إذا ترحم أخاك فالله تعالى يرحمك والمجتمع يرحمك، وإذا كنت لا ترحم فالله تعالى لا يرحمك والمجتمع أيضاً لا يرحمك (مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمَثَل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمّى)، التفتوا الى معنى هذا الحديث، الله تعالى يقول: أنا رحمتي وسعتكم جميعاً البارّ والفاجر، أنتم أيّها المؤمنون الذي تؤمنون به قلبكم فليسع الجميع لا يسع واحداً أو اثنين بل يسع الجميع، إذا أخوك أصابه همٌّ أو غمّ أو ألم ومشكلة كأنّ هذا الغمّ والهمّ والألم أصابك، هؤلاء انظر اليهم كأنّهم جزءٌ منك كما لو أنّه لسانك عينك قلبك يدك أو أيّ عضوٍ في جسدك إذا تألّم جميعك تتألّم، أنت انظر الى إخوانك الآخرين كأنّهم جزءٌ منك، الواحد منهم إذا عانى أو أصابه غمٌّ وهمّ أو أصابته مصيبة كأنّك أنت الذي أُصبت بهذا الألم والغمّ والهمّ، هذه الرحمة تدفعك أن تحاول أن تفرّج عن هذا الإنسان وأن تعينه وأن تساعده، لأنّك تتألّم لألمه ولأنّك تشعر بالحاجة -بحاجته-، (مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمَثَل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمّى)، هذا هو معناه قلبُك ورحمتُك تسع الجميع، لا يكن قلبُك قاسياً ترى أخاك المؤمن يتضوّر من الجوع أو من الألم ومن الفقر ومن المشاكل والأمور الأخرى وأنت تنظر اليه متفرّجاً، بل عليك أن تساعده بقدر إمكانك، إن كان ليس لديك مال فاسعَ بجاهك ومكانتك لتفرّج عن هذا الإنسان وتحلّ مشكلته وتعينه ليس مادّياً بل حتّى معنويّاً، لذلك صفة التراحم نحن نحتاجها جميعاً، إذا رآنا الله تعالى متراحمين أنزل رحمته وبركاته علينا.


*الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 3/شوال/1440هـ الموافق 7 /6 /2019م

2019/06/08
المرجعية العليا تدعو إلى وقف «ثقافة العنف»

اخوتي واخواتي سبق وان تكلمنا ببعض الامور التي قُلنا بانها تُحدث شرخاً في جدار الاسر الكريمة ولعلّنا ذكرنا بعض الامور منها من قبيل مثلا ً عدم الحياء الاخلاقي وعدم الحياء الفكري وجانب التفكك الاسري ووظيفة المجتمع والمعلم والمدرسة والاسرة وتحدثنا عن ذلك وذكرنا بعض الشواهد عليه.

اليوم ايضاً نُحب ان نتكلم عن مفردة وهذه المفردة ايضاً من المفردات التي تؤثّر علينا بشكل سلبي ألا وهي مفردة العنف ومقصودي من ذلك طبعاً العنف هي تلك الحالة التي يستخدم فيها الانسان غالباً عضلاته في بسط ما يريد وتجد هذه الحالة حالة العنف هي حالة بدائية وحالة غير حضارية وقد تتطور هذه الحالة الى حالة محاولة الاقناع القسري في بعض الافكار مثلا ً لكن الذي يعنيني منها بالدرجة الاساس هو ما نشاهده حقيقة في اوساطنا الكثيرة في الغِلظة بالتعامل واستعمال العنف في مجموعة كثيرة من حل بعض المشاكل.

المشاكل لا تُقضى بهذه الطريقة بالعكس قد طريقة العنف تؤدّي الى مشاكل مضاعفة.

الانسان في بعض الحالات يكون تحت يدهُ من هو أضعف منهُ اما ليس لهُ قدرة جسدية على مقاومته او يتوقع ان هذا نحو من الارتباط يُبيح لهُ ان يستخدم العنف.

مثلا ً صاحب معمل يستخدم العنف وقد يصل الحال الى الضرب مع بعض العمال يستغل حاجة العامل الى العمل فيستعمل معهُ طريقة العنف لإعتقادهِ بأن هذا العامل سيبقى ساكتاً يستغل ظرفه الاقتصادي يمارس العنف في حقهِ، زوج رباطه مع الزوجة يستعمل العنف مع الزوجة بحيث تصل حالة الضرب والادماء وبعض الحالات كثير ما نُقلت الزوجة الى المستشفى..

