تعامل موظفي المستشفى وأثره
كتب السيد علي عاشور:
من أهم الأمور المؤثرة إيجاباً أو سلباً على المستشفى هي كيفية تعامل موظفي المستشفى والممرضات مع المرضى والزائرين، بل هو أهم من تعامل الأطباء أنفسهم، ذلك أن المريض لا يعايش الطبيب أثناء العمل الجراحي ليرى أهميته وخطورته لأنه غالباً ما يكون في حالة الغيبوبة، ولا يتعامل مع الجسم الطبي ونظامه، إنما المريض على تماسٍ مباشر مع الممرضات والمحاسبة هو مباشرة أو مرافقة ووليه، فبقدر ما ينسجم معهم ويرتاح نفسياً بقدر ما يعكس ذلك بعد خروجه ليكون داعياً إلى هذه المستشفى على حسن المعاملة التي رآها أو ليكون نذيرا شؤما عليها.
وقد شاهدت في بعض المستشفيات كلا النموذجين ـ السيء والحسن ـ نعم ما أدهشني ولم أسمع به في بلادنا أنني رأيت في أحد المستشفيات إحدى الممرضات تقوم بتنظيف أسنان مريضة عاجزة لا مرافق لها بفرشاة الأسنان، وقد تكون هذه الحالة مكررة في بعض المشافي، ولكني أورد ما رأيته وتعجبت منه، ولا أود ذكر المستشفى لكيلا يكون دعاية لها، وإن كانت تستحق ذلك.
لذا على مدراء المستشفيات ـ المدير الاداري أو الطبي ـ وضع نظام داخلي للعلاقات بين الممرضات والموظفين وبين المرضى، وفرض رقابة دائمة يومياً، بل في اليوم أكثر من مرة لمعرفة كيفية التعامل، وفرض جوائز للملتزمين بهذه الآداب الانسانية أو عقوبات مادية ومعنوية شديدة على المخالفين، وهذا من الأمور التي تضمن استمرار المستشفى وحسن سمعتها، وليس هذا كلامٌ نظري فحسب بل عشناه مع مجتمعاتنا في أكثر من مشفى وسمعنا الكثير من المدح لبعض المستشفيات وكثيراً من الذم للبعض الآخر سمعنا عن اهتمام الممرضات بالمريض وحسن معاملته وإعطائه الوجه الحسن والكلمة الجميلة وسرعة تلبية طلباته واستمرار دخولهن عليه ومراقبة حالته المادية والمعنوية ليلاً أكثر من النهار.
وسمعنا ورأينا سوء تصرف بعض الممرضات أو الموظفين وتعاملهم بالخشونة مع المرضى وعدم احترام الناس والمراجعين، وصعوبة تفاهم المريض مع المستشفى وقلة مراجعة الممرضات إلى غرفة المريض، خاصة ليلاً وعند احتياجه إليهن.
ولا مبرر لمثل هذه الأمور السيئة والتي ترجع إلى أمرين رئيسيين ينبغي على إدارة كل مستشفى العمل على تأمينهما والسعي لتطويرهما:
الأول: التعامل الأخلاقي النابع من القلب للإحساس بالمسؤولية الإنسانية.
الثاني: مراجعة تطبيق النظام الداخلي للمستشفى والتشديد على تنفيذه وعقاب مخالفيه.
أما الأمر الأول وهو الأهم فلابدّ للإدارة الكريمة من اختيار الممرضات والموظفين الذين يمتلكون الحس الإنساني العالي، الذي يفرض على الممرض أن يكون سنداً للمريض ومعيناً له لتخفيف ألمه ومعاناته.
الممرض الذي يكون أخاً للمريض إذا اشتكى منه عضو سهر عليه كالجسم الواحد لا ينام ولا يرتاح إذا وجد أو أحسّ بألمٍ في بقية الأعضاء، كما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام).
الممرض الذي يضع نفسه مكان المريض من باب: أحب لأخيك كما تحب لنفسك، ليتعامل مع المريض من داخل قلبه بالحب والحنان والعطف والعدل والإحسان.
الممرض الذي لا ينتظر نداء المريض أو رنّ الجرس بل يتوجه إليه من اختياره كل عشرة دقائق أو أكثر حسب مرضه، ليشعر المريض أنه تحت مراقبة تامة واهتمام فائق من المستشفى.
