هل عادت قافلة السبايا يوم الأربعين؟ .. إجابة مفصّلة

آية الله السيد محمد صادق الروحاني (قدس)
زيارات:1826
مشاركة
A+ A A-
أولاً: لا شك لدينا في أن عودة موكب سبايا آل الرسول صلى الله عليه وآله إلى كربلاء ومعهم رؤوس الشهداء كانت في يوم الأربعين من نفس السنة التي استشهد بها الإمام الحسين عليه السلام وهي سنة 61 للهجرة، بعد أن نقلهم الأعداء إلى الكوفة وأمضوا فيها عدة أيام قبل أن يذهبوا بهم الى الشام.

اشترك في قناتنا ليصلك كل جديد

وقد ذكرت النصوص الواردة أنهم التقوا في ذاك اليوم الأليم عند عودتهم إلى كربلاء مع الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري الذي قدم من المدينة المنورة بعد استشهاد الإمام الحسين لزيارة قبره فكانت تلك الزيارة في تلك السنة هي أول زيارة أربعين للإمام الحسين عليه السلام في اربعينيته الأولى، ومن الثابت أيضاً أن زيارة الأربعين هي من الزيارات المعتبرة وقد ورد الحث في الأحاديث عليها حتى ورد أنها من علامات المؤمن الخمس، وهو ما حافظ عليه المؤمنون عاماً بعد عام.

ثانياً: إن الرأي المشهور والمعتبر عند الشيعة منذ القدم هو أنهم عادوا في تلك السنة ومروا إلى كربلاء في طريق عودتهم إلى المدينة المنورة، رغم وجود رأي قال به بعض قدماء علمائنا وهو احتمال أن لا تكون عودتهم في نفس السنة بل يرون أنه يمكن أن تكون في السنة التالية أو في وقت متأخر عن يوم العشرين من صفر وذلك استنادا إلى قرينة استبعاد أن تكون الفترة الزمنية كافية لهذه الرحلة الطويلة إلى الشام مع العودة إلى كربلاء.

ولكن هذا الرأي لا يمكن الاستناد اليه خاصة بعد ملاحظة وجود أدلة قاطعة تؤكد إمكانية قطعهم لتلك المسافات في الأيام التي ساروها بل على حصول ذلك فعلا انسجاما مع الروايات الدالة على ذلك، وفق البيان التالي:

أ‌- من الثابت أن جيش الأعداء قد اصطحبوا الأسارى والسبايا إلى الكوفة في اليوم الحادي عشر من محرم، واركبوهن على النياق (وهي الجمال) وقد ورد في بعض النصوص أنها كانت بلا وطاء، وقد دخلوا الكوفة في اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر من شهر محرم.

ب‌- تذكر النصوص التاريخية أن انطلاق موكب السبايا والأسارى نحو الشام كان في اليوم التاسع عشر من محرم وفي قول آخر كان ذلك في اليوم الخامس عشر منه وأن دخولهم الى الشام كان في اليوم الأول من شهر صفر، وهذا يعني ان مدة المسير من الكوفة الى الشام كانت حوالي 12 يوما على رواية، أو 17 يوماً على القول الآخر.

ت‌- من المعروف تاريخيا أنهم سلكوا في طريق الذهاب الطريق الأطول ابتداء من الكوفة نحو ما يعرف حاليا بشمال العراق حيث عبروا بغداد الى تكريت ثم الموصل وتلعفر، مرورا بنصيبين في الأراضي التركية حاليا، وبعدها الى الأراضي السورية الى الرقة وحلب (حيث مسجد النقطة) ثم إلى حماه وحمص ثم الى شرق لبنان حيث مروا بمدينة بعلبك واتجهوا بعدها شرقا نحو منطقة الزبداني وصولا الى مدينة دمشق من جهتها الغربية، لغاية أرادها الأعداء من استعراض قوتهم.

أما في طريق عودتهم من الشام إلى كربلاء فقد سلكوا طريقا أقصر وليس عامرا بالسكان كما هي حال طريق الذهاب، وهو قريب من حدود الأردن حالياً عبر مرورهم بالأنبار إلى كربلاء قبل أن يكملوا عودتهم نحو المدينة المنورة، بعد أن أمضوا أياما في الشام قدرها العلامة المجلسي بانها عشرة أيام، وهي الأقرب الى الواقع.

ث‌-  بملاحظتنا لمسافة الطريق الطويل من الكوفة الى الشام فإنه يبلغ وفق الحسابات المعروفة في زماننا حوالي 1900 كلم، وهذا يعني أنهم قطعوا يومياً ما بين 120 إلى 150 كلم. وهذا أمير يسير بالنسبة لسير الجمال.

ج‌- اذا لاحظنا أن الجمال لها قابلية السير لمسافات طويلة حتى بدون ماء، وأن معدل سرعتها كما يقول الخبراء في زماننا يصل في حده الأقصى ولمسافات ليست طويلة الى ما يقارب 65 الى 70 كلم في الساعة، وأما مع المسافات الطويلة فإن الجمال تستطيع ان تسير بمعدل 40 كلم في الساعة، وأن معدل السير البطيء للجمل هو ما بين 8 الى 10 كلم في الساعة، وهذا لا يزيد كثيراً عن سرعة الإنسان الماشي التي يسير بما معدله 5 الى 7 كلم في الساعة.

فإننا نلاحظ حينئذ أن القافلة قد سارت من الكوفة بسرعة اعتيادية جدا، فلم تكن بطيئة ولا سريعة وتقدر سرعتها بما بين 15 و20 كلم في الساعة، بمعدل يتراوح بين 8 و10 ساعات في اليوم ليس أكثر وهذا أمر اعتيادي أيضا ولا غرابة فيه، رغم  إمكانية ان يقطعوا تلك المسافة بزمن أقل لوجود نصوص تدلل على ان الأعداء كانوا يجدون بهن السير.

ح‌- أما فيما يتعلق بطريق العودة الى كربلاء، فلم يكونوا بحاجة إلى أكثر من خمسة أيام في رحلة العودة، ويبدو أنهم ساروا بسرعة أبطأ من سرعة الذهاب الاعتيادية، بعد أن غادروا الشام بعد العاشر من شهر صفر اذ لم يبقوا بها أكثر من عشرة أيام كما تشير الى ذلك بعض النصوص، ولا وجه لبعض النصوص التي تشير الى بقاءهم اكثر اذ لم يكن ليزيد من مصلحة في إبقائهم في الشام أكثر، خاصة بعد وفاة رقية وتقلب المزاج العام نتيجة خطبة زينب وكلام زين العابدين بحيث صار من مصلحته تعجيل إرجاعهم، فتكون النتيجة أن وصول السبايا ومعهم الرؤوس إلى كربلاء كان في يوم الأربعين من نفس تلك السنة، طبقا للنصوص الواردة ولا وجه لاستبعاد ذلك، كما وقع فيه بعض علماءنا السابقين لعدم التفاتتهم إلى تلك الخصوصيات التي أشرنا إليها.

*في 1 صفر 1439   استفتاءات مكتب سماحة السيد محمد صادق الحسيني الروحاني هامش: المقال رداً على سؤال: يُشكل علينا البعض بقولهم هل من المعقول أن تكون فترة السبي ورجوع سبايا أهل البيت عليهم السلام إلى كربلاء مدة أربعين يوما فقط، بحيث تقطع المسافة الطويلة من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام عبر شمال العراق وتركيا، مرورا بلبنان ومن ثم إلى الشام؟ وبعدها العودة الى كربلاء في يوم الأربعين ؟ أرجو التفضل بالإجابة مع التفصيل؟
مواضيع مختارة