هذه حالة العنف والتربية على العنف تارة تكون حالة خاصة تُعالج وتارة تكون حالة بدأت تتكرر، الانسان ليس من السهل عليهِ كشخص ان في حالة الاستفزاز دائماً يلجأ الى الاساليب البدائية بالضرب او يحاول ان يفرض بعض الامور بطريقة فيها هذا الجانب العُنفي ولذلك هُناك حُلول وهناك مشاكل وقطعاً تشخيص المشكلة في غاية الاهمية لطرح الحلول.

لاحظوا اخواني التربية مهمة من الصِغَر وجميع ادبياتنا عرفية ودينية ان التعلم في الصِغر كالنقش على الحجر بمعنى انهُ لا يُمحى يبقى الى طول حياة هذا الشخص ما دام حيّاً، الان عندنا وسائل تربية تشجّع على مسألة العنف حتى داخل الاسرة.. يبدأ الطفل عندما يضرب اخاه تجد الاب يستأنس بهذه الحالة يعتقد ان هذه عملية لتقوية الشجاعة، الشجاعة قضية قلبية اخواني ليس لها علاقة بالعضلات الانسان الشجاع هو الانسان الذي له قلب يُقدم حيث الإقدام ويحجم حيث الإحجام..، استعمال العضلات دائماً اشبه بعملية خارج اللياقات الانسانية اصلاً فعندما يُعوّد هذا الاب ولدهُ على هذه الطريقة، لاحظوا تارة تربيه على استعمال العضلات حتى يتحمل الشدائد ويكون شخصاً قوياً هذا جيد لكن بلا اساءة للاخرين، تدرّب ولدك على مسائل فيها رجولة وفيها تقوية بأس هذا جيد بالعكس هذا مطلوب لكن لا تعوّدهُ على الاعتداء على الاخرين..

لاحظوا سأُعطي مثلين الان اغلب الاسر تعيشها..

اغلب الاُسر الان تمنع اولادها الصغار ان يلعبوا بالتراب سنتين ثلاثة اربعة خمس ست سنوات.. تمنعه اذا لعب في التراب تقوم الدنيا ولا تقعد الاب يصرخ والام تصرخ وشيء في البيت.. لماذا؟!! لأن هذا الثوب قد اتسخ مثلاً او هو ظهر بمظهر فيه تراب...، أنا لا اعرف اخواني من أين جاء هذا الرفض الى ان الطفل يلعب بالتراب.

تعلمون المثل المقابل ما هو؟! ان هذا الطفل يجلس امام بعض الشاشات وبعض الالعاب التي فيها قتل وسطو وسرقة والاب لا يكترث والطفل لا يكترث، يُعوّد ولدهُ على العنف ويغذي عقله على عقلية عنيفة، بينما الوضع الصحي والنفسي ان يلعب الطفل، هذه التربية عندما تكون معكوسة او جائتنا ثقافة مستوردة بلا ان نتأمل وبلا ان نفكّر اذن ما فعلته تلك الدولة صح فلابد ان نفعلهُ، تلك الدولة لو كانت دولة جيدة لحافظت على مجتمعها.. لا تصدّر الينا وسائل العنف ثم تأتي منظمات اخرى تحاول السيطرة على العنف ولا جدوى من ذلك، الطريقة خطأ المنهج خطأ نحنُ امة نمتلك ادوات صحيحة للتربية لماذا رفضناها وذهبنا الى اشياء اُخر.

انا لا اقول لابد ان نَغلق انفسنا بالعكس اقول لابد ان ننفتح لكن لماذا دائماً تتأثر لماذا لا تؤثّر؟! ماذا ينقصك؟! لكنك انت مهزوم امام حضارتك الحقيقية وامام اخلاقياتك الحقيقية انت مهزوم، تُنتج جيلا ً عنيفاً يتعوّد على القتل، الله خلق الانسان فقط ان يقتل وان يسطو وان يسرق وبدأت المجتمعات تضجّ بمشاكل من هذا والكل يعلم ان المشكلة أين لكن يغطي رأسه عن واقع القضية لا توجد جرأة حقيقية لمعالجة أصل المشكلة..