إن مهنة الطبابة مهنة شريفة تعتمد في الأساس على الحس الإنساني وحياة الضمير، آخر همّ الطبيب أو الممرضات الخلقي هو المال والجاه جرّاء خدماتهم الإنسانية.
وإننا وللأسف نجد في بلادنا العربية الحسّ الإنساني لدى جملة من المستشفيات وخاصة موظفيها وبعض أطبائها ومدرائها، ضعيفاً أو معدوماً، يتّجهون إلى تحصيل أكبر عددٍ ممكن من فرص التمريض وجمع المال والسعي وراء الجاه والسلطة، على عكس ما نجده في كثيرٍ من بلاد الغرب من اهتمامهم اللامتناهي بالإنسانية الطبيّة، واعتقادهم أن مهنة الطبابة مهنة يفرضها الضمير لا القانون وأخذ الأجرة.
إن ديننا وأخلاق أنبيائنا (عليهم السلام) تفرض علينا اتخاذ مهنة الطبابة مهنة إنسانية أخلاقية، كما أشار إلى ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) قال: كان يسمى الطبيبُ المعالجَ، فقال موسى بن عمران: يا رب ممن الداء؟
قال: مني.
قال: ممن الدواء؟
قال: مني.
قال: فما يصنع الناس بالمعالج؟
قال: يطيب بذلك أنفسهم فسمي الطبيب لذلك.
أجل على الطبيب ومساعده والممرض أو الممرضة وإدارة التمريض عموماً، تطييب نفوس الناس كل الناس لا الذين يأتون الى المستشفى والعيادة، وهذا فيه برنامج أخلاقي لسلوك الطبيب في المجتمع وكيفية تواصله مع الناس ومشاركته لهم في همومهم وأحزانهم وأفراحهم.
ولنأخذ نبينا عيسى (عليه السلام) قدوة في ذلك حيث كان يدور بنفسه على المرضى في بيوتهم ويعالجهم ويصف الدواء مجاناً لا يريد بذلك إلا وجه الله الكريم.
الأمر الثاني: تنفيذ مقررات المستشفى بخصوص موظفي التمريض، فان عند اختيار المستشفيات لموظفين عاديين إما نتيجة قلة الحس الإنساني لدى أكثر المتعلمين أو نتيجة عدم عناية المدارس لهذا الحس والتشجيع عليه، إضافة للأوضاع الأخلاقية المتدنية في مجتمعاتنا، وإما نتيجة كون الموظف قريباً لصاحب المستشفى أو الأطباء أو له واسطة أدخلته الى المستشفى أو العيادة.
فان هذا الاختيار ـ أو الجبر ـ يفرض على إدارة المستشفى وضع نظام أخلاقي لموظفيها يفرض عليهم برنامجاً متكاملاً لتعاملهم السلوكي في المستشفى وخارجها، لكيفية تعاملهم مع الناس المرضى وغيرهم، وكيفية كلامهم وسلامة منطقهم وحسن لقائهم للزوار والمراجعين، وسعة صدورهم لكل مشكلة أو كلام جافٍ يصدر عن المراجعين أو المرضى أنفسهم.
ولابدّ من التشديد على تنفيذ هذا الأمر وعقاب مخالفه وتهديده إذا استلزم الأمر حفاظاً على المستشفى ورعاية لحقوق الناس وحرمتهم.
ولابد من إخضاع الموظفين لدورات تدريبية لكيفية عملهم الإداري أو الأخلاقي، ولا بأس بالاستعانة بأساتذة الأخلاق والعلماء الأعلام للاستفادة من معين علمهم الذي اقتبسوه من فقه وأخلاق محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين).
بل من المهم إعطاء دروس أخلاقية في المستشفيات في كل شهر ليعيش الممرض أو الموظف أو الطبيب ومساعده في الأجواء الإنسانية والأخلاقية وليتذكر الطبيب ما يعرفه حول الأمور الأخلاقية، إذْ كل منا قابل للنسيان لكثرة المشاغل والهموم.
ولا يعيب الممرض أو الطبيب أن يستفيد من أصحاب الاختصاصات، فكما يحتاج الطبيب الى المهندس والخباز، وكما يحتاج المهندس والعالم للطبيب، فكذلك يحتاج الطبيب الى العالم الأخلاقي ليستفيد من مسائل يرجع نفعها المادي والمعنوي لنفس الطبيب أو المستشفى.
المصدر: آداب وقوانين الجسم الطبّي والنصائح عند أهل البيت (عليهم السلام)