فإذا عرف الإنسان ذلك معرفة حقيقية بيقين غالب على قلبه، حصل ألم في النفس بسبب فوات المحبوب فإن القلب متى شعر بفوات محبوبه تألم، خصوصا إذا كان الفوات بسببه هو، ويسمى تألمه بسبب فعله الذي فوت محبوبه ندما، فإذا غلب هذا الندم على القلب واستولى انبعث من هذا الألم حالة أخرى تسمى إرادة وقصداً بأن يترك الذنب الذي كان يذنبه وبسببه فات المحبوب، وأن يعزم على عدم العودة إليه مستقبلا بان يعزم على ترك الذنب إلى آخر العمر، وأن يتلافى آثار الذنب من تبعات مالية أو قضاء عبادات وما شاكل مما ستتعرف عليه قريبا إن شاء الله تعالى .
فالعلم هو الأول وهو مطلع هذه الخيرات، والمراد من العلم الإيمان واليقين فإن الإيمان عبارة عن التصديق بأن الذنوب سموم مهلكة، واليقين عبارة عن تأكد هذا التصديق وانتفاء الشك عنه واستيلائه على القلب، فيثمر نور هذا الإيمان مهما اشرق على القلب نار الندم فيتألم به القلب حيث يدرك أنه صار محجوبة عن محبوبه كمن يشرق عليه نور الشمس وقد كان في ظلمة فيسطع النور عليه بانقشاع سحاب أو انحسار حجاب فرأى محبوبه وهو لا يقدر على الوصول إليه، فتشتعل نيران الندم في قلبه فتنبعث من تلك النيران إرادة لتدارك ما فاته، عله يحصل على مطلوبة فالعلم والندم والقصد المتعلق بالترك ثلاثة معان مترتبة في الحصول يطلق اسم التوبة على مجموعها، وكثيرا ما يطلق اسم التوبة على معنى الندم وحده ويجعل العلم كمقدمة له وترك الذنوب كالثمرة والنتيجة، وبهذا الاعتبار قال النبي صلى الله عليه وآله: (الندم توبة).
اذ لا يخلو الندم عن علم أوجبه وكان هو السبب له وعزم يثمره وينتجه. فيكون الندم محفوفة بطرفيه أعني العلم والإرادة المستتبعة لترك الذنوب.