اذهب الان الى الاسواق واشتري لعبة لولدك ماذا تشتري لهُ؟

هذا العيد يأتينا ان شاء الله تعالى كُل استفتاءات الشرعية قضايا عُرفية لا تُطلقوا العيارات النارية، الكل يُعاند ويطلق العيارات النارية وبعض الناس تُروّع فضلا ً عن الاصابة هل يجوز أحد ان يُروّع أحد؟ وهذا كلام حتى امام مسؤولي الدولة هل يجوز احد ان يُروّع احد؟ بأي حق هذا الجار لابد ان يرتبك ولابد ان يتأذى عندهُ مريض عندهُ شخص نائم..، الانسان يفرح ويُسر نحتاج ان نفرح وان نُسر دائماً أيام بِشر وايام سُعد مطلوبة هذه لكن لا على حساب العنف اخواني..

لا اعرف من أين جاءت بعض الامور والكل نعم يتحدث لكن اذا حضر مجلساً كأن على رأسه الطير لا ينهى عن هذا الفعل ابداً، عندما يخرج تجدهُ ينقد الفعل لكن عندما يحضر بل يحضر برجله وهو يعلم ان ستُرتكب هذه الاشياء وينقل قدمهُ بشكل مؤدّب حتى يحضر ثم يخرج وينقد التصرّف..

لا اعتقد ان هذه القضية تبني اخواني، انا اتحدث والله بمرارة..

على المدارس وعلى الاسر الكريمة وعلى البيئة العامة ان تربي اطفالنا وشبابنا لا على هذه الطريقة من العنف والقتل..

طبعاً ادوات الاتصال الاجتماعي والتلفاز ومواقع تغذّي هذا المعنى عملية إلهاء لأكثر شرائح المجتمع وبالنتيجة تُفرز حالات كثيرة..، الشاب عليهِ ان يشعر بالتفائل وعليه ان يشعر بالأمل وعليه ان يترك اليأس هذا شاب امامهُ الحياة مفتوحة اذا انت تتركه سيقع بمشاكل اخلاقية وتربوية وسيقع بحالة يرى ان الدنيا مظلمة، بعض الشباب بدأ يُدخل نفسه بكسب مالي سريع حتى وان ورّط اهله وورّط اصحابه نتيجة غباء في التصرّف وعدم حكمة..، شاب عمره اقل من عشرين عاماً يريد ان يكون مليونيراً في أيام!! نتيجة ماذا؟! ترك الامور على عواهنها وعدم توجيه هؤلاء ثم تجد هذا قد انتحر وتلك الفتاة قد انتحرت وهذا الشاب ضاقت بهِ..

اخواني الوقاية خير من العلاج وهذا الكلام لمسؤولي الدولة ايضاً.. لابد ان تلتفتوا وتحموا المجتمع وتحموا الناس ثقافات هجينة ولدّت تصرفات لم تكن في البلد اصلاً لا يمكن ان نُعالج القضية بعد وقوعها، هناك حصانة مجتمعية لابد ان تكون وهناك برامج حقيقية قابلة للتطبيق وهذه مسؤولية الجميع لا استثني منها احداً..

العنف اصبح في كل شيء خمس او ست سنوات لا يعرف ان يلعب مع زميله الا في عملية عنف وينمو ويكبر على طريقة العنف ويبدأ الآن يستعرض اعراض العالم ويعتدي على الناس ويعتدي على الفقراء والبسطاء وقصدي الفقير الذي ليس لهُ احد..

أهذه طريقة؟!

نبدأ من اُسرنا الكريمة ونبدأ من اخواننا الذي يحمل حالة من المسؤولية حقيقة على ابنائنا هذه الطريقة غير صحيحة اخواني العُنف هذا ليس محلهُ والعنف ليس له علاقة بالشجاعة العُنف عملية بدائية فوضوية اشبه بشريعة الغاب منها الى الانسان..

الشجاعة شيء وهذا شيء آخر، الانسان يطمئن مع الشجاع والانسان يخاف مع العنيف بينهما بون بعيد هذا غير هذا لا تختلط الامور عندنا، نعم يستحب الانسان ان يُربي ولده على الشجاعة وعلى الرجولة وعلى مشاق الاعمال حتى عندما يضخه في المجتمع وهو مملوء من التجربة والكياسة ويكون عاملا ً نافعاً وهذا ليس لهُ علاقة بالعنف..، الجبان أجل الله السامع يلجأ للعنف..

نسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا واياكم وان يكون مجتمعاً مباركاً بعيداً عن كل الوان العنف السلبية التي تؤذي بحياة ابنائنا وشبابنا وان يتربوا على فضائل الاخلاق وهذا هو المأمول..

نسأل الله ان يوفقنا واياكم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.


*النص الكامل للخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة السيد احمد الصافي في 25/رمضان/1440هـ الموافق 31 /5 /2019م

2019/06/01