[اشترك]
فالحجة في نظر العقلاء هي كل حقيقة تستوجب العلم واليقين، وليس للغة دور في ذلك سواء أنها وسيلة لنقل الحقائق، ومن هنا لا يعد القرآن خطاباً للإنسان بوصفه عربياً وإنما خطاب للإنسان بوصفه عاقل، فإذا افترضنا نزول القرآن بلغة أخرى لكانت حقائقه حجة على العرب كما هو حجة على غيرهم، وعليه فإن الجميع في قبال حجية القرآن في مرتبة واحدة حتى لو تباينت لغاتهم، ويعود الأمر في ذلك إلى طبيعة الحقائق العلمية والمعارف الإنسانية فهي بذاتها عابرة للزمان والمكان واللغة، ولذلك فإن المعارف الإنسانية واحدة لجميع البشر وبجميع اعراقهم ولغاتهم، ولم تعاني الإنسانية في ما يتعلق بتبادل العلوم والمعارف، فلو كانت الحقائق العلمية مرتبطة بلغاتها الأصلية لأصبح لكل لغة معارفها الخاصة التي لا يعرفها غيرهم، وعليه فإن نزول القرآن باللغة العربية لا يشكل عائقاً يمنع الآخرين من الوقوف على حقائق القرآن، فكما أن اللغة اليونانية لم تمنع العرب من التعرف على الفلسفات اليونانية كذلك لغة القرآن لا تمنعهم من الوقوف على حقائقه، وخير دليل على ذلك واقع المسلمين اليوم حيث نجد نسبة غير العرب أكثر بكثير من نسبة العرب.
ومع ذلك يبقى هنالك سؤال وهو: لماذا نزل القرآن بالعربية دون غيرها من اللغات؟ والاجابة على هذا السؤال يرتبط بمميزات اللغة العربية ولا ربط له بمبحث الحجية؛ وذلك لأن الحجية مبحث له علاقة بالدلالة بينما لغة النص له علاقة بمبحث البيان، ومع أن هناك تداخل بين الأمرين إلا أن لكل واحد مبحثه الخاص، فعلماء الأصول يبحثون الدلالة والحجية بينما يبحث علماء اللغة البلاغة والبيان، وقد بين علماء اللغة بالفعل مميزات اللغة العربية وسر افضليتها على جميع اللغات.