المشهور بين الأعلام شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعاً-لولا ما نقل عن الجعفي من استحباب ذلك- عدم استحبابه؛ لعدم ورود ما يدلّ على مطلوبيته واستحبابه في خصوص القنوت!.
بل ذهب غير واحد منهم إلى الحكم بكراهته في قنوت الفريضة.قال صاحب العروة في مكروهات القنوت: يكره أن يمرّ بهم(اليدين) على وجهه وصدره عند الوضع. ولم يعلّق عليه الأعلام إلا بضرورة تخصيص الكراهة بقنوت الفرائض وحسب. (انظر-المستمسك ج6،ص510).
وحجة القائلين بالكراهة مكاتبة الحميري، فروي أنّ الإمام المهدي (عليه السلام) أجابه: ”ردّ اليدين من القنوت على الرأس والوجه؛ غير جائز في الفرائض…".
قال العلامة المجلسي (رحمه الله) تعليقاً عليه: قال الأكثر بعدم استحباب مسح الوجه بعده، وقال بعضهم باستحبابه مطلقاً، قال في المنتهى: هل يستحب أن يمسح وجهه بيديه عند الفراغ من الدعاء؟ قيل: نعم، ولم يثبت، وقال في الذكرى: ويمسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره، قاله الجعفي، وهو مذهب بعض العامة انتهى. والأحوط تركه في المكتوبة؛ للرواية من غير معارض.(بحار الأنوار،ج82،ص199).
ب-مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:لم يرد في النصوص الشريفة ما يدلّ على رجحان مسح الوجه بعد قنوت الصلوات المندوبة بالخصوص، وإنّما جاء ذلك بعد الدعاء مطلقاً، وهو باطلاقه شامل للقنوت في غير الفرائض.
روى الكليني رحمه الله تعالى بسنده عن ابن القدّاح، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال: ما أبرز عبدٌ يده إلى الله العزيز الجبار إلا استحيا الله (عزّ وجلّ) أن يردّها صفراً حتى يجعل فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدُكم فلا يردّ يده حتى يمسح على وجهه ورأسه.(الكافي ج2، باب أن من دعا استجيب له، ح2).
وطبقاً لهذه الرواية؛ أفتى جملة من الأعلام باستحباب مسح الوجه بعد القنوت في غير الفرائض حتى أنّ الحرّ العاملي (رحمه الله) قد عنون في الوسائل باباً باسم: (استحباب مسح الوجه والرأس والصدر باليدين عند الفراغ من الدعاء في غير الفريضة)، كما صرّح (رحمه الله) بذلك في تعليقه على خبر ابن القدّاح فقال: ذلك مخصوص بغير الدعاء في الفرائض. (وسائل الشيعة،ج7باب: 14).
قلتُ: لا يخفى أنّ الاستحباب مبني على قاعدة التسامح في أدلة السنن . أمّا من لم تثبت عنده القاعدة -كما هو الحال عند معظم المتأخرين من الفقهاء- فيؤتى بالمسح برجاء المطلوبيّة.
والخلاصة: إنّ مسح الوجه بعد الدعاء مكروه أو غير مستحب في خصوص قنوت الفريضة لا غير، ومستحبٌّ أو غير مكروه فيما عدا ذلك؛ لما روي من الحثّ عليه والترغيب فيه بعد الدعاء مطلقاً.